أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثالث/ 5














المزيد.....

زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثالث/ 5


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6662 - 2020 / 8 / 30 - 17:45
المحور: الادب والفن
    


صدقَ حَدَسُ حميه، المفترض؛ لكن ديبو لم يمضِ إلى السهرة قبل المرور على شقيقيه، اللذين بقيا يعيشان في بيت الأب. فيما كانت فوزو تعدّ له الشاي، واصل حديثه مع فيّو بصعوبة. هذا الأخير، وكان كما أشرنا قبلاً شبهَ أصم، أعتاد على فهم الآخرين من خلال ملاحظة حركات شفاههم. حينَ علم برغبة أخيه الكبير السهر في أحد ملاهي المدينة، قدّمَ له اقتراحاً بديلاً: " قهوة فيصل، تقدّم المشروبَ ليلاً لروّادها مثلما أن في الوسع سماع الأغاني المسجّلة أو المذاعة من الراديو ". قرقرت ضحكة ديبو، قبل أن يرد بنبرة ساخرة: " في الملهى، يستمتع المرء بسماع الأغاني من فم مطربة جميلة، شبه عارية! ". شارك الآخرُ في الضحك، مع أنه لم يفهم على الأرجح داعي مرح شقيقه وسخريته، المحال إلى مفارقة اهتمام الشخص الأصم بالأغاني.
خاطبت فوزو شقيقها الكبير، وهيَ تمد إليه قدحَ الشاي: " ابنك صلاحو عند جدّته منذ ما يزيد عن الشهر، ولم تفكّر هيَ مرةً باصطحابه إلينا ". كان ديبو يُمنّي النفسَ بسهرة ممتعة، تعوّض لياليه المضجرة في حوران، لذلك لاحَ زاهداً بمناقشة الأمور العائلية. قال لها باقتضاب فيما يرشف من الشراب الساخن: " إنه في غاية السعادة هناك، وبامكانك زيارته لو شئتِ ". كان جوابُ الأخت الصغرى، أنها قلبت شفتها السفلى تعبيراً ربما عن عدم تحمّسها لزيارةٍ كهذه. ولعلّها أيضاً ما تفتأ تحمل في نفسها على صالح، كونه رضيَ تزويج شقيقته لأبيها. ثم أضافَ ديبو، شاعراً بالبرد برغم الشراب الساخن: " لِمَ لم تنصبوا المدفأة في الحجرة، وقد اقتربَ الشتاء؟ ". اكتفت فوزو هذه المرة بايماءةٍ باتجاه شقيقها الآخر، ما جعل السائل يوجه له الكلام: " أليسَ عمك حسينو يعمل ملاحظاً على نواطير البستان، فاطلب منه غداً تزويدك بالحطب وقشر الجوز من أجل المدفأة ".

