أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عقيل الناصري - عن الجيش والعوائل العسكرية في العراق الملكي: (3-3)















المزيد.....


عن الجيش والعوائل العسكرية في العراق الملكي: (3-3)


عقيل الناصري

الحوار المتمدن-العدد: 6676 - 2020 / 9 / 14 - 00:38
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


أن المؤسسة العسكرية في ظرف تاريخي معين، تصبح قوة اجتماعية/ سياسية مستقلة نسبياً وتتوخى مصالحها الخاصة، وتنطلق هذه الفرضية من أن سلطة الدولة في المجتمعات الإنتقالية تكون ذات طابع يصل إلى حدالإنفصال عن المجتمع الذي خلقها، والاستقلال النسبي عنهوذلك لتوازن الوضع وضعف الطبقات الأساسية الحديثة في مثل هذه المجتمعات، خاصة إذا علمناً بأن طبيعة الجيش تتوفر له مواصفات خاصة تجعله يشعر بالتفوق وتضخيم الذات ويخلق لدية ميلاً طبقياً للإنفصال عن المجتمع بل وحتى السيطرة عليه. ولذا يستوجب في عالم الأطراف الشديدة التخلف لايمكن تخطيها إلا عن الطريق الثوري للبناء الاجتماعيوالنظام السياسي. علماً أنه في تاريخ المؤسسة العسكرية، منذ أن افتتحت أول مدرسة متوسطة في بغداد عام 1871 في المرحلة العثمانية في ولاية مدحت باشا الذي حكم كوالي ما بين عامي 1869 -1871، إذ "... كان مشبعاً بالأفكار الليبرالية الغربية وبرغبة جامحة وحقيقة للإصلاح، فإنه لم يستطيع أن يتجاوز العرف العثماني التقليدي، في عدم قبول العراقيين الشيعة في المدارس العسكرية التي كان قد أنشأها لأول مرة في بغداد. وكان القبول فيها مفتوحاً لغير الشيعة من الطلاب المتخرجين في الكتاتيب والدراسة فيها داخلية ومجانية. ولهذا السبب ولعوامل اجتماعية تتعلق بالمركز الذي كان يحتله الضابط آنذاك فإن إقبال العراقيين عليها كان كبيراً. وكان العراق أكبر الأقطار العربية حصة في أعداد خريجي الدراسات العسكرية العثمانية، وقدر لخريجي هذا المدارس أن يلعبوا الدور الأساس في العراقية الحديثة. فقد قارب عدد الضباط العراقيين عند قيام الحرب العالمية الأولى وإحتلال بغداد الألف ضابط ... ". بالإضافة إلى ان الوالي عبد الرحمن باشا، أنشأ أول اعدادية عسكرية فيها عام 1978 في مدينة بغداد. إذ أن أغلبية سلك الضباط من الفئات السنية بالتحديد، وبعض من الأكراد، نتيجة فتح متوسطة عسكرية في السليمانية في العام 1893، كانت السلطات العثمانية تعاملهم بالنسبة للشيعة كمواطنين من الدرجة الثانية ولها موقف منهم، ولهذا حرموا من الإنتساب إلى المؤسسة العسكرية العثمانية. إذ تشير بعض المصادر التاريخية الخاصة بالمؤسسة العسكرية إلى أن ابناء الشيوخ لم ينخرطوا، إلا ما ندر، في الجيش العثماني. لأن العشائر بطبيعة بنيتها الاجتماعية وإكتفائها الذاتي وإستقلالية معاييرها وقيمها الفكرية/ الاجتماعية وتقافتها الشفاهية، تجعلها مناهضة لأية سلطة مركزية وقواها القمعية. كما أن سياسة الدولة العثمانية في عدم التقرب والاستغناءعن الشيعة، كما مر بنا، كان العامل الأرأس في عدم انتماء الضباط من ابناء الشيوخ التي تعج بها المنطقة الجنوبية، في هذه المدارس. وإزاء هذا الرفض، المادي والمعنوي، العشائري "... أمر به السلطان عبد الحميد الثاني في تأسيس مدرسة خاصة لأبناء العشائر في استنبول وكان عبد المحسن السعدون وأخيه من أبرزهم... " بغية مشاركتهم في تهدأت انتفاضاتها، وفي جباية الضرائب والفائض الاقتصادي، على قلته، وتصديره إلى أسطنبول.
