|
عين سوريا السينمائية
مرح البقاعي
الحوار المتمدن-العدد: 1599 - 2006 / 7 / 2 - 08:09
المحور:
الادب والفن
احتفت نيويورك مؤخرا بمهرجان السينما السورية الذي حمل عنوان: العدسة السوريةـ رحلة ثلاثين عاما. وهذه هي الجولة الأميركية الأولى للسينما السورية بمجموعة سينمائية لافتة وهي تجوب عددا من الولايات الأميركية منها نيويورك و شيكاغو ثم سيعرج المهرجان على مدينتي فانكوفر وأوتاوا في كندا. وذلك بتنظيم من المؤسسة الثقافية الغير ربحية آرت إيست، وهي منظمة تعنى بتقديم الإبداعات الفنية والأدبية الشرق أوسطية إلى العالم الغربي، ومقرها مدينة نيويورك، وبالتعاون مع عدد من الجامعات الأميركية والكندية المرموقة.
هذه الإطلالة الجامعة للسينما السورية تمنحها تأشيرة مفتوحة للتواصل المباشر مع المتلقي الأميركي نظرا للطفرة الكمية و النوعية التي حققتها على وجه الخصوص في الآونة الأخيرة، بفضل أفلام هي علامة في السينما العربية الجادة. فمن فيلم “ليالي ابن آوى" لعبد اللطيف عبد الحميد إلى رائعتي محمد ملص “أحلام المدينة" و" الليل" و انتهاء بـ " كومبارس" نبيل المالح، نتتهج السينما السورية المعاصرة كتابة سينمائية شفيفة تتوخى الصدق والرونق الإبداعي والفني دون أن تتخلى عن نظيره التقني ، وفي منأى عن المباشر و الواقعي الفج، في محاكاة مباشرة وحبكة درامية عالية لدق تفاصيل الحياة اليومية ونبض الشارع السوري بآماله وآلامه.
البدايات والطموح
يعود تاريخ إطلاق أول فيلم سوري "المتهم البريء" للمخرج رشيد جلال إلى العام 1928. والمفارقة الطريفة في هذا الفيلم هي أنه كان قد منع من قبل السلطات الفرنسية واحتج عليه رجال الدين لأن المرأة الوحيدة في الفيلم مسلمة! وأعاد المخرج تصوير الفيلم مع ممثلة غير مسلمة. ولم يبزغ فجر سينمائية حقيقية في سوريا حتى تأسست عام 1963 المؤسسة العامة للسينما.
تميزت السينما السورية ومنذ بدايتها بتطرقها لمواضيع حساسة وجوهرية وأيضاً قومية وابتعدت عن كل ما هو استهلاكي وترفيهي بحت وناقشت هموم الإنسان العربي الاجتماعية والقومية والوطنية وتشريح المشكلات الحياتية المعاصرة بكافة جوانبها.
لم تقتبس السينما السورية، على غرار السينما العالمية بعامة والمصرية بخاصة، أياً من الأعمال الأدبية العالمية إلا فيما ندر. ولا يسجل تاريخها أنها قامت بإعادة صوغ أي فيلم عالمي سوى فيلم "السيد التقدمي" الذي اقتبسه نبيل المالح عن قصة "الحقيقة الكاملة" لموريس ويست. وبدلاً من ذلك, سعت السينما السورية إلى الانخراط في عمق الواقع السوري، ونهلت من همومه وتناقضاته، واهتمت بذاك الواقع ذي الخصوصية البليغة. يفيد الناقد السينمائي بشار ابراهيم متسائلا:"هل يمكن أن نقول أن ثمة سينما سورية أم نكتفي بالقول ثمة "افلام سورية"؟ ذلك أنني أرى سينما سورية قائمة بأفلامها، وسينمائييها، ومختلف العاملين فيها، ولكن "ليس من وجود لصناعة سينمائية سورية". ويتابع ابراهيم قائلا:"ثمة سينما سورية تستمر بالتحدي والعناد والعشق، أكثر مما تستمر بالتقاليد السينمائية المعروفة. إلى جانب وجود عوائق وصعوبات كثيرة اعترضت وتعترض مسار هذه السينما، وهي عوائق مالية في الدرجة الأولى، ومن ثم تأتي الرقابة، وعزوف الجمهور عن ارتياد الصالات، ووضع الصالات البائس... إلى غير ذلك من الأسباب والمعضلات التي تقف حائلاً دون تحقيق السينمائيين السوريين طموحاتهم وأحلامهم، فهم ينتظرون سنوات طويلة حتى يحققوا فيلماً واحداً".
