|
أبو بكر محمد بن زكريا الرازي (865 م– 934 م)
غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني
الحوار المتمدن-العدد: 6702 - 2020 / 10 / 13 - 12:16
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
فيلسوف مسلم – فارسي، ولد في مدينة الري (بالقرب من طهران اليوم) عام 865، وكانت وفاته سنة 925 أو 934. كان أبو بكر الرازي "صاحب شهرة في قوة العقل ورجاحة التفكير إلى جانب كونه عالماً في الكيمياء وطبيباً مرموقاً، وإذ عول على المنهج العلمي التجريبي في الطب الجسماني؛ كانت تجاربه الخاصة أيضاً هي المصدر الأول لإسهاماته في "الطب الروحاني" الذي يتضمن فلسفة في الأخلاق، كما كان عقلانياً من طراز فريد، جسوراً يسفر عن اعتقاداته دون خشية، وقد قاده ذلك- بالإضافة إلى منهجه التجريبي – إلى القول "بالارتقاء العلى" فكان يؤمن بالله وينكر النبوة، لذلك كان القرآن الكريم ضمن مصادره في فلسفته الأخلاقية، ولم يعتمد السنة؛ فاتهم لذلك بالزندقة"([1]). واشتهر الرازي خاصة بنقده للنبوات وإبطاله لها، وهو يُنَوّه، بادئ ذي بدء، بأن العقل كافٍ لوحده في معرفة الشر والخير، الضار والنافع، الباطل والحق، وليس له حاجة في ذلك إلى مرجع أعلى منه، يملي عليه شيئاً من ذلك، ولذلك يعتبر الرازي من أكبر الخارجيين عن العقيدة الحقة في تاريخ الاسلام كله. فالناس جميعاً متساوون في العقول والفطن، فليس التفاوت بينهم بالفطر والاستعدادات، وإنما هو في تنمية هذه الاستعدادات وتوجيهها"([2]). ولا يكتفي الرازي بإبراز مناقضة الديانات بعضها للآخر، وإنما يتوقف لبسط ما رآه من التناقض الداخلي لكل منها على حدة، ففي القرآن مثلاً، يشير إلى ما فيه من تعارض الآيات بين التنزيه والتشبيه، أو التسيير والتخيير. كما أكد الرازي أن "الكتب المنزلة حافلة بالأساطير القديمة، وملأى بالتناقضات والسخافات، فليس لها أن تعول على التصديق إلا من قبل ضعفاء العقول من الرجال والنساء والصبيان. وهو يذكر عدة أسباب لحيوية الشرائع، منها التقليد وطول الألفة والتعود والاستمرار التي تصير بمثابة الطبع والغريزة، واستعانة رجال الدين بالسلطان وأولي الأمر في فرض معتقداتهم قسراً. وزعم الرازي أيضاً أن كتب أئمة الشرائع ليس لها، بحد ذاتها، جلب نفع أو درء خير، وذلك خلافاً لمؤلفات العلماء التي تسهل على الناس حياتهم وتحفظ لهم صحتهم"([3]). وقد اشتهر الرازي لا كعالم طبيعي فحسب، بل وكفيلسوف مادي بارز. طور، في اعماله الفلسفية، الآراء القائلة بالمبادئ الخالدة، وهي عنده خمسة مبادئ هي: الهيول، والمكان المطلق، والزمان المطلق، والنفس الكلية، والباري. أما في مذهبه الفكري أو الفلسفي، فقد اختلف الرازي اختلافاً واضحا عن النظرة الاسلامية إلى أصل العالم، حيث يضع المادة، وقرينتيها الاساسيتين – المكان والزمان، جنبا إلى جنب مع الاله، كما ان المبادئ موجودة منذ الازل، وقال الرازي بالعلاقة الوثيقة بين الروح والجسد، واعتبر الحركة صفة أساسية للمادة، لا تنفصل عنها، وكان من أنصار المذهب الحسي المادي في المعرفة([4]). ومن المؤسف اننا لا نعرف نظريته من نصوصه الأصلية، بل من ردود الفعل المضطربة التي اثارتها نظريته لدى معاصريه وغيرهم من المتأخرين عن عصره، امثال البيروني (262- 440ه / 875 – 1048م) ، والشاعر الفارسي الرحالة