وتشير الوقائع التاريخية أن المحاولات الأولى لتطبيق التجنيد الاجباري على المستوى الشعبي كجنود، جرت في زمن الوالي عمر باشا في شباط 1857، ولما جابه هذا الوالي المشكلة إضطر إلى التراجع واتبع طريقة القرعة من المكلفين. وأخذت هذه التجربة بين الشد والتراخي إلى أن صدر قانون جديد للتجنيد الاجباري بعد خلع السلطان عبد الحميد الثاني عام 1909، ومن ثم صدر قبيل الحرب العالمية الأولى 1914 قانون جديد أتبع التجنيد الاجباري حيث لمن يكمل 18 سنة ضرورة الانتماء للجيش، كما شمل هذا القانون غير المسلمين. شمل التجنيد الاجباري لعموم العراقيين وبالتالي لا يفرق بالديانة والمذهب وما خلقه من ردود فعل سلبية بل حتى مأساوية، حيث سميت في حينها بـ (السفر برلك) عندما كان يساق المجندون من الفلاحين وفقراء المدن إلى ساحات الحروب ولم يعُد إلى ذويهم إلا ما ندر.. كل هذا ولّدَ ردود فعل شعبية قوية ضد الانخراط في الجيش بصورة عامة وبخاصة من ابناء العشائر، تمثلت بالهروب من الخدمة.
يصف عالم الاجتماع د. علي الوردي بعد رصده لظاهرة الهروب من إداء الخدمة الإجبارية في المرحلة العثمانية، ويقول: "... كان الشعب العراقي من اشد اشعوب بغضاً للتجنيد الاجباري، وقد حدثت ثورات في العراق أحتجاجاً على التجنيد عند تطبيقه في منتصف القرن التاسع عشر. ومرت على العراق تجارب مريرة في التجنيد عام 1877 حين سيق عشرة آلاف مجند منهم إلى قفقاسيا، فهلك أكثرهم من شدة البرد والجوع, ومن هنا نشأت النوحية المشهورة بالعراق (أويلاخ يا دقة الغربية). ثم جاءت في عام 1904 تجربة مرة أخرى حين هلك الآلاف من المجندين في صحراء نجد... وعندما أعلن النفير العام في شهرب آب 1914 وسيق المجندون في بغداد إلى قفقاسيا، ادرك الناس أن (دقة الغربية) ستحل بهم مرة أخرى فكان النواح يسمع في كل بيت ... ".
أما على النطاق الشعبي/المجتمعي، المناهض لهذه السياسية فقد كان رد الفعل قوياً جداً وبصورة سلبية، وحاولوا:
- إما أن يبدل جنسيته من العثمانية إلى الفارسية ؛
- وإما أن يبدل من جنسه فيكتب في جنسيته العثمانية أنثى بدلاً من ذكر ؛
- والطريق الثالث هو الهروب من الخدمة.
أما ما بعد تأسيس الدولة العراقية في آب عام 1921، فقد انتمى إلى فئة الضباط عدد قليل من ابناء الشيوخ والملاك الأراضي الكبار ومن كبار الاقطاعيين وبخاصة من ابناء الجنوب الشيعي، بمباركة وتشجيع من مثلث الحكم (قوى الاحتلال الأول ؛ والسلطة التنفيذية الاوليغاركية ؛ ومؤسسة العرش)، بغية توسيع القاعدة الاجتماعية للسلطة الملكية الحاكمة من خلال تعزيز العلاقات المصلحية الزبائنية لأبناء العشائر بالسلطة والدفاع عنها، بعد خلق النمط شبه الاقطاعي والذي بدءً صيرورته منذ عام 1916. وعلى هذا الأساس فقد استقر إعادة تنظيم قبول أبناء العشائر على الشكل التالي"...