وفي فيلم للمخرج السوري الشاب هشام زعوقي والمقيم في النرويج وعنوانه ـ الباب ـ هم فني ووجودي عميق في إنتاج رسالة بصرية مليئة بالدلالات والصورة المتحركة على إيقاع الخيبة في المسير نحو ان يدفن الكائن نفسه تحت باب خيبته التي لم تعد خيبة تاريخية في وطنه مثلا بل في وجوده ككائن إنساني. رغم أن الفيلم من النوع الروائي القصير ـ سبع دقائق من الفرجة على الروح وهي تنهي مسيرتها عندما يتحول الباب في الفيلم إلى غطاء تابوت على شاطئ محيط بلا قرار.هشام زعوقي واحد من الأسماء السينمائية الواعدة التي لم يتسنى لها بعد فرصة إنتاج فيلم روائي طويل.
سينما المؤلف
لقد حاولت السينما السورية الجديدة الخوض في غمار مهمة بناء علاقة مغايرة مع الواقع الموضوعي الذي يعيشه أفراد المجتمع السوري، فامتازت بمحاولة بناء علاقة صادقة مع الواقع اليومي ومع الحياة، كما امتلأت بأسئلة القلق والتفكير في الذات والمحيط. وبرزت نبرة الحنين من خلال رحلة الذاكرة، والعودة الى رحم البيئة الأولى، وإعادة نبش إحداثات الطفولة الحميمية. وهكذا برز تيار في السينما السورية يدعى "سينما المؤلف" التي تحقق الرؤية الذاتية والوجدانية للمخرج في معالجة القضية المطروحة في الفيلم. ففي هذه السينما يكون الفيلم بكليّته منتمياً إلى المخرج/ المؤلف. يقول الناقد السينمائي محمد الأحمد في معرض تعليقه على هذا اللون السينمائي: "تقف هذه السينما دائماً على حافة التحدي بين النجاح الكبير والإخفاق الكبير من دون حلول وسط في معظم الأحيان". لم تبد سينما القطاع العام في سوريا اهتماما يذكر بصناعة النجوم، ولا بصورة البطل الوسيم أو النجمة الفاتنة. فمنذ الفيلم الأول للمؤسسة العامة للسينما "سائق الشاحنة" ظهرت الصورة الأكثر واقعية للنجم السينمائي. وهكذا نجد أن صورا صورة للنجم الثري،الوسيم، العاشق، وفتى الأحلام ستتحول إلى نقيضاتها لسائق شاحنة، أو فلاح، أوطبيب، أومدرس، أوجندي, أونحات ... الخ من الصور والتنويعات التي يغتني بها الواقع الحياتي. وتأسيساً على هذه الرؤيا السينمائية الجديدة أصبح الموضوع هو الذي يحدد أياً من الفنانين ينبغي الاستعانة به، وتم الاستعانة بوجوه جديدة أو غير معروفة، كما استعانت السينما السورية بالأطفال في ادوار أبهرت المشاهدين في فيلمي أحلام المدينة، و قمران وزيتونة. هذه السينما لم تأبه بمسألة الاستحواذ على القطاع الأوسع من المتلقين الذين صنعتهم سينما القطاع الخاص التجارية، ولم ترضخ لابتزاز متطلباتهم في رؤية نجومهم المفضلين على الشاشة الفضية, بل بدت ذاهبة في اتجاه ما تريد قوله حتى لو وضعها ذلك أمام اتهامها بالنخبوية، أو أمام مهمة إعادة تشكيل الذائقة الجمالية للمتلقين.
