موفق الرفاعي
كاتب وصحفي
(Mowaaffaq Alrefaei)
الحوار المتمدن-العدد: 1606 - 2006 / 7 / 9 - 09:00
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عبر عقود طويلة من الزمن تم فيها التأصيل لثقافة ذات بعد واحد رسخت لدى الإنسان العراقي جملة من المفاهيم الشوفينية عن الآخر هي التي دفعت باتجاه هذا الأستيقاظ المبكر والمرعب للطوائفية ، وهذا ( التقدم ) الأعمى باتجاه الأستحواذ على المؤسسات السياسية والاجتماعية ، وهذا الخوف لدى الكثير من الأطراف من أمكانية سيطرة احدها دون الآخرين واغتصاب السلطة مستقبلاً مستغلة تقنيات العملية الديموقراطية وملابساتها ، وهذا الميل الفئوي ، الطائفي ، العشائري لدى الغالبية والذي سيحدد – إن لم تعط الفرصة الزمنية الكافية لأستعادة الشعب حيويته الفكرية والتقاط أنفاسه – الشكل المستقبلي للعراق وربما للمنطقة أيضاً .
تلك الثقافة الحزبية الفردية الضيقة لا نبالغ حين نقول : أنها كانت المسؤولة هي دون غيرها عن رسم شكل القوى الراهنة ومضامينها الفكرية وربما حتى مستقبلها لسنوات مقبلة !
إن قمع القوى القومية والتقدمية والحركات الأسلامية المستنيرة وما نتج عن ذلك من غياب كامل لكل دور تثقيفي كان من الممكن أن تضطلع به تجاه الشعب ، ومن ثم فأن لجوءها إلى الخارج قد أفسح المجال واسعا أمام الحركات الأسلامية الأصولية ، والسلفية – بما يتوفر لديها من مؤسسات تستمد مشروعية وجودها من الدين وما يوفر لها ذلك من قنوات مباشرة لمخاطبة الجماهير والتأثير فيها وتوجيهها ، وما لتلك الحركات من قدرة على المناورة ، وما تتيح لها فنون اللغة والتي تشكل مساحة كبيرة من مرجعيتها من قدرة على التلاعب بعقول الجماهير عبر بعض الصياغات اللفظية والبلاغية – أن تسيطر وبشكل مطلق تقريباً على الشارع وتعبئته بأتجاه مقاصدها وأهدافها .
تلك الثقافة الحزبية الفردية الضيقة كانت أيضاً تعيد انتاج مفاهيمها المقلوبة اصلاً حتى في عقل السلطة التي ترعاها وتهيء لها تلك الفترات الرمادية الغامضة ومن أجل مزيد من الالتباس ومن اجل مزيد من الحيرة . !
وحينما تكون الأفكار ساذجة تصبح حتى إدارة البلاد وفق طرق أكثر سذاجة !
لقد جعلت السلطة الباب موارباً أمام السياسيين والمثقفين والأكاديميين ولم تكتفِ بهذا بل ضغطت بأتجاه تنفير يكاد يكون مستهدفاً الجميع عبر المنافذ الشرعية بالتساهل غير المعتاد سابقاً وغض النظر عن إجراءات منع السفر – وأيضاً لتدفع عن سياستها بعض التهم الموجهة اليها من قبل منظمات حقوق الإنسان – أو عن طريق المنافذ غير الشرعية والتي كانت تقوم بها جهات لها ارتباطاتها المعروفة مع أجهزة أمنية ومخابراتية .. كل ذلك من أجل عدم قيام مقاييس نسبية بين ثقافة السلطة وثقافة ( المعارضة ) وايضاً من اجل تشويه سمعة تلك النخب الثقافية والسياسية بدفعها وتحت وطأة الحاجة للملاذ الآمن ولمتطلبات الحياة الأخرى للأقتراب من مؤسسات لها ارتباطاتها المعروفة ببعض الجهات الدولية والتي استفادت فعلاً من هذا الجو .
إلا أن السلطة قد غاب عن ذهنها تماماً أنه حتى مقدمات المنطق الأوسطي كانت قد سقطت تحت وطأة ثورة الاتصالات وامعلوماتية وأن العالم كله كان قد غادر ومنذ فترة طويلة منطق وشروط الدولة القومية متجاوزاً إياها نحو منطق وثقافة القرية الكونية وأن ارتباطات تنسجم وطموحات طرفي المعادلة لا تحتاج إلى تبريرات بل ربما إلى مجرد ابتسامات دبلوماسية !!
