|
الإخوان وخدام... بواعث التحالف
سمير خالد الحسن
الحوار المتمدن-العدد: 1600 - 2006 / 7 / 3 - 05:25
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كانت مفارقة غير سارة نجاح نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام باعتلاء إحدى منصات المعارضة السورية على الرغم من "قامته القصيرة". كان بوسعنا أن نتفهم وجوده في الصفوف الخلفية كتعبير عن معرفة ثرية بظروف التغيير وملابساته المعقدة، أو كتجسيد لمنظومة قيمية محورها التسامح والمصالحة في وطن ألحقت سلطته أفدح الأضرار به، أما أن يتولى صياغة خطاب التغيير بذات الجرأة التي تولى بها صياغة خطاب السلطة لأكثر من ئلاث عقود فهذا يصعب تقبله فضلا عن احتماله. ومع حدث كهذا لا يجدر الإكتفاء بالوقوف عند حدود الحيرة والضيق من حصوله، بل أنه يستدعي حوراً مستمراً بشأنه يمكن يبدأ من طرح الحيثيات التي نرجح أنها لعبت دوراً أساسياً في دفع حركة الأخوان لإعلان "جبهة الخلاص" مع خدام، طالما أنه يتعذر الإلمام بالدوافع الفعلية ومناقشتها بمنأى عن الإفتراض. والغاية هي بحث في العقلية التي أتاحت لخدام إحتلال هذا المكان من خلال تكوين رؤية أوضح عن هذه الخطوة المثيرة للجدل، خاصة وأنها فقدت بريقها الآن، فلم يعد هناك من مسوغ، ولو واهٍ، يحجب ضرورة طرحها للنقاش العام، ولا معنى لطي هذه الخطوة بكل إشكالياتها والتعامل معها كأمر واقع ينبغي البناء عليه إلا إن كانت المعارضة المؤيدة لمنطق كهذا بعيدة عن تحسس حجم الضرر الذي تنطوي عليه سياسات من هذه الطبيعة أقل مايقال بشأنها أنها لاتنبئ ببدايات فعل معارض يعتمد الوضوح في الخطاب ويبرهن دوما على احترامه للعقل. وحتى نمضي خطوة ذات معنى في محاولة تلمس الإعتبارات الفعلية لتحالف الإخوان وخدام فإننا نعتقد أن من غير المجدي التوقف طويلا عند حيثية مفترضة أو ادعاء من قبيل تمتع خدام بنفوذ في سوريا يقود إلى البحث عن اتفاق معه، كما يزعم أحياناً، فحتى عباراته في مقابلاته العديدة كانت تفضحه أحيانا، وتظهر هشاشة هكذا تصور. فهو لم يكن أكثر من منفذ بارع لتوجهات العقلية التي تحكم سوريا، وكانت ترتسم أمامه في كل لحظة معالم الدوائر الأمنية والعسكرية والعائلية صاحبة القوة والقرار. ربما كان يخفي امتعاضه بسبب إستبعاده منها، لكنه لم يبحث يوما عن أكثر من تجديد دوره في خضم التزاحم مع أمثاله، إذ كان ذكيا في إلتقاط نمط العلاقات والروابط والولاءات الماثلة أمامه في تلك الدوائر صاحبة السلطة الفعلية وذكياً في معرفة اللحظة التي ينبغي أن يصمت بها واللحظة التي عليه أن يتكلم منماً عن سعة اطلاع في الشؤون التي أوكلت إليه، ناصحا ومقترحا كما أوضح ذلك بنفسه، ومع هذا أتى الوقت الذي طلب منه الركون جانبا. بالمقابل من العبث الظن أن حركة الإخوان المسلمين لا تدرك هذه الحقائق فهي تحديداً ليست لديها أية أوهام بهذا الشأن فتجربتها غنية جدا وحافلة بالوقائع العنيدة التي لاتقبل مزاعم قد يروج لها شخص مثل خدام. وبالتالي فالتساؤلات عليها أن تتخذ وجهة مختلفة يمكن معها مقاربة عوامل أكثر أهمية ربما ساهمت في صياغة موقف حركة الإخوان، بدون التوقف عند العوامل التي لا تتعدى كونها من متممات أي خطاب يتطلع لأن يكون جامعاً. لذا سنتوجه بالأسئلة التالية ظناً بأنها تسهم في إضاءة الجانب المتعلق بالعوامل آنفة الذكر: هل كان للضغوط الدولية على النظام السوري دور في عقد هذا التحالف باعتباره خطوة ضرورية من وجهة نظر الإخوان لتفعيل أو، بالحد الأدنى، ملاقاة ما ستسفر عنه تلك الضغوط، ولو بعد حين، في ظل وعيهم لأهمية إدخال عناصر جديدة في حسابات الأطراف الدولية الفاعلة حول طبيعة البديل عن نظام الحكم في سوريا طالما أن هذه المسألة تحتل مكانا بارزا في سياسات تلك الأطراف وبخاصة أميركا ؟ أم أن سلوك الحركة كان نابعا من الرؤية الداعية إلى تغذية محاولات تفكيك النظام من داخله دون الإستعانة بالخارج، وهي عندما تتعامل بهذا القدر من التفهم مع ظاهرة خدام تكون قد طمأنت أوساطا واسعة من أهل النظام أن المقصود أو المستهدف من عملية التغيير قلة ممانعة ممسكة بعناصر القوة والسيطرة، دون غيرها. وأن الفرصة متاحة لتلك الأوساط أن تلعب دورا بارزا في التحولات المقبلة بما فيه تحديد طبيعة نظام الحكم القادم حتى مع وجود الإخوان كطرف أساسي في المعادلة الداخلية ؟ أعتقد أننا بحاجة اليوم للكثير من الوقائع التي تنفي ما هو حقيقي وراسخ في أذهاننا بشأن تعذر حصول تصدع في بنية النظام أو اقتناع رموز مهمة وفاعلة داخله بتبديل موقعها ليس فقط لأن المعارضة راهنا وبالمدى المنظور هي أضعف من أن تغذي تناقضات في بنية النظام تفضي إلى إحداث شرخ فعلي فيه. بل أيضا وهو الأهم أن بنية النظام لن ترشح لهذا الدور الذي لعبه خدام، سوى الذين ينتمون إلى الدوائر الهامشية الضعيفة أساسا بغض النظر عن المواقع التي يحتلونها في جهاز الدولة. لهذا لن نأخذ على محمل الجد القول بوجود تصور لدى الإخوان يؤكد واقعية هذا المدخل لإنجاز عملية التغيير مثلما لن نأخذ على محمل الجد أيضا تلك الدعوات المتكررة لجبهة الخلاص للإنتفاض على نظام الإستبداد حيث بات هذا الخطاب يثير الإستغراب أكثر بكثير مما يحض على الفعل في مواجهة القمع بسبب ما ينطوي عليه من استهتار وإن لفظي بأرواح ومصائر الناس.فمن يواجه الإستبداد يوميا هو الأقدر على تحديد أشكال مقاومته والأقدر على التقاط لحظة التغيير. ولذا فإننا نميل للتصور القائل بأن حركة الإخوان تعي حكما طبيعة التعقيدات التي تجعل من الرهان على العوامل الداخلية المناوئة للسلطة في سوريا خاسر بالضرورة، اليوم، مالم تطرأ تبدلات راسخة يأتي في مقدمها إنحسار النفوذ الإقليمي للنظام السوري بصورة ملموسة كتعبير عن تقدم أونجاح الأطراف الدولية في مواجهته باعتبار أن تعارضات حكام دمشق مع الخارج تتمحور حتى الآن حول دوره الإقليمي بشكل خاص وإن كانت سياسات النظام الداخلية باتت، هي الأخرى، موضع إهتمام العديد من المنظمات والهيئات والحكومات المعنية برؤية تحسن ملموس في واقع حقوق الإنسان. ونميل بالتالي للإعتقاد بأن سلوك الحركة وتفكيرها يعملان بالتوافق إلى حد كبير مع المناخات الدولية التي تعكس حالة المواجهة، بين المجتمع الدولي والنظام السوري، المفتوحة على احتمالات عديدة يصعب التكهن بشأنها ، حتى وإن كان خطابهم ، بلسان جبهة الخلاص، لايفصح إلا جزئياً عن موقفهم من دور العامل الدولي في إحداث التغيير المطلوب في سوريا وتقديرهم لوزن الضغوط الخارجية في عمل ثغرة تتسع لدور متنامي لحركة الإخوان داخليا. ولعل التحالف بينهم وبين خدام أبرز مؤشر على صحة ما ذهبنا إليه، إذ يبدو أن الحاجة إلى خلق مواقف دولية جديدة بدل المشككة بجدوى التعاون مع البدائل ذات الهوية الإسلامية هي التي تقف خلف إعادة الإعتبار لحالة لن يتقبل الشعب السوري وجودها على رأس المعارضة.
#سمير_خالد_الحسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المعارضة ......أسيرة الذهنية الوطنية
المزيد.....
-
اكتشاف جمجمة فيل ضخمة مدفونة بحديقة منزل.. إلى أي عصر تعود؟
...
-
ماذا نعرف عن التعيينات الجديدة في الحكومة السورية الانتقالية
...
-
البشر وحيوانات الكسلان العملاقة عاشوا معا لآلاف السنين.. اكت
...
-
تركيا تخطط لاستئناف عمل قنصليتها في حلب السورية قريبا
-
السعودية.. تنفيذ حكم القتل في مواطنين أدينا بالخيانة والإرها
...
-
قائد الإدارة السورية أحمد الشرع يستقبل وزير الخارجية التركي
...
-
خبير: الشعور بالوحدة الشكوى الأكثر شيوعا في ألمانيا
-
بوتين: لو لم نطلق العملية العسكرية في أوكرانيا لأجرمنا بحق ر
...
-
مشاهد تكدس الجرحى بممرات مستشفى كمال عدوان جراء قصف الاحتلال
...
-
قاضية أميركية: مجموعة -إن إس أو- الإسرائيلية مسؤولة عن اخترا
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|