أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شاكر فريد حسن - رواية - موسم الهجرة إلى الشمال -















المزيد.....

رواية - موسم الهجرة إلى الشمال -


شاكر فريد حسن

الحوار المتمدن-العدد: 6666 - 2020 / 9 / 3 - 16:28
المحور: الادب والفن
    


رواية " موسم الهجرة إلى الشمال " للطيب صالح
لقد تأخر ظهور القصة في السودان، بيد أن هذا التأخير لم يمنع الكتاب والأدباء السودانيين من اللحاق بركب الاخرين من الكتاب العرب، فشحذوا هممهم وراحوا يقرؤون ويكتبون ويبدعون رغم تعثر البدايات والبواكير عند البعض.
وحملت القصة السودانية الطابع الرومانسي والمضمون العاطفي الوجداني، الذي طغى على كتابات الأدباء الشباب، وذلك نابع من تأثرهم بالتجارب القصصية الرومانسية العربية والعالمية المترجمة في تلك الفترة. ثم ظهرت القصة الواقعية التي استمدت موضوعاتها ومحاورها من الواقع السوداني المعيش، وطرحت القضايا والمشاكل الاجتماعية والعادات التقليدية البالية السائدة في المجتمع السوداني.
ولم تأخذ القصة دورها الطليعي والريادي الفاعل في المشهد الثقافي السوداني سوى في أواخر الخمسينات والستينات وما بعد ذلك، حيث برزت القصة المرتبطة بقضايا الناس وهمومهم، والملتصقة بالواقع السوداني، التي تصور وتعبر عن أوجاع وهموم الشعب وأحلامه وطموحاته المستقبلية.
وبرز عدد من كتاب القصة والرواية، الذين اشتهرت أعمالهم الأدبية القصصية، وفي طليعتهم ومقدمتهم الكاتب الروائي الراحل الطيب صالح، الذي حقق حضورًا واسعًا، وترجمت أعماله الإبداعية إلى أكثر من لغة. وقد صدر له مجموعة من الأعمال القصصية والروائية، منها : " عرس الزين، ضو البيت، دومة ود حامد، حفنة تمر،و مريود "، بالإضافة إلى روايته " موسم الهجرة إلى الشمال "، وهي من أشهر وأجمل رواياته، وحققت انتشارًا واسعًا واهتمامًا نقديًا كبيرًا.
وتختلف هذه الرواية عن الروايات التي اعتاد القارئ العربي أن يقرأها، فهي مغرقة في التعقيد والغموض والتجريب، ولا تسير وفق الزمن والذوق العادي، ويختلط فيها الماضي بالحاضر والمستقبل، ويمتزج الواقع بالحلم والأسطورة، ولذلك من الصعب على القارئ العادي أن يستوعب ويفهم أبعادها من القراءة الأولى، إذ لا بد له أن يعيد قراءتها أكثر من مرة بتعمق واهتمام. فهي رواية محيرة، مكتنزة، متلاحمة، مشوقة وداكنة في آن.
ويلجأ الطيب صالح إلى استخدام عدة أساليب لعرض أحداث روايته، حيث يستخدم أسلوب السرد التقليدي، والترجمة الذاتية لأبطال القصة، مما يساعده على تصوير ورسم شخصياته بصدق وعفوية. فضلًا عن استخدام الحوار/ المونولوج الداخلي، ما يتيح لشخصياته فرصة التعبير عن هواجسها وأفكارها وعواطفها وانفعالاتها. وكذلك يستخدم أسلوب المذكرات والرسائل والوثائق التي توضح أبعاد هذه الشخصيات.
وقد نجح في ترسيم صور شخوصه الروائية، ولم يجعلهم يتحدثون فوق مستوى وعيهم وادراكهم، وإنما التحدث والاعتراف والبوح عن مكنونات عوالمهم الداخلية.
المشكلة الأساسية التي يطرحها الطيب صالح في روايته هي المشكلة ذاتها التي عالجها من قبله عدد من الروائيين والقصاصين العرب، وعبّر عنها توفيق الحكيم في روايته " عصفور من الشرق "، وعبّر عتها يحيى حقي في روايته " قنديل أم هاشم "، وعبّر عنها الكاتب اللبناني سهيل ادريس في روايته " الحي اللاتيني "، وهي مشكلة الصراع بين الشرق والغرب، وكيف تواجه شعوبنا هذه المشكلة، وكيف تعالجها وتتصرف تجاهها، وهل تتخلى هذه الشعوب عن ماضيها وتكون أسيرة الحضارة الغربية وتذوب فيها وتقلدها تقليدًا تامًا، أم تعود هذه الشعوب لماضيها، فترفض الحضارة الغربية وتدير لها ظهرها وتنكرها إنكارًا لا رجعة فيه، أم تتخذ موقفًا آخر يختلف عن الموقفين السابقين، وما هو هذا الموقف الجديد؟؟!. هذا هو الموضوع ولب المشكلة الرئيسية التي تعالجها رواية الطيب صالح " موسم الهجرة إلى الشمال ".
