|
الاسطورة تاريخ مشفر
محمد الخويلدي
الحوار المتمدن-العدد: 6667 - 2020 / 9 / 4 - 21:02
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
الأسطورة تاريخ مشفر
تعرف الأسطورة بانها حكاية أو قصة قديمة أو مجموعة من القصص تعود إلى الزمن القديم، ولكنها لا تكون دائماً قصص حقيقية حصلت على أرض الواقع، ومن الجدير بالذكر أنها تكون متعلقة بأحداث محددة، أو بأشخاص معيّنين، أو بأماكن معينة، وتشبه الأساطير الحكايات الشعبية من ناحية المحتوى، ففيها أشخاص خارقين، وتفسيرات لظواهر طبيعية مختلفة عن الواقع. تنتقل الأساطير من جيل إلى آخر، ويختلف سرد الأساطير فمنها ما يتم سردها من خلال الشعر أو الروايات المروية شفهياً أو المدوّنة منها، وتهدف معظم الأساطير إلى تقديم درس معيّن . ويمكن ان تأخذ الأسطورة ابعادا اجتماعية وتاريخية مشفرة حكائيا فهي تعد السجل التاريخي والاجتماعي والأيديولوجي بشكله الرمزي ، وغالبا ما تتجسد تلك الاحداث على شكل شخوص او ابطال او الهة . ولسبر اغوار تلك الاساطير واستيعاب أهدافها ودوافعها وابعادها يجب امتلاك قاعدة ثقافية حول ذلك المجتمع الذي انتج هذه الأسطورة او تلك . ويمكن ان تنتقل الاساطير من شعب الى اخر ويتم توظيفها وتكييفها بالشكل الأيديولوجي المناسب لذلك الشعب وعلى ذلك سنتناول اسطورتين تاثرت احدهما بالاخرى ولكن تم وضع لمسات مختلفة وفقا للظروف المختلفة التي أحاطت بكل من الاسطورتين . الأسطورة الأولى والاقدم هي اسطورة الراعي والفلاح او كما يطلق عليها ( ايننا تفضل الفلاح ) وشخوص الأسطورة هم الاله (اوتو ) اله الشمس في الحضارة السومرية والالهة (ايننا) الهة الحب والجمال والاله الراعي ( تموز ) والاله الفلاح ( انكيميدو ) وملخص الأسطورة ان ايننا ارادت الزواج وكانت تفضل الفلاح انكيميدو ولكن اخاها اوتو يحاول اقناعها بالقبول بتموز ولكنها تستمر بالرفض ويحدث في كل ذلك جدال من الأفضل الفلاح ام الراعي ، وهنا يأتي تموز ليحاول الدفاع عن نفسه ( وعلى الرغم ان النص الأول المكتشف ينتهي بتفضيل الفلاح ) الا ان نصوصا أخرى اكتشفت يعتقد انها تكملة لهذه الأسطورة حيث تنتهي باقناع تموز ايننا بالزواج منه بدون وقوع أي صدام بين الاثنين وقتل احدهما الاخر بل بالعكس يقوم تموز بدعوة انكيميدو لحفل زواجه ويقبل انكيميدو تلك الدعوة . الأسطورة الثانية وهي الأسطورة التوراتية التي تتحدث عن عن( قايين وهابيل ) حيث يقدم الاثنان قرابينهما الى الرب فيقدم الفلاح ( قايين ) افضل منتوجاته ويقدم الراعي ( هابيل ) افضل منتوجاته فيتقبل الرب من هابيل ولا يتقبل من قايين فيقوم قايين حسدا بقتل أخيه هابيل ودفنه . والان نأتي الى تحليل كلا الاسطورتين من خلال المعطيات التاريخية والاثرية المتوفرة لكي تكون قاعدة للفهم . الأسطورة الأولى تتحدث عن الشعب السومري ذلك الشعب المتحضر والذي عرف الزراعة والري وتطوير وسائل الإنتاج الحضارية والذي يمكن ان نعرفة بانه الشعب المزارع والفلاح لان الاستيطان وانشاء المدن يتطلب مصدرا ثابتا للغذاء وخاصة وان معظم المدن السومرية تقع على ضفتي نهري دجلة والفرات ولذا فقد ابدع هذا الشعب بتدجين مختلف النباتات وزراعتها والاستفادة منها مباشرة او من