سامى لبيب
الحوار المتمدن-العدد: 6691 - 2020 / 9 / 30 - 18:56
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
فوقوا بقى - الجزء الخامس .
فى هذه السلسلة من "فوقوا بقى" نبتعد عن النقد الفلسفى والمنطقى والأكاديمى والميثولوجى للأديان فلم يَعد يُجدى فى فضح هشاشتها وسذاجتها وتهافتها وتناقض محتوياتها وبشرية فكرها وأداءها أمام المؤمنين بها , وهذا يرجع لتجذر ثقافة التلقين والتسطيح والتجهيل والتجحيش حسب قول الأستاذة ماجدة منصور , لذا قد يُجدى النقد الساخر والصفع المباشر لعل العقول تستفيق .
فى الجزأين الأول والثانى ألقينا الضوء على السذاجة المفرطة والتهافت الشديد في الأديان المتلحفة بعقل يفتقد التركيز , فلسنا بحاجة إلى النقد الفلسفي لفكرة الإله والدين , لنتعامل مع ألف باء عقلانية وألف باء بديهيات لنجد أنفسنا أمام نصوص شديدة السذاجة والتهافت والعشوائية فى تصوراتها وأطروحاتها ينتابها حالة من عدم التركيز فتنال من فكرة الإيمان بإله عظيم قدير ليحل مكانها إله ساذج يهذى متخبط .
بالطبع لسنا أمام نصوص إلهية كما يَدعون بل أمام فكر بشري خرافى ساذج إرتدى عباءة المقدس ومن هنا جاء الخلل والهذيان لإنسان قديم إمتلك قدر لا بأس به من السذاجة والجهل وعدم التركيز .
فى الجزء الثالث والرابع من "فوقوا بقى" تناولت الخرافة والهذيان فى أطروحات الكتب المقدسة فلا يسأل أحد لماذا أقول أن الكتب المقدسة كتابات بشرية .. نعم نحن أمام رؤي بشرية جاهلة إرتدت حلة إلهية فى طرحها لندرك مدى تهافتها وهذيانها , فلم يعد هناك طفل معاصر يقبل بهكذا خرافات وهذيان .
الجزء الخامس الذى نحن بصدده بمثابة لمس أكتاف فى حلبة المصارعة لنلقى الضوء على بشرية النص الدينى وكيف تم تأليفه وصياغته .
* أسباب التنزيل .
كيف لم ينتبه أحد إلى أن النص القرآنى جاء لمعالجة حدث وظرف معين والتعاطى مع شخص معين وهذا الكلام ليس إدعائى بل هو فقه مؤسس فى الإسلام يُدعى بأسباب التنزيل ليقول الواحدى وهو من أئمة المفسرين : « لا يمكن تفسير الآية دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها » .
يُفترض فى النص الإلهى عدم إرتباطه بحدث معين فهو ناموس ودستور تم تدوينه منذ الأزل لإبلاغه لكافة البشر ليكون صالحاً لتعاطيهم فى كل زمان ومكان , لذا من المُفترض أن النص يسبق الحدث وليس نتاجاً عنه أو بمعنى آخر مُنزه عن تأثير فلان أو علان فى المشهد الحياتى للنبى لإستجلاب النص ومعالجة الموقف , ولكن واقع الحال أن كل آية فى القرآن مرتبطة بحدث معين ورد فعل لمشهد معين , ليأتى النص لمعالجة الحدث والرد على فلان أوعلان .. فهل هذا يعنى أننا أمام نصوص إلهية محفوظة منذ الأزل أم أننا أمام نصوص بشرية تعالج حدث أو طارئ أو إشكالية حينها لتمارس فعل الإنسجام والتوافق مُتقيدة بملابسات وظروف الحدث , فمن البديهى لا يمكن أن تُعتبر تلك النصوص التوافقية نصوص إلهية, ومن الخطأ إعتبار تلك الآيات دستور ومنهج وشرع حياة لكل زمان ومكان وهى التى إرتبطت بحدث خاص بشخوصه فى زمان ومكان وظرف محدد , فماذا يكون الحال لو لم يتحقق هذا الحدث الخاص؟!.. نحن أمام عملية تأليف واضحة تفضح الزعم أننا أمام نصوص إلهية محفوظة منذ الأزل.. ولنذكر بعض الأمثلة وليس كلها :
- عبد الله بن أبى السرح هرشها .
