|
الميول البيولوجية الغريزية والتكوينية الوراثية للإنسان
مصعب قاسم عزاوي
طبيب و كاتب
(Mousab Kassem Azzawi)
الحوار المتمدن-العدد: 6700 - 2020 / 10 / 11 - 16:14
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
حوار أجراه فريق دار الأكاديمية مع مصعب قاسم عزاوي
فريق دار الأكاديمية: ما هي برأيك المرتكزات الأساسية للميول البيولوجية الغريزية والتكوينية الوراثية للإنسان، وهل تعتقد بأن الميل للتحرر والانعتاق هو حالة فطرية لدى البشر، أم التكاسل والخنوع والقبول بالأمر الواقع؟
مصعب قاسم عزاوي: خلال مسيرة نهوض سلالة البشر الحاليين التي تعرف باللغة اللاتينية «Homo Sapiens»، و التي قد يستوي ترجمتها إلى اللغة العربية بسلالة «الإنسان الحكيم»، وحلولهم في مكان أسلافهم من السلالات البشرية الأخرى من جنس «هومو»، وهي الرحلة التي امتدت على حوالي مئتي ألف سنة في غالب التقديرات، فإن عمر البشرية كله قد انقضى في مرحلة الجمع والالتقاط التي سبقت مرحلة التوطن الحضري في شكل المجتمعات الزراعية التي لا تتجاوز في عمرها بضعة آلاف من السنين، و هي المرحلة التي استتبعها نهوض أنماط الحضرية المدنية التي لا تتجاوز في أمدها الزمني بضع مئات من السنين.
و ذلك الواقع البيولوجي التطوري و التاريخي في آن معاً اقتضى تكيفاً مورثياً منبثقاً من ضرورة حفاظ البشر على مورثاتهم من الاندثار البيولوجي في حمأة قوانين الطبيعة القاسية التي تشترط دائماً البقاء المورثي للأصلح والأكثر قدرة على التكيف مع شروطها، و هو التكيف الذي أفصح عن نفسه بتمركزه حول الصيرورة التاريخية التطورية لبني البشر و المتواشجة العرى مع الحقيقة بأن البقاء و حفظ النوع البشري من الانقراض كان دائماً مرهوناً بتعزيز الميل الفطري لاكتشاف كل جديد عليه يمثل مدخلاً ملائماً لتعزيز فرص البقاء البيولوجي، بالتوازي مع معدلات أعلى للبقاء على قيد الحياة و فرص أعلى لإنجاب ذرية تخلفهم من بعدهم لأولئك البشر الذين تحلوا بميول فطرية للالتحام بالمجموعات البشرية التي يعيشون في كنفها؛ إذ أن العمل الجماعي مثل الوسيلة الوحيدة لمواجهة قسوة الظروف الطبيعية والصعوبات المهولة على امتداد التاريخ التطوري لبني البشر في تأمين القوت والسلامة من كل أشكال الضواري في مجتمع تحكمه قوانين الغابة. وهو الواقع الذي أفرز أهمية استثنائية لتلك الطفرة المورثية التي تسمى «FoxP2» المسؤولة عن إمكانية التصويت والنطق على شكل لغة، والتي تفتقدها الأوليات الأخرى من قبيل قردة الشمبانزي وغوريلا الجبال والبابون، على الرغم من أن تلك المجموعات الأخيرة تتماثل في البنية الوراثية لخلاياها مع تلك الموجودة في جسم الإنسان إلى درجة تتجاوز 98%. وقد يستقيم التوصيف بأن التصويت والقدرة على الكلام وتخليق اللغة كأداة للتفكير والتواصل والتفاعل مع المحيط الجمعي كانت في كليتها الزناد القادح لنهوض جنس بني البشر وتربعهم على عرش مملكة الكائنات الحية خلال أمد زمني قصير بالمقارنة مع الرحلة التطورية للحياة على كوكب الأرض التي امتدت على ما لا يقل عن أربع مليارات من السنين.
وتلك الحاجة البيئية الضاغطة لتحقيق تواصل فعال بين أفراد البشر للحفاظ على بقائهم هي المسؤولة عن بقاء البشر المعاصرين من جنس «هومو سابينس» وانقراض أبناء عمومتهم وأسلافهم من جنس «هومو نياندرتاليس» الذي لم تتح البنية الوراثية لأفراده إمكانية التصويت والنطق بالشكل الذي تمكن من الوصول إليه سلالة البشر الحاليين.
