أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - غازي الصوراني - تأثير الفلسفة اليونانية في الفلسفة الإسلامية















المزيد.....

تأثير الفلسفة اليونانية في الفلسفة الإسلامية


غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني


الحوار المتمدن-العدد: 6681 - 2020 / 9 / 19 - 14:15
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



لم تَمُتْ الحضارة اليونانية حين استولت رومة على بلاد اليونان، بل عاشت –كما يقول ديورانت- "بعد ذلك عدة قرون، ولما أن ماتت أورثت أمم أوربا والشرق الادنى تراثاً ليس له مثيل، فقد أخذت كل مستعمرة يونانية تصب  ماء حياة الفن اليوناني والفكر اليوناني في الدم الثقافي الذي يجرى في عروق ما يجاورها من البلاد – في إسبانيا وبلاد الغالة؛ وفي روما؛ وفي مصر وفلسطين؛ وفي سوريا وآسية الصغرى؛ وعلى طول شواطئ البحر الأسود، وكانت الإسكندرية هي الثغر الذي تصدر منه الأفكار كما تصدر منه السلع: فمن المتحف والمكتبة انتشرت مؤلفات شعراء اليونان، ومتصوفتهم، وفلاسفتهم وعلمائهم كما انتشرت آراؤهم على يد الطلاب والعلماء في كل مدينة في حوض البحر المتوسط وملتقى طرقه"([1]).
وفي كل الأحول، لابد من الإشارة إلى طبيعة الاختلاف النوعي الشامل بين المجتمعين: اليوناني – الروماني القديم من جانب، والعربي – الاسلامي في العصر الوسيط من جانب آخر، حيث كان "من غير الطبيعي وغير الواقعي، بوجه مطلق –كما يقول د. حسين مروة- "ان تتعامل الفلسفة العربية مع الفلسفة اليونانية بدلالاتها ومضامينها القديمة نفسها التي كانت لها في ظل المجتمع العبودي الذي زالت أشكال علاقاته الإنتاجية، وحلت محلها أشكال علاقات انتاجية من نوع جديد مع أشكال تاريخية جديدة للمعرفة وللتصورات البشرية عن العالم، وبالتالي لم يكن ممكناً أن تحتل هذه الفلسفة (أي اليونانية) مكانها في الفكر الفلسفي العربي – الاسلامي دون أن ينالها التغيير والتعديل، سواء في دلالاتها ومضامينها الفلسفية أم في محتوياتها الايديولوجية، لانه ليس من الممكن أن يكون شكل أيديولوجية المجتمع العبودي الوثني هو نفسه شكل أيديولوجية المجتمع الاقطاعي – التجاري الاسلامي الأكثر تنوعاً وتعقيداً من حيث بنيته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، ومن حيث تركيبه الطبقي بخاصة، ثم من حيث نوعية الارتباط الطبقي بعملية الإنتاج المادي، ثم -كذلك- من حيث اتساع القاعدة البشرية للنشاط الثقافي ودخول عناصر طبقية جديدة في هذه القاعدة"([2]).
 