1- يقبل من كان ابناً لشيخ عشيرة حقيقي ؛
2- يقبل من اكمل الدراسة المتوسطة على أن يدرس ثلاث سنوات في المدرسة العسكرية ؛
3- يرسل من لم يكمل الدراسة الابتدائية، ومن كان في الصف السادس الابتدائي إلى مدارس وزارة المعارف لإكمال دراستهم المتوسطة على نفقة وزارة الدفاع." وأحياناً كثيرة يكفي لقبولهم معرفة القراءة والكتابة وتعطي لهم دروس خاصة قبل أن يتم دمجهم مع الآخرين... ".
"...لقد حقق تأسيس الجيش العراقي لبريطانيا، ليس فقط إنها لم تعد طرفاً عسكرياً في قمع تحركات الوطنيين العراقيين، فحسب وإنما هو المهم، اختزالاً هائلاً في النفقات العسكرية التي أرهقت دافعي الضربية البريطانيين فإنخفضت النفقات البريطانية في العراق من (80) مليون باوند استرليني في السنة المالية 1919/ 1920 إل أقل من (8) ملايين في السنة المالية 1922/ 1923 التي اعقبت تأسيس الجيش... ". وفي الوقت نفسه يراد تخفيض القوات البريطانية العاملة في العراق وذلك بتأسيس الجيش العراقي ليكن:
"... - لأنه يوفر عدداً كافياً لحماية الأمن الداخلي والخارجي ؛
- ويوفر قوة إحتياطية مركزية تستخدم في الإزمات ؛
- ويوفر قوة مناسبة تحل محل القوات البريطاية ... ".
وتأسيساً على هذا التأريخ فقد حافظت الطبيعة الاجتماعية والمنبت الطبقي لفئة الضباط طيلة المرحلة الملكية، إذ كان الضباط، كما قلنا، ينحدرون من الفئات الاجتماعية الوسطى المتوسطة والدنيا ومن سكنة المدن وبخاصة الكبيرة منها، بصورة عامة، وأيضاً من ابناء رؤساء العشائر والملاك الكبار على ندرتهم. وأُضيف لهم أبناء الضباط السابقين في الجيش العثماني، بمعنى آخر كان الإيذان بولادة أسر عسكرية (لأبناء البيوتات ) من أمثال:
الداغستاني ؛ والحاج سري ؛ والخوجة ؛ والعمري ؛ والربيعي نجيب ؛ والسويدي ؛ والعقيلي ؛ والعسكري والسعدون ؛ والمدفعي ؛ والايوبي ؛ وكشمولة ؛ والألوسي ؛ والهيتي ؛ والعاني ؛ ومولد مخلص والتكريتي ؛ والشاوي ؛ والأورفلي ؛ والدملوجي ؛ والهاشمي ؛ والصباغ ؛ والبكري ؛ والوادي ؛ والفلاحي ؛ السهروردي ؛ والباجه جي ؛ والعزاوي ؛ وفتاح باشا؛ والإغا ؛ وخماس ؛ والدفتري ؛ والفارسي ؛ وعائلة رمزي بك ؛ والكركوكلي ؛ والبحراني ؛ والفخري ؛ ووهبي ؛ وياملكي ؛ والجميل ؛ والسنوي ؛ والكبيسي ؛ والحجازي ؛ والشابندر ؛ والجبوري ؛ كنه ؛ ونشأت ؛ والبصري ؛ والقاضي ؛ والهنداوي ؛ وتاتار؛ والخالدي ؛ وبابان ؛ والنائب ؛ والدفتري ؛ والعبادي ؛ والبدري ؛ الكيلاني ؛ حكمت سليمان ؛ .. وغيرهم.
