|
روائع المقال تأليف : هوستون بيترسون ترجمة: يونس شاهين- السادس : مقال وترجمة - اوليفر جولد سميث
خالد محمد جوشن
محامى= سياسى = كاتب
(Khalid Goshan)
الحوار المتمدن-العدد: 6684 - 2020 / 9 / 22 - 01:15
المحور:
الادب والفن
اوليفر جولد سميث (1728- 1774) هو ابن لقسيس بروتستانتى ، ولد فى بريطانيا ومات فى لندن عن عمر ستة واربعون عاما .
وقد لخص اوستون دوبسون ذلك الاخصائى الممتع فى ادب القرن الثامن عشر حياته فقال :- ثلاثون عاما من الاخذ ، وخمسة عشرا عاما من العطاء ، تلك هى قصة اوليفر جولد سميث باختصار .
فحين اخفق فى امتحان كلية الجراحيين الملكيين عام 1758، اضطر الى الالتجاء الى الادب طلبا للرزق ، وكان ذلك نهاية الثلاثين عاما وبدء الخمسة عشرة عاما التالية .
ولم يكن يعلم ما يخبئه له المستقبل حينئذ، ولكنه كان يستطيع ان ينظر الى الماضى من مسكنه العارى الجدران فى جرين اوربور كورت ، فيرى فيه ما يكفى من حياة مختلفة الالوان ، ، فقد كان تلميذا كسولا يسرق الفاكهة من الاشجار ، ثم طالبا عنيدا ذا ملكة موسيقية فى جامعة ترينتى يتقاضى اعانة من كليته ، ثم شابا فقيرا يقلد الاغنياء ويلعب الفلوت ويزور مهرجانات الريف ، ولقد حاول ان يتعلم القانون واللاهوت ، ولكنه لم يتعد عتبة الباب فى اى منهما ، ولقد ازمع الذهاب الى لندن ولكنه توقف عند دبلن فى ايرلندا وعقد النية على الذهاب الى امريكا ولكنه وصل الى كوريك ايرلندا ، وكان عدة اشياء طالب طب ، موسيقيا متجولا – مصححا فى الصحافة ، صيدليا ، مدرسا فى مدرسة اولية ، ولو حكمنا على سلوكه بالمفاهيم السائرة ، لوجدناه قد اضاع وقته بانطلاقه وراء اهواءه ، ومع ذلك فكما تبلورت الامور بعد ذلك ، فمن المشكوك فيه ان هذه التجارب المتعددة الالوان لم تفده كثيرا مما لو كان سيره فى طريق اكثر ثباتا واقل ذبذبة
وفى خريف 1759 ، بدأ جولد سميث يخرج الى نور الشهرة ، من غمرة الظلمة التى كان يؤدى فيها العمل المأجور ، وذلك حين اصبح المحرر الوحيد لمجلة ذى بى ( النحلة ) المجلة التى لم تستمر لاكثر من شهرين ، ثم بدأ يراسل مجلة السجل العام ( ذى بليك ليدجر )
وكانت مقالاته على هيئة خطابات من والى فيلسوف صينى افترض انه يعيش فى لندن ، وحين جمعت هذه الخطابات فى كتاب عنوانه " مواطن عالمى " عام 1763 ، كان ذلك بدأ شهرته ،
وفى العام التالى اصبح احد التسعة اعضاء المؤسسين لنادى الدكتور جونسون الشهير ، واكتملت شهرته بنشر سيل سريع من الاعمال المتعاقبة منه القصيدة الشعرية المتاملة " المسافر " والرواية السهلة الممتعة " قسيس ويكفيلد " ورواية "القرية المهجورة " ، ولم تنجح مسرحيته " الرجل الطيب " ولكن مسرحيته الاخرى " انها تتمسكن حتى تتمكن " سجلت نجاحا كبيرا على المسرح ، وقد حصل على دخل كبير من هذه الاعمال ، الى جانب بعض المؤلفات الاخرى الجميلة للاطفال ، ولكنه بدده بكرمه واسرافه الزائد .
