أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - هيبت بافي حلبجة - نقض اللاتعارض مابين العقل والنقل لدى إبن تيمية















المزيد.....


نقض اللاتعارض مابين العقل والنقل لدى إبن تيمية


هيبت بافي حلبجة

الحوار المتمدن-العدد: 6705 - 2020 / 10 / 16 - 18:59
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ننوه ، بداءة ، إن العنوان لايعني ضرورة التعارض مابين العقل والنقل ، إنما القصد هو خضوع النقل للعقل ، كخضوع أي نص آخر ، كالنص الهيجلي ، كالنص الماركسي ، كالنص الزرادشتي ، كالنص الجبراني ، للعقل ، مع إدراكنا التام إن الخضوع ليس قياساٌ صارماٌ بقدر إن النص لايخضع لسطوة العقل ، بصورة جامدة جافة ، كقوانين أزلية ، إنما للمعرفة العقلية ، بشكل ديناميكي ، ولقوانين الطبيعة في تطورها الخاص بها . لكن بما إن النقل ، هنا ، هو النص الإلهي فلابد من إظهار هل أدرك إله النص حقيقة تلك القضايا ، مثل حقيقة الشمس والأرض ، حقيقة السماء والأرض . ولكي ندرك إشكاليات هذا الموضوع ، لامندوحة من إظهار نوع العلاقة مابين العقل والنقل ، حسب الفقهاء والفلاسفة ، سيما حسب الفقيه الكوردي إبن تيميه في مؤلفه درء التعارض مابين العقل والنقل ، ولابد كذلك من تحديد جملة قضايا هي جوهرية في فهم ذلك ، منها ما هو حدود النقل ، بل ما هو النقل ، وهل النقل هو من عند إله الكون ، وهل إله النقل موجود حقاٌ ، وهل النقل ليس إلا نصاٌ كأي نص له ما له وعليه ما عليه . ومن هنا لامناص من هذه المقدمات :
المقدمة الأولى إن النقل ينسب ، بضم الياء ، إلى إله الكون ، إلى الكائن الأول ، إلى إله كلف ملاك له بنقل النص الإلهي ، الشرعية الإلهية ، الدستور الإلهي ، السنن الكونية ، السنن السرمدية المطلقة ، إلى الكائن الثاني ، إلى نبي إله الكون . هذه العبارات تكشف عن حتمية القضايا التالية ، الأولى وجود إله للكون ، وفي حال عدم وجوده يهوي منطوق النقل ويسقط ، ويغدو النص الموجود نصاٌ بشرياٌ . الثانية صدق مانقله ملاك إله الكون إلى نبي إله الكون ، وهنا نحن إزاء فرضين ، الفرض الأول إن الملاك ليس له إرادة ، حينها يصدق النقل والمنقول إذا ما صدق وجود إله الكون ، الفرض الثاني إن الملاك يتمتع بإرادة مستقلة ، خاصة به ، حينها قد يصدق النقل والمنقول وقد لايصدق . الثالثة وجود نبي لإله الكون ، وهنا أيضاٌ ، نحن إزاء فرضين ، الفرض الأول إن إله الكون إجتبى وإصطفى هذا النبي تحديداٌ دون سواه ، والسؤال عندها لماذا ؟ ماهو السر في ذلك ؟ ما هي الخصيلة التي يتمتع بها هذا النبي دون سواه من كافة البشر ؟ وهو الذي تزوج بخديجة وتنصر وبقي على النصرانية حتى بعد أن نزل عليه الوحي ، وتزوج بقاصر ، وتزوج بزوجة إبنه بالرضاعة ، وتزوج بصفية التي كانت متزوجة حديثاٌ بعد أن قتل أباها وأخاها وزوجها ، وإنبنى بها في طريق العودة حتى قبل أن يصل إلى الديار ، وسبى ، وسمح بإغتصاب سبايا أوطاس ، وحرم على نفسه ماحلله إله الكون له وفقاٌ للنص القرآني ، ثم قصة ما ملكت إيمانكم ، ملك اليمين ، أو التي تهب نفسها له وقصته مع السيدة أسماء معروفة ومفصلة في السيرة النبوية ، الفرض الثاني طالما إن هذا النبي يتمتع بإرادة خاصة به ، فنحن إزاء السؤال التالي وهو هل النقل والمنقول هو عينه المنقول إليه . الرابعة على فرض صدق الأمور الثلاثة السابقة ، فهل بقي النقل على ما هو عليه حين نزوله ، أي ، مثلاٌ ، هل إلتزم الخليفة عثمان بن عفان بحذافير النقل تماماٌ !! وكذلك العباسيون !! أي لاحذف ولاتبديل لكلمات ربك .