ومما زاد من تأثيرهم هو أن عوائل هؤلاء الضباط:
- أمست متداخلة بالزيجات والمصاهرة مع العوائل الارستقراطية التقليدية، أو فيما بينهما، فعلى سبيل المثال دخل في علاقة مصاهرة كل من: ناجي شوكت وداود الكيلاني وكامل الجادرجي، وذلك بزواجهم من كريمات السيد آصف محمود عارف آغا ؛
- المصالح المشتركة التي أخذ الضباط ينسجونها مع كبار المالكين وأصحاب الثورة، حتى أصبحوا جزءً من مجموعة المصالح المالية والزراعية ؛
- إن عدم وجود سنن التداول السلمي للسلطة، ولتنظيم أطر العمل السياسي، نظراً لحداثة نشوئهما أنذاك، دفع هؤلاء من العوائل العسكرية إلى تبني مبدأ الولاء الشخصي لأية جهة حاضنة لمصالحهم ومنافعهم حتى لو كانت أجنبية.
في حين أن ابناء الأسر من الفئات الوسطى، فقد بدأوا بالانتماء إلى المؤسسة العسكرية منذ مطلع الثلاثينيات عندما أخذ الجيش بالتوسع الكمي والنوعي، كعملية تأسيس دراسة فنية متخصصة آنذاك من قبيل: الخيالية، المدفعية، المخابرة، والتدريب على الأسلحة الخفيفة، ومنذ عام 1927 بدأت الاستعدادات لتشكيل القوة الجوية، وذلك عندما وافقت بريطانيا على قبول 6 طلاب عراقيين للتدريب على الطيران، تزامناً مع :
- توطد الدولة المركزية وسريان مفعول قانونها المركزي ؛
- الحصول على الاستقلال (الشكلي) في العام 1932 ؛
- وتبني السلطة الاوليغاركية الملكية سياسة التجنيد الاجباري في العام 1934 ؛
- وتوطيد النمط شبه الاقطاعي عبر جملة من التشريعات بعد إخماد الحركات العشائرية في الريف ؛
- وما رافق ذلك صراعات (عنيفية وغير عنيفية) سياسية بين النخبة الاوليغاركية بدأً منذ تأسيس الدولة المعاصرة وأستمرت، إلى حد ما نسبياً، إلى نهاية الملكية ؛
- وبينها وبين الجماهير المنتفضة بخاصة ما بعد الحرب العالمية الثانية: عام 1944 كاور باغي ؛ 1948 الوثبة ضد معاهدة بورتسموث ؛1952 انتفاضة تشرين؛ 1954 ضد حلف بغداد ؛ 1956 معركة السويس؛
- التأييد المعنوي الكبير من مؤسسة العرش للمؤسسة العسكرية بجنحيها الجيش والشرطة ؛
- بعد تحول المؤسسة العسكرية إلى أداة أرأسية في حسم الصراع الاجتماعي/السياسي/ الفكري ورسم التوجه الاقتصادي المستقبلي في عموم عالم الأطراف.. نظراً لضعف القوى الاجتماعية الحديثة وخاصة الطبقة الوسطى بفئاتها المتعددة، حاملة التغيير المنشود.
- اهتمام كل الكتل النخبة السياسية الحاكمة بالمؤسسة العسكرية .
وعند تأسيس الجيش عام 1921، اتبع فكرة التطوع بدلاً من التجنيد الاجباري.. لقناعة قوى الإحتلال بذلك. إذ ناهضت الكثير من المكونات الاجتماعية (الدينية والأثنية ) هذا القانون (التجنيد الاجباري). في الوقت نفسه كانت ردود فعل السلطة الحاكمة تطبيق القانون وفرضه بالقوة المادية والمعنوية، وأتخذ الهُروب من الخدمة مجالاً اوسع بخاصة في الأرياف .
