|
ذكريات الزمن القاسي 7
محمد علي الشبيبي
الحوار المتمدن-العدد: 1600 - 2006 / 7 / 3 - 08:10
المحور:
أوراق كتبت في وعن السجن
المكتبة العامة مركزا للتعذيب
كنا نسمع ونتابع مواقف ألرفاق والأصدقاء وما يتعرضون له من تعذيب. كان جهل ألحرس القومي وقياداته، ورغبتهم في ممارسة ألتعذيب بسبب حقدهم ألأعمى، يدفعهم لإستدعاء أيا كان واتهامه كونه حزبيا، ومطالبته بالكشف عن اسماء رفاقه. هذا ماحدث لعباس زغالي وهو عامل احذية بسيط، أستدعي عباس، في ألأيام ألاولى من إنقلاب شباط، وبدء ألتحقيق معه للكشف عن خليته وأسمه ألحزبي. لم يكن عباس حزبيا وربما لم يكن صديقا منظَماً، ولم يعرف أن هناك عمل حزبي خلوي وأسماء حزبية. كان يجلس أمام محققيه من ألحرس القومي مشدوها لايعرف عما يُسأل وبماذا يجيب. مارسوا التعذيب معه لينتزعوا ألإعترافات منه، يحسبونه مسؤولا قياديا في منظمة ألحزب، لأنه سار في مقدمة تظاهرة للاطفال والمراهقين ايام ثورة تموز استنكارا للمؤامرات الرجعية على ثورة تموز، وقد توقفت التظاهرة مستنكرة امام مكتبة الكلكاوي ذو التوجهات القومية، ولم تخلُ التظاهرة من هتافات كان يعتبرها البعثيون والقوميون بأنها استفزازية. يسألوه عن إسمه الحزبي، فيجيب: عباس!. يستمر التعذيب ويعاودوا ألسؤال، ويستنتج من إستمرار وقسوة التعذيب ومعاودة ألسؤال أن جوابه خاطئ، فيصحح ألجواب لأرضائهم: ينادونني زغالي! ويتسائل بتوسل وبراءة طالبا ألكف عن تعذيبه. وهكذا تحمل عباس زغالي التعذيب وهو لم يكن حزبيا ولاصديقا نشطا أومنظما، واعتقدْ كان من الأوائل الذين تعرضوا للتعذيب. كان يحدثنا ويضحك كيف كان افراد الحرس القومي الذين حققوا معه اغبياء وتعاملوا معه مثلما تعاملوا مع بعض الحزبيين القياديين. يقول عباس ساخرا من اسلوبهم ألهمجي في ألتحقيق، كنت خائفا أن أموت تحت ألتعذيب، وانا لاأعرف شيئا عما يطلبونه مني، ويحسبونني حزبيا صلبا وقائدا، بينما أنا إنسان بسيط.
بعد مايزيد عن الشهرين من بقاؤنا في سجن ألحلة نقلنا ألى كربلاء فالتقينا بالوالد وبكثير من ألاصدقاء. كانت غرفتا الموقف في مركز شرطة كربلاء مزدحمتين بالمعتقلين من الشيوعيين واصدقاؤهم ولم تعد تتسعا للمزيد. وعلمنا عند وصولنا من الحلة انه تم نقل مجموعة من الموقوفين ممن انتهى التحقيق معهم الى سجن الحلة لتوفير الأماكن لنا. وعرفنا حينها ان قيادة حزب البعث في المدينة قررت ان تستغني عن المركز الثقافي الوحيد في المدينة وهو المكتبة العامة وتحويلها الى مركز للتحقيق والتعذيب حتى الموت، كما حدث للشهيد عبد ألأله الرماحي (هلول). وقد حدثنا حينها الزملاء الذين نقلوا الى بغداد لغرض التحقيق معهم، ان في بغداد تم تحويل ليس فقط المكتبات وانما حتى الملاعب الرياضية، وقد مورس ابشع انواع التعذيب مع المناضلين الشيوعيين والديمقراطيين في ملعب الشعب. وسيبقى هذا السلوك الاجرامي والبربري وصمة عار في تأريخ حزب البعث والقوميين العروبيين الذين حولوا المراكز الثقافية والرياضية الى مقرات للتعذيب والموت، بدل تطويرها أو إنشاء المزيد منها لتكن في خدمة المجتمع وتقدمه الحضاري. وقد استمر حزب البعث على هذا النهج البربري حتى بعد مجيئه للسلطة في عام 1968، حيث تكشفت للعالم جرائم المقبور عدي بحق الرياضيين واساليب تعذيبهم في المقرات الرياضية.
