|
القرن الجلائري في العراق توسط قرني الاليخانات والخرفان السود
عدنان يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 6706 - 2020 / 10 / 17 - 15:38
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
انهارت الدولة الجلائرية بعد ضعفها الشديد بسبب تردي الوضع الاقتصادي الذي فاقمته حوادث سيئة عديدة منها غزو الجراد للعراق و انتشار الوباء (الطاعون ) سنة 743 هج ثم عودته الى الانتشار مرة اخرى سنة 749 هج ، رافق ذلك غلاء فاحش ارهق الناس . ثم جاء فيضان دجلة سنة 755 هج الذي ادى الى تهدم البيوت والمباني العامة .وحدث ان غزا تيمولنك بغداد سنة 795 هج ثم غزاها ثانية سنة 803 هج ، ورغم محاولات الحكومة للتخفيف عن الناس بمنحهم مساعدات وتعويضات وسن قوانين لمكافحة اللصوصية وضرب الخارجين على القانون الا ان ذلك لم يجد نفعا فقد كان الاضطراب السياسي متفاقما لدرجة لم تنفع معه كل الاجراءات الحكومية للاصلاح . اضافة الى ان السلطان حسين الثاني (آخر سلاطين الدولة الجلائرية) كان ضعيفا وحين قامت الثورة ضده نقل العاصمة من بغداد الى الحلة ليقتل فيها هو وامراء الدولة الجلائرية كافة ، وتحل محلهم دولة الخرفان السود التركمانية (القرة قوينلو) سنة 836 هج ***** ***** ***** اسس تاج الدين ، الشيخ حسن بزرك ، الدولة الجلائرية في العراق سنة 738 هج ، على انقاض الدولة الاليخانية التي سقطت بعد تفككها الى دويلات نتيجة الانقسامات . وكان من ابرز حكامها بعده ابنه اويس وحفيده احمد بن اويس . ازدهرت في العهد الجلائري اضافة الى الفنون والاداب الصناعة والعمارة ، وكانت أهم العمارات عمارة دمشقية التي بنتها "بغداد خاتون" وعمارة دولة خانة ومدرسة بغداد لاهل المذاهب الاربعة التي انشأها خواجة مسعود ابن سديد الدولة ومدرسة خواجة مرجان لأمين الدين مرجان الاوليجياتي . ومرجان هو خادم اويس بن السلطان حسن بزرك الذي تولى الحكم سنة 1356 م وقد غزا شمال غرب ايران سنة 1358 م وقد ترك امين الدين مرجان ليحكم بغداد محله لحين عودته وقد بنى الامين المدرسة المرجانية التي كانت تدرس الفقه الاسلامي على المذاهب الاربعة والتي تحولت فيما بعد الى مسجد جامع لا يزال قائما الى الان ويسمى بجامع مرجان .وبني الى جانب المدرسة المرجانية بأمر من والي بغداد ايضا خان الاورتمة وتعني باللغة التركية الخان المستور ويتميز الخان الذي يعرف ايضا بخان مرجان ببنائه الفخم ومعماره الفريد . ومن الاثار الجلائرية المهمة جامع سيد سلطان علي ويقع في محلة سلطان علي بجانب الرصافة وينسب هذا الجامع الى علي بن اسماعيل بن جعفر الصادق ويقع مرقده الى جانب الجامع .