ناصر خسرو (1003 – 1060م) في كتابه "زاد المسافرين"، وعبدالله بن أحمد بن محمود البلخي الكعبي رئيس معتزلة بغداد (319 ه / 931م) ، والعالم الطبيعي الشهير محمد بن الحسن بن الهيثم (حوالي 965 – 1039م) ، والفقيه المتكلم فخر الدين الرازي (606 ه / 1209م)، وابن جزم الظاهري الاندلسي، الفقيه الطبيب الفيلسوف (944 – 1064 م ) ، وآخرين ليس من اليسير استقصاؤهم. ونلحظ في معظم مناقشات هؤلاء المؤلفين وصفهم أبا بكر الرازي بـ"الملحد"، كما نلحظ لهجة الانفعال والتشنج تسود أسلوب البعض في هذه المناقشات. هذه الظاهرة تقودنا، أولاً، إلى التحفظ في استخلاص مذهب أبي بكر الرازي على حقيقته من ردود معارضيه أنفسهم، ما دمنا غير متمكنين من الاطلاع على نصوصه الاصلية. كما تقودنا هذه الظاهرة، ثانياً، إلى استنتاج أن الفيلسوف أبا بكر كان صريحاً وجريئاً في التعبير عن مواقفه وآرائه المعارضة للمواقف والآراء "الرسمية" السائدة في عصره. والملحوظ أيضاً أن أشد معارضيه محاربة لأفكاره هم من الاسماعيلية. فقد حفظ لنا التاريخ ثلاث وثائق تتضمن هجوماً عنيفاً على مقالة أبي بكر الرازي بشأن قدم الهيولي والمكان والزمان وانكار النبوات ومعجزات الانبياء"([5]). يبدو لنا أن اهتمام الاسماعيليين بالتصدي لآراء الرازي أبي بكر على هذا النحو المتسم بالعنف، يرجع –أساساً- إلى اهتمامهم بالدفاع عن مفهوم الامامة الذي هو القاعدة الايديولوجية لدولة الفاطميين. والمسألة ذات الشأن، في مذهب الرازي، هي قاعدته البرهانية التي ينطلق منها إلى القول بأزلية الهيولي. فان هذه القاعدة تقول بأنه لا يجوز أن يحدث شيء من لا شيء، "لان العقل لا يقبل مثل هذا القول". نجد في "كتاب السيرة الفلسفية" للرازي، أبي بكر، اشارة إلى كتاب له بعنوان: "ان للجسم حركة من ذاته وان الحركة معلومة". ولعل "دي بور" استند إلى هذا العنوان حين قال ان الرازي خالف أصحاب ارسطو بقوله ان الجسم يحوي في ذاته مبدأ الحركة"([6]). أما مذهب أبي بكر الرازي بشأن المكان، فيتلخص بأن المكان غير متناه، وانه قديم، لان كل ما ليس متناهيا فهو قديم، ولان الهيولي قديمة، وبما أن للهيولي أجزاء لا تتجزأ، وبما أن لكل واحد من تلك الاجزاء مقداراً لا يقبل التجزئة لصغره، ولما كان كل قديم ذي مقدار لا بد له من مكان، وجب ضرورة أن يقال أن المكان قديم أيضاً. وقال الرازي، بهذا الصدد، كلاماً آخر يستدل فيه أيضاً على قدم المكان، فهو يرى أنه "لما كان لم يحدث في العالم شيء الا من شيء آخر، صار هذا دليلاً على أن الابداع محال، وأنه غير ممكن أن يحدث الله شيئاً عن لا شيء"([7]). أخيراً، يقول د. حسين مروة في وصفه وتقييمه للرازي " ان محمدا بن زكريا الرازي (854 – 932) يمثل نموذجا للعالم الفيلسوف الذي وضع فلسفته على أساس من تجاربه العلمية ، في الطب والكيمياء بالاخص، فاتجه – لذلك- اتجاها فلسفياً مادياً ظهرت آثاره في كثير من المواقف الفلسفية التي ينتهي بها الرازي أبو بكر إلى القول بقدم الهيولي والزمان والمكان، وهو يحصر القدماء في خمسة هي الله والنفس الكلية وهذه الثلاثة المذكورة. ترك العديد من المؤلفات، ضمنها أعمال فلسفية، مثل "الطب الروحاني" و"السيرة الفلسفية" و"مقالة فيما بعد الطبيعة" و"العلم الإلهي" و"القول في الهيولى" و"القول في الزمان والمكان".