لدينا قصة عبد الله بن أبى السرح ولمن لا يعرفه فهو صحابي جليل أسلم قبل صلح الحديبية وأوكل إليه محمد مهمة كتابة الوحي , ثم ارتد هذا الرجل عن الإسلام !. وهو الذي نزلت في شأنه آية: (ومن أظلم ممن إفترى على الله كذبا أو قال أوحي إليّ ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله ) لذا فإرتداده بالرغم أنه صحابى نال ثقة النبى بكتابة الوحي ليعطى إرتداده علامة إستفهام كبيرة , ولكننا لن نحتار كثيرا عندما نتوجه إلى كتاب أسباب التنزيل للواحدي ليشرح لنا سبب نزول آية " وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ " فيقول : نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ كَانَ قَدْ تَكَلَّمَ بِالإسْلامِ، فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ يَكْتُبُ لَهُ شَيْئًا، فَلَمَّا نَزَلَتِ آية سورة الْمُؤْمِنُونَ: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ من طين أَملاهَا عَلَيْهِ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى قَوْلِهِ: ثُمّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ عَجِبَ عَبْدُ اللَّهِ فِي تَفْصِيلِ خَلْقِ الإِنْسَانِ، فَقَالَ : تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-هَكَذَا أُنْزِلَتْ عَلَيَّ ، فَشَكَّ عَبْدُ اللَّهِ حِينَئِذٍ وَقَالَ: لَئِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ صَادِقًا لَقَد أُوحِيَ إِلَي كَمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ، وَلَئِنْ كَانَ كَذَّابًا لَقَدْ قُلْتُ كَمَا قَالَ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ , وَارْتَدَّ عَنِ الإسلام .هَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ الْكَلْبِيِّ .. فكيف تفسر هذا ؟!
- هل هو توارد خواطر بين الله وعبد الله بن ابى سرج .
- هل هرشها عبد الله بن أبى سرج لذا قال : " لَئِنْ كَانَ مُحَمَّد صَادِقًا لَقَدْ أُوحِيَ إِلَي كَمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ، وَلَئِنْ كَانَ كَذَّابًا لَقَدْ قُلْتُ كَمَا قَالَ " .!
- هل محمد أُعجب بتعقيب عبد الله : " تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ " , فأقتبسها ولم يفطن أن هذه العبارة تنفى التوحيد فهناك خالقين والله أحسنهم .
- ولا يهمك نشطبها !
فى البقرة 284( وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ) ليستصعب الصحابة هذا الحكم لدرجة ان هناك من بكى , فالله قرر أن يحاسب البشر عما يضمروه فى أنفسهم أي على نيتهم ليدرك محمد ذلك فأطلق أولا حديثه : (عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم ) . ليعقبها بآية ( لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا ) سورة البقرة 286 .فكيف تفسر هذا ؟!
- الله لم يُدرك أن الآية الأولى البقرة284 مَعطوبة غير صالحة وستلقى الرفض والإستهجان فتدارك خطأه هذا فى البقرة 286 ليلغى الأولى , فلم يتأخر الله كثيرا , وجل من لا يسهو !
- أم أن محمد إخترع الآية الأولى وعندما وجد الإستهجان إضطر لتعديلها فى الآية الثانية , أم أن الله يُخطأ ولا يَعلم .
- سبوبة وضاعت .
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) . ذهب أكثر العلماء إلى نسخها بقوله تعالى: ( أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُم صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُم فَأَقِيمُوا الصّلاةَ وَآتوا الزكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) .
