أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - خيري شلبي …. شيخُ الحكّائين!














المزيد.....

خيري شلبي …. شيخُ الحكّائين!


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 6678 - 2020 / 9 / 16 - 12:55
المحور: الادب والفن
    


إنها ذكرى فارس الحكي الذي تحقّق له حلمٌ يراود كلَّ فنان: أن يموت في حقله وصومعته؛ فرحل وهو يكتب مقاله اليومي، فجر يوم 9 سبتمبر 2011. إنه الجميل "خيري شلبي" صاحب السبعين كتابًا. طاردته الكتابةُ منذ استلبته هوايةُ التجوال بين أرصفة الكتب ومكتبات الكتب القديمة. فراح يُجرّب قلمَه في: الشعر، المسرح، النقد، الأدب الإذاعي، حتى تيقّن أن تلك الأشكال الكتابية المتباينة، قد صاغته روائيًّا وقاصًّا لا مثيلَ له.
أوقعه البحثُ الدؤوب بين أضابير الكتب القديمة على اكتشاف أن مسرحية "على بك الكبير" لأمير الشعراء "أحمد شوقي"، ليست كما يُشاع أولَ مسرحية شعرية في تاريخ المسرح المصري، بل سبقتها تجاربُ كثيرةٌ تصل إلى المائتين، تغافل عنها التاريخ. منها مسرحيةٌ للزعيم المصري مصطفى كامل عنوانها: "فتح الأندلس". وهو ما دعاه لتقديم حديث أسبوعي على إذاعة البرنامج الثاني عنوانه: "مسرحيات ساقطة القيد"، تقديم الروائي "بهاء طاهر”. كذلك عثر على مذكرة صغيرة مكتوب عليه: "قرار النيابة في كتاب الشعر الجاهلي"، بإمضاء القاضي "محمد نور". فوجد أنه أمام نصٍّ أدبيّ رفيع، مكتوب بصياغة قانونية راقية، بقلم القاضي الشاب الذي حقّق مع العظيم "طه حسين" في واحدة من أشهر قضايا العصر، وأخطرها. لم يخرج قرارُ "محمد نور" كـ تكييف قانوني، أو محضر ضمن وثائق قانونية، بل صِيغ كأنما هو بحثٌ علميّ ذو صياغة أدبية رصينة. فتساءل خيري شلبي: هل صنعتِ النهضةُ الثقافية التي أسسها "طه حسين" ورفاقُه مثل هذا النائب المثقف؟ أم أن الوسطَ المثقف المستنير (آنذاك)، هو صانعُ النهضة التنويرية التي أفرزت "طه حسين"؟ وتذكّر السؤالَ الجدليّ: الدجاجة أولا، أم البيضة؟!
إنها "الأواني المستطرقة". ذاك أن "طه حسين" حين جلس على كرسي الاتهام، أمام قاضٍ من تلامذته، كان في الواقع يجني ثمارَ غرسه الاستناري الطيّب، الذي أينع رجالاً في مواقع السلطة يُقدّرون قيمةَ العِلم والعالِم وحرية البحث والاجتهاد. وطرح "خيري شلبي" سؤالا مهمًّا حول محاكمة طه حسين عام 1926، تلك التي حُسمت لصالحه: هل أنصفه قرارٌ سياسي؟ أم أنصفه قانونٌ يُقرُّ بحرية الاجتهاد وحرية التعبير؟ تلك كانت قضية كتابه: "محاكمةُ طه حسين”. ومازلنا بحاجة إلى ألف "طه حسين" كقائد تنويري، وملايين من ذلك النائب العام المثقف "محمد نور"؛ لمحاربة صوت الجمود والرجعية، والكلام باسم الله، والظلامية التي لا تليق بمصرَ المثقفة.
"خيري شلبي" كاتبُ المهمشين والفقراء، لم تكن تحلو له الكتابةُ إلا في صومعته بين المقابر. انتبه مبكرًا في صباه إلى ازدواجية اللغة في حياتنا. فنحن نتكلمُ بالدارجة المصرية، ونكتب بالفصحى. ثم نظر حوله فوجد عشرات المعاجم والألسن على شريط وادي مصر من الإسكندرية حتى أسوان، مرورًا بمئات المدن والقرى والنجوع التي يمتلك كلٌّ منها لسانًا مغايرًا، ومعجمًا مختلفًا. كذلك على مستوى المهن والحرف والطبقات والأعمار. فثمة معجمٌ للنجار، والحداد، والساعي، والموسيقيّ، والمهندس، والخبّاز، والكوّاء، والناضج، والطفل، والمتعلم، والأميّ، وهلمّ جرا. كان رجالُ قريته يقصدونه ليكتب لهم الخطابات إلى ذويهم. يُنصت إليهم ثم يكتب بالفصحى. وحين يقرأ عليهم ما كتب، يرفضونه، ويصرّون على كتابة منطوق كلامهم بالعامية.
أما أطرف ما حكاه لي عمّا حدث بينه وبين عميد الأدب العربي، فكان حين تماكر على الأستاذ "طه حسين"، الذى لا يسمحُ بالتهاونِ مع الفُصحى، حتى فى المِزاح. "طه حسين" الذي انتقد "ليلى مراد" حين غنّت في فيلم "غزَل البنات": "أبجد هوز حُطّي كلمن"، لأنها قالت: "شكل الأستاذ بقى منسجمٌ" وكان يريدها: "منسجمًا"، لأنها خبرُ "بقى"، بمعنى: "أصبح"، من أخوات كان. قرر "خيري شلبى" في بداية حياته أن يكتبَ رواية: "الأيام" كمسلسل للإذاعة. وأراد أن يحصل على الموافقة القانونية من كاتب العمل. ذهب إلى بيت "طه حسين" بالزمالك، فرحّب الأستاذُ بالفكرة، شريطةَ أن يكون الحوارُ بين الشخوص فى المسلسل بالفصحى! وأُسقِطَ فى يدِ السيناريست الشاب! كيف يتكلمُ أبناءُ الصعيد في يومياتهم بالفصحى؟! ولم يكن ممكنًا مساومة الأستاذ فى شرطه الصعب، وليس ممكنًا، كذلك، أن يتخلى الشابُّ عن حلمه؛ فالتجأ إلى دهاء الفنان والمصرىّ فى آن. كتب الحوار على النسق الذى يتَّسِقُ فصحًى ودارجةً فى آن! مثلا: "معى جوابٌ، أَحْلِفُ بالِله لو شَافَهُ مخلوقٌ لَرُحْتُ فى داهية"، هكذا سيقرؤها "خيرى شلبى" على "طه حسين"، لانتزاع موافقته. بينما فى المسلسل سينطقُها "عبد الوارث عسر"، بتسكين نهايات الكلمات، مثلما نحن فى دارجتنا المصرية اليومية، مع تلوين اللسان باللكنة الصعيدية. رحم الله مبدعنا الكبير. "الدينُ لله، والوطنُ لمبدعي الوطن”.



