|
سيرة نضال نجفيّة في قصيدة -خطى على ضفاف- *
مؤيد عليوي
الحوار المتمدن-العدد: 6675 - 2020 / 9 / 13 - 06:40
المحور:
الادب والفن
القصيدة للشاعر مرتضى بن الشيخ طاهر بن فرج الله الحلفي( 1912- 1984م)، وكان قربيا من حياة والده الدينية والادبية والجهادية التي يرويها في مجلسه..، إذ اشترك الشيخ طاهر يقود عشيرته (الحلاف)، مع السيد محمد سعيد الحبوبي ضد الاستعمار البريطاني في معركة الشعيْبة الشهيرة في البصرة، لتصير تلك الحكايات جزء شخصية من مرتضى الطفل المستمع لمجلس أبيه والذي لا يقارفه في مجالس النجف الدينية والادبية، فينمو حب الوطن والشعر ومقارعة المحتل وكرهه لخونة الوطن-1-، ليكون اختياره الوطني فيما بعد هو الانتماء الى الحزب الشيوعي في مطلع الاربعينات من القرن المنصرم كما ذكر ذلك مقدام الفياض -2- مثلما جاءت سيرة مرتضى فرج الله شاعرا وطينا وسياسيا عنيدا في مجالس النجف وأماكنها العامة، في كتاب "شعراء الغري" لعلي الخاقاني-3-، ونكتفي الى هنا بما يتصل بحياة الشاعر المليئة بالنضال فقد فُصل من وظيفته معلما في العهد الملكي ثم أعُيد اليها في العهد الجمهورية مباشرة بعد ثورة 14 تموز 1958، ثم اُحيل على التقاعد بعد سنوات..، كُتب عن شعره الكثير وكذلك عن رحيله، كما تناول شعره د. مصعب مكي زبيبة في رسالته للنيل الماجستير، والموسومة بـ"شعر مرتضى فرج الله/ دراسة في الموضوع والفن". بعد هذه السطور المختصرة عن سيرة المناضل الشاعر مرتضى فرج الله، نجد صدى تلك الايام في قصيدة "خطى على الضفاف" المُستلة من ديوانه "مرفأ الظل" المطبوع بعد رحيله سنة 2013 ،حيث كان مطلع القصيدة:( أتيتُ إليـــكَ، وقد كنتُ في ظلّ زهرةْ / ورفرفة في جناح ندي ) يشير مطلع الرومانسي هذا الى بداية حياته في كنف أبيه الشيخ الطاهر فرج الله، التي استمرت منذ ولادته حتى رحيل والده سنة 1926، ليواجه الحياة بقوة شخصيته الوطنية مما اكتسبه من صحبة أبيه..، ثم لننظر الى كاف المخاطبة في بداية المطلع(أتيتُ اليــكـــَ) فهل الشاعر يخاطب الوطن أو انتمائه السياسي، أو صديق له، أو ذاته نفسها؟! ليكون هذا التركيب الشعري من كاف المخاطبة والمتكرر ثلاث مرات في بداية الرومانسية ومقطعين واقعيين، ناسب فيها الشاعر خلق الجو المناسب في قصيدته بين الرومانسية والواقعية بحسب المدلول الشعري لكل مقطع من المقاطع الثلاثة المتصلة بالتركيب الشعري (أتيتُ اليــكـــَ ) ثم أن العدد (3 ثلاثة يشير الى الكثرة في الاستعمال اللغوي) بمعنى أنه الشاعر كانت حالته في المخاطبة مستمرة طوال حياته، أما الجواب عمَن كان يخاطب فهو في نهاية القصيدة بعد أن يتفيض بالمعاني الوطنية التي عاش من أجلها، بمبادئه الماركسية في رفع ظلم الانسان عن أخيه الانسان، فقد كانت نهاية القصيدة:( أتيتُ اليــكَ/ وحين وجدتُ العـــــثار/ تململتُ لكــنــني/ تأملــتُ ثم سلكتُ الطريق/ فيا ليت مَن يقرأون المسافةْ /بجنبي وهم يقطعون المسافةْ. ) وبكل صدق فني يحيط الشعر، يعبّر الشاعر مرتضى فرج الله عن حقبة حياته ونضاله بواقعية العثرات والالم والملل إلا أنّهُ يوضح اختياره بعد تأمل واشغال الفكر والعقل:(تأملــتُ ثم سلكتُ الطريق) مستعملا (ال التعريف) حيث المعرفة تحديد وتشخيص والنكرة شيوع المعنى وعدم تحديد، ليكون طريقا وطينا واضحا من مبادئ المرتبطة باسمه ونضاله في النجف وحيث كان يذهب في العراق، ثم هنا ثمة سؤال للشعب في نهاية المقطع:(فيا ليت مَن يقرأون المسافةْ/ بجنبي وهم يقطعون المسافةْ) فالمسافة هنا ليست مكانية بل مسافة زمانية/ لتأريخ للنضال في العراق ومنه النجف، إذ أية مسافة مكانية يقطعها مَن يجلس بجنبه؟!! أصلا لا