عندما تُليت الآية الأولى لم يعمل بها غير علي بن ابى طالب فكان له دينار فباعه بعشرة دراهم, فكان كلما ناجى الرسول صلى الله عليه واله وسلم قدم درهما حتى ناجاه عشر مرات. وروى ابن جرير بإسناده عن مجاهد قال: " قال علي رضي الله عنه آية من كتاب الله لم يعمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي ، كان عندي دينار فصرفته بعشرة دراهم، فكنت إذا جئت إلى النبي صلى الله عليه واله وسلم تصدقت بدرهم، فنسخت فلم يعمل بها أحد قبلي: إذا ناجيتم "., وقال الشوكاني: وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عنه - علي بن أبي طالب - قال: " ما عمل بها أحد غيري حتى نسخت، وما كانت إلا ساعة يعني آية النجوى ". فما تفسيرك لهذا ؟
- سبوبة كان يأملها الرسول وضاعت عليه .
- عندما وجد الله أن الصحابة أصحاب ضيق يد أو مقطرين على النبى فنسخ الآية , فلا تتوقف أمام هذا النسخ السريع بعد "الساعة" , فقد زود الله جبريل ب600 جناح ليقطع مليارات السنين الضوئية فى ساعة !
- محمد كان يأمل أن يقدم الصحابة صدقة عند لقاءه وعندما وجد استنكارهم وشح يدهم دخل غاره أو خيمته وتراجع بعد الساعة .
- طب إكتب دى كمان .. لعيونك يا ابن مكتوم .!
"لَايَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله" - قال زيد بن ثابت: أملى عليَّ محمد: لا يستوي القاعدونَ مِنَ المؤمنينَ والمجاهدونَ في سبيلِ الله . فجاءهُ ابنُ أُم مكتومٍ وهو يُمِلُّها. قال: يارسولَ اللهِ، واللهِ لو أستطيعُ الجهادَ لجاهدتُ. وكان أعمى فأنزلَ اللهُ على محمد وفخذُهُ على فخذي، فثَقُلَتْ عليَّ حتى خِفْتُ أن تَرُضَّ فَخذِي. ثم سُرِّيَ عنه فأنزلَ اللهُ: غيرَ أُولِي الضرَرِ . وقال البَرَاء: لما نَزَلَتْ: لا يستوِي القاعدونَ مِنَ المؤمنينَ دعا محمد زيداً فكتبها. فجاء ابن أم مكتومٍ فَشَكا ضرارَتَهُ، فأنزلَ اللهُ غيرُ أُولِي الضَّرَرِ . وقال البَرَاء: لما نزلت: لا يستوي القاعدونَ من المؤمنينَ قال محمد: ادْعُوا فُلاناً. فجاءهُ ومعهُ الدَّواةُ والَّلوحُ أو الكَتِفُ، فقال: أكْتُبْ: لا يَستَوِي القاعدونَ من المؤمنينَ والمجاهدونَ في سبيل اللهِ، وخَلْفَ النبي ابنُ اُم مكتُومٍ، فقال يارسولَ اللهِ أنا ضَريرٌ. فنزَلَتْ مكانَها: لا يَستَوي القاعدونَ مِنَ المؤمنينَ غيرُ أولي الضرر، والمجاهدونَ في سبيل الله . (أخرجه البخاري والسيوطي في أسباب نزول النساء 95) .
بماذا تفسر :
- كيف تفسر تعديل الآية؟ , فهل كانت فى اللوح المحفوظ منذ الأزل , أم ان مشهد عمرو بن مكتوم لم يكن وارداً .
- هل الملاك جبريل كان على باب الخيمة وعندما وجد تدخل بن مكتوم أجرى إتصال موبايل مع الله , فأشار الله بالتعديل ليهمس جبريل بعدها فى أذن النبى !
- أم أن الأمور بسيطة فى فهمها , فكل آيات القرآن جاءت لتعالج أمور فى حينها ليتفاعل محمد مع الحدث ومتطلباته ليخرج آيات تفصيل تتوافق مع كل ظرف مع مشاركة الآخرين فى التأثير .
- أخ معلهش نسيت من الفجر.
( وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ).هذه الآية كآية غير أولى الضرر فقد ذكرها النبى بدون كلمة (من الفجر) ثم أضافها فى وقت لاحق بعد أن أدرك إرتباك المسلمين فى التعاطى معها ويمكن أن نستشف أحداثها من كتاب البخارى :( حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا بن أبي حازم عن أبيه عن سهل بن سعد حدثني سعيد بن أبي مريم حدثنا أبو غسان محمد بن مطرف قال حدثني أبو حازم عن سهل بن سعد قال أنزلت : ( وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود) ولم ينزل { من الفجر } فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجله الخيط الأبيض والخيط الأسود ولم يزل يأكل حتى يتبين له رؤيتهما فأنزل الله بعد { من الفجر } فعلموا أنه إنما يعني الليل والنهار ) . ولا تعليق !
البخاري : كتاب الصوم / باب قوله تعالى ( وكلوا واشربوا حتى يتبين ...)
* آيات خاصة بمحمد .
يعج القرآن بالكثير من الآيات الخاصة بالنبي محمد والتي تتعامل مع مشاكله العاطفية خاصة لتستغرب من هذه الآيات وكيف تكون من إله , وماجدواها لمئات الملايين من المسلمين , فبديهيا يستحيل ورودها من إله إذا كان موجوداً لأنها تنال من عظمة ورفعة وألوهية الإله وتضعه يخوض فى توافه الأمور لا تعنى رسالته , فلك أن تعلم أن الإله مالك هذا الكون الهائل بكل مجراته ونجومه التى تبلغ 225 مليار مجرة وكل مجرة تحوى 200 مليار نجمة يعتنى بالقصص العاطفية لمحمد .. إله يمتلك ويدير هذا الكون الهائل ينصرف عن إدارته لتتصادم مجرات وتنهار وتتفجر نجوم تبتلعها ثقوب سوداء ليعتني بالقصص العاطفية لمحمد !! , فهل هذا منطقى أم أننا أمام نصوص بشرية كتبها محمد ليفى رغباته العاطفية . سأكتفى بسرد بعض هذه الآيات .
- فى الأحزاب 50: (وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين . ترجي من تشاء منهن و تؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك ) .
- وفى الأحزاب 37 (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْد مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا .)
- وفى التحريم 1 ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيم)
- وفى الأحزاب 53 ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ) .)
هذه بعض الآيات التى تخص النبى ولتقف وتتأمل في منطقيتها ومغزاها ولتسأل هل من المعقول أن تصدر من إله كلى العظمة والرفعة لتصل الأمور أن تنزل آية تمنح محمد رخصة نكاح إمرأة تهب نفسها له أو تلك الآية التي تسمح له بالزواج من زوجة إبنه , ولك أن تتوقف أمام الإله كلى العظمة والرفعة ليأمر بالإستئذان عند دخول بيوت النبى , فهل هذا صادر من مدير وصاحب مملكة تحتوى على 225 مليار مجرة وكل مجرة تحوى 200 مليار نجمة !!! ثم لك أن تسأل ماجدوى مثل هذه الآيات فى القرآن وماجدواها بالنسبة للمسلمين فهى ليست للقدوة والإمتثال كونها خاصة بالنبى ؟! فألا يعنى لك أننا أمام نصوص بشرية كُتبها محمد لتحقيق رغباته بدون لباقة وحكمة .!
* الناسخ والمنسوخ .
- الناسخ والمنسوخ فقه إسلامى أعلن عن نفسه فى القرآن بآية سورة البقرة 106 " ما نَنْسَخُ مِنْ آيَةٍ أَو نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَو مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ الله عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِير " أى أن الإله قرر نسخ حكم بعض الآيات لتحل مكانها آيات أخرى , وقبل التطرق لهذا الخلل المنطقى الذى ينال من فكرة الإله ذاته كمتردد يفتقد العلم وعاجز عن المعرفة المسبقة , لك أن تستغرب وتندهش أن الآيات الناسخة والمنسوخة لم يشير لها الإله فى القرآن أو حتى نبيه فى الأحاديث الكثيرة التى تناولت أمور ليست بذات معنى ولا أهمية , فأليس من الأهمية والإستحقاق أن يتم تحديد الآيات الناسخة من المنسوخة حتى يكون العباد على بينة من الأحكام الجديدة والنهائية فلا ينتابهم اللبس والإلتباس بتبنى آيات منسوخة .