في المكتبة العامة تم تعذيب الشهيد عبد ألأله الرماحي بطريقة همجية بشعة. كان ألشهيد عبد ألأله طالب طب يدرس في روسيا، وعرف عن ألشهيد طيبته وهدوئه وحبه للناس. قدم من موسكو في ألعطلة ألشتوية لزيارة عائلته فاعتقل واستشهد تحت ألتعذيب في ألمكتبة ألعامه بكربلاء. وقد نقل بعض المعتقلين ان الحرس القومي اثناء تحقيقهم مع عبد الأله طلبوا من المعتقلين بتزويدهم بشفرات حلاقة، وكثيرا ماكان افراد الحرس القومي يستغلون المعتقلين بطلب شفرات او صابون حلاقة واحيانا يطلبون حتى السكائر والكولونيا، ويعتقد البعض وهذا ما أعترف به بتبجح بعض افراد الحرس القومي بأنهم استعملوا الشفرات لتعذيب عبد الأله وذلك لتبضيع جسده ورش الملح على الجروح، كي يدلي بإعترافاته!! لم يتمكن عبد الاله، هذا الشاب الوديع الهاديء الدمث الاخلاق، من تحمل هذا التعذيب البربري واستشهد في نفس الليلة، واخفوا جثمانه الطاهر متمادين في جريمتهم. فالمجد والخلود للشهيد عبد الأله الرماحي والخزي والعار لقتلته من البعثيين والعروبيين.
مجموعة من الزملاء الكربلائيين (في سجن نقرة السلمان) الذين اعتقلوا بعد انقلاب شباط 1963 وحكم عيلهم بخمسة سنوات وهم من اليسار سالم عودة، كاتب المذكرات، وسعد بدكت والجالس محمود الصافي اثناء وجود المعتقلين في المكتبة العامة يهيأون ويخضعون للتحقيق، حيث يتم استدعاء المعتقل ليلا ويطلب منه بتدوين اعترافاته بتفصيل عن عمله الحزبي واعضاء خليته او لجنته الحزبية، واذا وجدوا ان المعتقل لا يتجاوب معهم او يحاول اخفاء بعض المعلومات، يؤخذ لممارسة التعذيب معه الى غرفة صغيرة لاتتجاوز مساحتها 2,5 متر مربع تقع بالقرب من المرافق الصحية، حيث تم تجهيزها بوسائل تعذيب من سلاسل لتعليق المعذب او توثيقه. ولما كانت المكتبة العامة تقع في مركز مدينة كربلاء حيث تكثر حركة الناس والمرور بمحاذاتها، وان اي صراخ للمعذبين يمكن للمارة بمحاذاة المكتبة ان يسمعوه وقد يثير استياءً واستنكارا، ومثلما وجد القتلة من حزب البعث أن المكتبة العامة وغيرها من المؤسسات الثقافية والترفيهية يمكن ألإستغناء عنها وتحويلها الى مقرات للتعذيب، فأن تفكيرهم الفاشي اسعفهم وأبتدعوا طريقة للتغطية على صراخ وتألم المعذبين وذلك بإطلاق صوت المسجل وغناء ام كلثوم بأعلى صوته من خلال سماعات لتقوية الصوت، متظاهرين وكأنهم في حفلة طرب وسهر على انغام كوكب الشرق، فيختلط صوت ام كلثوم من جهاز التسجيل مع صرخات افراد الحرس القومي الهستيرية والحقودة مع تأوهات وهتافات وصرخات المعذب والخارجة دون ارادته، بينما يجلس بعضهم مخمورا ليتمتع بصوت ام كلثوم. وفي احدى المرات عندما كان افراد الحرس القومي يعذبون عامل البريد (ابراهيم ،للأسف لا أذكر اسمه الكامل)، ثم تركوه مسجى على ألارض في شبه غيبوبة ليأخذوا قسطا من الراحة! وليعودوا لتعذيبه بعد ان يستفيق. لكن ابراهيم استفاق قبل ان يعودوا اليه ووجد نفسه في تلك الغرفة المغطاة بالدماء والسلاسل، واحس بالألم الذي تركه التعذيب البشع على جسده، اقدم كما يقول على خطوة انتحارية مع تحدي بطولي للحرس القومي، بأن حمل احدى العصي التي كانت بجانبه لتعذيبه