|
حكايات ودلالات
محمد أحمد الزعبي
الحوار المتمدن-العدد: 6674 - 2020 / 9 / 11 - 03:17
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
02.02.2015 10.09.2020 الحكاية الأولى : شاأت الظروف أن تتزوج إحدى السوريات من شاب سوري ، كان يدرس ويعمل في الولايات المتحدة الأمريكية ، وقد رزق الزوجان طفلة أسمياها (...) . عندما بلغت الطفلة سن الوعي المبكر ( ولنفل 5 سنوات ) ، أدخلتها أمها إحدى مدارس الأطفال في حيهم السكني في كالفورنيا آنذاك . لقد تفتح وعي الطفلة عملياً على التواصل الهاتفي المستمر بين أمها من جهة ، وبين جدها وجدتها ، اللذان كانا يقيمان وبعملان في اليمن من جهة أخرى ، وبالتالي فإن هذه الطفلة ( وبحدود وعيها كطفلة ) قد ظنت أن البلد الذي تنتمي إليه أمها هو اليمن . ولذلك عندما سألتها معلمتها الأمريكية ذات يوم : من أي بلد أنت ياصغيرتي ؟ ، اجابت بدون تردد من اليمن (!) ، فقالت لها المعلمة ، ولكن اليمنيين سود ، وأنت شقراء ، فهل أنتم من يهود اليمن ؟ أجابت الطفلة وببراءة : ربما أكون يهودية ، وعلي أن أسأل أمي عن هذا الموضوع . وعندما عادت الطفلة إلى البيت ، سارعت إلى سؤال أمها : ماما هل نحن يهود ؟ أجابتها أمها ، لا ياابنتي ، نحن مسلمون ، ولكن لماذا تسألينني هذا السؤال ، وهنا قصت الطفلة على أمها كامل الحكاية . عندما أتذكر هذه الحكاية ، التي قارب عمرها ربع القرن ، أتذكر أمران مرتبطان ومترابطان معها ، هما : الأول هو حديث النبي (ص) : كل إنسان تلده أمه على الفطرة وأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ) ، وواضح أن مضمون هذا الحديث النبوي الشريف ، ينطبق عملياً وواقعياً على كافة الأديان السماوية والأرضية على حد سواء. أما الأمرالثاني فهو ، الحالة المؤلمة والمؤسفة التي أوصلنا إليها نظام عائلة الأسد ، والتي بات معها لايعرف أطفالنا لاإسم بلدهم وبلد والديهم ، ولا يعرفون إلى أي دين ينتمي هذان الوالدان ، وبالتالي إلى أي دين ينتمون هم . ألا تبّاً لهذا النظام الطائفي الفاشي البغيض الذي أوصلنا وأوصل أطفالنا إلى هذه الحال المؤلمة والمؤسفة . مع اعترافي واعتزاي بان جميع ( بلاد العرب أوطاني من الشام لبغدان ) ، ولاسيما أن أجدادنا الغساسنة ( الجذور ) قد قدموا أصلاً إلى سورية من اليمن كما هو معروف ..
الحكاية الثانية : بعد أن نفذ حافظ الأسد حركته " التصحيحية / بل التضليلية !!" بتاريخ 16.11.1970 ، وزج رفاقه وشركاءه في حركة 23 شباط 1966 في سجن المزة العسكري (لم أكن بين المسجونيين لأنني كنت قد غادرت سفينة قيادة الحزب منذ 26.03.1967 ) ، قمت بزيارة أحد أصدقائي من قيادة 23 شباط 66 ، والذي لم يكن قد زجه حافظ الأسد مع الآخرين في السجن بعد . بادرني هذا الصديق والرفيق بالقول ، أو تظل تتهمنا يامحمد بالطائفية ، وهذا حافظ قد زج أعضاء القيادة وبينهم فلان وفلان في السجن ؟ ، قلت له ( مازحاً ) سيظل اتهامي لكم قائماً ، إلى أن تقابلوا انقلاب حافظ العسكري عليكم ، بانقلاب عسكري عليه ، قبل أن يقوم هو بتسريح ( جماعتكم ) من الجيش . أجابني هذا الرفيق والصديق ( البعثي) ، بأن حافظ لايستطيع تسريح ( جماعتنا ) من الجيش ، ولما سألته عن السبب ، أجاب ، بأن حافظ يعرف أن تسريح "جماعتنا " من الجيش ، سوف يجعل الغلبة في الجيش ل " جماعة العراق " (!!) . وهنا أدرك شهرزاد الصباح وسكتت عن الكلام المباح ( !!) . ذكرتني هذه الحكاية بما كتبه المرحوم سامي الجندي ، من أن حركة 23 شباط هي حركة طائفية قبل أن تكون حركة يسارية ، وذكرتني أيضاً بالمثل الشعبي الذي يقول : ( أنا وأخي ضد ابن عمي ، وأنا وابن عمي ضد الغريب ) والغريب هنا هو ( السنّي). إن هذا لايعني بحال أنني أضع جميع أعضاء قيادة حركة 23 شباط في سلة واحدة ، وإلاّ فسأكون من الذين يسوون بين القاتل والمقتول ، وبين المسجون والسجّان ، وبين اليساري الصادق ، واليساري الكاذب ، وهذا بغض النظر عن النسبة المئوية من المسؤولية التي يمكن أن يتحملها كل من الطرفين : ( جماعتنا ) و ( جماعة العراق )، فيما وصلت إليه بلادنا اليوم .