المقدمة الثانية بما إن الموضوع مرتبك وقلق في جذوره حسب المقدمة الأولى ، وبما إننا نود معالجة العلاقة الصحيحة مابين العقل والنقل ، وبما إننا نود أن ننتقد تلك العلاقة لدى شيخ الإسلام الجليل إبن تيمية ، فإننا نلتزم بأمرين أثنين ، الأول إن النقل هو نص لإله أنزل هذا الدستور ، لإله ينكشف علينا ويتبدى لنا ، على حقيقته ، من خلال هذا النص ، أي إننا لانمايز مابين طبيعة هذا الإله ومدلولات هذا النص . الثاني إن النقل هو النص الإلهي المكون من ثلاثين جزءاٌ ، من مائة وأربعة عشر سورة ، وستة آلاف ومائتين وستة وثلاثين آية ، من الفاتحة إلى سورة الناس .
المقدمة الثالثة إذا كان هذا جانب من جوانب مأساة النص الإلهي ، فإن الجانب الإشكالي لما يسمى بالعقل يتمظهر في النواحي التالية ، في وجوده ، في حكمه ، في مضمونه ، إذن الناحية الأولى في وجود العقل ، إن وجود العقل كجوهر مفارق يتمتع بمبادىء سرمدية فوق محتوى الطبيعة ، هو وجود مرفوض ولايعقل أن يوجد ، لذلك قلنا إن مفهوم العقل لدى القلاسفة يكافؤ مانسميه ، نحن ، بالمادة المدركة الواعية ، لسبب بسيط هو إن الإنسان يتكون تكويناٌ ولايخلق خلقاٌ ، كأي نبتة ، كأي شجرة ، كأي حيوان آخر ، سنعالج هذا الموضوع في حلقة قادمة . الناحية الثانية في حكمه ، إن للعقل ، أي للمادة المدركة الواعية ، تيرمومتر وحيد ، وهو المعرفة ، وهو ، كالطاحونة ، لايطحن إلا المعرفة ، لذلك يلحقه القصور في أثنين على الأقل ، الأول قد تكون مقدمات المعرفة كاذبة ، مثل وجود الجنة والجهنم ، الثاني في حال نقص المعرفة وفي حال بحثه عن التحليل يلجأ إلى النظري والتجريدي ، والنظري والتجريد لايملكان أية قيمة موضوعية ، مثال برهان إن لكل منظم ناظم . الناحية الثالثة في مضمونه ، ومضمونه تابع حسابي لتكوين الإنسان ، والإنسان كائن مكاني ، ونحن مكانيون ، ففي إحساسنا ، وفي منطقنا ، وفي تفكيرنا ، نخضع لأصول ماهو مكاني ، المستقيم هو أقصر خط واصل مابين نقطتين ، حور العين ، الثواب والعقاب ، إله للكون .
المقدمة الرابعة يعتقد البعض إن العقل والنقل لايتعارضان البتة ، ويعلل ذلك على ضوء إن كليهما مخلوقان من مصدر واحد ، وهو إله الكون ، فالعقل منه والنقل ، لذلك لايمكن أن يتعارضا . إن هذه الفكرة تقتضي الآتي : إن العقل والنقل يتطابقان في وحدة الإرادة الإلهية ، وفي وحدة القصد الإلهي معاٌ ، أي وحدة الإرادة والقصد لدى إله الكون ، وهذه سخافة لامنطقية لسببين إثننين : فمن ناحية لو كان الآمر على تلك الشاكلة لتسنى للعقل بلوغ الوجود الإلهي بطبعه ، دون وسيط ، دون نقل ، دون برهان ، دون إستنتاج وأستدلال وإستنباط ، دون أنبياء . ومن ناحية ثانية وجود إطروحات في النقل هي خارج حدود العقل ، فالجنة ، حسب النقل ، هي خمارة وجنس . والجهنم هو عذاب وحشي بشع . كما إن العالم الآخر لايحتاج إلى العقل ، ولا حتى إلى إله الكون ، فإله الكون يستمتع بوجود فريقين ، فريق خالد في الجنة ، وفريق خالد في النار .
