|
العولمة والسلعة والمرأة
صبيحة خليل
الحوار المتمدن-العدد: 1607 - 2006 / 7 / 10 - 11:17
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
لقد بات العالم الرأسمالي يهتم أكثر من أي وقت مضى بصناعة السلعة، التي غدت لغة هذا العصر،حيث أصبح المجال متاحاً لمعظم قاطني المعمورة الاطلاع على جميع ما ابتكره العالم في مجال تقنيةٍ ما واختيار الأفضل والأجود والأوفر، وذلك بفضل ثورة المعلومات التي حوّلت العالم إلى فضاء ٍ بلا أسقف أو جدران، و من هنا يمكننا أن نسمي هذا النمط من الثقافة التي تروّج لها الرأسمالية بالثقافة السلعية باسم آلة عملاقة تدعى )العولمة( ويبدأ هذا الاهتمام من لحظة اختيار المادة الخام، والاستحواذ عليها، والسيطرة على مكامن ديمومة مصدر هذه المادة. وكذلك الأمر بالنسبة للتصنيع المتقن للسلعة وانتهاءً بفنون إخراج السلعة بالصورة الأكثر جاذبية للنظر، ولا يخفى على أحد الاهتمام بالترويج والإعلان والنفقات الخيالية التي تنفقها الشركات المنتجة في هذا الجانب الذي هو العصب التسويقي للمادة المنتجة، فإما أن تكون السلعة طاغية أو تسقط بمجرد وجود خلل ما. إذاً، هل نقول إن نبوءة داروين قد تحققت بالنسبة للتصنيع أيضاً حيث قال: "البقاء للأفضل" أم هي نبوءة ماركس حول الرأسمالية والمضاربات الاقتصادية. ربما كان ذلك صحيحاً، وقد لا نستغرب أن يأتي يوم ، نجد فيه سكان العالم يلبسون زيّاً موحداً من إنتاج مصنع رأسمالي واحد، استطاع أن يهزم كل من في العالم من منافسين وخصوم، ويفرض بذلك قوانينه وشرائعه أيضاً وهذه نبوءة ماركس حول الرأسمالية ودورها في إعادة تصنيع وتوحيد العالم. أما المرأة... فهي غير مستثناة من المعادلة السلعية، وإعادة التصنيع واستخدام أساليب الإشهار والدعاية وإعادة هيكلتها باستمرار في مخابر التجميل، وتقديمها كسلعة ضاربة في شركات صناعة الجنس العالمية، فعلى غرار باقي السلع يعالج جسد المرأة بالليزر والسيليكون ومراهم وكريمات التنحيف وعمليات الشفط والشد ...إلخ. إن هذه الاختراعات التي ابتدعها المجتمع الذكوري، تتقمص في كثير من الآحايين صوراً غير التي أوجدت لأجله، كالارتقاء بالحس الجمالي وغيره من الحجج الغير مقنعة، وكل ذلك يمكن أن يختصر أمام أقنية الجنس المفتوحة على العالم بأسره، التي تقدم المرأة بصورة سلوك حيواني مهين في أغلب الأحيان... إذاً، ما العمل ...؟! وكيف يمكن للمرأة الشرقية المكبّلة بآلاف القيود أن تواجه فجاحة هذه الصور، تلك التي ولجت غرف النوم بلا تذاكر دخول، وتخلف ضحاياها في حيرة شديدة في أعشاش الزوجية، لينهلوا ثقافةً يصعب تماثلها... وبما أن الرجل يشعر دوماً بتفوقه على المرأة فيسهل عليه خلع عباءته الشرقية. وإلقاء اللوم على المرأة واتهامها بالبرود والسلبية وقد يخطر له الكثير من الخواطر ولا يتردد في نقد تفاصيل جسد زوجته.. وخصوصاً وإن الوجه الآخر للمقارنة هن بطلات أفلام السيكس اللواتي صنّعن بإتقان في مخابر التجميل، مدعمات بالسيليكون والعمليات التي أجريت عليهن من نفخ وتشفيط. وحتى إن بعض الفضائيات العربية، ومن مبدأ مواكبة عصرالعولمة، تراها لا تتورع عن عرض برامج مطولة عن مثل هذه التحويرات وإعادة التصنيع السلعي للمرأة في المعسكرات التجميلية وكان لمجموعة الـ mbc الأسبقية في تقديم أشهر برنامج من إنتاج أمريكي يدعى The Swan .