أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حكمت الحاج - الشّعرُ عِلْمَاً..















المزيد.....

الشّعرُ عِلْمَاً..


حكمت الحاج

الحوار المتمدن-العدد: 6691 - 2020 / 9 / 30 - 06:24
المحور: الادب والفن
    


الشعر والعلم..! هل هما متضاربان؟
لماذا يبدوان لنا كحقلين متوازيين لا ولن يلتقيا أبدا؟
حسناً.. إنهما مثل ضدين أبديين. ولكن آخر الأبحاث في العلاقة ما بين المجالين، الشعر والعلم، تقول إنهما كانا متشابكين متداخلين منذ فترة طويلة. في مسرح راوندهاوس، في حزيران/ يونيو لسنة 2016، ألقى الشاعر روبن لامبول* بأداء دراماتيكي رائع قصيدته الشهيرة عن علاقة الشعر بالعلم والدين. وأظهر في صراخ موحٍ وصوت مسرحي غاضب وبأسلوب شاماني مفعم بالنذير إن "العلم يتحول الى إمتاع الناس بحقائق العلم الطبيعي واستعمالها شعبيا، وإن الدين اليوم يعني أن نضيف الى الأناجيل الأربعة كتابا مقدسا آخر يكون عنوانه الإنجيل بحسب أنتيكرايست نيتشه". (= المسيح الدجال).
واليوم، فإن العديد من الشعراء يقبلون على احتضان واستكشاف كل نظريات العلوم البحتة والعمل على حقائق الفيزياء وعلم الفلك والطبيعة، والمجالات العلمية الأكثر شعبية للشعراء. إن فكرة العلماء كشعراء هي فكرة شائعة اليوم بشكل مدهش. وإن الشعراء الكبار والرائين العظام ليدركون بالفطرة الغامضة كم هي العلاقة قريبة ومذهلة ما بين الشعر والرياضيات مثلا، كما يدركون تماما بالفطرة الواضحة تلك العلاقة ما بين الشعر والموسيقى.
وقد كرست الشاعرة روث بادل (وجدها الأكبر هو تشارلز داروين) الكثير من أعمالها لدمج الاثنين معا، أو لتـَلْغـيـم الاثنين معا، إن صح التعبير، بما في ذلك مجموعتها الشعرية عن كتابات تشارلز داروين ورسائله ويومياته لاستكشاف حياته وعـَـمله وعـِـلمه.
إنّ تزمت الشعراء الأصوليين الذين يطالبون الحركة الشعرية الحديثة بأن تكون هي الممارسة [البراكسيس] والتطهير [الكاثارسيس] في آن واحد، لــَيتّسـم بتسلطية فكرية لا مسوغ لها غير إقصاء العلم عن مجال تحرير الإنسان، ونفي كونه ممارسة لا تقل لزوما عن تحرير الإنسان من الإنسان نفسه وهي تقوم بإنقاذه من نير قوى الطبيعة. إنّ الشعر قبل أي شيء هو علم يبحث في "الخيال" لا في مجال النظرية فحسب، بل على مستوى الممارسة. وليس الأمر كما قال "سارتر" في الجزء الثاني من كتابه الشهير "مواقف": (... إنّ ما ينجم عن ذلك هو أمر تافه وتعلق سرابي غير مجد، وإنّ المتخيل و"البراكسيس" يصعب تآلفهما..). لكن المتخيل بوصفه ظاهرة ذهنية، موجود وجودا موضوعيا داخل الفكر، وهو خاضع .لأن "يعلم" به ليس من قبيل ما ندعوه بـ "علوم الأفكار.
والآن، ليس من العبث أن نقرّ بالمهام العلمية التي سيقوم بها الشعر، وبكيفية أداء المخططات العلمية في الصياغة الشعرية. وسنضع أيدينا على بعض الأشكال المدهشة لنقاط التلاقي والتقاطع ما بين الأشكال الشعرية والتطبيقات العلمية. ولن نبدأ بالتاريخ لنقول بأنّ الثورة الشعرية الحقيقية قد رأت النور مع إطلالة ثورة العلوم التي قام بها ثلة من العلماء في مختلف الاختصاصات: ألبرت آينشتاين، نيلز بور، توماس أديسون، سيغموند فرويد، هايزنبرغ، لويس دوبريل،.. الخ بل إن هنالك استشهادات كثيرة تكشف لنا عن مشاغل علمية لأواليات "الشعرية" وميكانيزماتها. مثلا، آفاق الفتوح الفيزياوية الحديثة وتأثيراتها على "الخيال" من حيث "الإطلاق" في الزمان والمكان [= مسألة اللامتناهي] ولئن كان هنالك القليل من العلماء الذين يهتمون بالشعر كحقيقة فإننا لا نعدم في المقابل ما بين الشعراء من قرن النشاط العلمي بالشعر الطليعي. فهذا "لويس كارول" مؤلف "أليس في بلاد العجائب" يكتب أبحاثا في الرياضيات، وقد جرب باستعمال المنطق الرياضي أن يكتب رباعيات شعرية. و"شارل كروه" الذي هو أحد كبار مخترعي جهاز الفونوغراف ويؤلف في نفس الوقت كراريس في التصوير الملون وفي الكيمياء الحديثة وفي مبادئ السلوك الدماغي. وهذا "فيليب دوليل آدم" يرفع أديسون إلى مصاف السحرة الحقيقيين ويوحد بين معجزات العلم التي تصبح حقائق ملموسة وبين الإسهامات الشعرية الخارقة. لقد كتب الطبيب والشاعر الطليعي "مالفاني دو مونتريجيو" هذه الجملة المذهلة ليصف اكتشاف الكهرباء: لقد حل الذراع المعدني محل يد الإنسان بعد أن أصبحت هذه موضع شبهة".
