|
الحرب العراقية الإيرانية
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 6686 - 2020 / 9 / 24 - 09:59
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بحلول 23 شتنبر 2020 ، تكون قد مرت على الحرب العراقية الإيرانية العبثية ، أربعون سنة بالتمام والكمال ، وهي حرب تم التخطيط لها بدقة متناهية من قبل أمريكا ، ودويلات الخليج ، لأنها كانت تهدف بالأصل ، ضرب عصفورين بحجرة واحدة . ضرب النظام العراقي البعثي الذي كان يؤرق بال وراحة مشايخ الخليج ، وضرب ايران الجديدة التي كانوا يخافونها من تصدير ثورتها الشابة بالمنطقة ، ومن جهة لإسقاطها نظام الشاه الذي كان المدافع عنها من التهديد العراقي ، باسم القومية العربية التي استعملت كغطاء في كثير من الصراعات ، التي لم تكن لها اية علاقة بمشروع القوميين العرب ، الذي استفاض في التنظير له المسيحيون العرب .. الحرب العراقية الإيرانية العبثية كانت حرب دمار من اجل الدمار ، فأكلت الأخضر واليابس ، واهلكت الحرث والنسل ، وملئت البيوت بالثكالى ، والارامل ، واليتامى ، والمعطوبين ، والمشوهين ، ودمرت مقدرات البلدين ، خاصة المقدرات العراقية تحت شعار " استعادة حقوقنا بالارض والمياه " .. الكل يتذكر عندما ظهر صدام حسين بالتلفزة العراقية ، معلناً اجتياز قواته شط العرب ، وهو يمزق بيديه اتفاقية الجزائر التي تم ابرامها بين العراق وبين ايران ، لتسوية القضية الكردية ، وفض النزاعات العالقة بين البلدين ، ومنها إقرار العراق بالحقوق الإيرانية على شط العرب .. عندما دخل نظام صدام الى ايران ، كان يعتقد ان ما سيجري ، سيكون عبارة عن نزهة للجيش العراقي في الأراضي الإيرانية ، لأنه كان يعتقد انه بعد سقوط الإمبراطورية الشاهنشاهية ، وتفكك الدولة بكل مؤسساتها ، خاصة تفكك الجيش ، والامن ، والسّافاك ، أصبحت ايران من الضعف ، اهون من عش العنكبوت ، وان الفرصة أصبحت سانحة ، من جهة لاسترداد الحقوق التاريخية العراقية بشط العرب ، ومن جهة لفرملة نظام ، وربما التسبب في اسقاطه ، لأنه مصدر تهديد لنظام البعث العلماني ، ومن جهة لوجود امتدادات للنظام الإيراني بالعراق ، يكون اكثريته الشيعة العراقية ... لقد نفخ في مشروع صدام حسين بالدخول الى ايران ، بدعوى عدائيه النظام الايراني الإسلامي المناهض للقومية العربية ، الولايات المتحدة الامريكية التي كانت ترغب في اشعال حرب بالمنطقة ، تخدم إسرائيل ، بضرب نظامين متعارضين معها ، العراقي والإيراني ، وباستغلال التناقض المذهبي بين العراق العلماني ، وبين ايران الإسلامية ، للدفع بهما الى حرب تدمرهما معا ، أي ضرب عصفورين بحجرة واحدة ... كما غدّى هذه الحرب ، كل الدول الغربية ، وعلى راسها بريطانيا ، وفرنسا ، وحتى موسكو بسبب الإبادة التي تعرض لها حلفاءها الإيرانيون ، وبالضبط حزب " تودة " الشيوعي ، ومنظمة فدائيي الشعب الماركسية .. كما تم توظيف أموال الخليج بكثرة ، للتخلص من نظامين مهددين لهما ، وكانت الغاية التدمير الذاتي للدولتين ، من خلال حرب عبثية ، لا تبقي ولا تدر .. استمرت الحرب لمدة ثماني سنوات ، وفي كل اطوارها ، خاصة بعد نجاح الشعب الإيراني في استعادت زمام المبادرة ، كانت تبشر بنصر ايران التاريخي ، مع ما سيكون له من تبعات سواء بالنسبة للأراضي العراقية التي أصبحت مهددة بالاجتياح ، وسواء لإمارات ومشايخ الخليج ، التي ستصبح لقمة سائغة للبطن الإيراني ... ورغم