فالطيب صالح يصور هذه المشكلة ويعبّر عنها من خلال إنسان افريقي ذي بشرة سوداء، يسافر إلى لندن وهناك يصطدم بالحضارة الغربية اصطدامًا عنيفًا مدويًا من نوع غريب. وعنصر اللون هنا له اهميته الكبيرة، فالبشرة السوداء أكثر من غيرها، التي انصب عليها غضب الغربيين وحقدهم المرير، وهي التي تفنن الغرب في تجريحها انسانيًا قبل أن يكون سياسيًا أو اقتصاديًا أو ثقافيًا.
فالإنسان الأسود عاش قرونًا من التعذيب والإهانة النفسية على أيدي الغرب، وهذه الإهانات تركت في النفوس الأفريقية جروحًا لا تندمل بسهولة. وهنا تكمن حدة المأساة والمعاناة ومرارتها كما يصورها ويرسمها الطيب في هذه الرواية العظيمة، فقد صور أقدار متضادة إلى اقصى حدود التضاد.
فمصطفى سعيد بطل الرواية لا ينتقل من السيدة زينب إلى لندن، أو من السيدة إلى باريس، أو من بيروت إلى باريس، كما نجد في الروايات العربية التي تناولت هذه المسألة، فالبطل الروائي الجديد ينتقل من قلب أفريقيا السوداء إلى لندن. والأحداث الرئيسية في الرواية تجري في أوائل القرن العشرين حيث كانت أفريقيا تغوص في وحل الظلم والظلام لا حدود لهما. ولكن هذا لا يعني أن الرواية ركزت تركيزًا حادًا على هذا الجانب من مشكلة اللون، وإنما العكس تمامًا. فالطيب صالح يمس هذه المشكلة ويطرحها بكل رقة وخفة ورشاقة، ومن بعيد جدًا، حتى أننا لا نكاد نلتقي بها إلا بين السطور.
ويمكننا القول أن الجرح الإنساني هو الذي ينزف داخل هذه الرواية الفذة، أكثر عمقًا من أي جرح آخر، وهو جرح الإنسان الأفريقي الأسود.
والحل الذي يطرحه ويراه الطيب صالح أمام بطل روايته القلق المضطرب المعذب، هو العودة إلى أصوله ومنابعه وجذوره ليبدأ من جديد هناك. فهذا هو الحل الصحيح والسليم. فلن يجد نفسه في لندن مهما أخذ من علمها وثقافتها، ومهما طاردته نساؤها وتعلقن به جسديًا شهوانيًا عنيفًا. ولن يشعر بالطمأنينة والراحة إلا إذا عاد إلى النبع وألقى ظهره لقشور الثقافة الغربية، وأبقى على جوهر هذه الثقافة ثم مزج هذا الجوهر بواقع بلاده ومجتمعه. فيهما فقط يصبح إنسانًا منتجًا فاعلًا وله دور حقيقي في الحياة والمجتمع.
وكل شيء في هذه الرواية له معناه وأبعاده، الحب والجنس والجريمة. وهي تعد من أنضج النماذج الروائية العربية في معالجتها لموضوع الجنس، إنها تواجه هذا الموضوع بجرأة فنية بدائية، لكنها شديدة الصدق والأصالة، ورغم جرأتها فهي لا تستسلم لموضوع الجنس، الذي يشكل عنصرًا مهمًا بين عناصرها، يخدم العمل الروائي الفني، وتظهر المواقف الجنسية طبيعية في موضعها ومكانها من الرواية وفي تعبيراتها عن ضرورات فنية موضوعية، وهذه المواقف يجب أن تقابل بجرأة وشجاعة، ولا يجوز أبدًا أن نخفي رؤوسنا في الرمال.
وعلى صعيد اللغة والنواحي الفنية في الرواية فقد تبدت مقدرة الطيب صالح اللغوية، وتمكنه من لغته الجمالية، وامتلاكه لزمامها. فتعابيره سليمة تعتمد على لغة رشيقة في غاية الصفاء والأناقة والشاعرية، لغة ناصعة مليئة بالشحنات العاطفية، وغنية بالأضواء والظلال، بعيدًا عن الثرثرة الفارغة والحشو الكلامي.
وهو يستخدم اللهجة العامية ويحافظ على الصياغات اللفظية الفصيحة ويضمن روايته أمثالًا شعبية وأغانٍ سودانية، ويشعر القارئ من خلالها بالروح الشعبية الأصيلة باستعماله اللهجة السودانية.