اعتمد السلطان تاج الدين ، في الجيش ، على العرب والترك فقل نفوذ الفرس في الدولة لكن ذلك لم يستمر طويلا اذ اعتمد السلطان اويس الذي خلف والده على الفرس ونقل العاصمة الى تبريز في ايران بدلا عن بغداد وجعل لغة الدولة الرسمية الفارسية بدل العربية فقامت الثورات في بغداد وقد شجع الوضع المضطرب ذاك ، التيموريين على غزو بغداد . تدهور الوضع الاقتصادي ، توقف الاصلاح والنمو وتراجعت الزراعة بتعطل منظومة الري لقلة الاهتمام بها وحدثت الانقسامات والصراعات بين اقطاب الدولة الجلائرية وقد ادى ذلك اضافة للكوارث الطبيعية الى انهيار الدولة ،كما اسلفنا وزوالها سنة 836 هج . والجلائريون من القبائل المغولية التي سكنت بلاد ما وراء النهر ( ترانسوكسيانا في اسيا الوسطى) ، جاءوا الى ايران سنة 656 هج وتمتعوا بمكانة عالية لدى الاليخانيين بتقلدهم مناصب رفيعة في الدولة ثم ما لبثوا ان استولوا على السلطة في العراق واجزاء من ايران وحكموا العراق بشكل مستقل سنة 740 هج وكان للدولة الجلائرية نظام اداري متطور (الدواوين) (وهو مشابه لما يسمى الان الفصل بين السلطات) فديوان السلطنة ورئيسه يسمى النائب ، مهمته مراقبة وتنظيم الاعمال الداخلية والخارجية في البلاط . وديوان الوزارة يرأسه وزير يختاره السلطان وهناك ديوان للشؤون المالية وديوان الاشراف ، مهمته مراقبة عمل الدواوين المختلفة واطلاع الحكومة على نتائج هذه المراقبة والمتابعة وديوان آخر للقضاء يرأسه قاضي القضاة له تشكيلات فرعية في مختلف انحاء الدولة ويحكم بالشريعة الاسلامية بالنسبة للمسلمين وبالقوانين المغولية بالنسبة للمغول وفعلت الدولة الامر نفسه مع اللغة فالقوانين باللغة العربية في المدن التي اغلبية سكانها من العرب والفارسية او المغولية للاغلبية الفارسية او المغولية في المدن الاخرى ازدهرت الحركة الثقافية في العهد الجلائري ، كان السلطان احمد شاعرا اديبا مثقفا له مصنفات واشعار بالعربية والفارسية والتركية فوجدت في المكتبة الجلائرية مؤلفات ذات شأن كبير مثل جامع التواريخ للوزير رشيد الدين ويشتمل على تاريخ المغول والتاريخ العام وكتاب كليلة ودمنة والشاهنامة للفردوسي (ت 411 هج) وديوان السلطان احمد الجلائري . وشهدت بغداد في ذلك العصر انتشار عدد كبير من المدارس كالمرجانية وجامع سراج والنعمان وسيد سلطان علي والوفائية والعاقولية ، يدرس فيها اساتذة كبار مختلف العلوم كالرياضيات والهندسة والكيمياء والطب اضافة الى العلوم الدينية . ومن مظاهر التقدم في العهد الجلائري مكانة المرأة في الدولة ، فقد كانت لها مكانة عظيمة مرموقة. يقول ابن بطوطة ( والنساء لدى الاتراك والتتر لهن حظ عظيم وهم اذا ما كتبوا امرا يقولون فيه امر السلطان والخواتين) وكان للنساء صالة لترتيب وحضور مجالس الادب مع الشعراء والادباء ورجال الدين. ومنهن من اشتركت في الادارة والسياسة مثل "بغداد خاتون" الدولة الجلائرية التي دام حكمها ما يقارب المائة عام (738 - 836 هج) كانت على عهد مؤسسها السلطان بزرك مستقلة تماما وادى ذلك الى الانتعاش الاقتصادي والازدهار الحضاري ببناء المدارس والمكتبات والمستشفيات العامة وقد كان ذلك سببا لتوافد