تأثير أرسطو والأفلاطونية المحدثة على الفلسفة الإسلامية:
انتشر التأثير اليوناني، المناقض لهذا العلم الكلامي، بفضل الكتب التي نقلها من اليونانية إلى السريانية النصارى النساطرة بوجه خاص، وكان في جملة ما نقلوه، في مدرسة الرها (431 – 489) أولاً، ثم في أديرة سورية، وأخيراً في القرن السابع في قنسرين على الفرات، الاورغانون لأرسطو، وكتاب "في العالم" المنسوب إلى أرسطو، ومؤلفات جالينوس.
أما في القرن التاسع الميلادي، بعد تأسيس بغداد، فقد نُقِلَتْ إلى العربية كتب كثيرة سواء من السريانية أو اليونانية، وأنشأ الخليفة نفسه في عاصمته سنة 832 شبه معهد للمترجمين، ففي  أواخر القرن التاسع كان العربي يملك في لغته جملة مؤلفات أرسطو (خلا كتاب السياسة)، مع شروح الاسكندر وفورفوريوس ويوحنا فيليبون، وكان في مستطاع العربي، أن يعرف علاوة على ذلك بعض محاورات افلاطون والجمهورية والسفسطائي، كما كان في متناوله أيضاً بعض تصانيف مؤرخي الاقوال، بفضل ترجمة آراء الفلاسفة لفلوطرخس، أما في الطب أخيراً فقد نقلت إلى العربية كتب جالينوس، وفي الفلك كتاب المجسطي لبطليموس.
كيف أستخدم العرب هذه المواد؟، يجيب "إميل برهييه" على هذا السؤال بقوله "إن هذه المؤثرات الفلسفيه اليونانية وجهت الفلسفة العربية، بقدر ما ترسمت خطى الفلاسفة اليونان، نحو تأويل افلاطوني محدث لجملة مؤلفات أرسطو التي يحتل مكانة الصدارة فيها، والحال أنه يعز علينا –كما يقول إميل برهييه- أن نتصور تبايناً أشد، من بعض المناحي، من ذاك الذي يفرق بين الروح الارسطوطاليسية والروح الافلاطونية المحدثة: فمن جهة أولى نزعة تجريبية عقلانية وطريقة منطقية وتوجه ايجابي نحو العلم الطبيعي؛ ومن الجهة المقابلة ضرب من الميتولوجيا يبدو فيه الكون غارقاً في القوى الروحية ولا سبيل إلى إدراكه إلا بالحدس"([3]).
وفي كل الأحوال، فإن نشأة الفلسفة الإسلامية ارتبطت بواقع المجتمع العربي الاسلامي وسياساته ونظمه المعرفية، فالقضايا الفلسفية كانت "مسيسة"؛ حتى في المسائل الأنطولوجية والميتافيزيقية، كما انتمى مشاهير الفلاسفة إلى فرق وأحزاب سياسية؛ وحسبنا أن جلهم كانوا معتزلة أو شيعة، ناهيك بمباحث الفلسفة الأخرى ذات الطابع السياسي النظري؛ كمسألة الإمامة، والعملي كفلسفة الأخلاق، أما عن تصنيف الفلاسفة، إلى رسميين ومعارضة؛ فلا نجد له وجوداً على أرض الواقع التاريخي؛ لأن الفكر الرسمي السني عَزَفَ تماماً عن التفلسف وندد بالفلسفة والفلاسفة، وبالتالي كانت الفلسفة –كما يستنتج د. اسماعيل- تعبيراً عن مواقف المعارضة الاعتزالية والشيعية وحسب، فقد كان موقف أهل السنة المعادي للفلسفة من أسباب محاولة بعض الدارسين المحدثين "عزل الفكر الفلسفي في الاسلام عن محيطة الثقافي والسياسي والاجتماعي والحضاري، ولهذا الموقف الإديولوجي جذوره التاريخية، فما اعتبره المعتزلة والشيعة ذروة التفكير؛ نعتته السنة بالتكفير، ومن منطلق سياسي اتهم أهل السنة الفلاسفة بالزندقة، وأحرقوا كتبهم "إظهاراً للحمية في الدين"([4]).
في هذا الصدد، نشير إلى قصص اضطهاد ابن سينا وابن رشد التي لا تحتاج إلى بيان، وكذلك موقف أهل السنة في إنكار الفلسفة كما لخصه الغزالي بقوله: "إن من نظر إلى كتبهم فرأى ما مزجوه بكلامهم من الحكم النبوية، ربما استحسنها وقَبِلَها وحَسُنَ اعتقاده بها فيسارع إلى قبول باطلهم.. وذلك نوع استدراج إلى الباطل، ولأجل هذه الآفة يجب الزجر في مطالعة كتبهم لما فيه من الغدر والخطر"، ويقول الغزالي أيضاً: "الفلسفة تحكمات؛ وهي على التحقيق ظلمات فوق ظلمات، لو حكاها الإنسان عن منام رآه لاستدل به على سوء مزاجه"([5]).
بالمقابل، فلا غرابة –كما يضيف د. محمود اسماعيل- في "تبني المعتزلة والشيعة للفكر الفلسفي وتوظيفه لخدمة أغراض عملية سياسية بالدرجة الأولى، أما الشيعة؛ فكان دورهم أكبر وأوسع وأعمق؛ إذ تبنت فرقهم الكبرى الفلسفة وشجعت المشتغلين بها وأغدقت عليهم المنح والعطايا، فبعد نجاح الشيعة الزيدية في تأسيس الدولة البويهية سنة 334ه؛ شجع النظام البويهي الفلاسفة الباكرين من النصاري، كما رحب البويهيون بابن سينا الذي هجر بلاد ما وراء النهر لائذا ببلاطهم، رافضاً إغراءات الغزنويين السنة الذين اضطهدوا البيروني العالم والفيلسوف، فقد ناصر البويهيون آراء الفلاسفة بغض النظر عن مللهم ونحلهم وأفادوا منها لخدمة أغراض سياسية، أما "الشيعة الإثني عشرية؛ فقد رحبوا بالفلسفة والفلاسفة لذات الأهداف ؛ إذ نعلم أن بلاط الحمدانيين في حلب كان موئلا للمفكرين والفلاسفة، وحسبنا أن الفارابي عاش في كنفهم مكرماً حتى واتته المنية.
