|
اغتيال السلام باسم السلام
ابراهيم ابراش
الحوار المتمدن-العدد: 6670 - 2020 / 9 / 7 - 22:22
المحور:
القضية الفلسطينية
في اللقاءات والتصريحات الصادرة عن المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين والإماراتيين قُبيل وأثناء وبعد الإعلان عن التطبيع بين دولة الإمارات وإسرائيل وردت كلمة السلام مئات المرات كما تبارى بعض الكُتاب الإماراتيون بالتغني بالعلاقات مع إسرائيل واعتبار الاتفاقية الموقعة بينهما حدث تاريخي سيجلب السلام إلي المنطقة، كما تم تسمية الاتفاقية باتفاقية السلام، وحتى الطائرة الإسرائيلية التي حطت في مطار أبو ظبي سُميت باسم السلام لإخفاء اسمها الحقيقي "كريات عاد" وهو اسم مستوطنة صهيونية قامت على انقاض بلدتي الفالوجة وعراق المنشية الفلسطينيتين، كما ليس مصادفة أن يكون موعد المؤتمر الذي دعا له ترامب لتوقيع (اتفاقية السلام) هو 13 سبتمبر وهو تاريخ عقد اتفاقية أوسلو (للسلام) . فهل التطبيع الإماراتي الإسرائيلي يندرج في سياق السلام بالفعل؟ والإجابة عن هذا السؤال تتطلب تعريف السلام أولاً. مع أن مصر والأردن سبقتا الإمارات في التطبيع مع إسرائيل إلا النظام السياسي في الدولتين لم يمجد التطبيع ولم يمدح الكيان الصهيوني بل تعامل مع الأمر كضرورة أملتها سنوات طويلة من الحرب والصراع مع الكيان الصهيوني خلفت الكثير من الدمار والضحايا، كما أن النظامين لم يبذلا أي جهد لتحويل التطبيع الرسمي إلى تطبيع شعبي كما لم نسمع منهما أو من المثقفين والكُتاب الموالين لهما أي مديح لإسرائيل أو إهانة للشعب الفلسطيني، إلا في أضيق الحدود وفي مصر تحديداً، وبالرغم من التطبيع الرسمي بين الطرفين والكيان الصهيوني إلا أن غالبية الشعب في البلدين استمرت رافضة للتطبيع وناقمة على الكيان الصهيوني لأنه دولة احتلال ويُنكل بالفلسطينيين، ومنذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1979 وما تلاها من اتفاقات (سلام) مع الفلسطينيين (اتفاقية أوسلو 1993) ومع الأردن (وادي عربه 1994) وحتى الآن لم يتم السلام بل تزايدت الممارسات العدوانية الصهيونية، وهذا يعني أن السلام ليس محرد اتفاقات يتم توقيعها بل ممارسات وسلوكيات وقناعات. السلام مصطلح مراوغ، إن كان يتضمن قيمة أخلاقية وأمل يتمناه كل البشر من حيث أنه تعبير عن حالة متعارضة مع الحرب والصراع والعنف ويدعوا للعيش في عالم تُحترم فيه حقوق الجميع، إلا أنه في الواقع يبقى ذلك المُستحب والمأمول بعيد المنال وخصوصا في العلاقات بين الدول حيث تستمر الحروب والصراعات وتفشل أغلبية (اتفاقات السلام) حتى تلك التي ترعاها الأمم المتحدة. في كثير من الحالات يتم الخلط بين التسويات السياسية أو اتفاقات السلام من جانب وبين السلام بحد ذاته من جانب آخر، فالأولى تفاهمات على حل مشكلة قائمة بناء على موازين القوى بين الطرفين أو بضمانات خارجية، وهذه الاتفاقات قد تؤدي لحل جذري للمشكلة موضوع النزاع وفي هذه الحالة يمكن القول بوجود سلام أو يتم خرق الاتفاقات الموقَعة فيتم العودة للحرب والصراع، أو تؤدي لهدنة مؤقتة ثم ينفجر الصراع مجدداً. أما السلام فهو حالة نفسية وعقلية وقناعة تصدر عن الإرادة الحرة لطرفي أو أطراف الصراع بالاعتراف المتبادل بحقوق ومطالب كل طرف واستعداد للتخلي عن المطالب تجاه الآخر، وفي هذه الحالة فإن ما يضمن السلام ليس موازين القوى أو الوسطاء فقط بل الرغبة الجادة بالسلام عند أطراف الصراع وعدم شعور أي طرف بأنه مُغيب أو مهضوم الحقوق. إذا وضعنا ما جرى بين دولة الإمارات وإسرائيل برعاية أمريكية في سياق توصيف الصراع في المنطقة كصراع عربي إسرائيلي فليس من حق الإمارات وحدها توقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل في ظل وجود المبادرة العربية للسلام التي حددت شروطاً للاعتراف بإسرائيل، أما تبرير ما أقدمت عليه الإمارات بأنها ليست الأولى فمصر والأردن طبَّعتا مع إسرائيل وأقامتا علاقة رسمية معها، فالرد أن مصر والأردن قامتا بالتطبيع قبل وجود المبادرة العربية التي وضِعت بإجماع كل الدول العربية، كما كانت حالة حرب بين هذين البلدين وإسرائيل ولا توجد هذه الحالة بين الإمارات وإسرائيل، وبالتالي لا يمكن للاتفاق الإماراتي الإسرائيلي أن يؤدي لسلام عربي إسرائيلي إلا إذا وافقت كل الدول العربية على