وخلاصة ذلك النموذج التطوري لبني البشر هو أن الإنسان مبرمج وراثياً لتحقيق أهداف ثلاثة: الميل للاكتشاف والتجريب، الإحساس بكينونته من خلال الجماعة التي ينتمي إليها، والحافز الغريزي للتواصل الفعال والمستمر مع أعضاء تلك الجماعة التي يمثل استمرارها شرطاً بيولوجياً لبقائه. وهو ما يعني في نهاية المطاف بأن الميل الغريزي لدى الإنسان بشكله المضبوط وراثياً مبرمج غريزياً لمقاومة كل ما يقيد ميله الفطري للتحرر والانعتاق من كل ما يقيده في اكتشاف كل ما هو جديد، وكل ما قد يسلبه من إمكانيات التواصل المستمر مع مجموعة بشرية يشعر بالانتماء إليها. وهو ما قد يفسر ذلك الإحساس المرير بخيبة الأمل الجمعية في غالب المجتمعات الغنية التي يتنعم أبناؤها بكل تلاوين الثروة المادية مقترنة بعزلة شبه مطبقة من على حيوات كل منهم التي تحولت إلى جزيرة منعزلة حتى أصبح في بعض تلك المجتمعات أكثر من نصف البالغين يتناولون عقاقير مضادة للاكتئاب، حيث أنهم يشعرون بأنهم يمتلكون كل ما يظنون بأن الإنسان يحتاج إليه، ولكنهم في أعماقهم يشعرون بأنهم لا يمتلكون شيئاً على الإطلاق؛ لأن واقع حيواتهم الفعلية يتنافى مع الميل البيولوجي الغريزي التكويني الوراثي للإنسان، و هو ما يمكن تكثيفه بأن الإنسان حيوان اجتماعي بامتياز، ليس له من فرصة للبقاء الوجودي في مملكة الكائنات الحية دون تلك الصفة الجوهرية في بنيانه الوراثي و صيرورته التطورية.
#مصعب_قاسم_عزاوي (هاشتاغ)
Mousab_Kassem_Azzawi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بصدد مسألة الحياد المعرفي
-
بربرية قوانين حقوق الملكية الفكرية
-
أساسيات الوقاية من سرطان الثدي
-
مفاعيل اقتصاد السوق الوحشي في الحقل العلمي
-
إغراق الوضوح المفهومي في مستنقع المصطلحات الآسن
-
محنة العلماء والبحث العلمي في زمن الإمبريالية المعولمة
-
دفاعاً عن المرأة
-
الاكتئاب عند الأطفال
-
أسباب مرض السرطان
-
دفاعاً عن المستضعفين المظلومين
-
كاملات عقل كاملات دين
-
استنهاض العقل العربي المستقيل
-
هل فيتامين D هو الترياق السحري للوقاية من فيروس كورونا؟
-
نصائح طبية عملية للوقاية من فيروس كورونا
-
آفاق الانعتاق من جلجلة فيروس كورونا
-
تعاكظٌ الرعونة و أدمغة أطفال المسغبة
-
خفايا و تلافيف غزوة مانشستر
المزيد.....
-
الثلوج الأولى تبهج حيوانات حديقة بروكفيلد في شيكاغو
-
بعد ثمانية قرون من السكون.. بركان ريكيانيس يعيد إشعال أيسلند
...
-
لبنان.. تحذير إسرائيلي عاجل لسكان الحدث وشويفات العمروسية
-
قتلى وجرحى في استهداف مسيّرة إسرائيلية مجموعة صيادين في جنوب
...
-
3 أسماء جديدة تنضم لفريق دونالد ترامب
-
إيطاليا.. اتهام صحفي بالتجسس لصالح روسيا بعد كشفه حقيقة وأسب
...
-
مراسلتنا: غارات جديدة على الضاحية الجنوبية
-
كوب 29: تمديد المفاوضات بعد خلافات بشأن المساعدات المالية لل
...
-
تركيا: نتابع عمليات نقل جماعي للأكراد إلى كركوك
-
السوريون في تركيا قلقون من نية أردوغان التقارب مع الأسد
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|