الحكاية الثالثة : عملت في العامين الدراسيين 1976 / 1977 و 1977/ 1978 في جامعة بغداد ، ولأسباب لامجال لذكرها هنا ، تقدمت في نهاية العام الدراسي الثاني باستقالتي ، وانتقلت للعمل في جامعة عدن كمدرس لمادة علم الاجتماع . أعطيت وعائلتي سكناً معقولاً في منطقة خورمكسر، دخل أولادي المدرسة ، وبدأت عملي الجامعي . لقد فوجئت في مكان عملي الجديد ( جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية / اليمن الجنوبي ) ، بظاهرة غريبة، ألا وهي ، وجود تعليمات رسمية تمنع اختلاط اليمنيين ب " الأجانب " ، وكان مفهوم الأجانب في ذلك الحين ، لايشمل مواطني الاتحاد السوفييتي ،ولكنه يشمل بصورة أساسية المواطنين العرب ، وخاصة الأساتذة والمعلمين العراقيين الذين كانوا يعملون في اليمن الجنوبي ( وكانوا بنظرالرفاق اليساريين اليمنين يعملون على نشر أفكار حزب البعث في جنوب اليمن ) وهنا تبدأ الحكاية الثالثة ، والتي هي ـ فعلياً ـ أربع حكايات وليست حكاية واحدة : 1.رغبت زوجتي أن تلتحق بدورة مسائية لتعلم اللغة الإنجليزية في إحدى المدارس بعدن ، وقد عرفت زوجتي بموضوع هذه الدورة المسائية ، من " بنت الجيران " التي كانت بدورها ترغب في الالتحاق بهذه الدورة ، عرضت على جارنا ، أن تذهب ابنته مع زوجتي إلى المدرسة ، حيث سأوصلهما معاً ثم أعيدهما بسيارتي ( لم يكن لديهم سيارة )، وافق الجارعلى هذا العرض ، وبعد الإجراءات بدأت أوصل زوجتي وصديقتها إلى المدرسة ، ثم أعيدهما إلى البيت بعد انتهاء الدوام المسائي . في اليوم الثالث أو الرابع، اعتذرت الجارة عن الذهاب، استفسرت عن السبب من والدها، فقال لي: لقد طلب رجال الأمن منها ألاّ ترافق الأجنبية ( بالجيم المصرية ) إلى المدرسة ، لأن في هذا خرق لقانون عدم الاتصال بالأجانب ، والأجنبية المعنية هنا هي زوجتي العربية السورية (!!) . 2. كان إبني ( ... ) عندما التحقت بجامعة عدن طالبا في صف البكالوريا ، وتعرف في المدرسة على صديق يسكن في نفس حارتنا ( خور مكسر ) ، فكانا يترافقان إلى المدرسة ذهاباً وإياباً ، وذات يوم أوقف حرس أحد المسؤولين اليمنيين (لاأريد ذكر إسمه ) ، الطالب اليمني الجنوبي ، الذي كان مع ابني ، وطلبوا منه ألاّ يخالف التعليمات الرسمية ويسير مع شخص " أجنبي "( مرة أخرى بالجيم المصرية ) ولكن هذا الطالب جادلهم ، في أنهم رفاق صف دراسي واحد ، ومنطقة سكنية واحدة . وهنا انهالوا عليه ضرباً ومزقوا قميصه ( رأيته بعيني ) ، الأمر الذي جعلني أتصل هاتفياً بالسيد علي ناصر محمد الذي كان رئيساً للجمهورية آنذاك ، ورويت له ماجرى مع صديق ابني ، واعتبار حرس ذلك المسؤول أن ابني أجنبياً ( !!) ، وينطبق عليه قانون عدم الاتصال بالأجانب ، فوعدني أن ينظر في الأمر (!!). 3. لم تكن جامعة عدن تبعد سوى بضع مئات من الأمتار عن البيت الذي كنا نسكنه ، وذات يوم بينما أنا في طريقي إلى الجامعة ، التف حولي عدد من الصغار الذين كانوا يلعبون في الشارع ، ظانين أني " سوفييتي " ، وشرعوا يخاطبونني بكلمة (صديك / صديق ) ، فوجئ الصغار ، بأن رددت عليهم باللغة العربية ، وهنا صاحوا جميعاً بصوت واحد " مترجم " ( بالجيم المصرية ) ، أي أن " الآخر " بالنسبة لهؤلاء الصغار بات أحد شخصين ، إما صديك أو مترجم (!!) ، أما العرب والعروبة واللغة العربية ، فقد كانوا في تلك الفترة ، ومع الأسف الشديد ، غرباء و ينطبق عليهم قانون الأجانب . 