رفض النظام إيراني الإسلامي الاصغاء لدعوات وقف الحرب ، والدخول في مفاوضات بضمانات خليجية بتسديد فاتورة خسارات ايران ، الاّ ان قبول آيات الله الخميني لوقف الحرب الذي اعتبره اكثر من تجرع السم ، جنب النظام العراقي من السقوط ، وجنب من احتلال أراضي عراقية ( الفاو ) ، كما فرمل أي تطلع إيراني فيما لو ربحت الحرب الى مشايخ الخليج .. لقد نجح صدام حسين بفرض وقف الحرب ، نتيجة الدعم العسكري الفرنسي ، والروسي ، والبريطاني ، والامريكي .. من جهة لإغراق العراق في مديونية الحرب ، ومن جهة اضعاف ايران الإسلامية التي لن تصبح مهددة لدول المنطقة بتصدير ثورتها ، ومن جهة الحفاظ على عراق ضعيف لم يعد يشكل أي تهديد لدولة إسرائيل .. ان نتائج الحرب التي دامت ثماني سنوات عبثا ، وما وصل اليه العراق من ضعف جعلته مهددا امّا بالتقسيم ، وهو الملاحظ اليوم ، وامّا باللبننة ( الحرب الاهلية اللبنانية ) ، او احتمال قيام الجيش بتنظيم انقلاب على حزب البعث .. وما سيزيد من هذا السيناريو المفروض بقوة ، تسهيل وموافقة سفيرة الولايات المتحدة ببغداد لصدام ، بإمكانية دخول الكويت من دون حرج ... وهو فخ مُكمّل لفخ توريطه في الحرب مع ايران ، خاصة عندما أحبطت المخابرات البريطانية مشروع عراقي ، لتوريد مدافع طويلة إصاباتها قد تصل إسرائيل .. ان حرب صدام على ايران ، كانت خطأ استراتيجيا خدم أعداء الامة العربية والإسلامية ، ودخول صدام الى الكويت كان اكبر من خطأ استراتيجي ، لأنه كانت انتحارا في الصميم .. ان دخول صدام حسين الى الكويت ، واعترافه مجددا بحق ايران في شط العرب ، واعترافه مجددا باتفاقية الجزائر الموقعة سنة 1975 بين ايران والعراق ، كان رصاصة الرحمة التي اطلقها صدام على نظامه ، واطلقها على العراق وحضارته ... ان السؤال الرئيسي هنا : اذا كان صدام حسين قد مزق بيديه اتفاقية الجزائر الموقعة في سنة 1975 ، معلناً عروبة شط العرب ، ودخل في حرب مع ايران دامت ثماني سنوات عجافا ، لماذا عاد مرة أخرى يعترف بما مزقه واعتبره لا غياً ، بدعوى استعادة حقوق العراق التاريخية في الأرض وفي المياه ؟ ويصبح السؤال هنا . لماذا الحرب العراقية الإيرانية اذا اصبحت ايران تملك نصف شط العرب ؟ وكدكتاتور عربي بليد ، فهو عندما كان يرفض جميع دعوات الخروج من الكويت ، كان يبحث عن خروج مشرف بحرب لن تكون عنيفة ، ولا طويلة ، ولا تشبه في شيء الحرب العراقية الإيرانية ، لانّ ما كان يفكر فيه صدام ، هو الورطة التي أوقع نفسه فيها ، حين غزا الأراضي الإيرانية بدعوى الحقوق التاريخية في الأرض وفي المياه ، ثم التراجع عن هذا المطلب حين اعترف مجددا بحقوق ايران التي رمى بها حين مزق اتفاقية الجزائر .... واكبر الورطات هو حين سيخرج من الكويت التي اعتبرها المقاطعة التاسعة عشر ، بدون تحقيق نتائج غزوه الكويت ... إذن لماذا الحرب مع ايران اذا عادت هذه وباعتراف صدام تملك نصف شط العرب ؟ ولماذا غزو الكويت اذا كان الخروج منها بدون نتائج الغزو ؟ ان استحالة الإجابة عن هذه التساؤلات وهي ورطة كبرى ورط فيها صداع العراق الذي تم تدميره بالكامل ، تعني : --- امّا ان صدام تسلط على عراق لا يستحقه ، ومن ثم كان يفكر نفس الشيء عندما غزا ايران وغزا الكويت ؟ --- او ان صدام رجل احمق لا يفقه في أمور السياسة والحرب بما يجعله يجنب بلاده الدمار . --- او ان صدام دكتاتور مريض بحب العظمة والطاووسية ، شأنه شان معمر القدافي ، وشان اي دكتاتور صغير لا يميز بين قهره واعتداءه على شعبه ، وبين محاولته ممارسة نفس القمع والقوة لإجبار دول ( ايران والكويت ) للخضوع لمشيئته .. فعجز صدام حسين عن الإجابة عن هذه التساؤلات ، يعني ان العراق اصبح معرضا لخطر الانقلاب العسكري ، او للحرب الاهلية ( لبنان ) بالنسبة للقضية الكردية ، او التقسيم الذي نشاهده اليوم ، وعمقت جرحه داعيش حين سيطرت على العراق وسورية ... ان تدمير العراق ، واحتلاله من قبل الامريكان ، وتعريضه لتقسيم يطل من الشقوق .... وتدمير سورية ، واحتلالها من قبل الامريكان ، ومن قبل تركيا التي تمارس حرب المياه في خنق الدولتين ، وتعريضها لتقسيم يقف وراء الباب ، هو القضاء التام على ما تبقى من فكر القومية العربية ، بعد التخلص من جمال عبدالناصر ، وهي القومية المفروض انها المعارضة الوحيدة للدولة الصهيونية ... ان ضرب العراق ، وبعده سورية ، كان ضربة مخطط لها ، لضرب حضارة ، وتاريخ لا يزال يشكل في لبّه رأس حربة الصراع بين المشروع القومي العربي الثوري والتثويري ، وبين المشاريع المناهضة لهذا المشروع ، من مشاريع امبريالية تستهدف المقدرات والثروات العربية ، ومشارع صهيونية تنَظّر لأرض إسرائيل اكثر من تنظيرها لدولة إسرائيل ، ومشاريع الانبطاح الرجعي القريْشي الخليجي بزعامة السعودية ، وبتأييد من الأنظمة الخبيثة الدكتاتورية العربية التي مثلها انوار السادات ، وحسني مبارك ، ويمثلها اليوم بشكل بشع الدكتاتور السيسي ..
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون
-
الجمهورية الريفية
-
ماذا تحضر واشنطن لمحمود عباس ؟
-
ابراهيم غالي الذي لم يعد غالياً منذ سنة 1991 ، يوجه خطاب بكا
...
-
نكبة ام نكسة ؟
-
المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني
-
الاضراب عن الطعام
-
ذكرى 6 شتنبر 1991
-
هل سيطبع النظام المغربي مع دولة اسرائيل ؟
-
هل ستطبع الانظمة العربية مع الدولة الصهيونية ؟
-
تصعيد جزائري يخبط خبط عشواء
-
هل من قاسم مشترك بين ملف الريف وملف الصحراء ؟
-
إخبار الرأي العام / كوماندو بوليسي اعتدى عليّ / إختطاف من ال
...
-
خطاب الملك ، خطاب ودعوة لنزول الشعب ، وليس الرعايا الى الشار
...
-
أخيرا أُسدل الستار عن محاكمة ( قتلة ) رفيق الحريري -- تمخض ا
...
-
النظام المغربي يصدر مذكرة توقيف دولية في حق المواطن الالماني
...
-
الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون يحذر الجزائريين من ( الثورة ا
...
-
بعد اسقاط الحكومة وليس استقالتها ، لبنان الى اين ؟
-
هل توجد أنتلجنسيا مغربية ؟
-
إتفاقية الجزائر
المزيد.....
-
توقيع اتفاقية تعاون عسكري بين مصر والكويت
-
مشاهد من تحرير الجيش الروسي نوفوفاسيليفكا في جمهورية دونيتسك
...
-
حريق مفاجئ في مطار رفيق الحريري من دون تسجيل إصابات
-
الشرع يناقش مع ولي العهد السعودي تعزيز العلاقات ومستقبل سوري
...
-
بوندسليغا.. ليفركوزن يفوز بعشرة لاعبين ويواصل مطاردة بايرن ا
...
-
روبوت سداسي الأرجل صيني يؤدي مهمات في القطب الجنوبي
-
بوتين: نخب أوروبا ستخضع لأوامر ترمب
-
إيران تزيح الستار عن صاروخ -اعتماد- الباليستي بمدى 1700 كيلو
...
-
-تلفزيون سوريا-: ظهور شقيق للرئيس أحمد الشرع علنا في السعودي
...
-
الرئيس البنمي يعلن إنهاء مشاركة بلاده في مبادرة الحزام والطر
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|