وإليكم شاعر ألمانيا العظيم "يوهان فولفغانغ فون غوته" الذي ولد في عام 1749 والذي هو ربما كان الاستثناء الأكبر من القاعدة، قاعدة تباعد الشعر عن العلم. نعم كان أديبا كاتبا ولكنه كان ينظر دائمًا إلى مساهمته في علم الألوان أكبر بكثير من أي أدب كتبه. يتضمن عمله شعراً مكتوباً بقياسات وأنماط متنوعة، ونثراً صافيا ومسرحيات شعرية، ومذكرات، وسيرة ذاتية، وروائع في النقد الأدبي، وأبحاث علمية مدققة عن علم النبات، وعلم التشريح، وفيزياء الألوان، وطبعا، يتضمن أيضا تلك الروايات الأربع الأشهر في تاريخ الأدب.
إنّ لاستعمال الفراغ بصورة مستمرة في حقل الفيزياء الحديثة له ما يضارعه عند الشعر الجديد فتركيز الذهن يعتمد بصورة جلية على الفراغ الذهني، إذ لا يسعنا كما يقول "ميشيل كاروغ" اكتشاف ظواهر المتناهي في الصغر إلاّ بطرد الوجود الكثيف للحقائق التي تحجب عادة هذا المتناهي، فلا يمكن أن يظهر ما دون الوعي بقليل أو ما بعده إلاّ إذا أبعدنا محتويات الوعي العادية. والشعر يهدف إلى تفكيك الصور وبالتالي اللغة كما تهدف الفيزياء بشأن المادة فهي تحطم الأسيجة التي فرضتها الطبيعة على قدرة الإنسان بتوصلها إلى أن ترى في سائر الجزيئات التي تؤلف "مادية" الكون، مجموعات "هائلة" من الذرات التي تتفكك بدورها إلى مجموعات أصغر حتى أنّه ليمكننا القول أنّ الفيزياء المعاصرة تتقدم باتجاه الكشف عن الحلم السيميائي القديم: وهو تحويل العناصر غير ذات القيمة في الطبيعة إلى عناصر طبيعية نادرة ونفيسة وثمينة.
ويعمل الشعر على الشاكلة عينها، فقد خلص إلى خلق هذا التفكك الشعري بطبيعته الخاصة بما أسماه بودلير "فن شعر الشذرة" في أرقى مثالين هما: إشراقات رامبو، وقصائد هولدرلين الأخيرة المسماة "قصائد الجنون"، وأكمل السباق "جيمس جويس" في روايته الكبرى "فينيغانز ويك" أو سهرة فينيغان أو مأتم فينيغان، والتي تعتبر أعظم وأكبر عمل علمي في مجال "تشذير" الطبيعة الخاصة بالشعر، وهي اللغة وتفكيكها على غرار الحلم السيميائي بتحويل المعادن الخسيسة الى معادن نفيسة، بلغة الفلاسفة العرب المسلمين في العصر الوسيط، ليتم ترحيلها إلى منطقة الشعر. ويساهم في الشوط أيضا، "وليم فوكنر"، و"أندريه بريتون"، والسورياليون عموما، كذلك جماعة مجلة "تيل كيل"، مرورا طبعا بـالشاعر الصافي "ماللارميه" المولع بالألفاظ، المتحري عن قدرات الكلمة بكل تشدد، فلقد تجرّأ وحلم بكتاب "مطلق" قادر أن يحقق إرادة الخلق التي يعزوها "سـِـفْـر التكوين" إلى الكلمة الربانية "اللوغوس"، لكنه لم يستطع أن ينجز سوى مقدمة الكتاب.
وهنا نحن لسنا بصدد التنظير للشعر كعلم، فإنّ هذا ما يقوم به العقل الغربي منذ ربع قرن وما زال يقدم كشوفاته المضيئة، لكننا نسمع عن أولئك الذين يستنكرون على الشاعر علمويته، لا بل يعيبون عليه اتصاله بمجالات العلوم التطبيقية والبحتة وكأنّها ستكون حائلا أمام الرؤيا كيما تحصل وتكون شعريا. وغالبا ما يتشبثون بفعل تصور مسبق وغريب باعتبار النصوص الشعرية المكتوبة على هذا الإنبناء العلمي وكأنّها محض إفرازات لنشاط عقلي واعٍ، وبالتالي فهي ليست شعرا.
غير أنّ النص العلمي الشعري القادم الجديد سيكون أهلا لذلك، لأنه سيحتوي ضمن خطابه اللغوي على شفرات كل الآتي.
_____________
*- شاهد قصيدة الشاعر روبن لامبول على الرابط التالي:
https://youtu.be/3OZ9h7fmW4k
* هذا المقال هو فصل من كتاب لم يصدر بعد بعنوان "الشعر والعلم والحقيقة".