توجد مسافة والمعاني ها هنا ليست بهذه السذاجة الظاهرة من الالفاظ، بل الشاعر استعارة المسافة من المكان ليعبر بها عن الزمان وهو التاريخ إذ أراد قراءة التاريخ النضال عموما وحركته، وهذا من صميم فكره الماركسي "قوانين الديالكتيك". اما في وسط القصيدة فنرى هذه الواقعية مرتبطة بالتركيب:(أتيتُ اليــكــَ)، بعد مقاطع واقعية أيضا من العثرات ومحاولات الانظمة منها:( ويفغر فاه غراب الهموم/ يشير لعاصفة قاتمةْ / تشل الدروب / لكنها لم تشل النجوم / وما قدرتْ أن تكف السواعد/... ) ليكون بعدها المقطع الثالث من التركيب الشعري :(أتيتُ اليــكــَ / سؤالا وحبا وترنيمة رددتها الجداول/ وحنّت اليها الشوارع/ تشع على قطرات الندى/ وتشمخ في قطرات الجبين/... ) ففي هذه الصور الفنية وغيرها من المقطع الثالث الذي تشع فيه روح التفاؤل الواقعي والصمود في أوقات مرّت على العراق فأنتهت فيما بعد الأنظمة وبقي الشعب العراقي ومنه شاعرنا مرتضى فرج الله من خلال معانيه وسيرته النضالية في شعره هذا وغيرها..، ولنعود الى البدء من هذه السطور حيث كانت كاف المخاطبة في (أتيتُ اليــكـــَ) : ليقول الشاعر بهامش صغير:( اتيتُ اليكَ لأعرف كيف تناجي الضفاف) ويكمل بعدها المقطع ( يسر الصباح / وكيف تهب الزوارق على وعد نجمةْ / وكيف تمر الرياح / تحل وثاق الشراع ) في رومانسية حالمة بالحرية والانعتاق من قيود كانت قد كبلت يديه التي أطلقها الفكر الماركسي إذ نسمع بعدها صوت التحدي من تاريخه النضالي الواقعي من شخصيته هو مرتضى فرج الله:( فروحي تعانق/ وكفي تناشد/ أنا الوعد أزجي الخريف/ لطلع الربيع/ وللأرض في راحتّي ازدهار/ ومن قبضتي تفرّ الوحوش / وكنتُ نشيدا لكل مكابد) فالفعل الماضي ( كنتُ..) في نهاية المقطع يكشف واقعية الصورالفنيّة في هذا المقطع كما ذكر علي الخاقاني في كتابه "شعراء الغري"، وليشير الفعل الماضي (كنْتُ..) أن الشاعر كتب القصيدة قبل رحيله سنة 1984 في النجف . ................................................. 1- ينظر : مرفأ الظل، مرتضى فرج الله، الناشر لواء مرتضى فرج الله، النجف ، 2013، ص : 95 -97. 2- ينظر : مرفأ الظل، مصدر سابق ،ص: 31 . 3- ينظر: تاريخ النجف السياسي(1941-1958)، مقدام عبد الحسن باقر الفياض، دار الأضواء، بيروت، 2000، ص: 65 – 69. 4- ينظر: شعراء الغري، علي الخاقاني، المطبعة الحيدرية، النجف، 1956، الجزء 11/ الشاعر مرتضى فرج الله.
#مؤيد_عليوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فنيّة اليوميات ولغتها في ولهِ الشاعر عمر السراي
-
فنيّة القافية عند الشاعر د. وليد جاسم الزبيدي / ديوان -أناشي
...
-
التضاد المكاني في قصيدة -الملوك - لكريم جخيور
-
لا اشبهكَ
-
همس الايقاع الداخلي في مكان قصيدة - شهرزاد - لرسمية محيبس *
-
طفولة بنات الشوارع في فنية السرد القصصي ل-هي لا تشكو.. الى م
...
-
ما يخبئه النص في جيب المكان لديوان - ثمّة قلق- عماد الحيدري
-
ولادتي
-
فنيّة القافية والسكون في قصيدة -أرقص معي -
-
فضاء النص / الشارع في قصص -ضفاف النيل - *
-
قصة همومُ أرضٍ
-
بداية القصص ودلالتها في -عزف بلا أوتار-*
-
- حَيْهل - وسرد الحداثة وما بعد الحداثة
-
الميتا – قص ... - ما تجلّى في العتمة - *
-
رمزية الحداثة وما بعد الحداثة في رواية- السقشخي - لعلي لفته
...
-
الشخصية الرئيسة ودورها في بناء القصص القصيرة
-
عرض وتحليل لكتاب - قصص الرواية -*
-
الرفض في قصص فارس عودة
-
إضاءة على البناء الروائي ل- بهّار - *
-
التحايل الدلالي والسؤال الفلسفي في قصص - واسألهم عن القرية -
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|