أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - إبراهيم جركس - شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت]22 ((عَنْ ذُباب السوق))














المزيد.....


شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت]22 ((عَنْ ذُباب السوق))


إبراهيم جركس

الحوار المتمدن-العدد: 6709 - 2020 / 10 / 20 - 13:27
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يبدأ نيتشه فصله بنداء من زرادشت إلى تلاميذه للفرار إلى الوحدة ((فُرّ إلى وحدتك ياصديقي!)) وستتكرّر الدعوة إلى الوحدة ومديح العُزلة كثيراً خلال الفصول القادمة من هذا الكتاب، كما تمثّل ثيمة قارّة في العديد من كتابات نيتشه، كما في سلوكه وحياته. الوحدة إذاً إحدى الثوابت الأساسية في فضائل المفكّر الحقيقي لديه، يقابلها سلوك القطيع وتفكير القطيع. والتوحّد هو عزلة "المفكّر"، لا عُزلَة الناسك أو الراهب الذي يرفض الدنيا وينسحب منها، كما يتّضح ممّا يرد في الكثير من المواضع من كتاب زرادشت بدءاً من لقائه مع الناسك في طريق عودته من الجبل في مُستَهَل الكتاب إلى لقائه في الجزء الرابع من الكتاب بالمَلكين والعَلَقَة والظلّ والساحر والعاطل والمتسوّل الطوعي وأقبح إنسان... كما تخترق هذه الموضوعة مجمل كتاباته الأخرى، مثل كتابه "ماوراء الخير والشر" على سبيل المثال، العقلرة 284: ((...وليظلّ المرئ متمسّكاً بتملّكه بفضائله الأربع، فضيلة الشجاعة وفضيلة التبصّر، وفضيلة التعاطف، وفضيلة الوحدة. وذلك أنّ الوحدة فضيلةٌ عندنا، كنزوعٍ مقدّسٍ للنقاوة يجعلنا نحدس كيف أنّ احتكاك الإنسان بالإنسان _داخل المجتمع_ يؤدّي حتماً إلى التدنّس. فكلّ جماعة تجعل المرء بطرقةٍ ما وفي وضعٍ ما وفي وقتٍ ما "خَسيساً"))

((حيث تنتهي الوحدة تبدأ السوق العمومية))
إذن العزلة والوحدة أمران ضروريان، لكن ليس بالمعنى الحرفي للتوحّد فقط، بل أيضاً بمعنى الانفصال والاعتزال. وهذا الانفصال عن الآخرين _العاميين_ ضروري للفيلسوف أو المفكّر لأنّ كل رفقة تجعل الفيلسوف بطريقة ما "خسيساً" أو "عامياً"، أي يدفعه للابتعاد عن البحث عن كل ما هو نادر ونبيل. وبالنسبة لترجمة "عامّي" أو "دَنِس" أو "خسيس" جاء في ترجمة جيزيلا حجّار لكتاب "ماوراء الخير والشر"، من إصدارات دار الفارابي لنفس المقطع: ((إنّ الوصل بين إنسانٍ وإنسان، في المجتمع، ينطوي بلا مَنَاص على ما هو لا-نظيف. كل انتماء إلى جماعة ما _إلى العامّة_ يجعل المرء بطريقةٍ ما وفي محلٍ ما وآنٍ ما، "عامياً"))صـ272. ويورد الأستاذ علي مصباح ملاحظة هامشية حول ترجمة نيتشه واستخدامه لكلمات معيّنة ثمّ تلاعبه بها إذ يقول: ((إنّ عبارة gemein القربة سُلالياً/ لسانياً من عبارة gemeinschaft التي ترجمناها بـــ"جماعة" يمكن أن تفيد في الألمانية أيضاً: عمومياً، عاماً، ومَتاعاً مشتركاً. هكذا يجد القارئ نفسه امام تلاعب بالكلمات عزيز على نيتشه يمكنه من خلاله أن يُضَمّنَ العبارة الواحدة معاني مختلفة لكنّها متقاربة الدلالات في الآن نفسه)).

المهم هنا أنّ هذا القسم يشرح نفسه بنفسه إلى حدٍ كبير. فالخطاب موجّه إلى التلاميذ، الذين يعرفون الآن أنّ مهمّتهم ستكون اكتشاف نُبلهم الداخلي، وإعادة النظر في جميع القيم وتقييمها، والتغلّب على إغراءات العَدَمية وتوليد قيم جديدة. لكن ماهي علاقتهم بالمجتمع الجماهيري المعاصر؟

هنا، تتمّ الإشارة إلى مثل هذا المجتمع من خلال السوق، ومكان التجمّع المُصطَنَع، والتبادل الاقتصادي المؤقّت والمجهول، وتبادل الأخبار أو غيرها من السفاسف والمعلومات: عَرض صاخب وقذارة نتنة تجذب الذباب.

