|
ما معنى -تحركت امريكا اللاتينية يسارا-؟
ايمانمويل والرشتاين
الحوار المتمدن-العدد: 1607 - 2006 / 7 / 10 - 11:19
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
النقاش الدائر عن الاتجاه اليساري لامريكا اللاتينية في السنوات الاخيرة يعكس تشوشا شاملا، على مستوى العالم، حول ما يعنيه ان تكون يساريا في القرن الواحد وعشرين. هذا التشوش موجود بين كل اجنحة وجهات النظر السياسية في العالم. هنك تفسيرات متباينة لهذا التشوش. السبب الاكثر وضوحا هو ان هناك اناس مختلفون يقيسون اشياء مختلفة باعتبار انها معايير التحول يسارا. السبب الثاني هو انه لا يوجد مثل هذا الاتجاه السياسي الذي يسير في خط مستقيم بشكل تام. انه يعكس دائما حالات صعود وحالات هبوط، ولكن لا يعني ذلك انه ليس هناك اتجاه عام له. والسبب الثالث ه، ان السياسيين يتكلمون عن سوء نية عدة لغات باختلاف جمهور المستمعين، ولكن لا يعني ذلك ان المرء لا يستطيع تمييز الحدود الدنيا لديهم.
الشئ الاول الذي يجب تمييزه بين تلك المعايير هو ما اذا كنا نتحدث عن مواقف نظام الحكم في القضايا الجيوبوليتيكية ام نتحدث عن سياساتهم الداخلية. بالطبع كلا الامرين على اتصال. ولكن رغم ذلك انظمة الحكم لا تكون بالضرورة منسجمة المواقف. بالنسبة لامريكا اللاتينية القضية الجيوبوليتيكية الرئيسية هي مواقفهم نحو الولايات المتحدة وعلاقاتهم بها. يبدو ان هناك سؤالا صغيرا بأن الغالبية العظمى من دول امريكا اللاتينية حول هذه القضية قد ابتعدت مسافة ملموسة عن الولايات المتحدة منذ عام ٢٠٠٠. يجب ان يسأل المرء فقط وزارة الخارجية الامريكية عن ذلك. انهم على علم تام بان صوتهم لم يعد مسموعا بالاحترام والخوف التي كان لها فيما مضى. هناك ما هو اكثر من موضوع نبرة شافيز المتحدية. نستطيع ان نرى ذلك حتى في التصرفات الملتهبة والاراء الصادرة من جناح الوسط في حكومة اكوادور الحالية. الواقع هو ان المرشحين اليمينيين بشكل مستقيم ما عادوا يكسبون اتتخابات بعد، باستثناء في كولومبيا. لم يكن الامر هكذا ببساطة منذ عقد مضى.
الامر الثاني هو ان تنظر الى مواقف انظمة الحكم المتنوعة حول القضايا المتعلقة بمنظمة التجارة العالمية، وصندوق النقد الدولي، والمقترحات المتعددة باتفاقيات التجارة الحرة التي تطرحها الولايات المتحدة. اذا ما كانت مفاوضات منظمة التجارة العالمية قد تعرقلت، واذا ما كانت اهتمامات صندوق النقد الدولي هي اقل مما كانت عليه منذ عقد من الزمان، واذا ما كانت الولايات المتحدة لا تستطيع الحصول على شئ من منطقة التجارة الحرة بين الامريكتين المقترحة، فذلك يعود في جزء كبير منه الى حكومات "يسار الوسط" المتعددة في امريكا اللاتينية التي وضعت العقبات في طريق تلك المؤسسات. هذا ليس من صنع كوبا ولكنه صنع البرازيل والارجنتين. حتى في بيرو، الان جارسيا، الرئيس المنتخب حديثا ومن جناح الوسط تماما والذي هزم اولانتا هيومالا (الذي يتبناه شافيز علانية)، قال في اول اعلان له بعد الانتصار انه سوف يقوم بمراجعة انتقادية لكل فقرة من اتفاقية التجارة الحرة ثنائية الاطراف التي كانت تتفاوض حولها الحكومة السابقة مع الولايات المتحدة.
هؤلاء الذين ينتقدون الانظمة الحاكمة الجديدة في امريكا اللاتينية من اليسار يميلون الى التشديد على ما تفعله تلك الانظمة داخليا اكثر من مواقفها الجيوبوليتيكية. هناك العديد من القضايا "الداخلية" الحساسة. القضية الاولى هي ما يسمى السكان الاصليين. تلك هي قضية سياسية في امريكا اللاتينية منذ ما يزيد عن قرنين. ولكن اليوم فقط هناك بداية لحل القضية من خلال الاعتراف بحقوقهم. ويعود ذلك في جزء كبير منه الى نتيجة الوعي المتزايد والتعبئة السياسية لاولئك السكان.
يتباين هذا بالطبع من بلد الى اخر. وقوة السكان الاصليين تتعلق جزئيا بوزنهم الديموجرافي. انتخب العديد من المرشحين من السكان الاصليين في انتخابات عدد من البلدان. كانت التعبئة السياسية لهم عاملا حاسما في انتخاب ايفو موراليس في بوليفيا ، الذي كان هو نفسه من تلك الاصول العرقية. وكذلك تعبئتهم السياسية جعلت من الصعب في الاكوادور ان يظل النظام الحاكم محافظا على طبيعته السياسية اليمينية التقليدية. بالكاد نحتاج الى ذكر حالة المكسيك الواضحة، التي تعيش الان وتمضي بها الامور من خلال سياق وضع قد تغير بشكل جوهري بواسطة تمرد الزاباتيستا. حتى في البلاد التي يشكل السكان الاصليين نسبة صغيرة من السكان مثل شيلي، اصبح كفاحهم الان قضية كبرى يجب ان تعاملها الحكومة بالانتباه الواجب.