اعداد كبيرة من الطلبة من مختلف البلدان الى بغداد للتعلم في مدارسها . فعادت بذلك بغداد الى سابق عهدها كحاضرة للعلم والفن والادب. بعد ان دمرها هولاكو قبل اثنتين وثمانين سنة من هذا التاريخ حيث اصطبغت مياه دجلة ، كما يذكر المؤرخون ، باللونين الاحمر والاسود ، لون دم مئات الالاف من البشر ولون حبر الكتب التي رماها المغول في النهر . كان هولاكو يقف في منطقة الصابونجية في ساحة الميدان ببغداد "يتسلى" بمشاهدة الجند وهم يقطعون رؤوس اهل بغداد بمنتهى الهمجية والتوحش . وعرفت المنطقة بإسم الكلجية نسبة لاحدى تشكيلات جيش هولاكو التي اتخذت من ذلك المكان مقرا لها ، وصارت تلك المنطقة مبغى عاما عندما صار البغاء في بغداد علنيا مع الاحتلال البريطاني للعراق ، يذكر ذلك الدكتور معتز محيي عبد الحميد في بحثه عن تاريخ البغاء السري والعلني في بغداد . بعد الاحتلال البريطاني للعراق سنة 1917 صارت "مهنة" الدعارة علنية وصار للعاهرات تجمعات سكنية تعمل بقوانين اصدرها المحتلون ومنحن هويات خاصة واجازات "ممارسة المهنة" . وقد صارت منطقة الصابونجية في ساحة الميدان ببغداد والتي تعرف شعبيا بإسم الكلجية المركز الرسمي الرئيس للدعارة . وانا ارى ان الكلجية تناسب تماما في مفهومها وممارساتها هولاكو وافعاله بدمويتها وفحشها التي ارتكبها في بغداد . هولاكو اكبر عاهر في التاريخ والكلجية خير دليل على ذلك .
#عدنان_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دعاء الصباح والمساء
-
الحشاشون ، هل حقا كانوا حشاشين
-
ملكة جمال البرتقال (قصة قصيرة)
-
سنين اخرى سوف تمر
-
القصة القصيرة الايروتيكية ، عشتار العراقية مثالا
-
الشاعر قاسم شاتي .. هل ستتبعه الفوضى
-
الرسالة الاخيرة الى الغائبة (قصة قصيرة)
-
نساء القمن -كليب- احجارا
-
محنة شعب سوسيولوجيا الدين والسياسة
-
شيوعيون في الذاكرة
-
شوارد فاطمة الفلاحي ، الجأتني لتاج العروس
-
ثامر الحاج امين .. صفة طيبة جديدة
-
الحب .. قراءة في اوراق مدرستين ، فلسفتين و نظريتين
-
مع مقاربات الروازق لطروحات علي الوردي
-
لقاء مع مظفر النواب .. في بستان الرازقي
-
الذكرى السابعة والاربعون
-
بعض ما جرى على الشيوعيين العراقيين في الشهر -الناقص-
-
في موقع اتحاد ادباء الديوانية* الالكتروني التراكم الكمي يؤدي
...
-
ملحمة كاورباغي ، مأثرة الطبقة العاملة العراقية الخالدة
-
اعدام رسام ، رواية سلام ابراهيم تدين اغتيال الثقافة العراقية
المزيد.....
-
ضربات -تركية- على نفق أسلحة لقوات سوريا الديمقراطية.. ما حقي
...
-
مصدر مصري لـCNN: السلطة الفلسطينية تستعيد إدارة معبر رفح.. و
...
-
12 سؤالا للحفاظ على صحة دماغك طوال الحياة
-
سوريا: مقتل 15 في انفجار سيارة مفخخة في منبج
-
مقتل مؤسس كتيبة المتطوعين في جمهورية دونيتسك بانفجار في مبنى
...
-
البحرين.. عبد العاطي يؤكد التزام مصر بأمن الخليج
-
طريقة رصد المناطق المحمومة في العالم
-
سقوط سيارات من فوق جسر في تركيا
-
صحة غزة تنشر حصيلة جديدة لضحايا القصف الإسرائيلي
-
إيران ترسل 4 سفن حربية إلى الإمارات لمناورات مشتركة
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|