بها وهجم على الحرس محاولا الهرب من المكتبة لكن محاولته بالتأكيد لم تفلح، وانتقموا منه شر انتقام بمضاعفة تعذيبه. بعد ألانتهاء من ألتعذيب يرمون ألمعذب علينا فيقوم ألاخرون بأسعافه قدر المستطاع. كان المعتقلين الافضل صحة يقومون بمساعدة الكثيرين من المعذبين على الوقوف والمشي، فالتعذيب البربري المستمر من تعليق وضرب وكي في مختلف انحاء الجسم تكون سببا في عدم قدرة المعذبين على الوقوف والمشي اعتمادا على انفسهم. وفي احد المرات استدعي احد المعذبين (اعتقد كان الفلاح كاظم ناصر) للتحقيق معه وتعذيبه مجددا، واخبروه اثناء التحقيق انه معاقب لكونه يسير بمساعدة زملائه في الصالة وامام الشباك المطل على الطريق العام كي يثير استياء الناس وهو في هذه الحالة السيئة. المقصود بالصالة هي صالة المطالعة الوحيدة في بناية المكتبة العامة، وتحولت الى صالة لتجميع المعتقلين الذين يتم استدعائهم من مركز شرطة كربلاء لغرض التحقيق، وكانت الصالة كبيرة قياسا لغرف موقف مركز الشرطة، وكونها صالة مطالعة كانت ألأنارة الطبيعية فيها جيدة، حيث يطل احد جوانبها على الطريق من خلال شباك كبير بعرض الصالة ويمكن للمارة اذا ماتوقفوا مشاهدة اشباحا داخل الصالة ولا يمكن معرفة الشخوص بسبب التور المعدني الذي يغطي الشباك. كانت تمر ليالينا في المكتبة ثقال مملة ورهيبة ونحن نرى ألرفاق والاصدقاء معرضين ألى التعذيب وربما للموت لا لشئ سوى أنهم يؤمنون بمبادئ وافكار غير أفكار حزب البعث ألعروبية، او يرفضون كشف تنظيمات الحزب والاعتراف على رفاقهم. كان الجميع يعيش تحت ضغط نفسي كبير، ماعدا ثلاثة كانوا مرتاحين هناك بسبب ارتياح الحرس القومي لهم لتعاونهم لحد ما بالتحقيق والتأثير على معنويات ألآخرين، حتى ان احدهم تطوع لنا بأنه قادر على الخروج لشراء الهريسة لنا للفطور الصباحي، واحيانا كان يحمل رشاشة يستعيرها من الحرس القومي ويستعرضها امامنا!!. كان بعض البعثيين يعاني من نقص ومرض نفسي وحقد دفين ورغبة في تعذيب المعتقلين ولا يرتاحون اذا لم يشاهدوا عملية تعذيب او يمارسوها. ونقل بعض المعتقلين في المكتبة ان كاظم الفرطوسي، وهو معلم قيادي في حزب البعث في كربلاء، نقل عنه زملائه من الحرس القومي، كيف أنه لم يتمكن من ألنوم في احدى الليالي لانه لم يعذب أحدا تلك الليلة، فاضطر أن يعود للمكتبه ويستدعي احدا ليشاهد تعذيبه ويصفعه بكفه ليفرغ حقده، بعدها أحسس بالراحة وعاد للبيت ونام مرتاحا!! استدعي والدي لأكثر من مرة للتحقيق من قبل ألحرس ألقومي، ألمرة ألأولى استدعي لانه جمع تبرعات من بين زملائه ألمعتقلين لمساعدة بعض المعتقلين من فلاحين وعمال الذين انقطعت عنهم الموارد الاقتصادية. ووجهوا له تهمة جمع هذه التبرعات للحزب الشيوعي!! وانه كلف من الحزب بهذه المهمة!. ولم يتراجعوا من اتهامه والتحقيق معه إلا بعد أن انكشفت لهم تنظيمات الحزب في المدينة وتبين لهم ان والدي لم يكن حزبيا منظما، وان الحزب كان يعتمد عليه كونه وجها اجتماعيا ووطنيا لاغير. وبعد حملات التحقيق والتعذيب التي مارسها الحرس القومي مع الشيوعيين واصدقاؤهم من المعتقلين لتخييرهم بين الأعتراف