|
لقطة رد الفعل وصناعة النجم
سيد الوكيل
الحوار المتمدن-العدد: 6669 - 2020 / 9 / 6 - 21:30
المحور:
الادب والفن
عرفت أمريكا صناعة النجم مبكراً ، وجعلته وسيلة للاستئثار بمشاعر الجماهير، وإذا كانت هذه الصناعة في السينما مقصداً هاماً لترويج الفيلم الأمريكى ، فإن السينما نفسها كانت وسيلة مضمونة لصناعة تاريخ أمريكا والتعريف بأنماط الحياة ونظم الإدارة ، وهى بذلك تتجاوز دورها الترفيهي إلى دور سياسي ودعائي لصورة البطل الأمريكي -شرطي العالم ـ ومنقذه من أساليب القهر والاستبداد والعنصرية.. لن ينسى أي مصري صورة السيد أوباما وهو يأمر الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك بأن يرحل الآن ( الآن.. تعني الآن) ضاربا عرض الحائط بإرادة الأغلبية الساحقة للمصريين... إنها صور الشرطي الديكتاتور الأوحد للعالم رغم كل دعايات الديموقراطية، والتي يتكشف لنا أوهامها في مشهد مقتل الرجل الأسود جورج فلويد على مسمع ومرأى العالم كله.. إن الدعاية الأمريكية لصورة الشرطي حارس الديموقراطية..تظهر على نحو مناقض في لعبة انتخابات الرئاسة الأمريكية نفسها، ودور رجال الأعمال في تمويلها، ودور الجيتو الصهيوني فيها. تمتد آليات التحريك الإعلامي خارج أمريكا، في تركيز الضوء على بعض المواقف والشخصيات، لمنحها صورة غير حقيقتها. مثال ذلك: تحويل بعض الشخصيات الدولية التي تخدم المصالح الأمريكية إلى نجوم مثل (محمد البرادعى) أو (ميليس) المحقق في قضية اغتيال الحريرى، وهؤلاء يصبحون بعد هذه النجومية جزءاً من نظام الدعاية الأمريكية رغما عنهم، لا لشيء إلا لأنهم خاضعون لشروط الآلة الإعلامية الجبارة التي تعتبر تمثيلاً بصرياً لصورة أمريكا. ومن ثم يمكن تأهيلهم للقيام بمهام أكبر كأن يتولى البرداعي رئاسة مصر بعد إزاحة حسني مبارك. لقد كانت الآلة الإعلامية قادرة على إقناع كبار المثقفين ورجال المعارضة المصرية بأن رجلا عاش نصف عمرة بعيدا عن مصر، هو الأجدر بحكمها، وتحقيق أحلامهم. لهذا لم يدهشني هذا الهوس الذي استقبلوا به البرادعي على أبواب المطار، ومنحوه حق تقرير مصير المصريين. لهذا فلقطة الصورة التي نقلها التلفزيون المصري إلى العالم للدكتور البرادعي وهو يتوسط المؤيدين لخلع محمد مرسي في بيان 30 يونيو. كانت بمثابة رسالة شديدة الذكاء، تعتمد نفس التقنية التي أسستها السينما الأمريكية، والتي عرفت بتقنية ( لقطة رد الفعل) كونها كشفت عن ذكاء رجل المخابرات الحربية السابق عبد الفتاح السيسي، في توظيف صورة البرادعي الجالس خلفة، ليرد برسالة مضادة إلى السيد أوباما: هذا رجلكم يجلس خلفنا ويطالب بتنحي محمد مرسي عن الحكم. فى كتابه خفايا نظام النجم الأمريكي يكشف بول وارن عن السر الخفي في قوة تأثير تقنية ( لقطة رد الفعل ) حتى أنه يذهب إلى أن السينما الأمريكية لا تكتمل إلا بقياس ردة فعلها على المشاهد، ومن ثم الاهتمام بدراسة أنماط المشاهدين من كافة الجوانب الثقافية والاقتصادية والشعورية. فضلا عن دراسة الصورة قوة تأثيرها، ليس على نحو موضوعي فحسب، ولكن على نحو تقني.
في فيلم ( فورست جامب) ثم لقطات عديدة على هذا المستوى، وتحمل نفس الرسالة الجماهيرية، منها تلك اللقطة التي أثارت ضحك المشاهدين، لحظة تقليد الرئيس الأمريكي قلادة البطولة الحربية للجندي فورست، طلب نيكسون من الجندي أن يريه مكان إصابته، عندئذ استدار الجندي وكشف عن مؤخرته. وهكذا فالمشهد لا يثير الانتباه الساخر فحسب، بل يحمل رسالة احتجاج تعكس المهانة التي تلقتها العسكرية الأمريكية في فيتنام.