4. ولكي لاأغمط الرفاق اليساريين اليمنيين الجنوبيين حقهم ، أقول لقد كان عدد من اللاجئين السياسيين العرب في اليمن الجنوبي في تلك الفترة(من الماركسيين العراقيين والسودانيين خاصة ) ، يجتمعون معاً كل أسبوع مرة ، في بيت أحدهم ، وكنت أدعى لبعض هذه الجلسات بصفتي الشخصية .وما أريد قوله هنا هو أن القيادة السياسية اليمنية الجنوبية آنذاك ،غالباً ماكانت ترسل أحد عناصرها لحضور هذه الجلسات ، لكي يستمع بنفسه من (الرفاق !!) المجتمعين مايمكن أن يوجهونه للنظام من نقد(السلبيات والأخطاء ) . وفي حال اقتناع المسؤول بوجهة نظرالمنتقدين ، والتي لاتصل غالباً إلى الخط الأحمر، فإنه سرعان مايبلغ القيادة السياسية بذلك ،والتي سرعان ماكانت تصدر التعليمات بل وأحياناً القوانين أو التشريعات ، التي تعالج تلك الأخطاء . إنها شهادة حق لابد أن تقال .
#محمد_أحمد_الزعبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حدثان كبيران في يوم واحد
-
الأسدان ومحطات بداية النهاية
-
بشار الأسد ومحطات الصعود إلى القاع
-
هضبة الجولان والمتآمرون الثلاثة
-
علم اجتماع المعرفة بين العلم والفلسفة
-
المطرقة والمسمار
-
موضوعات عامة حول ثورة آذار2011 السورية
-
شر البلية مايضحك
-
ثالثة الأثافي
-
الشمال السوري بين المطرقة والسندان
-
الربيع العربي واللاءات الثلاثة
-
كلمة حول عملية نبع السلام
-
إيران وأذرعها العربية
-
بين المنامة وإدلب خواطر حائرة
-
أنقرة وثلاثي خفض التصعيد
-
مجازر الشمال السوري ومسؤوية الجميع
-
فلسطين ومطرقة السفير
-
من اسطنبول إلى المنامة
-
سوريا وإشكالية الأقليات
-
البيت الزجاجي والحجر وولي الفقيه
المزيد.....
-
تكللت بالنجاح.. رجل يوثق عملية إنقاذه شريكه العالق على ارتفا
...
-
عفن وجراثيم وبيض أخطبوط بعين المجهر.. إليكم لمحة عن الصور ال
...
-
بعد استهدافه بـ-درون-.. فيديو تشديدات أمنية حول منزل نتنياهو
...
-
بعد الهجوم على مقر إقامته.. نتنياهو: لن يردعنا شيء حتى النصر
...
-
تركيا.. -عصابة الأطفال حديثي الولادة- تتسبب بإغلاق 9 مستشفيا
...
-
الجيش الإسرائيلي ينذر سكان حارة حريك بالضاحية الجنوبية لبيرو
...
-
-إم بي سي- السعودية في بغداد تحترق بعد نشرها تقريرا ينعت الس
...
-
طهران لبايدن: من يعرف كيف ومتى ستهاجم إسرائيل يتحمل المسؤولي
...
-
صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لضحايا الحرب الإسرائيلية على القطاع
...
-
فيتامين يمكنه المساعدة على الوقاية من التهاب البنكرياس الحاد
...
المزيد.....
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
-
التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري
/ عبد السلام أديب
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
المزيد.....
|