أما بعد ثورة 14 تموز فقد استمرت العوائل العسكرية في تمديد نفوذ سيطرتها على المؤسسة العسكرية، في الوقت نفسه لوحظ التوسع في انتماء ابناء العوائل الفقيرة، وابناء البلدات الصغيرة بصورة خاصة، بعد أن أتخذ النظام الجمهوري في سيرورات التقليل من السياسة الطائفية المتمذهبة في الحكم، بخاصة في المؤسسة العسكرية. في الوقت ذاته حيث رصد أن أغلب المكونات الاجتماعية العراقية سواءً الاثنية أو/و الدينية، منحت الفرص في الانتماء لهذه المؤسسة في الجمهورية الأولى. لكن هذه الصيرورات الاجتماسياسة إرتدت إلى الوراء بعد انقلاب 8 شباط عام 1963، كما قلنا سابقاً، بحيث عاد التمذهب في الدولة ومؤسساته وبخصة في سياسة القبول للمؤسسة العسكرية والأمنية حيث سيطر عليها بالأخص ابناء المناطق الغربية وشمال بغداد والموصل تحديداً التي حصلت على نسبة كبيرة في نسبة القبول بالمؤسسة وبالأخص في الجمهورية الثانية منذ عام 1963 انقلاب شباط الأسود.
ويبين تأريخية المؤسسة العسكرية "... إن تحكّم نخبة مطلقة في المؤسسة العسكرية، أي في أدوات العنف الشرعي، أو الرسمي أمر جوهري لبقاء النخبة وإستمرار أمساكها بزمام السلطة، بقدر ما إن إمساكها بزمام السلطة السياسية المطلقة شرط مسبق للسيطرة على المؤسسة العسكرية. والطبع فإن عداء أو ولاء أو تحييد المؤسسة العسكرية وقتذاك إنما يعني كفالة أمن نظام الحكم أو تقويضه. كما أن قوة الجيش كانت ضرورة لحكم مجتمع متعدد الإثنيات والثقافات ويتسم بحركات اعتراضية عميقة الجذور على أكثر من جبهة ( الأكراد، الشيوعيون، ومنذ 1979- 1980 الإسلاميون الشيعة)... ".
ونكرر لابد من التنويه إن من النادر رؤية الانسجام بين الأصل الاجتماعي القديم للضابط الذي انطلق منه نحو المؤسسة العسكرية، وبين منظومة علاقاته مع الواقع الجديد المتحقق في سياق الخدمة والارتقاء الوظيفي داخل المؤسسة. فستفرض نفسها العلاقات الجديدة المتداخلة من النخبة العسكرية، وربما، منها ينطلق لاحقاً مع النخبة السياسية الحاكمة أو ذات الاعتبار المؤثر في قيادة المؤسسة العسكرية. أي بمعنى آخر تحاول المؤسسة العسكرية أثناء الدراسة والخدمة اجتثاث جذور الانتماءات الطبقية السابقة للمنتسبين الجدد وتربيتهم على وفق منظومة قواعدها ومعاييرها المهنية القائمة على مصالح المجموعة العسكرية المشتركة والمتمثلة بـ: المعرفة ؛ المسؤولية ؛ والمشاركة. وهو ما يؤدي عملياً إلى إضعاف الشعور المنتفض اجتماعياً لدى أولئك المنحدرين من الفئات الاجتماعية الوسطى والصغيرة من المجتمع. خاصةً إذا علمنا أن سيكولوجية الملكية الخاصة الصغيرة السائدة بين هذه الفئات الاجتماعية المقترنة بالتذبذب، تحد هي الأخرى من راديكاليتهم لأنهم غرباءعن هذه الأخيرة ويصبحون توفيقيين في أحسن الأحوال.
والنتيجة الأرأسية، كما قلنا سابقاً، التي نخرج بها هي: "... جملة القول أن السمة اللافتة أن العسكر لعبوا بوعي أو بدونه، دوراً في قطع وإرباك مسار التطور الذي دام قرناً من الزمان منذ السلطة العثمانية إلى إنشاء الدولة الوطنية العراقية، وتجلى في اضطراب إيقاع التغيير المتفاوت، المتقلب... ".