لقد بلغ احتضان الشيعة الاسماعيلية الفلسفة مداه ؛ فكانت عندهم "ضرباً من الايمان"، كما وظف حكام الدول الشيعية آراء الفلاسفة لنصرة مذاهبهم في الإمامة؛ فقد سَخَّرَ الحمدانيون آراء الفارابي في النبوة لهذه الغاية، ولا غرو فقد ذهب إلى أن النبي والإمام والفيلسوف يرمون إلى غاية واحدة هي وضع النواميس"([6]).
وإذا كانت الفلسفة لا تتعلق بالمباحث الميتافيزيقية أو الأخلاقية وحدها؛ بل تتضمن الطبيعيات والرياضيات وعلوم أخرى؛ فإن فلاسفة الإسلام ما كان لهم أن يكونوا فلاسفة دون استيعاب هذه المعارف، لذلك كانوا جميعا أصحاب ثقافة موسوعية أهلَّتهم للتفلسف، لذلك، يعتقد د. محمود اسماعيل، أن نشاة الفلسفة الإسلامية نبعت من معطيات تاريخية وثقافية إسلامية قحة، وإن تطورت فيما بعد مفيدة من فلسفة اليونان وغير اليونان، يؤكد ذلك وضوح البعد الإسلامي الصرف في أنساق فلاسفة الإسلام، وفي القضايا التي أثاروها وفي محصلة ما توصلوا إليه من نتائج؛ بما أعطى لهذه الأنساق خصوصيتها وتميزها، لكن أقصى ما كان للفلسفة اليونانية من تأثير لم يتعد –كما يضيف د. محمود اسماعيل- توظيف مقولاتها في دعم مواقف فلاسفة الإسلام في تأويلاتهم المتعددة للقرآن، كما كان الخلاف في التأويل نتيجة مواقف ذاتية سياسية واجتماعية للفيلسوف من قضايا عصره، وليس نتيجة لتأثره بأفلاطون أو أرسطو أو أفلوطين.
وإذا برز تأثير أفلوطين أكثر من غيره؛ فقد جاء ذلك نتيجة تماثل مقاصده ومقاصد فلاسفة الإسلام ليس إلا، إذ كانت هذه المقاصد عند الطرفين هي التوفيق بين الدين والفلسفة، من هنا كان التأثير في المنهج ليس إلا، وإذا شَكَّلَ الدين نوعاً من المصادرة على التفكير الفلسفي؛ فقد وُفِّقَ بعض فلاسفة الإسلام في حلحلة تلك الاشكالية بدرجة فاقت محاولة أفلوطين نفسه؛ كما هو الحال عند ابن رشد على سبيل المثال.
نستنتج مما تقدم، "أن الفلسفة الإسلامية في نشأتها وتطورها ارتبطت بواقع المجتمعات الاسلامية وسياساتها ونظمها المعرفية، وبالتالي تسقط مقولات من ذهبوا إلى "استقلالية الفلسفة الاسلامية عن الوضع الاجتماعي والسياسي، فقد كان جل هؤلاء الفلاسفة من الشيعة الذين عُرِفوا بالاستنارة والبلاء في طلب المعرفة؛ لذلك أنتجوا وأبدعوا في ظل النظم الشيعية – مثل بنى بويه والفاطميين والحمدانيين- بينما حوربوا واضطهدوا في ظل الحكومات السنية المحافظة؛ كما هو حال الكندي إبان حكم العسكرتاريا التركية، وابن باجه في عصر المرابطين، وابن رشد إبان حكم الموحدين؛ بما يؤكد اشتغال الفلاسفة بالسياسة وانحيازهم إلى قوى المعارضة، ويؤكد أيضا أن كتاباتهم الفلسفية لم تكن معزولة عن الواقع؛ وحق قول – محمد عابد الجابري- إلى أن "النظم المعرفية لفلاسفة الإسلام وظفت توظيفا إديولوجيا". فكانت جماعة "إخوان الصفا" تستهدف تطهير الشريعة من الجهالات عن طريق الفلسفة؛ بهدف تأسيس "دولة أهل الخير"، وكان الفارابي عضوا في الحركة القرمطية السرية؛ كما أفاد الحمدانيون – الذين عاش الفارابي في كنفهم – من فلسفته العملية في تنظيم دولتهم ومجتمهم، وكانت فلسفة ابن سينا وأبي يعقوب السجاستاني والرازي تخدم النظرية الفاطمية في الإمامة"([7]).
لذلك "لا عبرة ولا قيمة لأحكام بعض المستشرقين الذين ذهبوا إلى "أن الفلسفة الإسلامية ما هي إلا ترديد للهللينية المتأخرة"، كذا بعض الدارسين العرب المحدثين بان الفلسفة الإسلامية ما هي إلا "قراءات لفلسفات أخرى"، ذلك إن تلك الأحكام الجائرة جاءت نتيجة إسقاطات غير بريئة لمقولات معروفة عن جدب العقلية السامية، مبعثها القول بنظرية "المركزية الأوروبية" في الحضارة، أو جهل – بتاريخية الفلسفة الإسلامية ذاتها والظروف التي نشأت فيها والمحاذير والإكراهات التي حالت دون عدم إفصاح فلاسفة الإسلام عن مكنوناتهم؛ إذ كتبوا معظم ما كتبوا في مناخ "التقية" وعولوا كثيرا على "الرمز" أكثر من الإفصاح، لذلك لم يتح للفلاسفة حرية التعبير عن كل ما اعتقدوه؛ إذ حالت المصادرات الدينية دون ذلك، والأنكى؛ هو ابتلاء العالم الإسلامي طوال تاريخه – باستثناء قرنى "الصحوتين البورجوازيتين"- بحكومات إما ثيوقراطية -الخلافة- أو عسكرية بدوية، حاربت الفكر الحر واضطهدت أصحابه، وتعرض الفلاسفة أكثر من غيرهم لعداء السلطات الحاكمة و"فقهاء السلطان" وشغب العوام،لذلك جرى اعتبار التفلسف كفرا والفلاسفة "أهل فتن" و"زنادقة"؛ فصودرت ممتلكاتهم وأحرقت كتبهم"([8]).