الاتفاقية وصدر قرار بذلك من جامعة الدول العربية، وحتى في هذه الحالة فسيقتصر أمر إنهاء الصراع على الحكومات العربية وإسرائيل ما دام لم يتم استفتاء الشعوب العربية بالأمر وما دام الفلسطينيون الطرف الرئيس في معادلة الصراع ليسوا طرفاً في التسوية . أما إذا وضعنا الاتفاقية في سياق أن الصراع فلسطيني إسرائيلي والدول العربية لم تعد طرفاً رئيساً، فيمكن للإمارات أو أية دولة عربية وانطلاقاً من مبدأ السيادة والقرار المستقل أن تقيم علاقات بينها وبين إسرائيل، ولكن ليس من حقها أن تزعم أو تسمي اتفاقية إقامة العلاقة بينها وبين إسرائيل بأنها اتفاقية (سلام تاريخي في المنطقة) وأنها لمصلحة الفلسطينيين، ما دام الفلسطينيون أصحاب الشأن ليسوا طرفاً في الاتفاقية ولم يفوضوا الإمارات للتحدث باسمهم كما لم يفوضها العرب بذلك، وخصوصاً أن الفلسطينيين وقعوا قبل ذلك (اتفاقية سلام) وكانت برعاية أمريكية روسية في البداية (اتفاقية أوسلو 1993) ثم برعاية الرباعية الدولية مع خطة (خارطة الطريق 2003) ولم تلتزم بها إسرائيل التي ما زالت تحتل كل فلسطين بالإضافة إلى أراضي عربية أخرى. دولة الإمارات دولة ذات سيادة ومن حقها أن تقيم علاقات دبلوماسية مع من تشاء من الدول والأمر متروك للشعب الإماراتي وللشعوب العربية، ولكن ليس من حقها التدخل في الشؤون الداخلية للشعب الفلسطيني كما ليس من حقها أن تُحدِد من يمثل الشعب الفلسطيني، وهي وإن كانت دولة ذات وزن في المنطقة إلا أنه لا يجوز لها أن تعطي نفسها حجما أكبر من قدراتها الحقيقية فيما يتعلق بحل الصراع في الشرق الأوسط، وهو الصراع الذي عجزت الدول العظمى والأمم المتحدة عن حله طوال أكثر من مائة عام، كما أن الفلسطينيين أدرى من غيرهم بالنوايا الإسرائيلية والأمريكية من وراء التطبيع وكان للفلسطينيين تجربة مريرة مع الإسرائيليين خلال سبعة وعشرين عاماً من المفاوضات والاتصالات تحت مسمى السلام. لا نستبعد أن تحذو دول أخرى حذو الإمارات، ولكن حتى لو طبَّعت كل الأنظمة العربية علاقاتها مع إسرائيل فلن يتحقق السلام في المنطقة ولن تنعُم إسرائيل بالهدوء والاستقرار ما دام الشعب الفلسطيني الطرف الرئيس في الصراع وصاحب الحق الأصيل لم ينعم بدولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، إنه الرقم الفلسطيني الصعب كما قال الراحل الزعيم أبو عمار.
#ابراهيم_ابراش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حول اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية
-
عندما يتحول بعض العرب إلى مرتزقة في أوطانهم!
-
التباس الخطاب السياسي وبؤس حوامله الإعلامية
-
على الفلسطينيين أيضاً مراجعة مواقفهم وسياساتهم
-
الإمارات ليست الأولى ولن تكون الأخيرة
-
التجربة النضالية الفلسطينية بين النقد الموضوعي والتشكيك المُ
...
-
لبنان وفلسطين
-
هل يمكن للدولة الواحدة أن تكون بديلاً عن حل الدولتين؟
-
المزيد من التنازلات لن يجلب السلام
-
الواقعية السياسية المفترى عليها
-
مصر في مواجهة تهديدات غير مسبوقة
-
للمشهد السياسي الفلسطيني اوجه متعددة
-
العروبة ليست تهمة
-
الموجة الخامسة للديمقراطية (دمقرطة الديمقراطية)
-
الفلسطينيون ومعادلة (الرواتب أو الوطن)
-
الانتخابات لوحدها ليس مؤشراً على وجود الديمقراطية
-
التطبيع وانتهاء معادلة (الصراع العربي الإسرائيلي)
-
في ذكرى النكبة الفلسطينية الثانية
-
ازدواجية المعايير في الحكم على الاحتجاجات الشعبية
-
ماذا بعد قرار وقف العمل بالاتفاقات الموقعة مع إسرائيل؟
المزيد.....
-
بتوبيخ نادر.. أغنى رجل في الصين ينتقد -تقاعس الحكومة-
-
مصر.. ضجة حادث قتل تسبب فيه نجل زوجة -شيف- شهير والداخلية تك
...
-
ترامب يعين سكوت بيسنت وزيراً للخزانة بعد عملية اختيار طويلة
...
-
ترامب بين الرئاسة والمحاكمة: هل تُحسم قضية ستورمي دانيالز قر
...
-
لبنان..13 قتيلا وعشرات الجرحى جراء غارة إسرائيلية على البسطة
...
-
العراق يلجأ لمجلس الأمن والمنظمات الدولية لردع إسرائيل عن إط
...
-
الجامعة العربية تعقد اجتماعا طارئا لبحث تهديدات إسرائيل للعر
...
-
ابتكار بلاستيك يتحلل في ماء البحر!
-
-تفاحة الكاسترد-.. فاكهة بخصائص استثنائية!
-
-كلاشينكوف- تستعرض أحدث طائراتها المسيّرة
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|