المقدمة الخامسة يعتقد البعض ، الرازي ، إن إذا تعارض العقل والنقل ، فنحن إزاء أربعة إحتمالات ، إما إن نأخذ بالعقل وبالنقل معاٌ ، إما أن نترك الأثنين معاٌ ، إما إن نأخذ بالعقل دون النقل ، أو أن نأخذ بالنقل دون العقل . فيرد عليهم إبن تيمية ، بخصوص الإحتمال الأول ، لايمكن أن نأخذ بهما معاٌ ، فكيف نأخذ بمنطوق المتعارضين ، كيف نجمع ما بينهما وهما تملكان دلالتين تنفي إحداها الأخرى ، أي كيف نأخذ بنعم وبلا معاٌ . وبخصوص الإحتمال الثاني ، لايجوز أن نتركهما معاٌ ، فإما بنعم ، وإما بلا . وأما بخصوص الإحتمالين الأخيرين فإما هذا وإما ذاك . ويضيف إبن تيمية إحتمالات عديدة أخرى ، كما سنرى. وفي الحقيقة ، وبخصوص هذه الجزئية ، فإن القضايا والحيثيات ليست بالضرورة أن تكون إما و إما ، فهي قد تكون قد و قد ، وقد لاتكون ، فقد يخطىء النقل ولايستطيع العقل أن يتحقق من الأمر في عين ذلك الوقت للقصور في المعرفة البشرية ، مثال ما أخطأ النقل في موضوع غروب الشمس في عين حمأة ، وما كان ، آنئذ ، في مقدور العقل أن يصحح له .
المقدمة السادسة يعتقد البعض إن العقل هو الشاهد على صحة ومصداقية النقل ، فبالعقل أدركنا وجود النبوة و النقل ، فإذا تعارض العقل والنقل ، فلابد أن نأخذ بالعقل ، لإننا ، في الحالة المخالفة ، نطعن في شهادة العقل ، وإذا ماطعنا في شهادته ، هنا ، فكأننا طعنا بشهادته ، هناك ، وكيف نطعن في شهادته ، هناك ، ونحن على يقين بصحة شهادته حول مصداقية النقل ، ونحن على يقين بصدق العلاقة الأصلية والأصيلة مابينهما .
المقدمة السابعة يعتبر أبن تيمية ، بحق ، من أقوى الشخصيات الفقهية التي عالجت هذا الموضوع بدقة متناهية في عدة مجلدات ، وأستند إبن تيمية إلى قاعدة جوهرية وهي إن العقل الصريح والنقل الصحيح لايمكن أن يتعارضا ، وإذا تعارضا فثمة أمر ما مستتر في الموضوع ، لذلك إعتقد إن للعقل نوعان ، كما للنقل نوعان ، فثمة عقل قطعي ، وعقل ظني ، ونقل قطعي ، ونقل ظني . وهذا يعني إننا إزاء ثلاثة إحتماليات قد تتحقق على الشكل التالي ، أن يأتي قطعي مع قطعي ، أن يأتي قطعي مع ظني ، أن يأتي ظني مع ظني . في الحالة الأولى أذا أتى العقل القطعي مع النقل القطعي ، فلايمكن أن يتعارضا ، فالقطعي لايتعارض مع القطعي ، وهذا ما يتطابق ، حكماٌ وضرورة وتأصيلاٌ ، مع تلك القاعدة الجوهرية ، السالفة الذكر ، والتي هي إن العقل الصريح والنقل الصحيح لايتعارضان . في الحالة الثانية نحن إزاء وجود قطعي ، سواء من جهة العقل أو من جهة النقل ، ووجود ظني ، سواء من جهة العقل أو من جهة النقل . فإذا أتى العقل القطعي مع النقل الظني أخذنا بالعقل وأسقطنا النقل ، وإذا أتى العقل الظني مع النقل القطعي أخذنا بالنقل وأسقطنا العقل ، أي لدينا ، هنا ، قاعدة أساسية والتي حسبها ، إننا نأخذ بالقطعي سواء من جهة العقل أم النقل ، ونسقط الظني من الجهتين . في الحالة الثالثة إذا أتى الظني مع الظني ، إذا أتى العقل الظني مع النقل الظني ، فإننا نحتاج ، هنا ، إلى عنصر جديد وهو مايسميه إبن تيمية بالمرجح فبدونه لايمكن ، عقلاٌ ومنطقاٌ ، أن نتيقن من لا لهذا ولنعم لذاك أو العكس . وفي التأصيل إن المرجح يخلق إشكالية عظمى لديه لإنه ، كما سنرى ، مجرد عنصر نظري ، وعلى الأغلب عنصر عقلي نظري .