***
في حقيبة السفر الصغيرة، كان ديبو قد وضع احتياطاً دمجانة عَرَق، بقيَ نصف محتواها تقريباً. أخذ بضعَ جرعاتٍ من الشراب الناريّ، وما لبثَ أن اتجه إلى الحجرة الكبيرة، أينَ توجد مرآة مزخرفة بالصدف، كانت من ضمن جهاز المرحومة أمه مع بيرو من ذات الزخرفة. تأمل هيئته بعناية، وكان ما يني مكتسٍ بهندام الخدمة. لم يعبأ عندئذٍ بحقيقة، أن معظم روّاد الملهى سيظهرون مرتدين على الطريقة الأفرنجية. ففي حالات سابقة، لفتَ أنظار غانيات الملهى بملابسه العسكرية؛ ولو أنهن عبّرن عن ذلك بإطلاق القهقهات والصفير. هكذا خرجَ من البيت راضياً عن نفسه كل الرضا، مفعماً بالثقة بالنفس، وكان الوقتُ قد أضحى على مشارف الغروب. لحُسن الحظ، وجدَ عربة أجرة تنتظرُ على ناصية الجادة. بمجرد أن اكتملَ عددُ الزبائن، شغّل السائقُ المحركَ وانطلق باتجاه حي الصالحية. من هناك، أخذ ديبو الترامَ المتجه إلى ساحة المرجة وكانت العتمة قد أضحت محتملة مع مهرجان المصابيح الكهربائية في الشوارع والأسواق.
الملهى، المعتاد على ارتياده كلما وجد نفسه في الشام، كان يقع على طرف تلك الساحة، تحتل واجهته لوحات مرسومة لعدد من المطربات، يظهرن بلباس غير محتشم. في حقيقة الحال، أنهن يغنين ويرقصن في آنٍ واحد. عندما تبدأ الواحدة منهن هزَ الصدر والأرداف، يتعالى صراخُ الروّاد بكلمة شائعة الاستعمال في الملاهي: " هَوّي له..! "؛ أي يطلبون منها رفعَ الثوب كي يظهر منبتُ الفخذين. مراراً، طرقت الكلمةُ البذيئة سمعَ ديبو في هذه الليلة الخريفية، وكان سعيداً لأن الراقصة لم تخيّب مرةً أملَ جمهورها. لم يكن المكانُ كباريه، بل أشبه بمسرح؛ لذلك لم يكن مسموحاً تقديم المشروبات الروحية. نهاراً، كان المسرحُ ينقلب إلى صالة لعرض الأفلام السينمائية وكانت بمعظمها مصرية. لهذا السبب، نُظِرَ إلى صالة السينما كمرتع للفساد وكان يُحظّر على نساء المجتمع المسلم قطعياً ارتيادها: ابنة عمته عيشو، دفعت حياتها ثمناً لما أشيع عن جرأتها في كسر ذلك المحظور وكانت لمّا تبلغ بعدُ العشرين من عُمرها. وكان هوَ، ديبو، مَن نفّذ بالبنت المسكينة الحكمَ بالإعدام في غفلةٍ عن الأهل والأقارب.

***
عقبَ مقتل الفتاة، أضحى مدمناً على الكحول، يحاول من خلاله طرد صورتها بعيداً عن ذاكرته. كذلك صارَ منبوذاً في العشيرة والحارة على حدّ سواء، مع أنه بالأساس لم يكن رجلاً اجتماعياً؛ وذلك بسبب فظاظة خلقه وأثرته وأنانيته. لكن تلك، لم تكن جريمته الأولى. لقد سبقها بعامين سقوطُ عمّه، " مستو "، قتيلاً من قبل أحد النواطير في البستان. برغم أنها كانت حادثة، نتجت عن سوء فهم، فإن ديبو أسرعَ بأخذ الثأر من الجاني. العم الراحل، وكان يصغر ابنَ أخيه بعام واحد، عُدّ في حياته الصديق الوحيد لهذا الأخير. عندما أنجبت امرأة ديبو طفلهما الثاني، أُطلقَ عليه اسمُ مستو.
على عكس حميه، المُشتهر بكونه زير نساء، أظهرَ ديبو اخلاصاً غريباً لامرأته. ما كان الأمرُ محالاً إلى الوفاء، بقَدَر ما خصَّ طبيعته ذاتها، التي جعلت صاحبها غير مؤهل لاقامة علاقات نسائية متعددة. كان يكتفي بعشق الجمال عن بُعد، إن كان متجسّداً بمطربة أو راقصة أو غانية، ودائماً برأس مثقل بالخمر. لعل هذه الخصلة فيه، جعلت حياته الزوجية محتملة. امرأته، كانت تشعر بنفسها غريبة عن بيئة الحي؛ مع أنها كانت صغيرة لما استعادتها والدتها الأرملة من أخوتها لأبيها. ولقد خففَ شيئاً من شعورها بالغربة، التجاءُ أسرة عمها إلى الشام غبَّ حادثة ثأر، جرت ثمة في موطن الأسلاف.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثالث/ 4
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثالث/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثالث/ 2
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثالث/ 1
- زمن موناليزا الحزينة: بقية الفصل الثاني
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثاني/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثاني/ 2
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثاني/ 1
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الأول/ 5
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الأول/ 4
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الأول/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الأول/ 2
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الأول/ 1
- بضعة أعوام ريما: الخاتمة
- بضعة أعوام ريما: الفصل الرابع عشر/ 5
- بضعة أعوام ريما: الفصل الرابع عشر/ 4
- بضعة أعوام ريما: الفصل الرابع عشر/ 3
- بضعة أعوام ريما: مستهل الفصل الرابع عشر
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث عشر/ 5
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث عشر/ 4


المزيد.....




- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...
- انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
- -سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثالث/ 5