([1]) د. محمود إسماعيل – سوسيولوجيا الفكر الإسلامي .. طور الازدهار (3) .. فكر الفرق.. علم الكلام.. الفلسفة.. التصوف – ص 123 ([2]) أرثور سعدييف و د.توفيق سلوم – كتاب "الفلسفة العربية الإسلامية " –دار الفارابي – بيروت / لبنان – ط1 - 2000 – ص 121 ([3]) موجز تاريخ الفلسفة – جماعة من الأساتذة السوفيات – تعريب: توفيق ابراهيم سلوم – دار الفارابي – طبعة ثالثة (1979 م) – ص 122 ([4]) المرجع نفسه –ص 145 ([5]) حسين مروة – النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية – الجزء الثاني – دار الفارابي – بيروت 1985 – ص545 ([6]) المرجع نفسه – ص548 ([7]) المرجع نفسه – ص550
#غازي_الصوراني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أبو الحسن احمد بن يحيى ابن الراوندي (827 – 911 م )
-
يعقوب بن اسحق الكندي ( 800 م. _ 879 م. )
-
الخوارزمي محمد بن موسى (781 م - 846 م)
-
جابر بن حيان (721 م –815 م)
-
الموقف من العقل لدى -إخوان الصفا- (3/3)
-
-إخوان الصفا- والموقف من الشريعة وخَلقْ الإنسان والخلافة (2/
...
-
إخوان الصفا(1/3)
-
الفلسفة أو المدرسة -المشائية الشرقية-
-
رابعاً: الفلسفة الماركسية (5-5)
-
ثالثاً: الفلسفة البنيويه([1]) (4-5)
-
ثانياً: الفلسفة الوجودية (3-5)
-
أولاً : الوضعية المنطقية ([1]) (2-5)
-
نظرة على فلسفة القرن العشرين (1-5)
-
المعتزلة
-
الفلسفة الإسلامية والعلم
-
علم الكلام
-
كيف نشأ التفكير الفلسفي في العقائد الايمانية الاسلامية؟
-
المذاهب الإسلامية والحراك الاجتماعي
-
تأثير الفلسفة اليونانية في الفلسفة الإسلامية
-
ظهور الفلسفة العربية الاسلامية
المزيد.....
-
لأول مرة منذ 9 أشهر.. شاهد إجلاء مرضى فلسطينيين عبر معبر رفح
...
-
السيسي لترمب.. لا لتهجير الفلسطينيين
-
نتنياهو يتوجه إلى الولايات المتحدة ليكون أول رئيس يلتقي ترام
...
-
-د ب أ-: منظمة الشباب التابعة لحزب -البديل من أجل ألمانيا- ت
...
-
صربيا.. المحتجون يغلقون الجسور عبر نهر الدانوب في مدينة نوفي
...
-
اكتمال تثبيت قلب مفاعل الوحدة الثالثة في محطة -أكويو- النووي
...
-
بعد سحب منتجات كوكاكولا مؤخرا.. إليكم تأثيراتها على الجسم!
-
هل تعاني من حرقة المعدة أو الارتجاع بعد شرب القهوة؟.. إليك ا
...
-
مشاهد للقاء الأسير الإسرائيلي الأمريكي كيث سيغال مع بناته
-
ظاهرة غامضة تتسبب في سقوط شعر جماعي لسكان إحدى ولايات الهند
...
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|