أما في زمن نظام البعث الثاني (1968-2003) فقد كانت "... من الجوهري هنا أن نشير إلى أن مفوضي الحزب كانوا يوفرون فعالية حصرية تخترق التشكيلات العسكرية وتخلق نظاماً من الآمرية والتحكم موازيا لسلة الآمرية النظامية. وقد شابت هذا النظام الاحتكاكات: فالرتبة الحزبية لا تبنى على الإنجاز العسكري ؛ وفي غالب الأحيان كانت رتبة مفوض الحزب أدنى من القائد ذ الإمرة في هذه الوحدو العسكرية أو تلك، بحيث أفضى ذلك إلى تساكن قلق محفوف بإنعدام الثقة، والنفور الصامت والصدمات أحيانا. كانت السلطة التي تولاها مفوضو الحزب من خلال المكتب العسكري ترمز إلى أولوية القيادة الحزبية على ( الأرستقراطية) العسكرية وسيادة الحزب على الدولة ... "، وكان هذا الإيذان بإختفاء (العوائل العسكرية وإرستقراطيتها) وأنتهاء دورها بعد عقود من السيادة السياسية والتحكم بالقرار المركزي للدولة العراقية.
الهوامش:
19 - حسن العلوي، الشيعة والدولة القومية، ص. 171- 172، مصدر سابق.
20 - د. حازم الدوري، الضباط العراقيون وتأسيس، ص. 26 ، مصدر سابق ؛ وزارة الدفاع، تأريخ القوات العراقية المسلحة. الجزء الأول، ص. 148، بغداد 1985.
21- د. على الوردي، لمحات أجتماعية من تاريخ العراق الحديث، ط.2، ج. الرابع ، ص. 91، دار كوفان للنشر لندن.
22 - راجع كتابناً ،الجيش والسلطة، ص. 173، مصدر سابق.
23 -حسن العلوي، الشيعة والدولة القومية، ص. 181، مصدر سابق.
24 - د. رجاء حسين الخطاب، تأسيس الجيش العراقي وتطور دوره السياسي 1921- 1941، ط.2، بغداد 1982
25 - وزارة الدفاع، تأريخ القوات العراقية المسلحة. الجزء الأول ،ص. 148، ص. 148.
26 - مستل من: ناجي شوكت،سيرة وذكريات 80 عاما، 1894- 1974،ص. 59، اليقظة العربية، بغداد 1990.
27 - وأصبح الجيش في الواقع هو العنصر الفعال في تشكيل وإسقاط كل الحكومات تقريباً ما بعد الاستقلال الشكلي 1932، وبخاصة منذ عام 1936 ولغاية 1941، حيث جرت 7 انقلابات عسكرية خسة منها مستترة والاثنان الباقية علنية، ورغم إن الانقلاب الأول قوبل بالترحاب كوسيلة للخلاص من وزارة غير مقبولة، فقد كان سابقة سيئة لتدخل الجيش في الصيرورة السياسية. فقد كان عقد الثلاثينيات بمثابة الصراع القوي بين قيادات النخب لأجل الزعامة والتي تمحورت بالتحديد بين : نوري السعيد، رشيد الكيلاني، جميل المدفعي، علي جودت الايوبي، السويديين (الاخوين توفيق وناجي)، جعفر العسكري، حكمت سليمان، وياسين الهاشمي. ومن نافلة القول إن الضابط الاحتياط حكمت سليمان كان أول من طبق فكرة إستخدام الجيش كأسلوب لحل الخلافات بين النخب السياسية، كما يقول حنا بطاطو، في موسوعته، الجزء الأول، ص. 340.
ومن الجدير بالذكر أن النخبة الحاكمة في المرحلة الملكية ما بعد حركة مايس التحريرية 1941، اوقفوا أستخدام الجيش في نزاعتهم المصلحية الزبائنية، بإستثناء حكومة نور الدين محمود، التي لم تلعب الصراع النخبوي أي دور لهم، وإنما بين الجماهير الغاضبة من عدم التداول السلمي للسلطة ومطاليب أخرى.
28 - ، للمزيد راجع كتابنا، الجيش والسلطة، ط .2 ، مصدر سابق.