نظراً لإهمال هذه القضية فغالبية المسلمين لا يدركون شيئاً عن الناسخ والمنسوخ , وإن أدركوا فلا يعلمون ما هى الآيات المنسوخة من الناسخة وهذا ما يؤدى إلى حالة الإلتباس والتناقض فى الخطاب الإسلامى , فالمسلم إما يحمل إزدواجية فى الرؤى ليتبنى آيات الصفح والتسامح مع آيات العنف والمواجهة معاً , أو يتعامل بشكل مزاجى لينتقى آيات السلم والصفح مثلا كغالبية المسلمين أو ينحاز إلى آيات القتال والعنف كالسلفيين والجهاديين والدواعش .
- فكرة الناسخ والمنسوخ تفضح مقولة علم الغيب والمعرفة الإلهية المطلقة فإذا كان الله إعتمد الآيات الناسخة فلماذا أنزل الآيات المنسوخة ! وليثار سؤال تعجبى آخر : هل الآيات المنسوخة فى اللوح المحفوظ منذ الأزل بإعتبار أن كل حرف فى القرآن جزء من الذكر المحفوظ في صحف أبدية , فألا يعتبر الناسخ والمنسوخ هكذا تحريف في قرآن اللوح المحفوظ , كما تتناقض فكرة الناسخ والمنسوخ مع الآية القرآنية التي تقول : "لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا" النساء4 , فهناك إختلافات كثيرة بالفعل بدليل ما يتم نسخه .
سأقدم بعض الأمثلة من الناسخ والمنسوخ الأشد غرابة , والغريب أن الكثير من النسخ تم فى نفس السورة , فما هو رأيك فى الآيات الناسخة والمنسوخة فى السورة الواحدة أى التى لم يجف فيها مداد الآية المنسوخة بعد ؟! , والطريف أنها تناولت أمور لم تستدعى أبدا ظهور الآيات المنسوخة فهى لا تتعامل مع مرحلة كحال التعامل مع الآخر وأهل الكتاب مثلا وهذا ما سيأتى ذكره .
- فى سورة المجادلة آيتان متتاليتان أحدهما منسوخة والأخرى ناسخة ولك أن تندهش وتستغرب وتفتح فاك فهكذا روائع وغرائب الناسخ والمنسوخ وليحظى الناسخ والمنسوخ فى هاتين الآيتين على إجماع الفقهاء ليقرها النحاس - مكي بن أبي طالب - ابن الجوزي -السيوطي - الدهلوي الزرقاني - مصطفى زيد .
الآية المنسوخة : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُم الرسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) المجادلة /12
الآية الناسخة : ( أَأَشفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ )المجادلة /13
الآية الأولي تتحدث عن أمر الله للمؤمنين بدفع صدقة حال مناجاتهم لمحمد , أما الثانية فهي تشير إلي تراجع إله القران عن هذا الأمر عندما فوجيء محمد بإمتناع المؤمنين عن المناجاة خشية دفع الصدقة .!
- فى سورة البقرة توجد آيتان احدهما منسوخة والأخرى ناسخة فآية البقرة 240: ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ ) منسوخة , بينما البقرة 234 : ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ) ناسخة , وأقر بالنسخ النحاس - مكي بن أبي طالب - السيوطي - ابن الجوزي .
- الآية المنسوخة : ( يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين ) الأنفال /1 .
الآية الناسخة : ( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ) الأنفال /41 . واقر بالنسخ النحاس .
فلتلاحظ أولا أن الآيتان فى سورة الأنفال 1, 41 أى أن النسخ تم فى نفس السورة ولنا أن نتوقع أن الفارق الزمنى قصير بينهما , فهما فى سورة واحدة !
- الآية المنسوخة : ( انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ) التوبة /41 .
