|
الصعود الى الجنة … ! ( قصة قصيرة )
جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)
الحوار المتمدن-العدد: 6708 - 2020 / 10 / 19 - 10:28
المحور:
الادب والفن
كانت المدينة نصف نائمة ، والجو ممطر ، والرياح تعصف بما يقع امامها من اكواخ … فتطيح بمن لا مقاومة منها امام هذا الغضب المتفجر … وهم يجلسون في غرفة من بيت هو بالقبر اشبه … وسقف الغرفة ينز بالماء المتساقط … قطرة قطرة محدثا ايقاعا مملا يمزق الاعصاب … والعيون القلقة يكسوها الخوف ، والبنتين ، والولد الوحيد … صبيّة لم يبلغوا الحلم بعد … والام رغم ريعان شبابها ، وجمالها الا ان الهم ، وجفوة الحياة اسقطتا عليها شيخوخة مبكرة ! تقترح الام على طفلها ان يضع وعاءً تحت الاماكن التي يسقط عليها نزيز المطر حتى لا ينتشر الماء ، ويترطب المكان اكثر مما هو رطب … وعين الام على السقف ، ونظرات من الخوف ، والهلع ترتسم واضحةً على تعابير وجهها الجميل الذي شوهه الشحوب ، والتعب ، وسوء التغذية … واذناها مشدودتان الى طقطقة الخشب المنهك الذي ترتكز علية احمال هذا الكوخ الهرم ، ووجوههم البريئة تنطق بلغة صامتة … جلس ولدها هاشم القرفصاء دافناً وجهه بين ركبتيه … هاربا من الضجيج الذي تُحدثه السماء الغاضبة … والاطفال يرتجفون من البرد ، واصوات اصطكاك اسنانهم تُسمع بوضوح … والمطر يشتد ، ويكتسح طوفانه الغاضب كل شئ … والريح تصدر صوتا كالعويل ، والبرد يخترق اسمالهم ليحدث رجفةً في اجسادهم … فيتكور كل على نفسه محتويا اعضائه ، وكانه يلملمها خوفا عليها من الانفراط ، وقسمات الوجوه طافحةً بالهواجس … ثم يزداد وجه السماء تجهماً حتى تتضخم تلك اللحظة فتصير دهراً بانتظار المجهول … ! تتمتم الام ببعض الآيات ، وتقرء ما تحفظ من الادعية … قد تنسيهم قسوة الحياة … وهي تنصت لصرير الرياح … ووجهها لامعا بالدموع … ثم تسند راسها الى راحتها ، وكأنها تهرب من هاجس ما ، وقلبها يتقطع الما على اطفالها ، وعلى زوجها الذي غادر وسط هذا الهزيم يحدوه امل في تحريك من في قلبه رحمة ، ويؤوي عائلته حتى يمسك هذا المطر ، والزوابع … خوفا عليهم من ان يتداعى الكوخ عليهم ، ويدفنهم احياء … ! هامت الام في خيالها طاوية ذكرياتها الجميلة في ماض بعيد لم يكد يبقى من معالمه شئ … مسترجعة ايامها مع زوجها في بداية حياتهم ، وكيف كانوا في بحبوحة من العيش توفرها لهم سواعد زوجها الفتية ، والماهرة في تقطيع الخشب ، واعادة تشكيله الى تحف فنية نادرة من الاثاث الجميل ، والانيق … ومن ياتمن الايام ، والقدر ستسحقه اوهامه ، وتطيح به احلامه ، ولا يمكن للحلم الا ان يكون حلما يمكن ان تبدده الحقيقة في اية لحظة فيستحيل سرابا … هباءً … وهو ما جاءت به الايام من غدرٍ لم يكن في الحسبان … وفي عمر لحظة … اشتعل المتجر يوماً ، وعم اللهب ، واطاح بكل ما بناه زوجها في سنين ، وتداعى امام اعينهم في لحظات … وامتدت يد القدر الى احدى السواعد التي كان زوجها يعتبرها راسماله الاكبر فهشمتها الاحمال الساقطة من السقف الذي تداعى على من كان بداخله ، ولولا العناية الالاهيه لكان زوجها الان تحت التراب … وهكذا … تحولت حياتهم الى صحراء قاحلة … شظفاً ، وانتظارا … وتلاشت الاحلام مهزومةً امام الحقيقة ، وبعد ان صرفوا ما ادخروه من فائض مال ، ولم يتبقى الا القليل ، وزعوه بين هذا الكوخ المتداعي ، وعربة صغيرة يبيع عليها الخضار لسد الرمق … فهي لا تنسى منظر زوجها حابسا دموعه رغم لمعانها في عينية ، ومحاولاته تسكين الام لا تنتهي … وعندما يبكي الرجال فاعلم ان الحمل قد فاق الجبال … ! يعود الزوج مسرعا يسابق الزمن … متعثرا بالظلام … تغمره المياه ، والاوحال ، ويندفع الهواء البارد كالسياط يجلد جسده الضئيل ، وينخر عظامه ، وهو يسب ، ويلعن هذا المطر ، وهذا الليل البهيم … تُلوّن صوته نبرات بكاء الفرح بما حققه من اقناع جارٍ قديم وافق اخيرا ان يفرد مكانا لعائلته حتى تُفرج … وفي لحظة تمنى فيها ان يتوقف الزمن عن جريانه … يحملق مذعورا بمن كان بيتا له ، وزوجته ، واطفاله ، وتند عنه صرخة يطلقها غاضبة في وجه السماء تحمل كل ما تكور في نفسه من حزن ، وغضب … !
