|
تاريخ بعض المفاهيم الإسلامية: ملاحظات وفرضيات شخصية وليست استنتاجات علمية؟
محمد كشكار
الحوار المتمدن-العدد: 6699 - 2020 / 10 / 10 - 11:28
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
ملاحظة منهجية: لا يجب التقليل من قيمة الملاحظات والفرضيات خاصة عندما تصدر عن شخص مطلع نسبيا على التراث الإسلامي من خلال المطالعة الإبستمولوجية الجادة وغير الإيديولوجية. نحن نعرف أن لكل مفهوم (Concept) تاريخ لغوي واجتماعي، والمفهوم ليس كائنا جامدا محنّطا بل هو كائن حي يولد ويموت وينمو ويكبر ويتطور أو يضمر من قلة الاستعمال فينقرض ويندثر. حتى قداسته تتغير حسب المكان والزمان وحسب ظروف حامِلِه الاجتماعية والطبقية والثقافية والدينية. الفرضية العلمية لا تنزل من السماء ولا تنزل على بشرٍ صدفة، هي تنزل فقط على مَن ينتظرها. لو فرضنا جدلاً أن تفاحة نيوتن هي التي أوحت إليه بقانون الجاذبية فليس سقوطها هو سبب اكتشاف القانون وإنما عقل نيوتن العبقري هو السبب الأساسي لأنه عقلٌ حاملٌ لنظرية علمية غير ناضجة وغير مكتملة، وحادثة السقوط ليست سوى الشرارة التي حرّكت ماكينة البحث العلمي الجاهزة في مخ نيوتن وما أكثر مَن سقطت على رؤوسهم أجسام أكبر من التفاحة ولم يكتشفوا شيئا إلا نتوءات في جماجمهم الفارغة. أضيف: الملاحظة والفرضية العلميتان هما أول المرحل في تمشي البحث العلمي، يليهما مراحل التجربة والتحليل والتأويل ثم الاستنتاج وتعميم القانون العلمي الجديد وهو بدوره قابلٌ وعارضٌ نفسه للدحض والتكذيب على صفحات المجلات العلمية المختصة.
لُبّ الموضوع: المفاهيم الإسلامية التي سأتناولها بالتحليل هي صنفان: الصنف الأول يشمل العبادات (الفروض الشرعية أو حقوق الله) كالصلاة والصيام وهي في الظاهر ثابتة وبعد التمحيص نكتشف أن قداستها قد تنقص أو تزيد حسب الجغرافيا والتاريخ. الصنف الثاني يشمل الأحكام والحدود (المعاملات الدنيوية أو حقوق الإنسان) كالجزية وقطع يد السارق وهي تخضع للاجتهاد والتعديل والتطوير، منها مَن لا يزال صامدًا وعصيًّا عن التغيير، ومنها مَن انقرض ومنها مَن في طريقه إلى الانقراض تحت سياط المجتهدين وأولهم عمر رضي الله عنه الذي لم يطبق حد السرقة على السارق في عام المجاعة رأفة بالمسلمين وليس عصيانًا لأمر الله وآخرهم راشد الغنوشي، رئيس حزب حركة النهضة (حزب مدني ذو مرجعية إسلامية سنّية أشعرية مالكية تونسية) الذي حكم البلاد قرابة الثلاث سنوات ولم يحرّم بيع واستهلاك الخمر علنًا ولم يحرّم أيضا ممارسة البغاء العلني في المواخير الحكومية، الشيئان المحرّمان صراحة في القرآن الكريم منذ 14 قرنًا بل حلّل لحكومته استثمار الأموال الحرام المتأتية من هذين النشاطين الاجتماعيَّين المدنّسين حسب تعاليم ديننا الحنيف.