الآية الناسخة : ( وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) التوبة /122. وأقر بالنسخ السيوطي .
آيتان فى نفس سورة التوبة أحدهما 41 والثانية 122 فى الأولى المنسوخة أمر بالإستنفار لكافة المسلمين , وفى الثانية الناسخة يطلب عدم إستنفار كافة المسلمين ولا نعلم هل نغلق الشباك أم نفتحه , ولكن بالبحث فيما يعرف بأسباب التنزيل سندرك الحدث الذى أنتج الآية . قال ابن عباس في رواية الكلبي : لما أنزل الله عز وجل عيوب المنافقين في غزوة تبوك كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث السرايا فكان المسلمون ينفرون جميعا إلى الغزو ويتركون النبي صلى الله عليه وسلم وحده ، فأنزل الله عز وجل هذه الآية وهذا نفي بمعنى النهي .. وكأن لسان محمد : هتسبونى لوحدى ولا إيه !
- لى ملاحظة أخيرة فإذا كنت قد أثرت موضوع الناسخ والمنسوخ كدلالة على بشرية النص وخضوعه للتأليف والموائمة علاوة هى أنه ينتقص من الذات الإلهية كلي العلم والحكمة والكمال المطلق إلا أننى أتوقف أمام النسخ فى القرآن الذى يبدد أى إنسانية فالآيات الداعية للقتل والقهر نسخت عشرات الآيات التى تدعو للصفح والسلم فآية سورة التوبة مثلا :" فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ " التوبة 5 . نسخت 30 آية فى القرآن تدعو للصفح والمسالمة وهذه هى المأساة وخطورة حضور الوعى بحقيقة الإسلام !!
- فى الحقيقة المرء فى حيرة من أمره فهناك شئ غريب وشاذ وهو أن الجهل فى بعض الأحيان نعمة والمعرفة نقمة ! فلا تندهش فغالبية المسلمين تتبنى الآيات المنسوخة فى نهج حياتها مثل "لا إكراه في الدين" - "فاعرض عنهم وعظهم " – "فاصفح الصفح الجميل" - "أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين" – " لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ " ألخ , ولتنفر من سلوك وفكر الجماعات الإسلامية الجهادية المتشددة المتكئة هى الأخرى على آيات القتال والغلظة بالرغم أن الأخيرة هى من تتبنى الآيات الناسخة وتلتزم بها وتنصرف عن الآيات المنسوخة , فهل يكون الوعى بالناسخ والمنسوخ فى مصلحة المسلمين أم نقمة عليهم ؟!
* تناقضات فى النصوص القرآنية .
عندما نقول أن الأديان نتاج فكر بشرى فلا يكون قولنا هذا تعسفاً أو إدعاء بل حقيقة يمكن تلمسها بدون عناء من دراسة الأساطير والقصص التي تروج لوجود كائنات ميتافزيقية خرافية كإله وشيطان وجن وعفاريت وملائكة دون أن تقدم فى مقابل ذلك أي إثبات على وجودها بالرغم من عظم تلك الإدعاءات والقصص المروية عنها وشيوعها , كما لا تكتفي بشرية الأديان بحجم القصص الخرافية بل تقذف لنا بحجم لا بأس به من المغالطات العلمية التى يفضحها العلم كالشمس التى تشرق وتغرب وتدور حول الأرض المسطحة, وتلك السماء التى بمثابة سقف مرفوع على أعمدة فى بعض الميثولوجيات وبدون أعمدة مرئية فى ميثولوجيا أخرى لتلتصق بها النجوم كمصابيح إضاءة وهذا ماتناولته فى الجزء الرابع والخامس من "فوقوا بقى ".