#جلال_الاسدي (هاشتاغ)
Jalal_Al_asady#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السكران لا يكذب ابدا … ! ( قصة قصيرة )
-
قادتنا … هم من ضيعونا !
-
ويعود الحب الى وصاله … ! ( قصة قصيرة )
-
قف ايها الزمن ، ما اتعسك … !! ( قصة قصيرة )
-
هل يمكن ان يدخل حصان طروادة الاخواني الى مصر عن طريق المصالح
...
-
حسن الختام … !! ( قصة قصيرة )
-
الحاجة سندس … ! ( قصة قصيرة )
-
ومن الجمال ما قتل … ! ( قصة قصيرة )
-
الاخوان … وبداية الانهيار !
-
حسون … ! ( قصة قصيرة )
-
غدر الصديق … ! ( قصة قصيرة )
-
قرينة الشيطان … ! ( قصة قصيرة )
-
اسماء تستحق التبديل … ! ( حكاية … من الواقع العراقي المعاصر
...
-
وجهة نظر حول التطبيع … !
-
الاخوان … وتوالي الاحباطات !
-
موهوب ، ولكن بطريقته الخاصة … ! ( قصة قصيرة )
-
المصيدة جاهزة تنتظر فأرا … !!
-
هل للسعادة من باب … ؟! ( قصة قصيرة )
-
سعيد ، ولكن … ! ( قصة قصيرة )
-
ابن زنا … ! ( قصة قصيرة )
المزيد.....
-
الحلقة الاولى مترجمة : متي يعرض مسلسل عثمان الجزء السادس الح
...
-
مهرجان أفينيون المسرحي: اللغة العربية ضيفة الشرف في نسخة الع
...
-
أصيلة تناقش دور الخبرة في التمييز بين الأصلي والمزيف في سوق
...
-
محاولة اغتيال ترامب، مسرحية ام واقع؟ مواقع التواصل تحكم..
-
الجليلة وأنّتها الشعرية!
-
نزل اغنية البندورة الحمرا.. تردد قناة طيور الجنه الجديد 2024
...
-
الشاب المصفوع من -محمد رمضان- يعلق على اعتذار الفنان له (فيد
...
-
رأي.. سامية عايش تكتب لـCNN: فيلم -نورة- مقاربة بين البداوة
...
-
ماذا نريد.. الحضارة أم منتجاتها؟
-
77 دار نشر ونحو 600 ضيف في معرض مكتبة الإسكندرية للكتاب
المزيد.....
-
الرفيق أبو خمرة والشيخ ابو نهدة
/ محمد الهلالي
-
أسواق الحقيقة
/ محمد الهلالي
-
نظرية التداخلات الأجناسية في رواية كل من عليها خان للسيد ح
...
/ روباش عليمة
-
خواطر الشيطان
/ عدنان رضوان
-
إتقان الذات
/ عدنان رضوان
-
الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد
...
/ الويزة جبابلية
-
تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً
/ عبدالستار عبد ثابت البيضاني
-
الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم
...
/ محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
-
سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان
/ ريتا عودة
-
أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة
/ ريتا عودة
المزيد.....
|