***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماذا قال تحوت عن -الشرّ- …. رأس السنة المصرية 6262
- ماذا قال تحوت عن الشرّ …. رأس السنة المصرية 6262
- أمّي … التي تموتُ كلَّ يوم!
- آية … إبراهيم … عظماءُ على مُنحنَى المعادلة الرباعية
- علاء الدين… المسرح في أوجِ الإبهار
- سمير اللإسكندراني … خالدٌ كما تعاويذ الفراعنة
- القلمُ الباركر …. الذي علّمني نُصرةَ المظلوم
- روشتة النجاح: -الصَّمَم الجميل- !!!
- وفاءُ النيل … عند السلف الصالح
- بابٌ من صفيح
- إطلاقُ اسم سمير الإسكندراني … على أحد شوارع القاهرة
- أبي …. وعنصريةُ يدي اليسرى!
- لماذا تأخّر التنويرُ في بلادنا؟
- صاحبُ المقام… التجارةُ الحسنةُ مع الله
- بيروت الجميلة … سلاما
- محمد مشالي … شجرةٌ بمئة مليون ثمرة
- نورا … وأشهر إصفاقة باب في التاريخ
- إنه … الأستاذُ: عبد الرحمن أبو زهرة
- نورا التي رفضت أن تكون عروس حلاوة
- حوار مجلة أمارجي العراقية مع الشاعرة المصرية فاطمة ناعوت


المزيد.....




- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...
- انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
- -سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - خيري شلبي …. شيخُ الحكّائين!