كما يضاف لبشرية الأديان طرحها لمنظومات تشريعية وسلوكية وفكرية تتعاطى مع واقعها وتؤطر لمجتمعاتها لم تعد تتناسب مع أنساقنا العصرية , وإذا كان هذا يعنى شئ فهو أننا أمام تصورات ورؤية إنسان قديم للحياة والوجود , هكذا كانت حدود معرفته وتصوراته وتعاطيه مع واقعه لينسج قصص وخيالات وشرائع لا تخرج عن طبيعة فكره ومستوى معارفه فلا يغيب هذا عن أي عقل مطلع على النص التراثي الباحث بموضوعية لم يصيبها التخدير والإنبطاح أمام المقدس , أي عقلية حيادية متزنه وضعت الحصان أمام العربة ولم تتبع العكس .
دعونا نعرض بعض المشاهد من القرآن تثبت بجلاء بشرية النص ولن نطالب هنا أن يتحلى أحد بعقلية حيادية نزيهة ولا أن يتخلص من نظرته المقدسة , فالمشهد بما يحمله من جلاء ووضوح كفيل أن يثقب العيون الغافلة ويصفع العقول المخدرة بسكرة المقدس بمشاهده الفجة ذات التناقض الحاد والتي لن يجدى معها أى مرواغات وإلتفافات باحثة عن تبرير وتلفيق فهي لن تترك سوى الحرج الشديد وتجعل العقل يتحرر قليلا من شرنقته متحسساً رؤيتنا عن بشرية الأديان .
لن يكون سبيلنا الإتكاء على حالة غموض أو إلتباس فى فهم النص تستنتج التناقض , فالتناقض من الفجاجة والوضوح تجعله لا يقبل أى تأويل أو مرواغة فهى تصريحات إلهية تتعلق بالحدث وعلم الإله المطلق لتصرح بشئ فى موضع وتذكر خلافه فى موضع آخر ,أى أننا سنتناول تضارب الحدث والمشهد الإخبارى الذى يدل على بشرية كاتب إعتراه السهو والغفلة وعدم التركيز .
فى الحقيقة سبق لى تدوين التناقضات فى القرآن فى سلسلة ثرية من المقالات بعنوان :تناقضات فى الكتابات المقدسة " لأتناول زخم تلك التناقضات فلا بأس من تدوين بعضها هنا كأمثلة :
- هل ينطقون أم لا ينطقون .؟!
فى مشهد إخبارى أيضا عما سيدور فى يوم القيامة للكافرين نجد مشهد متناقض فالقرآن يقول :( يوم نختم على أفواههم ) وأيضاً (هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون) وكذلك (ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون) مما يدل على أن الكفار فى يوم القيامة ممنوعون من الكلام حتى للدفاع عن أنفسهم , ولكننا نجد في آية أخرى أنهم ينطقون ويتكلمون بحرية (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلانَا مِنَ الْجِنِّ وَالإنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الأَسْفَلِينَ ) فصلت. وفى آية أخرى (ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ) الأنعام. وفي آية ثالثة (وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ ) الأنعام .
إذن لدينا آية تقول بإخراس الكفار عن النطق فى يوم القيامة ( يوم نختم على أفواههم ) وآيات أخرى نجدهم ينطقون ويتكلمون فما معنى هذا سوى أننا أمام تناقض وتضارب شديد لن تجد ما يسعفه أو يبرره فهو يتناول مشهد إخباري من علم الله ليوم القيامة , ومن هنا لن تخرج الأمور عن وصف بشري لمشهد متخيل تأثر هذا الوصف بما يعتمل في نفس هذا الشخص من مشاعر وانفعالات لحظة التأليف .
- يتساءلون أم لا يتساءلون !
في نفس مشهد يوم القيامة نجد القرآن يخبرنا عن حال البشر ( فلا أنساب بينهم يومئذٍ ولا يتساءلون ) كما يسترسل فى سرد المشهد الرهيب ليوم القيامة بقوله: ( يوم يفر المرء من أخيه، وأمه وأبيه، وصاحبته وبنيه) ليتضح أن هول الموقف لن يسمح لإلتفات المرء فيه لأخيه أو أمه وأبيه فضلاً عن إنشغاله بباقي الناس مما يؤكد قوله " لا يتساءلون ". ولكننا نجد القرآن في آية أخرى يقول: ( وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ) .ويقول أيضاً :( فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون ). مما يدل على أن الكفار يتساءلون ويتلاومون ..فهل يتساءل الكفار يوم القيامة أم لا ؟!