بطلاته كما تعرضن في بداية الحلقة قبيحات غير راضيات عن أنفسهن، وغالباً ما يكون السبب الضغوط النفسية التي تعانينها هذه النساء من محيطها الاجتماعي (الزوج بالدرجة الأولى) فتلجأ هذه النساء إلى ملكوت هذا البرنامج الذي ينتج ملكات جمال اصطناعيات، حسب المقاييس والمواصفات التي تمكن صاحبة الحظ السعيد من العمل كعارضة في نهاية المطــــــــــــــــاف. أمام هذه المنظومة الوافدة من الثقافة الاستهلاكية... كيف يمكن للمرأة في شرقنا أن تحافظ على قيم راسخة تؤمن بها، وبين قيم دخيلة لا تؤمن بها.. هل يمكن للمرأة أن تؤثر في خلق القيم لدى الرجل الذي ربما ينجرف مع السيل فيختار أحد أمرين، إما أن يحمِّل زوجته عبئاً نفسياً في حاجتها إلى تغيير شكلها ومظهرها، أو أن يحنّ إلى عصر الجواري والسراري حين كانت حضارتنا الإسلامية تفاخر الغرب فيما ملكت أيماننا. لذلك فلا غرابة من ازدياد حالات الطلاق، حتى في المجتمع الكردي الذي كان الطلاق فيه شبه معدوم، باتت هذه المشكلة تطفو على السطح... وكذلك ازدياد حالات الخيانة الزوجية من الطرفين ولكن الوتيرة عند الرجل أعلى، بالإضافة إلى ظاهرة تعدد الزوجات، تلك الظاهرة التي كانت آيلة إلى الزوال وبدأت تعود مجدداً، بحكم رغبة الزوج في تجديد خبراته، وخصوصاً أن هناك دعماً قانونياً وشرعيا حيث أن: "كل شيء في الدنيا متاع... وغير متاعٍ في الدنيا الزوجة الصالحة". وبحسب إحصائيات الأمم المتحدة فإن الاتجار بالإنسان (النساء والأطفال) لأسباب جنسية يشكل مصدر الربح الثالث لأصحاب الجريمة المنظمة على الصعيد العالمي بعد المخدرات والأسلحة، وكذلك وحسب المصدر نفسه فإنه هناك خمس ملايين إنسان ضمن ضحايا الرقيق الأبيض حول العالم، إذاً ففي عالم الأرقام الكل رقم، ولكن ليكن رقم المرأة والرجل على نفس السوية الإنسانية، وقتها لا حاجة للقلق أما عندما تهبط درجة إنسانية المرأة بحكم استغلالها جنسياً وتحويلها سلعة إما رابحة في أسواق الجنس، وإما خاسرة في مؤسسات الزواج، فهذا ما يستوجب وقفة أبعد إنسانية من الإنسانية الحالية التي يدعيها المجتمع الذكوري.
#صبيحة_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جز رؤوس واغتصاب وتعذيب.. خبير أممي يتهم سلطات ميانمار باقترا
...
-
في ظل حادثة مروعة.. مئات الجمعيات بفرنسا تدعو للتظاهر ضد تعن
...
-
الوكالة الوطنية بالجزائر توضح شروط منحة المرأة الماكثة في ال
...
-
فرحة عارمة.. هل سيتم زيادة منحة المرأة الماكثة في البيت الى
...
-
مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %
...
-
نيويورك تلغي تجريم الخيانة الزوجية
-
روسيا.. غرامات بالملايين على الدعاية لأيديولوجيات من شأنها ت
...
-
فرنسا: مئات المنظمات والشخصيات تدعو لمظاهرات مناهضة للعنف بح
...
-
السعودية.. إعدام شخص اعتدى جنسيا على أطفال بالقوة وامرأة هرب
...
-
تطبيق لتوزيع المهام المنزلية وتجنب الخلافات داخل الأسرة
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|