القضية الثانية، وهي غالبا تتحالف بقوة مع القضية الاولى، هي قضية الاصلاح الزراعي. هنا يجد اليساريون الذين ينتقدون مفهوم التحول اليساري في امريكا اللاتينية ربما اقوى منطق لهم. الحقيقة هي ان حزب العمال البرازيلي قد انقلب فعليا على وعوده التي قطعها على نفسه بتنفيذ بعض الاصلاحات الملموسة في هذا الصدد. و، بالتالي، داعمه الاكبر، حركة الفلاحين بلا ارض، قد ابتعدت بعيدا عن تأييد الحزب. ولكن الحكومة البوليفية الجديدة كانت قد اعلنت توا انها سوف تتحرك قدما نحو الاصلاح الزراعي. لو فعلت ذلك، سوف يخلق تحركها هذا انتعاشا كبيرا لمثل هذه الحركات في بلدان اخرى.
القضية الداخلية الثالثة هي السيطرة على مصادر الثروات الطبيعية (ليس فقط التعدين والطاقة ولكن المياة ايضا). هذا لا يعني دائما بشكل مستقيم تأميم هذه الثروات ولكنه يعني بالتأكيد درجة ملموسة من سيطرة الدولة واحتفاظ الامة بقدر ملموس من الدخل العائد من استغلالها. هنا ايضا، قليلا قليلا، رغم انه دائما ما يكون بشكل بطئ، هنا قدر ما من الحركات. يحتاج المرء فقط لقراءة الصرخات المنادية بالحماية ليرى ان ذلك الامر هو حقيقة تعرف الشركات المتعددة الجنسيات انها يجب ان تصل الى تسوية فيها اليوم. في العقود الماضية، كانوا يستطيعون فقط ترتيب انقلابات مواليه لهم. اصبحت الانقلابات الان امر صعب جدا، كما اظهرت فنزويلا ذلك.
القضية الداخلية الرابعة هي الدرجة التي سوف تقوم انظمة الحكم الجديدة بوضع مخصصات ملموسة من الموارد الاضافية للتعليم على كل المستويات ومخصصات للهياكل المتعلقة بالصحة. هنا ايضا، كما في قضية الاصلاح الزراعي، كانت النتائج لحد بعيد محدودة، رغم ان احد الاسباب قد كان نقص الموارد الحكومية، وهو السبب الذي يمكن التغلب عليه بتدابير اخرى في مجالات اخرى. علينا ان نعلق حكمنا في هذه القضية.
اخيرا، هناك مسألة الدرجة التي سوف يكبح فيها جماح العسكريين من التدخل المباشر في مؤسسات اتخاذ القرار القومية. امريكا اللاتينية اليوم هي مختلفة جدا حقا عن تلك الفترة، السابقة ليس من زمن طويل، التي سادتها الانقلابات العسكرية المدعومة من قبل الولايات المتحدة، والانظمة العسكرية التي تخصصت في التعذيب. حقا، وعود العفو عن الجرائم التي ارتكبها العسكريون التي رتبوها لانفسهم بينما هم يعودون الى القشلاقات، يتم التراجع عنها حاليا ببطء وبعناية حقا ولكن حتى تلك المرحلة بنجاح تام.
لذا، ما هي الصورة الكاملة؟ امريكا اللاتينية بالتحديد قد تحولت يسارا من الموقع التي كانت عليه. هل هذا سوف يستمر ويتضاعف في العقد القادم ام لا فتلك وظيفة كل من الصورة الجيوبوليتيكية التي تتشكل حاليا للعالم وللدرجة التي سوف تحافظ الحركات الاجتماعية اليسارية في انحاء امريكا اللاتينية على تماسكها ووضعها لبرامج مفهومة بوضوح امامها. ZNet - كفاية زي نت العربية 15 يونيو 2006
#ايمانمويل_والرشتاين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صوفيا ملك// لنبدأ بإعطاء القيمة والوزن للأفعال وليس للأقوال
...
-
الليبراليون في كندا يحددون خليفة لترودو في حال استقالته
-
الشيوعي العراقي: نحو تعزيز حركة السلم والتضامن
-
كلمة الرفيق جمال براجع الأمين العام لحزب النهج الديمقراطي ال
...
-
الفصائل الفلسطينية تخوض اشتباكات ضارية من مسافة صفر وسط مخيم
...
-
الجيش اللبناني: تسلمنا مواقع عسكرية من الفصائل الفلسطينية
-
مباشر: حزب النهج الديمقراطي العمالي يخلد ذكرى شهداء الشعب ال
...
-
مظلوم عبدي لفرانس24: -لسنا امتدادا لحزب العمال الكردستاني وم
...
-
لبنان يسارع للكشف عن مصير المفقودين والمخفيين قسرا في سوريا
...
-
متضامنون مع «نقابة العاملين بأندية هيئة قناة السويس» وحق الت
...
المزيد.....
-
نهاية الهيمنة الغربية؟ في الطريق نحو نظام عالمي جديد
/ حامد فضل الله
-
الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل
/ آدم بوث
-
الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها
...
/ غازي الصوراني
-
الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟
/ محمد حسام
-
طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و
...
/ شادي الشماوي
-
النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا
...
/ حسام عامر
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
/ أزيكي عمر
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
المزيد.....
|