فبعد حملة الغزالي على الفلسفة والفلاسفة؛ وافتاؤه بتحريمها، وتجريم المشتغلين بها، تحت شعار "نصرة أهل السنة والجماعة"، تفاقمت أوضاع الفلسفة والفلاسفة، كما أسسَ السلاجقة "المدارس النظامية" للترويج لمذهبها الأشعري الشافعي الصوفي الذي وَلَّفهُ الغزالي، وأصبحت هذه المدارس أنموذجا ومثالا جرى تعميمه في هذا العصر وما تلاه في سائر أرجاء العالم الإسلامي، ومنذ ذلك الحين؛ اختفت الفلسفة في الشرق الإسلامي، وإذ جرى إحياؤها في المغرب والأندلس، كان هذا الإحياء عابرا ومرهونا ببعض الحكام الذين ما لبثوا أن نكصوا على أعقابهم؛ فاضطهدوا الفلاسفة بتحريض من الفقهاء الذين أفتوا بزندقتهم، لذلك صدق من ذهب إلى أن الفلسفة احتضرت في الشرق بعد ابن سينا؛ أما عن "الفلسفة في الغرب الإسلامي؛ فقد اعتبرها فقهاء السلطان محض "جهالات" دَوَّنَها "اغمار وأحداث جُهَّال عدلوا عن الكتاب والسنة"، بل إن ابن خلدون نفسه كتب في هذا الصدد عن "إبطال الفلسفة وفساد منتحليها"، واعتبرها من "العلوم المعارضة في العمران"؛ كما حكم عليها اخيراً بأنها "باطلة في جميع وجوهها.
وعلى الرغم من كل ذلك، فقد أبلى فلاسفة الإسلام في الشرق والغرب، بلاء حسنا ما وسعت الظروف، وحسبنا الإشارة إلى أبرز هؤلاء، الكندي، والفارابي، وابن رشد، وابن سينا، وغيرهم"([9]).
في هذا الجانب، أشير إلى موقف المفكر الراحل محمد عابد الجابري في تأكيده على الفصل بين فرعي الفلسفة في المشرق والمغرب، فقد "توصل الجابري – كما يقول د.هشام غصيب- إلى "ان مفتاح استيعاب الفَرْق بين الفرعين يكمن في استيعاب الفرق بين ابن سينا المشرقي وابن رشد المغربي. ويرجع الجابري الفرق بين فرعي الفلسفة الرئيسيين في الإسلام إلى الفرق الجوهري بينهما في المنشأ؛ اذ فيما نشأت الفلسفة المشرقية على أساس علم الكلام، أي اللاهوت، وسَعَتْ إلى التوفيق التداخلي بين الفلسفة والدين، انبثقت الفلسفة المغربية من قلب عِلْم ذلك الزمان مُجَسَّداً بصورة أساسية في أرسطو.
وعليه، فإن الفرق بين الفرعين هو أساس الفرق بين فلسفة مؤسسة على الدين واللاهوت، وأخرى مؤسسة على العلم، ويرى الجابري أيضاً، أن الفلسفة المشرقية أخفقت إخفاقا بائسا في إقامة علاقة صحيحة مع الفلسفة المشائية، وذلك بفعل تأثيرات شرقية فارسية ما قبل إسلامية، الأمر الذي قادها إلى مستنقع من الخرافة والعرفان"([10]).
أما فيلسوف قرطبة، ابن رشد –كما يستطرد د. هشام غصيب- "فيرى الجابري أنه قدم للعالم الإسلامي فرصة الإفلات من الانحطاط الحضاري وذلك بإحرازه قطيعة إبستيمولوجية مع الفلسفة المشرقية، وبخاصة مع ابن سينا، لكن العالم الإسلامي شاء أن يدع هذه الفرصة الذهبية تفلت من بين يديه، لتتلقفها القوى الصاعدة في أوروبا العصور الوسطى وتبني مجدها العلمي الصناعي على تأويل ابن رشد المبدع لفلسفة أرسطو، إلا أن الجابري ينظر إلى العلاقة بين الإبستيمولوجي والآيديولوجي في الفلسفة الاسلامية على أنها علاقة عرضية تجريبية، لا علاقة ضرورية أنطولوجية، إذ يرى أن العلاقة بينهما قد تكون وثيقة وعضوية في حال الفكر الأوروبي، لكنه يصر على أنها ليست كذلك في حال الفكر العربي، ففي كتابه "نحن والتراث"، يرجع ذلك إلى كون الفلسفة الأوروبية في نظره قراءات متواصلة لتاريخها وتراثها، في حين أن الفلسفة الإسلامية هي أساسا قراءات متفرقة للآخر، أعني الفلسفة الإغريقية، لذلك نرى أن الجانب الإبستيمولوجي من الفلسفة الإسلامية هو أساس إغريقي وثابت، في حين أن الجانب الآيديولوجي منبعه الإشكالات السياسية والدينية للعالم الإسلامي في العصر الوسيط"([11]).
فالفرق الأساسي بين فلاسفة الإسلام إذاً هو "فرق آيديولوجي يعكس انتماءاتهم السياسية والمذهبية المتنوعة، ولقد سخّر كل منهم الفكر الإغريقي بطرق مختلفة لأغراض سياسية وآيديولوجية، فلئن عنيت الفلسفة المشرقية بإشكالات علم الكلام وسَعَتْ إلى دمج الدين بالفلسفة، فقد عنيت الفلسفة المغربية بإشكالات علوم عصرها وسَعَتْ إلى فك ارتباط الفلسفة بالدين، معترفة باستقلالية كل منهما وبخصوصيته من حيث الأدوات والمنهج، وبالتقائهما في الهدف، وهو الحقيقة. وشكل فك الارتباط هذا أساسا لفلاسفة المغرب لفهم الفلسفة والدين كليهما، وللتجديد فيهما أيضاً"([12]).
 