المرأة خلف العدسة انتهت المخرجة الشابة واحة الراهب مؤخرا من تصوير فيلمها الجديد (رؤي حالمة) لتكون بذلك أول مخرجة سورية تنتج فيلماً سينمائياً من إنتاج المؤسسة العامة للسينما السورية بعد طول انتظار. وترى الراهب "إنه من دون حل مشكلة المرأة لا يمكن أن تحل مشاكل المجتمع الأخرى، وبقدر ما نترك المرأة غارقة بتخلفها بقدر ما نساهم في إعادة التخلف وإنتاجه عبر تربيتها لأبنائها، فالمتعارف عليه أن فاقد الشيء لا يعطيه". تنحو السينما السورية منحيين في معالجة قضايا المرأة الأول إصلاحي تقليدي والثاني نقدي تغييري. أما أفلام المنحى الأول بدأت تطرح وتعالج الواقع عامة، وقضايا المرأة بخاصة من خلال الايديولوجيات المطروحة أو انطلاقا منها، فأسرفت في الجدية المباشرة واغرقت في الشكلانية، وجاء طرحها غير معبر عن حقيقة وضع المرأة من حيث تناولها المسطح والمتناقض مع القضايا الأشد حساسية ما افقدها القدرة على التواصل مع الجمهور. ومن أفلام هذا الاتجاه فيلم المصيدة للمخرج وديع يوسف عام 1980، و فيلم قتل عن طريق التسلسل للمخرج محمد شاهين عام 1982، وفيلم الفهد المأخوذ عن رواية الكاتب السوري حيدر حيدر وحمل توقيع المخرج نبيل المالح.
أما أفلام المنحى الثاني فقد اتخذت موقفاً نقديا معمقا من قضايا المرأة ونظرت إليها نظرة تنطلق من أولوية تحرير الرجل قبل المرأة في المجتمع، فظهر مجموعة من السينمائيين توجهوا إلي معالجة القضايا الاجتماعية ومنها قضية المرأة كونها تشكل منفذاً أو مهرباً من الرقابة السياسية المفروضة من قبل الدولة على التطرق إلي بنية المجتمع السوري بمحرماته الثلاثة :السياسة والدين والجنس. ومن هذه الأفلام نذكر الفيلم التسجيلي المرأة الريفية للمخرج مأمون البني، وفيلم أحلام المدينة للمخرج نبيل ملص. ترى القاصة والباحثة السورية مي الرحبي "أن السينما السورية لم تكن مرآة لعكس واقع الحال في مجتمعنا على الإطلاق. و الرحبي تسوق برهاناً قاطعاً من خلال رصدها للأفلام التسجيلية التي يفترض فيها أن تعكس واقع المراة مباشرة مشيرة إلى أن هناك 400 فيلم تسجيلي للمؤسسة العامة للسينما والتلفزيون منها حوالي35 فيلماً تتحدث عن قضايا اجتماعية و 6 أفلام فقط تحدثت عن قضية المرأة منها فيلمان دعائيان قدما المرأة بصورة وردية جداً وبالحقيقة وبالواقع فقط 4أفلام تحدثت عن واقع المرأة في سوريا أي بنسبة1% من مجموع الأفلام المنتجة". وتشير الرحبي إلي أن هذه الأفلام الأربعة، اثنان منها أخرجتهما امرأتان: الأول للمخرجة السورية أمل حنا يحمل عنوان "المرأة"، والثاني للمخرجة السورية واحة الراهب بعنوان "جداتنا"، مزج بين التسجيلية والروائية وقدم صورة حقيقية عن واقع المرأة، والفيلمان الآخران هما فيلم "عنها" للمخرج سمير ذكري وفيلم "المرأة الريفية" للمخرج مأمون البني.
هكذا تأتي الفرجة على متواليات السينما السورية في مسيرتها لمدة ثلاثة عقود على جمر من التابوات الإعلامية والاجتماعية، تأتي احتفاء بالمشهد السوري، مشهد يتناوب فيه الحلم، إلى القسوة، إلى الفجيعة، إلى ذاكرة الطفولة، في عين العدسة القابضة على اللحظة قبل الغياب.
#مرح_البقاعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ليس للمساجلة
-
إعلان سوريا
-
الشعر بين القبض على الماء أو الانسحاب في نجمة
-
هي
-
انقلاب رجالّي لإنقاذ سوريا
-
إلى سجين
-
سينما الهويات
-
الاثر والبخور واليمن السعيد
-
شعر العالم: الشاعرة سو كووك كيم
-
عاطفة الضوء
-
شعر العالم
-
بين الأرضين
-
مجزرة الاعلام السوري
-
كونشرتو البصر: أوب آرت
-
ما وراء سياسيات الكره وشوفينية الانغلاق
-
هنا
-
لسان العالم
-
توق الشاعرة
-
مجموعة مرح البقاعي الشعرية الجديدة بالإنكليزية
-
لأول مرة في الصحافة العربية جريدة بلغة برايل للمكفوفين
المزيد.....
-
مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” ..
...
-
مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا
...
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|