#شاكر_فريد_حسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل سيباع بيت نزار قباني .. قارورة العطر ؟!
- جولييت أنطونيوس وقصيدة من أجل بيروت
- في رثاء طبيب القلب الدكتور ذياب غانم
- ناجي العلي الحاضر الغائب
- غزة حكاية عذاب وصمود
- الحكومة الاسرائيلية ستسقط في أية لحظة
- رحيل الصحفي الفلسطيني ابن غزة المخضرم الرفيق مصطفى البربار
- فاضل جمال علي شاعر الطفولة وعاشق الأرض والمطر
- ذكرى الكنعاني في الزمن الهجري الشاعر والمفكر أحمد حسين
- مع قصة - الظبي المسحور - لكاتبة الأطفال زينة فاهوم
- عدد جديد من - الإصلاح - الثقافية
- تحية لبديعة أبو زينة خليفة، مديرة مكتبة - ابن زيدون - العام ...
- ما المخرج للأزمة اللبنانية الراهنة ..؟!
- حُزنُ المدينةِ
- تطبيع على المكشوف
- آمال رابي شاعرة وكاتبة لها مستقبل
- لبنان إلى أين بعد انفجار المرفأ ..؟!
- ورحل الروائي والإعلامي الفلسطيني نافذ أبو حسنة
- في ذكراه .. محمود درويش القصيدة التي لا تنتهي
- هل من خلاص ..؟!


المزيد.....




- قبل إيطاليا بقرون.. الفوكاتشا تقليد خبز قديم يعود لبلاد الهل ...
- ميركل: بوتين يجيد اللغة الألمانية أكثر مما أجيد أنا الروسية ...
- حفل توقيع جماعي لكتاب بصريين
- عبجي : ألبوم -كارنيه دي فوياج- رحلة موسيقية مستوحاة من أسفار ...
- قصص البطولة والمقاومة: شعراء ومحاربون من برقة في مواجهة الاح ...
- الخبز في كشمير.. إرث طهوي يُعيد صياغة هوية منطقة متنازع عليه ...
- تعرف على مصطلحات السينما المختلفة في -مراجعات ريتا-
- مكتبة متنقلة تجوب شوارع الموصل العراقية للتشجيع على القراءة ...
- دونيتسك تحتضن مسابقة -جمال دونباس-2024- (صور)
- وفاة الروائية البريطانية باربرا تايلور برادفورد عن 91 عاما


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شاكر فريد حسن - رواية - موسم الهجرة إلى الشمال -