وكشف اسرار الحزب او الموت تحت التعذيب مثلما حدث للشهيد عبد الأله الرماحي. كان والدي بحكم تواجده في المكتبة العامة كمركز وحيد للتعذيب، يحتك كثيرا بزملائه المعتقلين من الشيوعيين الحزبيين والاصدقاء ممن تم التحقيق معهم وتعرضوا للتعذيب ويستمع لهم وهم يقصون عليه اساليب التعذيب وطريقة الحوار معهم، وكان الجميع يكن لوالد الاحترام ويستمعون الى ملاحظاته ونصائحه. وكان يشد من عزائمهم ويدعوهم الى الحفاظ على اسرار الحزب والصمود امام المحققين وعليهم تحمل التعذيب والصبر. لذلك استدعي للتحقيق معه لأن بعضهم وصل به الضعف فأوشى بالوالد. فكان ألحرس ألقومي عندما ينتهوا من تعذيب أحدهم يدفعون به ألى صالة المكتبة العامة والتي تحولت ألى (قاووش) للنوم والمعيشة اليومية، ويقولون له اذهب ألى علي الشبيبي ليعلمك ألصمود. وآخر استدعاء للوالد كان للتحقيق معه بحضور محقق، وكان ألتحقيق معه حول مجموعة مقالات كتبها ألوالد ونشرها في اتحاد ألشعب وصوت ألاحرار و14 تموز، وكانت المقالات تتناول ألاحداث ألسياسية والمؤامرات التي كانت تحاك ضد ثورة 14 تموز. وقد ركزوا في ألتحقيق مع الوالد على عبارات تكررت كثيرا في كتاباته من قبيل، ادانة المؤامرات التي تحاك ضد ثورة 14 تموز وادانة المتآمرين والمطالبة بالأقتصاص منهم، وتوقفوا في احدى مقالاته حيث جاءت فيها عبارة (بعض القومين والبعثين المتأمرين الغير شرفاء ....) واتهموه بانه يصف البعثين والقومين بالخونة وغير الشرفاء، وتمكن ألوالد بما هو معروف عنه بلباقته وتمكنه من أللغة ألعربية بأن يقنعهم أنه لم يعمم ذلك وانما ذكر المستثنى منهم وهؤلاء الخونة والغير شرفاء موجودين بين كل ألاحزاب. وهكذا تخلص منهم خاصة ان التحقيق معه تم بحضور محقق قانوني وكان يعرف والد شخصيا. في ألمكتبة ألعامة، مقر ألتحقيق والتعذيب، كانوا يسمحون بالزيارات والطعام وكانت شقيقاتي يتناوبن في احضار الطعام للوالد في المكتبة، وبالرغم ان المكتبة كانت مركز التعذيب الوحيد في كربلاء إلا أنهم كانوا يسمحون بالزيارات واحضار الطعام اكثر مما هو في مركز الشرطة. كان ألوالد يعاني من الضغط ألنفسي بسبب تواجده في مركز ألتعذيب وهو يرى كيف يعذب ألشباب وكيف تحول هذا المركز ألحضاري ألى مركز للهمجيه والسادية ألبعثية والتعذيب للشباب، فيفضفض عن همومه ومعاناته بكتابة الشعر على ورق رقيق يحصل عليه من علب السكائر، وقد كتب احدى قصائده يصف فيها حال ألمكتبه ونزلائها من المعتقلين يقول فيها: قولي لامك انني اقضي الليالي في عذاب ويحوطني حرس غلاظ في بنادقهم حراب ......... واذا سجى الليل الثقيل كانه يوم الحساب هوت العصي على جلود الابرياء من الشباب فيعلقون ويجردون من الثياب والسوط قد خلف أليراع وعنه بالتعبير ناب .......... نيرون عاد بك الزمان لكي تشيع بنا الخراب والحق اكبر من أن يداس وان يمرغ بالتراب هذه بعض الابيات ولسوء الذاكرة نسيت معظم أبياتها وارجو ان يكون الوالد قد دونها في مخطوطاته الشعرية. في موقف مركز شرطة كربلاء والذي لاتتجاوز مساحته 30م² من ضمنها 1.2م² يحتله حوض وحنفية ماء للإغتسال وحولنا الحوض ألى حمام نستحم فيه