فلورنس غزلان
الحوار المتمدن-العدد: 1605 - 2006 / 7 / 8 - 11:17
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
للاجابة على هذين السؤالين، هذا يعني الدخول في بحث مطول وتحليل عميق للأوضاع ، بل ويتطلب مواجهة صريحة مع الواقع ، ومع مثقفيه بالذات ــ يكفيهم ما آلت إليه الحال ــ كما يتطلب شجاعة خارقة لمواضيع جد حساسة تصب في قالب الخطوط الحمر الخطرة، ومجرد التطرق إليها يؤدي لعواقب وخيمة.. ولا أقصد هنا أني أخشى طرحها... لكن ربما لم يحن الوقت لكشف المحذور ..وهذا المحذور جزء هام وأساسي في موضوع القيم وتغيرها، والجزء الفاعل الموضوعي في الانتماء... لكني سأكتفي
بالبدايةوملامسة أطراف المرض وطرح قضية علاجه على الكتاب السوريين ...ليتم تناوله وتداوله...وإلقاء الضوء على أهميته في كشف العلل ، التي تنخر نواحي المجتمع السوري، وتؤدي بالتالي لانحداره نحو هاوية القلق والخطر ، ومدى اضطلاع السلطة القائمة في الدور الرئيس بهذا التردي، بل وتعميقه عن قصد يخدم استمرارها ويحفظ بقاءها...الذي قام في الماضي ويقوم على تفكيك البنية المجتمعية وإفراغها من هويتها الوطنية الحقيقية ، وهاهو ماضي الثمانينات من القرن المنصرم ، يعود بحلة قمع جديدة تجتر نفسها وتستنسخ عهدها السابق في ثوب ( التحديث والتطوير!) لضمان البقاء وقد تمثل هذا في تشديد القبضة الأمنية ، وفي المزيد من الاعتقالات والمزيد من التسريح التعسفي وقطع الأرزاق، والتضييق على الحريات وانغلاق المجتمع السوري كلية ، وتأميم الوطن ليغدو سجناً كبيراً وريعاً خاصاً بالأجهزة الأمنية.
قبل عقود أربعة، كانت قيم الحرية والعدالة والمساواة والقانون والديمقراطية ، تشكل هاجساً لكل سياسي سوري.. بل يسعى لتبنيها ونشرها ويناضل من أجلها ويبذل الغالي والنفيس في سبيلها
لكن نظرة سريعة على الوضع السوري للمواطن اليوم، تصيبنا بالإحباط ، فقد حدث انقلاب جذري في المفاهيم وطرق التفكير والعمل على صعيد الفرد والمجتمع، وقد بات من الطبيعي أن تلمس مدى
( الفرديـــة ) المعممة والمغطاة بقشور شكلية من النفاق الاجتماعي.. وانبرى الخوف والعجز والتقصير واللامبالاة أحياناً لتصبح جميعها سيدة الموقف ، وتأخذ دربها للحياة اليومية وترسم بصماتها على حياة الإنسان في المجتمع السوري، الذي عهدناه مجتمع إيثار وتضامن ومودة ، كما هو مجتمع مباديء وُمثُل ترتكز على الإحترام لحملة الرأي السياسي وللطبقة المتوسطة منتجة العلماء والسياسيين ورجال الأعمال والمفكرين وكوادر العلم بشكل عام،لكنها اليوم تسير نحو الانحسار والاضمحلال، بفعل منتجات طبقية طحلبية نبتت كالسرطان في الجسم الوطني، وتغذت على المال العام، وخربت النسيج الوطني ووحدة انتمائه بكافة أطيافه وتنوعه المتعايش عبر الأزمان والعصور، دون حساسيات أو مصادرة لحق فئة على حساب أخرى...ومهما طفت على السطح بعض الممارسات الشاذة، فإن الانتماء للوطن وللشعب كان الهم الأول ، الذي يلجم ويحاسب أي تمييز، ــ لا أريد أن أقول أن الوضع كان بأفضل حالاته ــ
لكنه مع هذا كان أفضل مما نحن عليه اليوم، ومن البديهي أن يتطور ليتجاوز كل الخروقات ، ويتخطى كل الصعوبات أو الأخطاء القائمة آنذاك، لكن التطور السياسي في البلاد ومنذ الحركة التصحيحية الميمونة خاصة، اتخذ منحى مغايرا عاد بسورية القهقرى ...من حيث التعامل المشين مع العقول المفكرة والنخبة المثقفة ، التي تعتبر الحوامل الأهم والقطاع الأقدر على إنتاج فكر عقلاني ينشر قيم الحضارة والنور والديمقراطية، بل أن التعامل كان خلال عدة عقود رمزا لمهانة الفكر واستخداما له في سبيل أغراض النظام واستغلال بعض أقلامه وتجييرها لخدمة مآرب التفكيك المجتمعي ، لحساب سلطات صغيرة تتمركز هنا وهناك.. بفعل الولاء للسلطة القيادية الأكبر التي تدعم فئات على حساب فئات أخرى...مستخدمة كل وسائل التعمية ، من خطاب العروبة والقومية، والقضية الفلسطينية..ومحاربة الاستعمار والمؤامرات الامبريالية ومخططات الغرب ...إلى آخر النغمات الصادحة والمكشوفة لأصغر مواطن... والتي يتخذها النظام كذرائع لممارسة الاقصاء والوصاية ..