المقدمة الثامنة وفي معرض رده على محتوى المصادرة في المقدمة السادسة ، حيث كيف يمكن أن نطعن في شهادة شاهد شهد بصحة ومصداقية النبوة والنقل ، يزعم إبن تيمية إن هذا الإرتباك هو مجرد سوء إدراك لحقيقة العقل ، فالعقل مكون من معقولات ، ولكل معقول مجاله الخاص به ، ولكل قضية وحيثية معقول مناظر في أسس العقل ، والمعقول الذي شهد بصدق ومصداقية النبوة والنقل مازال يشهد به . في حين إن وجه التعارض مابين العقل والنقل هو وجه التعارض مابين النقل ومعقول آخر ، معقول مناظر لمضمون تلك القضية ، وتلك الحيثية .
نكتفي بهذه الخطوط العريضة العامة حول رؤية إبن تيمية في هذا الموضوع ، لإن غايتنا هو بيان حقيقة العلاقة مابين ماسمي بالعقل تجاوزاٌ ، وبالنقل تجاوزاٌ ، وتبيين ذلك على النحو التالي :
أولاٌ : لنبدأ من الأخير ، وهو إن العقل ، أو ماسميناه بالمادة المدركة الواعية ، مكون من معقولات ، وإن لكل معقول مجاله الخاص به . إن هذا جهل تام من إبن تيمية ، يتناقض مع خواص العقل ، فالعقل هو كل واحد ، ويعمل وفقاٌ لمبدأ الكلية لديه ، على صعيد وجوده الإنطولوجي ، وعلى صعيد قدرته التحليلية ، وعلى صعيد ما لديه من تصورات ومادة خامة ، فلايتجزأ في وحدته ، ولايتجزأ في واحديته ، كما لايتجزأ في إستطاعته ، كما لايتجزأ في مخزونه المعرفي ، كما لايتجزأ في فهمه وإدراكه للأشياء ، كما لايتجزأ في موضوع فيزيولوجيته وهذا ما جرح مفهوم العقل لدى كل من لالاند ومحمد عابد الجابري . وقد يقول البعض ، ينبغي علينا أن نمايز مابين العقل النظري والعقل العملي ، وأن نمايز مابين موضوع العقل وماكينة العقل ، وفي الحقيقة النهائية لايوجد هذا ولا ذاك ، إنما هو واحد نحن نستخدمه في هذا المجال أو ذاك ، بهذا الإسلوب أو ذاك ، ضمن هذا الإطار والنسق المعرفي أو ذاك ، وهذا هو مصدر الإشكالية لدى أفلاطون ، وأرسطو ، وهيجل ، وكانط ، وفلاسفة الإسلام . مع أدراكنا التام أن ينبغي علينا أن نمايز مابين ثلاثة أشياء بهذا الخصوص . الشيء الأول العلاقة الحميمة مابين العقل وإشكالية الثقافة والمعتقد وكيفية ممارستهما . الشيء الثاني العلاقة الوحيدة مابين العقل والمعرفة وإشكالية هل المعرفة موضوع خارجي أم موضوع بنيوي . الشيء الثالث العلاقة البنوية مابين العقل ومحتوى التطور الذاتي الشخصي وإشكالية نوع الممارسة . لذلك يتراءى لنا ، وحسب الأشخاص ، وكإن النظري هو المسيطر على التطبيقي والعملي ، أو إن العملي هو المسيطر على النظري والمجرد ، وإن العلمي هو المسيطر على الإسطوري والغيبي ، أو إن الإسطوري هو المسيطر على العلمي ، ومابين هذه الحدود توجد حالات لا تعد ولاتحصى ، وأنواع تكاد وتوشك أن تميز هذا الشخص عن ذاك .