الصنف الأول: العبادات (الفروض الشرعية أو حقوق الله) - الصلاة رُكنٌ أساسي من أركان الإسلام بل الركن الأهم ورغم ذلك لا يمارسها بانتظام إلا عدد قليل من المسلمين (مَن يؤمّون الجوامع ومَن يصلون في ديارهم أو أماكن عملهم) ومَن لا يمارسها يُعتبر عاصيا وليس كافرا. للصلاة قداسة في السعودية أكثر من تونس. - الصوم رُكنٌ أساسي من أركان الإسلام ورغم ذلك لا يمارسه بانتظام إلا عدد قليل من المسلمين (ممارسة يستحيل قياسها أو مراقبتها) ومَن لا يمارسه يُعتبر عاصيا وليس كافرا. للصوم قداسة في تونس أكثر من قداسته في العراق. - الزكاة رُكنٌ أساسي من أركان الإسلام ورغم ذلك لا يؤديها بانتظام إلا عدد قليل من المسلمين الأغنياء (الذين يخافون ربهم في السر والعلن) ومَن لا يمارسها يُعتبر عاصيا وليس كافرا. للزكاة قداسة في قلوب المسلمين المتقين أكثر من قداستها في قلوب المسلمين العاديين. - الحج رُكنٌ أساسي من أركان الإسلام ورغم ذلك لا يستطيعه إلا عدد قليل من المسلمين الأغنياء وكثيرٌ مِمَّن يذهبون إلى مكة يركّزون على التجارة وهي حلال لهم لكنهم يهملون العبادة ويرجعون إلى بلدانهم كما ذهبوا أو أقل تقوى وأكثر إقبالا على ملذات الدنيا. - الجهاد ضد الكفار: في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كان مفهوم الكفار واضحا أي "غير المسلمين المعتدين على المسلمين" أما اليوم فقد ضاع المفهوم المحمدي بحكم العولمة والاختلاط وأصبح في التطبيق لاغيا. حرية المعتقد والضمير لم تُبْقِ لهذا المفهوم معنى، حرية منصوص عليها صراحة في الدستور الجديد الذي شاركتْ في صياغته أحزاب ذات مرجعية إسلامية. هل يُعتبَر الفرنسيون كفارا وفيهم خمسة ملايين مسلم؟ هل دولة النورفاج التي منحتنا أخيرا جائزة نوبل، دولة عدوة لأنها كافرة وهل تهددنا مثل ما يهددنا اليوم الإرهابيون المسلمون التونسيون؟ الكافر اليوم هو الإرهابي المسلم قبل المسالم غير المسلم؟ بل الكفر اليوم هو التخلف والاستبداد والجوع والفقر والمرض والتلوث. فَهِمَ الألمان واليابانيون هذه الحقيقة منذ سبعين سنة وعرفوا عدوهم وحاربوا الجهل والفقر بالعلم والعمل وانتصروا عليهما أيما انتصار دون عنتريات ودون طلقة نارية واحدة وهم ليسوا أقل شجاعة منّا.
الصنف الثاني: الأحكام والحدود (المعاملات الدنيوية أو حقوق الإنسان) - الجزية التي كانت مفروضة في عهود الخلافة الإسلامية على أهل الذمة من المسيحيين واليهود: مَن يجرؤ اليوم أن يطالب اليهودي التونسي أو المسيحي التونسي بدفع الجزية؟ - قطع يد السارق: مَن يجرؤ اليوم أن يطالب بإقامة الحد على السارق؟ خاصة والفساد والرشوة والارتشاء أدواءٌ متفشية في الدول المسلمة وفي كل الطبقات الحاكمة والمحكومة. ولو طبقناه اليوم لا قدر الله، فأحرى بنا أن نطبقه عل الحاكم السارق والقاضي المرتشي والشرطي "بوخمّوس" ورجال الأعمال شركاء الطرابلسية قبل أن نطبقه على سارق دجاحة أو سارق أثاث منزلي. - تسخير العبيد وما ملكت أيمانكم: مَن يجرؤ اليوم أن يطالب بامتلاك عبيد أو جواري؟ - جلد أو رجم الزاني والزانية: مَن يجرؤ اليوم أن يطالب بتطبيق هذه الحدود على الزناة؟ - تحريم الخمر والبغاء: مَن يجرؤ اليوم أن يطالب بغلق الخمارات والمواخير المرخصة من الدولة التي يشارك في حكومتها الحالية حزب النهضة ذو المرجعية الإسلامية المعلنة؟ - تجريم المثلية الجنسية: قال الغنوشي: "لن نتجسس على الناس في بيوتهم ولن نفتش على دليل إدانة في أجسامهم ما داموا عاصين متسترين". - تحريم الفنون: مَن يجرؤ اليوم أن يطالب بِمنع الرقص والغناء والنحت والرسم في تونس؟
إمضائي يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه ويثقوا في خطابه أما أنا -واقتداء بالمنهج العلمي- أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات وأنتظر منهم النقد المفيد. لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة والبراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى وعلى كل مقال يصدر عَنِّي قد يبدو لكم ناقصا أو سيئا نرد بمقال كامل أو جيد، لا بالعنف اللفظي. Ma devise principale : « Faire avec » les conceptions non scientifiques « pour aller » contre ces mêmes conceptions et simultanément aider les autres à auto-construire leurs propres conceptions scientifiques. Les conceptions non scientifiques ne sont pas fausses car elles offrent pour ceux qui y croient un système d`explication qui marche
#محمد_كشكار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سؤالٌ كبيرٌ أجابني عليه مفكرٌ كبيرٌ؟ (سؤال عدد 3)
-
سؤالٌ كبيرٌ أجابني عليه مفكرٌ كبيرٌ؟ (سؤال عدد 2)
-
سؤالٌ كبيرٌ أجابني عليه مفكرٌ كبيرٌ بعد الأكبرُ؟ (سؤال عدد 1
...