وقد وصفه جاريك بانه مغرور ، حاسد ، رقيق ، وغير اهل للمسؤلية ، ولكن الدكتور جونسون اقترح ان يكتب على قبره باللاتينية – لقد جمل كل شيىء لمسه وهى شهادة رائعة من ناقد عظيم
والان الى مقاله عن ( التعصب للقومية )
حيث اننى من الاشخاص الذين يقضون معظم اوقاتهم فى الحانات والمقاهى ، فان لدى فرصة لا نهائية لمراقبة الاشخاص ، وهو شيىء فيه من المتعة لرجل جبل على التأمل فى الناس اكثر مما فى غرائب الفن والطبيعة .
فى احدى جولاتى من وقت قريب وقعت على ستة من الاشخاص احتدم بينهم النقاش على بعض شئون السياسة ، ولما كان العدد مساويا من جانبى الجدال فقد ارادوا ان يحلوا الاشكال بينهم بالاحتكام الى ، مما جرنى الى مشاركتهم فى الحديث.
من بين المواضيع التى تشعبت بيننا جرنا الحديث الى استعراض الخصائص المتباينة لشعوب اوربا المختلفة ، وهنا اعلن احد الحاضرين وقد ازاح قبعته متخذا لنفسه صورة بالغة الاهمية ، وكانه يمثل مميزات الامة الانجليزية .
قال ان الهولندين هم حزمة تعسة من البخلاء ، والفرنسيين جماعة من المتملقين الاذلاء
والالمان امة من السكارى النهمين فى الاكل ، والاسبان طغاة متغطرسون مشاكسون ، الانجليز وحدهم هم من يتصدرون شعوب الارض فى الشجاعة والكرم والتسامح وكل فضيلة اخرى
وقوبلت كلماته من الحاضرين بالموافقة التامة من الجميع ، طبعا الا انا ، وحاولت ان ابدوا منهمكا فى التفكير على امل ان اتجنب الادلاء برأيى ، وحرمان الرجل من السعادة التى صورها لنفسه .
ولكن هذا الرجل المدعى للوطنية لم يدعنى اهرب بهذه السهولة ، ولم يرضى ان يمر رأيه دون معارضة ، بل صمم كذلك ان يوافق عليه باجماع الاصوات بما فيهم انا بالطبع ، ولذلك وجه حديث لى وسألنى ان كنت لا اشاطره رأيه .
ولما كنت دائما التزم الصدق فى التعبير عن مشاعرى ، فقد اخبرته اننى لم اكن اجرؤ لو كنت مكانه على الحديث بهذه الطريقة الحاسمة ، الا لو كنت سافرت فى انحاء اوربا ودرست سلوك شعوبها بكل دقة ، وقلت له انه ربما لو كان هناك حكم اكثر انصافا وحيادا لما تردد ان يوافق على ان الهولندين احرص واشد اقبالا على العمل منا
وان الفرنسيين اكثر اعتدالا وادبا عنا ، وان الاسبان اكثر رصانة ورباطة جأش عنا ، وان الالمان اصلب عودا واصبر منا على العمل والمتاعب ، وان الاسبان اكثر رصانة ورباطة جأش ، وان الانجليز وان كانوا شجعانا وكرماء بغير شك فانهم فى نفس الوقت عنيدون ومندفعون ومتهورون ، وانهم يبتهجون اكثر مما يجب فى الرخاء ، ويبتئسون اكثر مما يجب فى الشدة وكان من السهل على ان ارى ان الجميع كانوا يرمقوننى بعدم الرضا عن حديثى هذا ، الذى لم اكد اتمه ، حتى انبرى ذلك الوطنى ليقول فى ازدراء المتهكم ، انه يعجب من اولئك الذين يعيشون فى بلد لا يحبونه ، ويستمتعون بحماية. لا يكنون لها لها فى اعماق قلوبهم سوى الكره .