ثانياٌ : حينما يقسم إبن تيمية العقل إلى القطعي والظني ، والنقل إلى القطعي والظني ، فقد أرتكب جملة من المخالفات ، المخالفة الأولى إن النقل إما ان يكون إلهي المصدر ، أو نبوي المصدر ، أو أن يكون قد صدر من جهة ثالثة ، وإذا إلتزمنا بما هو إلهي المصدر ، دون سواه ، أي بالنص الإلهي تحديداٌ ، فهل كان إله الكون يظن ، يتصور، يعتقد ، يرجح ، هل كان إله الكون يظن إن الشمس تغرب في عين حمأة ، هل كان يتصور إن عرش ربك يحمله ثمانية ، هل كان يعتقد إن الشهب والنيازك إنما هي لضرب الشياطين التي تسترق السمع . وإذا زعم البعض إن هذه المسائل تخضع لمفهوم التأويل ، عندها يكون الرد على الشكل التالي ، رغم إن التأويل ، بحد ذاته ، كارثة وتصحيح لإله الكون ، قد يمكن تأويل غروب الشمس ، رغم إنه يدل على جهل إله الكون بحقيقة المجموعة الشمسية ، لكن من الحماقة تأويل غروبها في عين حمأة تحديداٌ . قد يمكن تأويل عرش ربك ، لكن من السخافة تأويل إن عرش ربك يحمله ثمانية بالضبط . المخالفة الثانية إن تقسيم العقل إلى ماهو القطعي ، وإلى ماهو الظني ، يدل على إن العقل ، بخواصه ، ينقسم إلى عقلين ، العقل القطعي ، والعقل الظني ، في حين إن المقصود هو إن القضايا والموضوعات التي يعالجها العقل ، هي قد يقطع بها العقل ، أو أن يظن بها . وهذه القضايا ، ورغم إعتراضنا على أصل وأصالة هذه الجزئية كما رأينا في أولاٌ ، قد يظن بها العقل في مرحلة معينة ثم يقطع بها في مرحلة ثانية ، كدوران الأرض حول الشمس وحصول الفصول الأربعة ، أو دوران الأرض حول نفسها وحصول الليل والنهار. وإذا رجعنا إلى مثال غروب الشمس في عين حمأة ، فإن العقل ، عقل نبي إله الكون ، عقل كاتب النص الإلهي ، قد قطع بغروب الشمس في عين حمأة ، أو على الإقل بغروب الشمس ، وكذلك سجودها تحت عرش إله الكون ، ولذلك لم يعترض الصحابة على مسألة غروب الشمس ومن ثم شروقها في اليوم التالي بعد حصولها على إذن من إله الكون بالطلوع ، والآن وبعد أن أدركنا حقيقة المجموعة الشمسية تحولت مسألة الغروب من القطعي إلى الظني . المخالفة الثالثة لكي يكون النقل قطعياٌ أو ظنياٌ لابد من معيار ، لامناص من قاعدة ، لامندوحة عن أساس ينبنى عليه ، وإلا تحول الأمر إلى مزاجية ، إلى ترقب للمعطيات العلمية ، فإن أكدت تلك المعطيات خلاف ما ورد في النص ، زعم إبن تيمية إن لامحيض عن تأويل النص . إذن لا نقل قطعي ، ولا نقل ظني ، ولاقضية قطعية ، ولا قضية ظنية .