صيفا لنتبرد بالماء وتنظيف اجسادنا، وقد استحممنا فيه حتى في الشتاء، وكان البعض يتبول في الحوض اضطرارا، وخاصة المصابين بالسكر. كان ألمتحمم يسحب ألستارة ألتي تحيط بالحوض ليتحمم. لكن الجو العام في الموقف والضغط النفسي الذي يعاني منه معظمنا، جعل الكثير منا يبحث عن النكتة والمزاح حتى وان كانت على حساب زميل آخر، وكان الكل يتقبل ذلك. كان من بين المعتقلين ألشيخ صالح هادي، وهو بصير يضع على رأسه ألكشيده وهو من عائلة دينية، انتمى للحزب آلشيوعي وتعرض للاعتقال في العهد ألقاسمي وسبق وكنت معتقلا معه أيام ألحكم ألقاسمي، لحيازته على صحيفة طريق الشعب. وكان بعض الزملاء يعجبهم التمادي معه بالمزاح عندما يريد الإستحمام. فما أن يدخل الى وسط الحوض ويسحب الستائر ويبدأ بغسل جسمه والاستحمام، يقوم البعض مازحا معه بكشف الستارة والمزاح معه وهو في وسط الحوض يستنجد بالاخرين لنهي الممازحين، فيغتاض ألشيخ ويصرخ ويعاتب ويترجى، ويتكرر هذا ألمشهد كلما استحم ألشيخ، هذا لايعني أن هذا ألمزآح لايحدث مع ألاخرين، ولكن مع شيخ صالح كانت له نكهة خاصة. لجأ صالح لوالدي لينقذه من هذا ألمزاح، فأقترح عليه والدي بأن يبادر للأستحمام دون أن يسحب ألستارة وأن يتركهم يمزحون معه بكل حرية وان لا يفقد هدوئه وصبره ألى أن يملّوا ويتعبوا، وسوف يتركون عادة المزاح معه لأنها تفقد نكهتها وهي اثارة غضبه. استحسن ألشيخ ألفكرة ونهض ليختبرها، وسأل هل يوجد من يريد الاستفادة من الحوض، ألكل أجاب لآ تفضل شيخ، فهم ينتظرون فرصتهم. دخل صالح للحوض دون أن يسحب ألستارة وأخذ يخلع ملابسه، فتعالت ألاصوات ممزوجة بالضحك تذكره بالستارة، ولم يأبه لملاحظاتهم وطلب منهم مازحا أن يتقربوا منه لمداعبته كما يفعلوا في كل مرة. تفاجأ ألجميع وتسابق ألبعض ليتحقق من جدية ألشيخ، وبقي صالح هادئ، وما أن عجزوا عن إثارته حتى عاد كل واحد لفراشه. بعد هذا ألعرض أستحم صالح بهدوء وهكذا كان في المرات القادمه بحيث كان يستحم مطمأنا بوجود ألستارة أو بدونها. كان شيخ صالح يحاول ان يضفي جو من الضحك والبهجة بين الزملاء، فكلما اراد حلاقة لحيته يستعير مرآة، فيثير استغراب زملائه وتساؤلهم عن حاجته للمرآة وهو البصير! ويحاول تقليد الاخرين في حركاتهم امام المرآة عند الحلاقة مدعيا انها تساعده في تحديد شاربه ولحيته!! كانت ظروفنا ألحياتية في ألموقف قاسية، ألمعاملة كانت سيئة وللأسف أن ألمسؤولين في مركز شرطة وأمن كربلاء يتمادون في ضغوطهم علينا إرضاء للقيادات ألبعثية. كانوا يسمحون لنا بالخروج الى ألمرافق ألصحية مرتين باليوم، صباحا قبل الدوام ألرسمي ومساءً بعد انتهاء ألدوام. كانت المرافق معزولة عن أبنية مركز ألشرطة وتقع بمحاذات ألسياج الجانبي لمركز ألشرطة اي في الساحة الخارجية، ويقتضي الوصول لها السير عبر ممرات المركز وحتى الساحة مسافة (100 – 150) م. وكان خروجنا للمرافق ألصحية يعتبر فرصة لنا للقاء عوائلنا ومعارفنا والتحدث معها وهي تنتظر خارج مركز الشرطة خلف السياج الخارجي، والذي يبعد عنا مسافة مئة متر تقريبا. كما كنا نعتبر الخروج ألى ألمرافق فسحة لابد منها فالمسافة التي