خلال تحويلها الى منتجات أخرى . وتظم بلاد الرافدين بالإضافة الى السومريين مجموعات أخرى من الوافدين اليها او ما يعرف بالشعوب السامية التي أتت على شكل هجرات مستمرة من البوادي المحيطة ببلاد الرافدين الخضراء وكان معظم هؤلاء المهاجرين يعملون بالرعي . وان الملاحظ من خلال النصوص التاريخية والاثارية انه لم يحدث أي صراع بين الشعوب السومرية والسامية ( صراع اثني ) بل على العكس كانت العلاقات طبيعية واندمج المجتمعين سويا ولذا فان الأسطورة تتحدث ضمنيا حول تفضيل الالهه الى الشعب السومري المتحضر ولكن بنفس الوقت فقد تقبلت الوافد الجديد بسبب الزيادة الملحوظة لاعداد الوافدين اليها حتى توجت تلك الهجرات بانشاء اول امبراطورية سامية هي الإمبراطورية الاكدية ومن الطريف ان نذكر ان السومريين والاكديين كانو لا يتورعون من تسمية أبنائهم بأسماء سومرية أو اكدية فمثلا من بين ملوك ما قبل الطوفان والذي من المفترض ان يكونوا جميعهم سومريين نجد أسماء اكدية لبعض منهم وكذلك بالمقابل نجد ان الامبراطور الاكدي العظيم ومؤسس الإمبراطورية الاكدية ( سرجون الاكدي ) يسمي ابنته باسم سومري ! ولذا نلاحظ انتهاء تلك الأسطورة بصورة سلمية نتيجة الى الطبيعة المسالمة التي عاشها كلا الشعبين جنبا الى جنب . في المقابل تتحدث الأسطورة الثانية عن شعبين مختلفين الشعب الأول هو الشعب الكنعاني المتحضر والمزارع بطبيعته والعريق بحضارته في بلاد الشام . مقابل الشعب العبري الوافد الجديد الى بلاد كنعان من اطراف البلاد وكان معروفا عنه بانه شعب رعي حتى ان احد الهته ( يهوه ) هو اله راعي ومحارب . ومعروف من خلال النصوص التاريخية والاثرية ان الشعبين ( الكنعاني والعبري ) قد خاضا صراعا دمويا وتنافسا كبيرا ( خاصة وان هناك عداء فطري للفلاح من الراعي يمكن ملاحظته الى اليوم بسبب اكل حيوانات الراعي لمزروعات الفلاح ) كانت الغلبة فيه للشعب الكنعاني المزارع ، ولذا نلاحظ ان الأسطورة التوراتية تحاول ابراز تفضيل الرب لهم على الشعب الكنعاني ويصور أيضا الصراع الدموي بين الشعبين من خلال قتل قايين لاخوه هابيل . هذا مثال بسيط على كيفية تاثير الواقع الاجتماعي والسياسي على تلك الاساطير وكيف أصبحت تلك الاساطير سجلا مشفرا لاحداث وقعت فعلا لكن ليست بين اشخاص بل بين شعوب وامم
#محمد_الخويلدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
المزيد.....
-
رصدتهما الكاميرا.. مراهقان يسرقان سيارة سيدة ويركلان كلبها ق
...
-
محاولة انقلاب وقتل الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا.. تهم من ا
...
-
ارتفاع قياسي للبيتكوين: ما أسباب دعم ترامب للعملات المشفرة،
...
-
الكربون: انبعاثات حقيقية.. اعتمادات وهمية، تحقيق حول إزالة ا
...
-
قائد القوات الصواريخ الاستراتيجية يؤكد لبوتين قدرة -أوريشنيك
...
-
روسيا تهاجم أوكرانيا بصاروخ جديد و تصعد ضد الغرب
-
بيع لحوم الحمير في ليبيا
-
توقيف المدون المغربي -ولد الشينوية- والتحقيق معه بتهمة السب
...
-
بعد أيام من التصعيد، ماذا سيفعل بوتين؟
-
هجوم بطائرات مسيّرة روسية على سومي: مقتل شخصين وإصابة 12 آخر
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|