ثالثاٌ : في مسألتي ، العقل الظني والنقل الظني ، يزعم إبن تيمية ، إذا تواجدا في قضية معينة ، إن لا بد من مرجح قادر على رجحان كفة أحدهما على الآخر ، والمرجح لايمكن أن يكون محتواة ضمن القضية نفسها لإننا ، حينذاك ، نكون إزاء أمرين ، إما أن ينتمي المرجح إلى العقل ، عندئذ لايكون العقل ظنياٌ إنما قطعياٌ وهذا يبطل أساس الفرضية لدى إبن تيمية ، وإما أن ينتمي إلى النقل ، آنئذ لايكون النقل ظنياٌ إنما قطعياٌ وهذا يبطل ، أيضاٌ ، أساس الفرضية . إذن لابد أن نبحث عن المرجح خارج دائرة تلك القضية ، وهنا سنكون إزاء ثلاثة أمور ، إما أن يكون المرجح خارج القضية لكن ينتمي إلى العقل ، وإما أن يكون خارج القضية لكن ينتمي إلى النقل ، وأما أن يكون خارج القضية وخارجهما معاٌ ، وفي هذه الحالة الأخيرة يبطل مفهوم درء التعارض مابين العقل والنقل ، ويبطل الأس المشترك ، وتلتغي الفرضية الأصيلة . وفي حالة أن يكون المرجح خارج القضية لكن داخل النقل ، فهذا يدل على إن النقل الذي يحتوي على المرجح قد نسخ النقل الأول وأبطل دلالاته ، وبالتالي حول النقل من الظني إلى القطعي . وفي حالة أن يكون المرجح خارج القضية لكن داخل العقل ، فهذا يدل على أمرين ، الأول هو بطلان العلاقة مابين الظني والظني ، وبالتالي بطلان كل ماطرحه إبن تيمية من أفكار أولية حول تقسيمه للعقل وللنقل إلى القطعي والظني ، والثاني هو التكامل مابين العقل من جهة ، والعلم والمعرفة من جهة ثانية ، وهذا يفضي بنا إلى رابعاٌ .
رابعاٌ : إن المصطلحات الفقهية ، التي يخترعها فقهاء العقيدة زوراٌ وبهتاناٌ للإلتفاف حول قضية تربك عقولهم وتفضح أساس المعتقد ، تسبب كارثة فكرية حقيقية ، ومنها قضية هذه الحلقة ، فإذا ما وضعنا منطوق العقل والنقل ودرء التعارض مابينهما جانباٌ ، وأخذنا النص الإلهي ، كما هو من الفاتحة إلى سورة الناس ، لرأينا إن التناقض هو مابين إطروحات هذا النص من جهة ، والحقائق العلمية والمعرفة البشرية من جهة ثانية ، أي إن التناقض والتعارض الفعلي ليس مابين النقل والعقل بمقدار ، أقول بمقدار ، ماهو مابين النص الإلهي والمعرفة البشرية والحقائق العلمية ، أي لو إن كاتب النص الإلهي كان يدرك تلك الحقائق لما أكد على الجانب المتناقض لها ، أي لو إن كاتب النص الإلهي كان يدرك حقيقة الشمس ، والمجموعة الشمسية ، والمجرة ، لما إدعى وزعم إن الشمس تغرب في عين حمأة ، وإنها تذهب ، عند غروبها ، إلى تحت عرش إله الكون لتسجد له حتى يأذن لها أن تشرق في اليوم التالي . أي إن الشمس كانت ، في ذهن وإعتقاد إله النص ، مجرد قرص إنارة وظيفته أن يشرق من مكان معين على الأرض ، وأن يغرب في عين حمأة ، وأن يستريح ويعبد إله الكون حتى صباح اليوم التالي ، ليشرق من جديد ، وهكذا دواليك .