- هل الإيمان إطمئنان أم وجل .؟!
يقول القرآن في وصف المؤمنين ( الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله، ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) الرعد. وهذا وصف جميل يجد صداه لدى أهل الإيمان وكثيراً ما يتم ترديده بأن القرآن وذكر الله يمنح الطمأنينة والأمان ونرى هذه الدعاية والتوصيف تجد سبيلها أيضا عند كل أصحاب الإيمان , فالمسيحى واليهودى يجد طمأنينة وسلام عند تعاطيه مع الكتاب المقدس , فالانسان رهين أوهامه يستطيع أن يطوع عقله وعواطفه ليتقبل ما يريد أن يتقبله , ولكن القرآن لا يحافظ على هذه البشارة التى قدمها بأن القرآن يجلب الطمأنينة لنجده فى آية أخرى في سورة الأنفال تقول : (انما المؤمنون الذين اذا ذكر الله وَجلت قلوبهم) فنحن هنا أمام معضلة, فالفعل هو ذات الفعل وهو ذكر الله , والفاعل هو نفس الفاعل وهو المؤمن , ولكن الله يقرر في الآية الأولى أن ذكر الله يطمئن القلوب ثم يذكر في الثانية أنه يصيب القلوب بالوجل وهو الخوف والاضطراب .!
- الله والنسيان .!
بحكم أن الله كلى المعرفة وعالم الغيب وما تخفيه الأنفس فيكون منطقياً ألا ينسى , فالنسيان حالة إنسانية تعنى الضعف والوهن لذا يقول في مريم 64 (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّا) وفى طه 52 : [فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى] ولكن نفس القرآن يجعل الله ينسى كما فى التوبة: 67 ( نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ ) !
فهل ينسى أم لا ينسى ؟!.. تفسيرى لآية التوبة أنها جاءت كإنفعال بشرى يشوبه العصبية تجاه المخالفين فكما جعل صاحب النص الله يضل ولا هادى بدونه ولا سبيل نجاة من ضلاله ليختم البشر بختم الضلال كرد فعل ضد الناقدين والمعارضين الذي عجز عن مواجهتهم ليسوق أن نقدهم لم يأتى لقوة حجتهم بل جاء كنتيجة قدرية لتضليل الله لهم رغماً عنهم لتقترب آية " نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ" من هذا النهج الفكري كنهج عناد , ولتبقى فى النهاية تناقض أمام من يرفضون بشرية النص وعليهم ان يتوقفوا عنده .
- شئ غريب ..تناقض فى آيتين متتاليتين .!
فى سورة النساء لدينا آيتان متتاليتين متناقضتين والغريب أنهما متجاورتين هذه المرة ففى النساء 78:4 (وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِب ْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا ) . وفى النساء 79:4 ( مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولا ) .
ففي الآية الأولى تقر بشكل واضح أن الحسنه والسيئة من عند الله , أما الآية الثانية تجعل الحسنه فقط من الله أما السيئة فمن البشر , لتشكل هاتان الآيتان إشكالية كبيرة أدت لظهور مذهب القدرية كفصيل فكرى إسلامى , فهل السيئة من الله أم من أنفسنا .
فى الحقيقة ان كثير من الآيات القرآنية تجعل السيئة من الله كأنه يفتن ويضل مثل القول ( قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ ) طه 20 .و العنكبوت 29 ( وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) .
ختاما .
بعد هذا العرض فألم يحن الوقت للإستفاقة من هذه الغيبوية , فالأمور جلية تصرخ وتعلن عن أننا أمام نصوص بشرية جاء مؤلفها ليتوائم مع أحداث وتحقيق رغبات ورؤى سياسية بنظرة وسلوك بشري يفتقد للدقة والتركيز والحكمة .. فمتى نستفيق ؟!
دمتم بخير وعذراً على دسامة المحتوى.
"من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته "أمل الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع.
#سامى_لبيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