-
-الحضارة اليهودية-المسيحية تحتضر والمستقبل للإسلام-
-
تسلّ فكري في مقهى الشيحي صباحاً؟
-
صرخةٌ تونسيةٌ ضد -غزو القِيم الرأسمالية-!
-
أختلفُ معهم، أحترمُ ذَواتِهم، لكنني، وبكل لياقةٍ وَوِدٍّ، أح
...
-
ما الفرق بين العقلانية والعقلنة ؟
-
أشواكٌ معرفيةٌ على الطريق: ماذا يحدث اليوم في الدول العربية
...
-
سارقُ المعرفة يُقرِئُكم السلام ويدعوكم لمقاضاة المفاهيم الثل
...
-
وجهة نظر نقدية شخصية ومحدودة حول -الإعجاز العلمي في الكتب ال
...
-
ماذا دهانا؟
-
اقتراحٌ تربويٌّ قد يكون جزءاً من الحل لإصلاح التعليم في تونس
...
-
لو حدثك واحدٌ بوضوحٍ تامٍّ عن الوضعِ، فالأفضل أن لا تصدقه بل
...
-
بعض النماذج التعلّميّة المُعْتَمَدَة في العالَم؟
-
كلنا أنانيون وغير الأناني فينا نتهكم منه ونحبِطه!
-
أما آنَ الأوانُ للأستاذِ أن يَتحوّلَ من -ناقلٍ للمعرفةِ- إلى
...
-
يبدو لي أن كل الحضارات بُنِيَتْ وطُوِّرَتْ على الطمعِ والأنا
...
-
في تونس اليوم فئتان متصارعتان بصمت، فمِن أي فئة أنت وفي أي م
...
-
مفاهيم إسلامية إشكالية أودُّ لو تُطرَحُ على عموم التونسيين ل
...
المزيد.....
-
كيف ستساعد بقايا سيارة الـBMW بهجوم المشتبه به السعودي على س
...
-
إسرائيل تواصل هدم وجرف المنازل والبساتين في الجنوب اللبناني
...
-
حادثة بـ-نيران صديقة- تسقط طائرتين أمريكيتين فوق البحر الأحم
...
-
الحوثيون يحذرون الدول من مساندة إسرائيل في غاراتها على اليمن
...
-
الثاني في أسبوع.. زلزال بقوة 6.1 درجة يضرب جزر فانواتو
-
في ظل تهديد -وباء رباعي-.. المصادر الغذائية الرئيسية لفيتامي
...
-
مباشر - سوريا: تركيا ستفعل -كل ما يلزم- إذا فشلت الحكومة الج
...
-
عاجل | مراسل الجزيرة: 13 شهيدا جراء قصف إسرائيلي متواصل على
...
-
الحوثيون يكشفون خسائر الغارات الإسرائيلية على موانئ الحديدة
...
-
قوة متحالفة مع جيش السودان تسيطر على قاعدة -الزُرق- بدارفور
...
المزيد.....
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
المزيد.....
|