ومصادرة كل أنواع الحريات العامة والخاصة..دون تشريع لقوانين متحضرة تتوازى طردا مع تطور الحياة والمجتمع.. بل بحجة الاستقرار السياسي للنظام بالطبع...تم خرق كل القوانين..والسيطرة على السلطة التشريعية من أقطاب محددة تملك القرار ، وتقرر مصير البلاد والسلطات الثلاث معها...وترك لمواليه ...الحبل على الغابر...متخذين من الوطن بقرتهم الحلوب..حتى قاربت على النفوق..وما من أحد يجرؤ أن يضع يده على الجروح الحقيقية النازفة ، التي تنخر جسد المجتمع وتسبب ..انفصامه التام ...وغيبوبته عن الحياة العامة.. وصل إلى حد شكه بهوية انتمائه.. وأقصد هنا ..انتمائه الوطني لسورية...لأن ممارسة السلطة ...جعلت المواطن المهمش...ينكص إلى عهود ..أسلافه ..وجذوره البدائية...وانتماءاته الصغيرة ...من عشائرية وطائفية ونزعات ..متشنجة..ونمو كانتونات..كالفطر على هوامش المدن وملحقات لتكوينات غير صحية...يمكنها أن تودي بالبلاد ...نحو منزلقات خطرة ..عبث ويعبث بها من سببوا نشوءها ..ومهدوا لها التربة كي تنتعش وتعيش على حساب الانتماء الحقيقي للأرض والشعب...لسورية أم الجميع...لكن عندما تصبح سورية ...بشعبها وأرضها مرهونة..لأسرة...ولحزب قائد ...ولقانون غير مستقل.. ولعدالة .... يتسلم مفاتيحها الارهاب والترهيب والرعب والقمع... ولغتها...العصا...لمن خالف أصحاب المفتاح والحل والنهي...وما الانتماء سوى لهم...هم الخالدون الباقون...طالما لاتصل صرخاتنا ...ولا تسمع عذاباتنا ولا نجرؤ على البوح... ولا نقرأ الوقائع كما هي ..كما لا نرى وجع ماضينا ودروسه، ولا نعيد النظر بما ارتكبنا من هفوات وممارسات كانت أحد أسباب الغبن في الفهم...نحن كمعارضة...لأن النظام...أبعد من السماء عن الأرض..في امكانية تغيير أطوار نموه..وخروجه من شرنقة الاستبداد والشمولية..واستمرار سياسته القائمة على خطوطه الحمر أمنية الطابع...وفيها ومن خلالها يكمن سر بقائه...وعلينا نحن أقطاب المعارضة...أن نعيد النظر ودون خوف ...باختراق خطوط عنكبوته الأمني ...وحصره في بؤرة أخطائه ...حتى تخنقه خيوطه التي صنعها...واهماً..لأن زمن الثمانينات قد ولى...وعودته لنفس اللغة والنغمة...سيكون وبالا عليه...وعلينا ..إن لم نحسن ...قراءة الوضع الداخلي والعربي والكوني..بطريقة تخدم حرية الرأي والتعبير...والحركة والنشاط من أجل مجتمع ديمقراطي حر تسوده العدالة والقانون دون تمييز لعرق أو جنس ..أو طائفة...أو مذهب على حساب الآخر...وأن تعود للمواطن قيمته وهويته الوطنية المفقودة.
أمام المعارضة اليوم، بكل شرائحها وتنوع اتجاهاتها، كما أمام المثقفين السوريين، دورا حاسما ومهما لكشف المستور والمخفي تحت ستار الوحدة الوطنية ، بينما النار تحت الرماد...يمكنها عند أول نفحة هواء، أن تحرق الأخضر واليابس وتودي بالبلاد إلى هاوية عراقية ثانية ، خاصة أن السلطة لا يمكنها أن تغير وتنفتح باتجاه الشعب ..وهمها الأول ينحصر في الحفاظ على مكانها السلطوي دافعة البلاد نحو الدمار والخراب...لأنها أساسا ..أقامت حصونها الواهية على انتماءات وولاءات ذات طابع طائفي وعشائري وفساد اقتصادي وشراء ذمم ومحسوبيات.. تسندها أجهزة أمنية من نفس النمط..وأجهزة إعلامية ..لا تتقن سوى النعيق والزعيق وإلقاء التهم والتخوين لكل من ينصب همه على الوطن ووحدته وعلاقته السوية مع جيرته وأخوته...فحرب السلطة اليوم تنحصر مع أبناء الشعب ، وبالذات مع مثقفيه ومفكريه..ومع من اختاروا السياسة المغايرة للبعث القائد..أما حرية الأرض المحتلة..وجولاننا الأسير ..فهي خارج حساباته ودفاتره الأمنية..وعلاقته الدولية آنية لحماية ظهره على حساب جيرته ...فشقيقته الجديدة إيران ..هي النصير والبديل!...
على كل المعارضين أن يتجاوزوا الأيديولوجيا والخلافات الصغيرة ..ويوحدوا مواقفهم تجاه الوطن ــ لا أقول يوحدوا صفوفهم ــ لكن أن ينصب همهم نحو الوطن وقضية التغيير وإنهاء حالة الاستبداد والطغيان.. والانتقال بسورية نحو أملها بدولة الحرية والديمقراطية والقانون..
#فلورنس_غزلان (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