وحين رأيت ان اننى باعلان رأى المتواضع قد تخليت عن حسن ظن رفاقى بى ، فقد توصلت الى انه من العبث ان اناقش قوما لهم هذا الغرور والتعصب ،واثرت ان ادفع حسابى وانصرف.
ليس هناك قول اعظم من قول ذلك الفيلسوف الذى سئل عن البلد الذى هو مواطن فيه، اجاب " انه مواطن عالمى " ما اقل اولئك الذين يستطيعون فى العصور الحديثة ان يكرروا هذا القول بصدق ، وما اقل من ان يتفق سلوكهم وهذا الاعتراف . ، لقد صرنا اليوم انجليز وهولندين وفرنسين والمان واسبان ، الى حد منعنا من ان نكون مواطنين عالمين ، لقد اصبحنا سكان قطعة معينة من الارض ، او اعضاء فى جماعة صغيرة ، الى الحد الذى لم نعد نفكر فى انفسنا كسكان لهذه الكرة الارضية ، او اعضاء فى تلك الجماعة الكبيرة التى تشمل اليشر اجمعين.
ولو ان هذا التعصب فى موجود فى الجمعات الدنيا من الناس لهان الامر ، لانه ربما يكون سببه عدم القراءة او السفر او الحوار مع الاجانب وغير ذلك ، ولكنه المصيبة موجود فى عقول السادة الجنتلمان ويؤثر فى سلوكهم .
ان لم يكن الرجل متحررا من التعصب فلا قيمة لعراقة نسبه او علو مكانته ، او كبر ثروته ، وهذا شيىء طبيعى فالكرمة الرفيعة تلف نفسها حول شجرة البلوط القوية لا لسبب سوى انها عاجزة عن صلب عودها بنفسها
وان قيل دفاعا عن النعصب القومى ، انه نمو طبيعى وضرورى لحب الانسان لبلاده ، فانى اجيب بان هذه سفسطة ووهم كبير .
اليس من الممكن جدا ان احب بلدى ، دون ان اكره شعوب الارض الاخرى ، اليس من الممكن ان ادافع عن قوانينها وحرياتها ، باقصى ما تصل اليه الشجاعة والبطولة والعزم الصادق الاكيد ، دون ان احتقر باقى سكان العالم ، واعتبرهم فى نظرى جبناء ازلاء.
ان هذا ممكن بكل تأكيد ، وحتى ان لم يكن ممكن ، ولكن لماذا افرض المستحيل – حتى اذا لم يكن ممكن، فاننى اقرر اننى افضل ذلك اللقب للفيلسوف القديم وهو " المواطن العالمى " عن ان اسمى انجليزيا او فرنسيا او اوربيا او اية تسمية اخرى كانت . المقالات 1765 والى مقال قادم ....
#خالد_محمد_جوشن (هاشتاغ)
Khalid_Goshan#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل بددت حياتى ؟
-
روائع المقال تأليف : هوستون بيترسون ترجمة: يونس شاهين - المق
...
-
جوزيف أديسون
-
روائع المقال تأليف : هوستون بيترسون ترجمة: يونس شاهين الثالث
...
-
روائع المقال تأليف : هوستون بيترسون ترجمة: يونس شاهين - الثا
...
-
روائع المقال تأليف : هوستون بيترسون ترجمة: يونس شاهين الاول:
...
-
حكاية ميراندا
-
هل هزيمة يونية 1976 هزيمة لليسار ؟
-
حيوية المواطنة
-
حلم ولا علم
-
القراءة حياة
-
الحرب ضد الصين قادمة 2
-
العلمانية
-
الحرب ضد الصين قادمة
-
متلازمة ستوكهلم – فاطمة ناعوت – مثال
-
تركيا من صفر مشاكل الى البحث عن المشاكل
-
فقم واعتلف تبنا
-
العبث
-
الشاعر صلاح عبد الصبور فى سطور
-
اليتيم والحوار المتمدن
المزيد.....
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|