29 - حول تمذهب المؤسسة العسكرية والأمنية راجع: العقيد الركن أحمد الزيدي، البناء المعنوي للقوات المسلحة العراقية، دار الروضة، بيروت 1990 ؛ عبد الكريم الأزري، مشكلة الحكم في العراق، التاريخ ودار المنشر ومكانه بلا ؛ حسن العلوي ، الشيعة والدولة القومية مصدر سابق.
30 - د. فالح عبد الجبار، كتاب الدولة، ص.154، مصدر سابق.
31 - للمزيد راجع إليعازر بعيري،، ضباط الجيش والسياسة في المجتمع العربي ، ص. 295 وما بعدها، مصدر سابق.
32 - د. فالح عبد الجبار، كتاب الدولة، ص. 136، مصدر سابق. وفي حوار مع وزير داخلية في العهد القاسمي مع د. عبد الفتاح البوتاني قال: "... وعندما سألته لماذا كان قاسم واثقاً من نفسه حتى آواخر ايامه ويصرح بأن اقدامه ثابتة جيداً وأنه سيضرب بسرعة وبشدة عند مواجهة الخطر؟ أجاب يا أخي هذا شأننا نحن العسكريون (وبصوت منخفض) نحن خربنا العراق نخفي ضعفنا ونتستر عليه, ولا نقبل التنازل أو نعترف بهزيمة ، وفي كل تصرفتنا نعتقد إننا في ساحة معركة ... فقد كانت وزارة الداخلية من أوائل من حذرته بوجود مؤامرة لقلب نظام الحكم".( التوكيد منا – الناصري)، من أرشيف جمهورية العراق ص.11، صدر سابق. ويعلق العميد المتقاعد خليل الزوبعي في حوار مع شامل عبد القادر أن الانقلابية العسكرية أصبحت بعد: "... الثورة فتحت شهية الضباط إلى المناصب تخيل ان (8) ضباط اصبحوا وزراء للزراعة بعد عام 1963م، وهل تتصور ان ضابطاً صار وزيرا للخارجية !!... ". جريدة المشرق بتاريخ 30/8/201
33 - د. فالح عبد الجبار، كتاب الدولة، ص. 158، مصدر سابق.



#عقيل_الناصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن الجيش والعوائل العسكرية في العراق الملكي: (2-3)
- عن الجيش والعوائل العسكرية في العراق الملكي: (1-3)
- 14 تموز سيبقى عيداً وطنياً
- إبراهيم الخياط كمثقف عضوي
- التحليل السياسي والتأريخي لتقارير مديرية الأمن العامة في الج ...
- التحليل السياسي والتأريخي لتقارير مديرية الأمن العامة في الج ...
- التحليل السياسي والتأريخي لتقارير مديرية الأمن العامة في الج ...
- التحليل السياسي والتأريخي لتقارير مديرية الأمن العامة في الج ...
- التحليل السياسي والتأريخي لتقارير مديرية الأمن العامة في الج ...
- من ماهيات رفع شعار الوحدة الفورية الاندماجية :
- لتحليل السياسي والتأريخي لتقارير مديرية الأمن العامة في الجم ...
- التحليل السياسي والتأريخي لتقارير مديرية الأمن العامة في الج ...
- التحليل السياسي والتأريخي لتقارير مديرية الأمن العامة في الج ...
- التحليل السياسي والتأريخي لتقارير مديرية الأمن العامة في الج ...
- لتحليل السياسي والتأريخي لتقارير مديرية الأمن العامة في الجم ...
- السلبيات الناجمة عن التغيير الجذري في 14 تموز:
- محاولة تاريخية مقارنة: بين ثورة العشرين وثورة الشباب الحالية
- الأهمية التاريخية والغائية لثورة 14 تموز (3-3):
- الأهمية التاريخية والغائية لثورة 14 تموز (2-3):
- الأهمية التاريخية والغائية لثورة 14 تموز (1-3)


المزيد.....




- الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي ...
- -من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة ...
- اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
- تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد ...
- صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية ...
- الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد ...
- هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
- الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
- إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما ...
- كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عقيل الناصري - عن الجيش والعوائل العسكرية في العراق الملكي: (3-3)