تفصل بين الموقف والمرافق ذهابا وايابا تعتبر بالنسبة لنا فسحة جيدة، إضافة ألى خروجنا للهواء ألطلق والتمتع بمراقبة حركة الشارع والناس من خلال السياج، و حتى المارة في الطريق المحاذي للمركز يتوقفون ويحيوننا من بعد عبر السياج الحديدي، وهو سياج من قضبان حديدية لايحجب الرؤية. كان ألشرطة من ألحرس يضغطون علينا للإسراع بينما كنا نتقصد تأخير انفسنا حتى داخل المرافق كي نعطي فسحة مناسبة لتحدث زملاؤنا مع عوائلهم التي تقف خلف السياج، لكن الشرطة المرافقين لنا كانوا يطرقون ألأبواب علينا بإستمرار وهم يطالبوننا بالإسراع وألخروج، وقد تعودنا على تصرفاتهم هذه ولم نأبه لذلك. وفي أحد ألأيام سأل والدي ألعريف كاظم كريطي وكان دائما فضا معنا، لماذا يتصرف معنا بهذه ألفضاضة فأجاب كاظم: استاذ أنا إسمي مكتوب بالتأريخ، ألم تسمع بيَ؟!! فرد عليه ألوالد ساخرا، الشمر أللعين ايضا كتب أسمه بالتأريخ. وكان هذا الشرطي من ألغباء ولم يفهم معنى ماقاله ألوالد فلم ينزعج من ألوالد بل تفاخر! يـتـبـع
#محمد_علي_الشبيبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ذكريات الزمن القاسي 6
-
ذكريات الزمن القاسي- الحلقة الخامسة
-
ذكريات الزمن القاسي 4
-
ذكريات الزمن القاسي/3 ثورة 14 تموز والانتكاسة - الحلقة ألثال
...
-
ذكريات الزمن القاسي 2
-
ذكريات الزمن القاسي
-
حكايات اخر زمان 5، هموم المواطن وهموم الكتل السياسية
-
ألشهيد سعد مزهر رمضان
-
ألشهيد حسين محمد ألشبيبي أديب وثائر
-
علي محمد ألشبيبي أديبا ومربيا ومناضلا
-
حكايات اخر زمان 3
-
لمن نصوت
المزيد.....
-
هل سيتم اعتقال بنيامين نتنياهو إذا قدم إلى فرنسا؟
-
السعودية.. الداخلية تصدر بيانين بشأن إعدام مصري وبنغلادشي وت
...
-
المدعي العام لدى المحكمة الجنائية الدولية يطلب إصدار مذكرة ا
...
-
نتنياهو وغالانت في قفص اتهام جرائم الحرب
-
إسرائيل تقدم طلب استئناف إلى -الجنائية الدولية- وتطلب تأجيل
...
-
خبير عسكري يعدد تحديات ومعوقات اتفاق وقف إطلاق النار بلبنان
...
-
تشكيل فريق حكومي لمكافحة الفساد في دول منظمة التعاون الإسلام
...
-
الأمم المتحدة: 64 ألف طفل يمني يعانون سوء التغذية الحاد
-
نتنياهو يُعلن عزمه الاستئناف ضد مذكرتي الاعتقال بحقه ووزير د
...
-
الامم المتحدة: برنامج الاغذية العالمي اعلن اغلاق جميع المخاب
...
المزيد.....
-
١-;-٢-;- سنة أسيرا في ايران
/ جعفر الشمري
-
في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية *
/ رشيد غويلب
-
الحياة الثقافية في السجن
/ ضرغام الدباغ
-
سجين الشعبة الخامسة
/ محمد السعدي
-
مذكراتي في السجن - ج 2
/ صلاح الدين محسن
-
سنابل العمر، بين القرية والمعتقل
/ محمد علي مقلد
-
مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار
/ اعداد و تقديم رمسيس لبيب
-
الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت
...
/ طاهر عبدالحكيم
-
قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال
...
/ كفاح طافش
-
ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة
/ حـسـقـيل قُوجـمَـان
المزيد.....
|