لقطة رد الفعل تراهن على قدرة الصورة على التفاعل مع أكبر عدد ممكن خلافا للكلمة. ولقد أدرك ذلك كبار المخرجين أمثال (هتشكوك وكابرا) وهما من أصحاب الأفلام الشعبية المبهرة فعندما كانا يراجعان مشاهد أفلامهما كان كل اهتمامهما منصباً علي جمهور قاعة العرض والإنصات إليه. وقد اعتاد (كابرا) علي تسجيل مختلف الأصوات والضوضاء الصادرة عن قاعة السينما التي تعرض فيها نسخة الفيلم علي عينة من المتفرجين وكان يستخدم شريط التسجيل الشاهد علي ردود الأفعال الصوتية لمراجعة المونتاج واختصار بعض المشاهد وإطالة البعض الآخر. ويمكننا ملاحظة أن تقنية ( لقطة رد الفعل) أصبحت الآن بمثابة الباب الملكي لصناعة السينما، ولا سيما في أفلام الأكشن والرعب والخيال العلمي، التي حظيت بجماهيرية واسعة بين الشباب حد الإدمان. يؤكد الكاتب هنا أن لقطة رد الفعل تحول الممثل إلي النجم الأوحد الذي تجتمع حوله القلوب وربما يظهر هذا بشكل واقعي بعيداً عن عالم السينما في انتظار الشعب الأمريكي للخطاب السنوي للرئيس وتوحد الأمة كلها والتفافها حوله وهذا ما استغله جورج بوش الابن حين أعلن الحرب علي أفغانستان واستطاع باستغلال مشاهد انهيار برجي التجارة العالمي، ليكتسب تعاطف الأمريكيين بدلا من غضبهم. وظني أن الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، نجح بشكل لافت في إقناع المصريين بصورة الضحية التي قدمها على شاشة التلفزيون في بيان النكسة، فالجمهور العربي لم يتعد على رؤية هذا الانكسار والنبرة الخافتة المعتذرة في خطابات البطل القومي. لقد أسفرت الدراسات الاجتماعية والنفسية، عن أن البشر أكثر ميلا للتعاطف مع الآخرين في لحظات انكسار، ولكلما كان الانكسار يأتي بعد طول قوة يكون أكثر أثرا.. فعندما جلس الرئيس الأمريكى الوسيم والنجم السياسي المبتسم دائما ( بل كلينتون ) أمام لجنة التحقيق بشأن قضية المتدربة مونيكا ليونيسكى، كان يدرك تماماً أن الشعب الأمريكي سيقف بجانبه كلما بالغ في إبداء الندم والانكسار أمام لجنة التحقيق. تستفيد البرامج الإخبارية من لقطة رد الفعل وأثرها، بل ويقتضي الأمر في كثير من الأحيان اختلاق لقطات تدعم استراتيجية الرسالة. ففي أعقاب القصف الإسرائيلي لغزة، تداولت القنوات الإخبارية مشهدا لطفلة وحيدة تجوب بين ألأنقاض بحثا عن دميتها. وفي لقطة أخرى يكون كهلا، يصل إلى الجدار الوحيد الصامد من أنقاض البيت لنرى قفصا معلقا عليه، وبداخله عصفور وحيد.. يفتح الكهل القفص ليطلق صراح العصفور. إن مثل هذه اللقطات لا تخلو من صناعة واضحة يدركها المتخصصين في فن صناعة الصورة، ولكنها تلهب مشاعر الملايين في العالم. لقد أدرك الأمريكان منذ وقت مبكر أهمية الصورة في صنع واقع افتراضي، يعمل على تعزيز الواقع المعاش، بهدف السيطرة عليه وتحديد صورته.. لكن التطور في البرمجيات المرتبطة بصناعة الصورة جعلت الأمر أكثر شيوعا، ومتاحا بين يدي العامة لتخدم أغراضا شخصية كالابتزاز أو السخرية أو التشهير. ويبدو أن ثم رغبة ملحة في دعم تقنيات الصورة والتحكم فيها. ففي خلال ربع القرن الماضي أصبحت الصورة وتقنياتها وحيلها الفنية تحظى بالتقدير الأكبر في صناعة السينما.والدراما، بل والفيديو الإخباري. لتصبح سلاحا للحرب بين وكالات الأنباء والفضائيات المختلفة. لو كان المعلق الرياضي ( محمد لطيف) على قيد الحياة لسألته: أمازلت مقتنعا بأن الصورة لا تكذب؟
#سيد_الوكيل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شبح هاملت يسكن العالم
-
أهمية أن نفصل
-
العنف النقدى فى قراءة نحيب محفوظ
-
عفوا كابتن لطيف .. الكرة ليست (اجوان)
-
الكفيل / مقال سردي
-
تشكيل الفراغ
المزيد.....
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
-
أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد
...
-
الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين
...
-
-لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
-
انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
-
فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو
...
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|