([1])  ول ديورانت – ترجمة: محمد بدران - قصة الحضارة "حياة اليونان" -  المجلد الرابع – الكتاب الخامس -  ص 205
([2])  حسين مروة – النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية – الجزء الثاني – دار الفارابي – بيروت 1985  – ص707
([3])  اميل برهييه – تاريخ الفلسفة –  الجزء الثالث: العصر الوسيط والنهضة – ترجمة: جورج طرابيشي –  دار الطليعة – بيروت - الطبعة الأولى، مايو 1983 – الطبعة الثانية يناير 1988 – ص  120
([4])  محمود إسماعيل – سوسيولوجيا الفكر الإسلامي .. طور الازدهار(3)..فكر الفرق.. علم الكلام.. الفلسفة.. التصوف- سينا للنشر- الطبعة الثالثة 2000 - ص 113
([5]) المرجع نفسه -  ص 115
([6]) المرجع نفسه - ص 116
([7]) د. محمود إسماعيل – سوسيولوجيا الفكر الإسلامي.. المجلد العاشر.. محاولة تنظير– دار مصر المحروسة – الطبعة الأولى 2005– ص96
([8]) المرجع نفسه – ص  97
([9]) المرجع نفسه  – ص  98
([10]) د.هشام غصيب - الجابري : من التراث إلى التحديث – الحوار المتمدن - مركز الدراسات والابحاث العلمانية – 17/8/2011
([11]) المرجع نفسه.
([12]) المرجع نفسه.