* * *
ربما تصبح إمكانية بناء ثقافة متحررة من قيود مفاهيم النظام السابق أمراً عسيراً بعد إن تكون الأوضاع قد استقرت سياسياً حيث احتمالات بقاء تلك المفاهيم واردة طالما أن قوى التحرر ما زالت مقموعة من قبل اولاً : المجتمع الذي ما زالت تلك المفاهيم تعتبر حسب قناعاته من المسلمات التي ما زالت صالحة حتى الآن بالرغم مما يشهده العالم من متغيرات وانعطافات حادة على كل صعيد . وثانياً : الحركات الأسلامية الأصولية والسلفية والتي تنتهج هي أيضاً مثل تلك المفاهيم التي تتعدى خطورتها ما كان لها من وزن وتأثير لدى النظام السابق. ففيما كانت تعتبر مسلمات وطنية وقومية من الممكن أحياناً معارضتها أو مقاومتها فهي في فكر هذه الجماعات تعد مقدسة وجزءاً من تعبد الإنسان المسلم والذي يشكل في العراق الأغلبية الساحقة من سكانه التي تتوزعها جميع الأعراق ، والمذاهب المختلفة بالرغم من تقاطع توجهاتها وأهدافها فيما بينها على اكثر من صعيد .
لا بد اذن إذا أردنا أن لا تتكرر اشكاليات تلك المرحلة أن تعي القوى والحركات التقدمية والنخب الثقافية حجم مسؤولياتها تجاه ما هو حاصل الآن من محاولات مسخ الإرادة الوطنية المنطلقة للتغيير والتحرر وتحويل مسارها نحو الارتكاس والتقهقر . وهذا لن يكون إلا من خلال بلورة موقف موحد باتجاه طرح مشروع ثقافي تقدمي بديل لكل تلك الهرطقات التي تسود الشارع العراقي اليوم ، وأن يُصار أيضاً إلى نقد الفكر التقليدي والسائد واضاءة كل منطلقاته من أجل فضح سيرورته لخلق حوار يشترك به حتى رجل الشارع العادي عن طريق عقد الندوات الثقافية والأصدارات الموجزة بلغة يفهمها الجميع .
لسنا في موقف يشجع على الرفض ، لكنا دعونا إلى ذلك فان تلك الأعوام العجاف التي مضت قد كسرت فينا ارادة الرفض حتى بتنا نستسلم الآن هذا الأستسلام البشع لقوى كانت قبل ذلك ترتعد خشية على ماضيها لا مستقبلها فقط من تبدلات الأفكار التي يستطيع نظامها ( المعرفي ) أن يجاريها .
فلا اقل – اذن – من موقف نقدي هادئ ومستنير تجاه ما يتسرب الينا عبر الحدود من خدر مغلف إن بالميثولوجيا أو بثقافة الخلاص الأنتحارية .
أن قوى وحركات كانت قد اشهرت لافتات المعارضة السياسية أو الثقافية في وجه النظام السابق وشعاراته ومسلماته الوطنية والقومية وادارت ظهرها لائذة بالخارج ، سرعان ما أعلنت الولاء لأنظمة لا تقل قمعاً ولا ديكتاتورية لشعوبها عن النظام السابق في العراق ، تعود اليوم لتسوق تلك الأفكار والمفاهيم الغريبة ربما سداداً لديون في ( ذمتها ) يجب أن تسددها نتجت عن مقتربات تلك العلاقة بينها وبين تلك الأنظمة .
فهل سيبقى العراق سوقاً للبضائع الفاسدة والأفكار الفاسدة أيضاً فترة طويلة ؟!
هذا السؤال يجيب عنه المثقفون التقدميون بأعتبارهم ضمير الشعب وحبل نجاته من الغرق في لجج بحر متلاطم من خلطة هذه الأفكار العجيبة الغريبة . تلك التي تدخل مع المتسللين عبر الحدود المستباحة !!!
#موفق_الرفاعي (هاشتاغ)
Mowaaffaq_Alrefaei#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