#حكمت_الحاج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشاعر وقناع الأناقة
- تمييزات، ديون، استجابات.. حول التلقي والتأويل
- والاس ستيفنز: الوضوح الخادع..
- مدخل إلى التحليل البنيوي للنصوص
- جَهنَّمُ..
- سـِحْـرٌ بابـلـيٌ أو هوروسكوب..
- وأمطرت ليلة القدر شعرا وكلمات..
- الفكرُ العربي إرهاصاتٍ وأعلاماً..
- الغراب والدودة
- الكلام المستعاد: منعطف وتجاوز وصداقات..
- معجزة من تحت الأرض..
- ماطوس..
- هادي الزيادي: موتك كلام فارغ..
- بينَ حُلمٍ ومصيرٍ: خلخلةٌ وتنوعٌ في المشهد الشعريّ العربيّ
- كُنْ غيابَكَ يا قاسمْ..
- الكيخوتي أو فارس الظل الحزين_ مونودراما شعرية
- معجزة_قصيدة يانيس ريتسوس_ترجمة
- قصيد إلى حليمة (1942- 2007)
- رعد عبد القادر الشاعر الذي فوق رأسه شمس..
- الاتصال والتغيير الاجتماعي في الدول النامية


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حكمت الحاج - الشّعرُ عِلْمَاً..