#غازي_الصوراني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ظهور الفلسفة العربية الاسلامية
- الفكر الإسلامي وعلم الكلام
- فلسفة العصور الوسطى في آسيا
- الفلسفة والمذاهب الدينية في المجتمعات الآسيوية
- الفلسفة في القرنين الأول والثاني بعد الميلاد وتكريس عصر العب ...
- من دولة المدينة اليونانية إلى الإمبراطورية الهيلينية
- الفلسفة وقضايا التخلف والنهوض في الوطن العربي
- أرسطو .. والموقف من الديمقراطية والأرستقراطية (3/3)
- عقلانية أرسطو ومثالية أفلاطون (2/3)
- ارسطو طاليس (384 – 322 ق.م) (1/3)
- أفلاطون بين النظرة المثالية والنقد (2/2)
- أفلاطون (427 ق.م – 347 ق.م) (1/2)
- سقراط (470 ق.م – 399 ق.م): رائد الفلسفة اليونانيه النخبويه ا ...
- السفسطائيون
- الفلسفة اليونانية
- بدايات الفكر الفلسفي في بابل ومصر القديمة
- الفلسفة الطاويه في الصين
- الكونفوشيه
- فلسفة الصين القديمة
- الفلسفة البوذية


المزيد.....




- مصادر لـCNN: إدارة بايدن تتجه نحو السماح للمتعاقدين العسكريي ...
- مكالمة بين وزيري الدفاع الروسي والأمريكي حول التصعيد في أوكر ...
- القضاء الأميركي يعلن أسانج -رجلا حرا- بعد اتفاق الإقرار بالذ ...
- في خضم الحملة الانتخابية... 4 أشخاص يقتحمون حديقة منزل سوناك ...
- راهول غاندي زعيما للمعارضة البرلمانية في الهند
- مؤسس ويكيليكس أقر بذنبه أمام محكمة أميركية مقابل حريته
- فقد الذاكرة تحت التعذيب.. الاحتلال يفرج عن أسير مجهول الهوية ...
- القضاء الأميركي يعلن أسانج -رجلا حرا- بعد اتفاق الإقرار بالذ ...
- تحذير صحي في الولايات المتحدة بسبب انتشار حمى الضنك
- هيئة بريطانية: سقوط صاروخ بالقرب من سفينة جنوبي عدن


المزيد.....

- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج
- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - غازي الصوراني - تأثير الفلسفة اليونانية في الفلسفة الإسلامية