يقسّم زرادشت السوق إلى فئتين عريضتين: (الصّغار) الذين يتمّ تصويرهم هنا على أنّهم حشرات لاذعة _و(العظماء) الممثّلون أو المهرّجون، الذين يصدرون الكثير من الضوضاء والصخب. بمعنى، هؤلاء الذين يعتبرهم الصغار أو "الذباب" عُظَماء. كثيراً ما تستخدم الصورة المجازية للحشرات التي تصيب "الأنفس الحرّة" في الكتاب. وكلتا الفئتين تتميّزان بحاجتها للانتقام (حافز الدم) والحسد المثير للشفقة. الممثلون المسرحيون، والقادة الثقافيون والزعماء السياسيون والاجتماعيون في السوق، يجذبون الجماهير (الشعب) ويركضون خلف القيم الدنيوية الدنيئة (الشهرة)، إنّهم ذوي عقول لكنهم ليس لديهم "الوعي بالعقل". أي أنّ نَمَطَ حياتهم كموضوع لإرادة القوة مهيمن بما يكفي لدخول مرحلة الوعي كمبدأ أو واجب أو فضيلة، ومنحهم تأثيراً اجتماعياً وسياسياً _ولكنه مهزوزٌ ومُخَلخَل ولا يولّد أيّ اندفاع للبحث عن الثبات والاستقرار. تتكوّن قيَمَهُم وفضائلهُم من كل ما يساعد على لإقناع الآخرين: إنّهم ممثّلون بارعون، لكنّهم بشرٌ فاسدون. وبسبب محتواهُم المهزوز أو المُخَلخل /المتذبذب/ لاتزال قيمهم تفرض نفسها على أنها قيم "غير مشروطة" _أي أنّها تقدّم نفسها على أنّها قيم صالحة وفاعلة بغضّ النظر عن الظروف. وبالتالي، فإنّهم يطالبون بـالـــ"نعم" أو الـــ"لا". الإنسان الرفيع أو النبيل هو تذكيرٌ حيّ لجميع هؤلاء الصغار والفاسدين بزيفهم، وبالتالي: ((أنتَ الضمير القلق لأقربائك)).

فُرّوا إلى الوحدة والعُزلة: هكذا ينصحهم زرادشت. إنّ السوق _أي قيم الرأسمالية أو العمل أو الصناعة_ موجودة في كل مكان. تستلزم الفلسفة والتفكير والنّموّ الذات تفرّغاً والكثير من أوقات الفراغ، لتكون هذه الأمور والممارسات مُتاحة للتأمّل والإمعان فيها.

إنّ عقلية السوق هذه ليست مجرّد "نمط حياة" _شيء ما يمكن تغييره أو تبديله كمجموعة من الملابس_ بل بالأحرى تعبيرٌ وصيحَة ضمن مؤسّسات وقيم وعادات لنمط حياة الأوروبيين المعاصرين لنيتشه (والحاليين في زماننا هذا)، وهذا هو شأن العالم أجمَع.



#إبراهيم_جركس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت]21 ((عَنْ الصنم ال ...
- شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت]20 عن الحرب والشعو ...
- زرادشت و-موت الإله-
- شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت]19 عَن دُعاة الموت
- شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت]18 عَن شجرة الجبل
- شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت]17 عَن القراءة وال ...
- شرح كتاب -ماوراء الخير والشر-: (9)
- دليل نيتشه لتجاوز وجودك والتغلّب عليه
- الآخرة: غير قابل للوصف ديفيد إيغلمان (ترجمة إبراهيم قيس جركس ...
- -غريب- كامو: اللامبالاة تجاه العالم
- سيزيف: أسطورتنا الحية إلى الأبد
- شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت]16 عَن المجرم الشا ...
- شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت]15 ((عن صبوات الأف ...
- شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت]14 ((عن المُستَهين ...
- شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت]13 ((دُعاة الماورا ...
- شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت]12 عن منابر الفضيل ...
- شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت]11 خُطَب زرادشت: ع ...
- الآخرة: المرتدون
- شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت]10
- شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت]9


المزيد.....




- شهقات.. تسجيل آخر محادثة قبل لحظات من اصطدام طائرة الركاب با ...
- متسلق جبال يستكشف -جزيرة الكنز- في السعودية من منظور فريد من ...
- المهاتما غاندي: قصة الرجل الذي قال -إن العين بالعين لن تؤدي ...
- الهند وكارثة الغطس المقدس: 30 قتيلا على الأقل في دافع في مهر ...
- اتصالات اللحظات الأخيرة تكشف مكمن الخطأ في حادث اصطدام مروحي ...
- وزير الدفاع الإسرائيلي يشكر نظيره الأمريكي على رفع الحظر عن ...
- -روستيخ- الروسية تطلق جهازا محمولا للتنفس الاصطناعي
- الملك الذي فقد رأسه: -أنتم جلادون ولستم قضاة-!
- زلزال بقوة 5.8 درجة يضرب ألاسكا
- سماعات الواقع الافتراضي في مترو الأنفاق تفتح أفقا جديدا في ع ...


المزيد.....

- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - إبراهيم جركس - شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت]22 ((عَنْ ذُباب السوق))