خامساٌ : في متابعة موضوع رابعاٌ ، يزعم أحد المشايخ إن لا أحد يجادل في إن الشمس أكبر من الأرض بآلاف من المرات ، فكيف يمكن للكبير أن يستغرق في بقعة بسيطة من الصغير ، سيما إذا أتت الفكرة من إله الكون وخالق كل الأجرام السماوية ، فالقضية ، إذن ، وحسب هذه الداعية ، ليست إلا عملية لتقريب الفهم إلى الأذهان . وفي الحقيقة إن هذا الإدعاء ينطوي على جملة من المغالطات . الأولى هل كان إله الكون مضطراٌ أن يؤكد إن الشمس تغرب في عين حمأة ، ويذهب إلى الموقف الخاطىء ، أي ماهو وجه الضرورة في أن يرتكب إله الكون مخالفة علمية ، أما كان الأجدر به أن يعبر عن حقيقة الشمس بطريقة إحائية وهو إله الكون ، أم إنه إرتكب هذه المخالفة لجهله بحقيقة الشمس ، سيما ونحن ندرك إنه قد أكد في نص آخر إن الشمس تجري لمستقر لها ، والمستقر يدل ، بالقطع ، على مكان ثابت ، حيث المأوى الدائم ، حيث الإستعداد للشروق في اليوم التالي . الثانية إن تعليل ذلك لتقريب الفهم إلى الأذهان ، أمر باطل تاريخياٌ . فالفلسفة اليونانية كانت متقدمة جداٌ ، ومازال تأثيرها على الفكر البشري حتى الوقت الحالي ، من خلال أفكار هراقليطيس ، وديموقريطس ، وسقراط ، وإفلاطون ، وأرسطو ، وفيثاغورث ، إلخ . ثم إن الزرادشتية ، التي تعتبر أم الأديان والفلسفة ، كانت قد أبدعت في علاقة الإنسان بإله الكون ، ناهيكم عن المانوية ، وعن الطقوس المميزة للإزيدية والمندائية والبوذية والكونفوشية ، ناهيكم عن حضارة المايا والحضارة الفرعونية . الثالثة ألم يكن الأجدر بإله الكون أن يكشف عن حقيقة الشمس كدليل على صدق نبوة نبيه ، سيما وإن الأطراف الآخرى كانت تطالب نبيه بتقديم دليل على صدق نبوته ، سيما وإن نبيه كان قد فشل في الإختبار الذي تقدم به النضر بن الحارث مع صديق له ، حول ذي القرنين ، وموضوع الروح ، ومسألة أهل الكهف فتية إفسوس ، القصة الوهمية ليعقوب السروجي ، والأسطورة المذكورة في الكتاب الرابع لأرسطو في الفيزيقي . وهكذا نستنتج ، وكرد على فكرة إبن تيمية ، درء تعارض العقل والنقل ، إن التعارض هو مابين النص الإلهي وعقلية ذلك النص من جهة ، ومابين الحقائق العلمية التي كانت غائبة عن العلم الإلهي من جهة ثانية . وإلى اللقاء في الحلقة المائة .



#هيبت_بافي_حلبجة (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقض الكمال الإلهي لدى ديكارت
- نقض إشكالية الناسخ والمنسوخ في النص الإلهي
- نقض مفهوم الخلود لدى ابن رشد
- نقض مفهوم العالم لدى أبن رشد
- نقض مفهوم دين البشرية لدى أوغست كونت
- نقض مفهوم الروح لدى محمد شحرور
- نفض فكرة الوجود لدى محمد سعيد رمضان البوطي
- نقض إفهوم الإسطورة لدى كلود ليفي شتراوس
- نقض النص الإلهي حول إسطورة إبليس
- نقض مأساة إبليس لدى صادق جلال العظم
- نقض مفهوم الدين لدى إميل دوركهايم
- نقض العلم اللدني لدى سيدنا الخضر
- نقض العود الأبدي لدى ميرسيا إلياد
- نقض مفهوم الشيطان لدى محمد شحرور
- نقض البرهان الفلسفي لدى محمد باقر الصدر
- نقض فكر الآلهة
- نقض برهان الصديقين لدى إبن سينا
- نقض العقل لدى أبو بكر الرازي
- نقض حدوث العالم لدى الكندي
- نقض الإيمان الفلسفي لدى كارل ياسبرز


المزيد.....




- تقرير: اشتباكات في سوريا بين القوات الحكومية ومسلحين موالين ...
- -الخيار واضح-.. الدفاع السورية توجه رسالة لفلول النظام الساب ...
- ترامب: الصين ستلحق بالولايات المتحدة في الترسانة النووية خلا ...
- زيلينسكي يزور السعودية في 10 مارس للقاء ولي العهد السعودي
- زعماء الاتحاد الأوروبي يرفضون مبادرة كالاس لتقديم مساعدات عس ...
- الأمن الجزائري يطيح بأحد بارونات المخدرات في البليدة
- دول الاتحاد الأوروبي تعلن عزمها مواصلة إمدادات الأسلحة إلى ك ...
- سوريا.. قيادة العمليات الأمنية في محافظتي اللاذقية وطرطوس تص ...
- الكويت.. البصمة الوراثية أثبتت التزوير بعد 50 سنة من الشك!
- السفير الروسي في لندن يعلق على -تهديد من موسكو- اختلقه ماكرو ...


المزيد.....

- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - هيبت بافي حلبجة - نقض اللاتعارض مابين العقل والنقل لدى إبن تيمية