|
الأستاذ الرئيس وخطاب إهانة المرأة في عيد المرأة
محمد عمامي
الحوار المتمدن-العدد: 6650 - 2020 / 8 / 18 - 01:58
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كي تكتب لشعب الفيس بوك لا بد أن تضغط أفكارك وتكثفها وتقصّ أجنحتها لتكتفي بالقليل البسيط. ولابد لك من التدرب على ذلك لصعوبة المهمة. وكثيرا ما أهرب من مواجهتها ولكنني أجد نفسي مضطرا في بعض الأحيان على إبداء موقفي من بعض البذاءات التي سريعا ما تسري صلب غبار القوارض البشرية المتربصة بالعقل المتحرر. إنّ سيل السماجات وإسهال المغالطات والتشوهات الفكرية والتاريخية والحقوقية التي تغمر تونس هذه الأيام وتجد لها معينا مباشرا في خطاب رئاسة الدولة الأخير بمناسبة عيد المرأة 13 أوت 2020 الذي تداولته مواقع وصفحات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، يحتّم علينا ردودا فورية خاصة أمام جبن وانتظارية أحزاب جعلت من الدفاع عن الحقوق والحريات، بما في ذلك حقوق المرأة، محور وجودها السياسي. 1/ جهبذ القانون يتحايل على القانون. إنّ المدخل الذي رفع "الأستاذ" لأعلى هرم السلطة هو ادّعاء اختصاصه وكفاءته غير المسبوقة في القانون، علما بأن الثورة اُختزِلت في قضية حقوقية ممّا جعل "شبابها" يستنجد به كي يخرجها من أزمتها ويعيد مسارها إلى نصابه. ولكنّنا سنرى من خلال هذا الخطاب أنّ "الأستاذ" لم ينتظر طويلا كي يدحض عبقريته القانونية باخضاع القانون للتعاليم الدينية، ولدين واحد بالذات هو دينه هو ودين الأغلبية. فالقانون، وخاصة قانون الأحوال الشخصية، حسب الأستاذ الرئيس، يجب أن يكون خاضعا إلى الشرائع السماوية"، أي إلى الأحكام الدينية؛ ومن هذا المنطلق هو ينتقد الدستور الذي طالما تباهى بالتشبث به وبحمايته ! وسوف لن أتوقف عند المغالطات والنتف التاريخية المنتقاة بتبريرية لتوظيفها في مقاربته الأصولية لمسألة الحقوق والعدالة والمساواة وبخاصة حقوق المرأة، لأن ذلك يمكن أن يبرّر بكونه غير مختص في التاريخ، لذلك لا يمكن محاسبته على انتقائيته وقراءته التبريرية تلك. لنترك جانبا استعراض العضلات في اللغة التي لم يكن لها مكان في السياق، لكننا تعودنا على تشرنق الأستاذ وخروجه عن السياق ليستعرض مقدرته البلاغية الزائفة وليبهر السامعين بقول عصي على العامة التي كثيرا ما ادعى تمثيلها. ما يهمنا هو كلام الأستاذ عن الحقوق في ميدان الأحوال الشخصية التي يعتبرها بالضرورة خاضعة للتعاليم الدينية وللأعراف، أي للعائلة التي لها علويتها على القوانين "لأنّ للبيوت حرمات تخشاها نصوص القوانين". و"في داخلها محرمات تهاب شرائع الأرض عند التقائها بشرائع السماء" "فداخل البيوت ربات حجال وعائلات وعيال ستائر وأسدال الخ.." ولا يهمّ إن كانت تلك المعتقدات والتحاريم والتقاليد والأعراف المتستر عنها مغرقة في الرجعية وقائمة على الاستبداد الأبوي خاصة والذكوري عامة مادامت تؤيدها تشاريع السماء. وهذا كاف كي تبطل القوانين الوضعية وتتعامل مع أفراد العائلات لا بوصفهم مواطنين متساوين في الحقوق يحميهم القانون من اعتداء أولي الأمر بل بوصفهم مندمجين/ات في تلك المنظومة العليا، أي العائلة التي يحق للسماء فقط تنظيم أمورها دون القانون الوضعي. 2/ الفصل 21 من الدستور يقلق الأستاذ بتأكيده على المساواة بين الجنسين سخر الأستاذ الرئيس من الصراع من أجل اثبات المساواة التامة بين المواطنين والمواطنات. وبدأّ بالسخرية من ذكر المواطنات الى جانب المواطنين "وكأن هناك في الأمر فرق" في انتصار واضح للغة الذكورية التي يجب دوما أن تتكلم بصيغة التذكير وتُلحَق المرأة بالرجل عند الجمع. ثم يسخر من الفصل 21 من الدستور الذي ينص على "أنّ المواطنين والمواطنات سواء أمام القانون من غير تمييز" وهو ما يقلق الأستاذ الرئيس إذ يعتبر أنّ النضال من أجل المساواة هو إلهاء للشعب عن حقوقه التي يلخّصها في الحرية والكرامة والعادالة الاجتماعية. فهل هناك كرامة دون مساواة أمام القانون؟ وهل يمكن للحرية أن تسود في غياب المساواة، بدأ بالمساواة "الشكلية" أمام القانون وانتهاء بالمساواة الفعلية في المجتمع ككل؟ 3/ "الدولة لا دين لها" ولكن "عليها أن تحقق مقاصد الدين الاسلامي"؟ أراد "الأستاذ" أن يتميّز بنقده للدستور في صيغته الغامضة في ما يخصّ علاقة الدولة التونسية بالدين الاسلامي. وأسهب في حجج مضحكة من قبيل "يوم الحشر للدول" ودخول بعضها للجنة وبعضها الآخر لجهنم" كي يثبت أن الدولة لا يمكن أن يكون لها دين رغم علمه أنّ دولا عديدة، في الشرق الغرب، تتبنى دينا رسميا تفرضه على المجتمع بوصفه انتماء عام يحدّد بعض الاحكام والتقاليد والطقوس والعطل الخ، وفي بعض الأحيان تحدّد عديد القوانين، وهي طبعا قوانين عامة لا تخص أتباع ذلك الدين بل تسري على الجميع بما في ذلك المواطنين من أديان غير دين الدولة الرسمي. وطبعا تختلف الدولة "المدنية" التي تتخذ لها دينا رسميا عن الدولة الدينية التيوقراطية التي تعني الحكم المباشر للمؤسسة الدينية وتوحد السلطان السماوي مع السلطان الأرضي متجسدا في رجال الدين أنفسهم. ويمكن لدولة "مدنية" أن تمارس على مواطنيها تمييزا دينيا وطائفيا ومذهبيا بحكم أنّ الدين يوظف من قبلها كإيديولوجيا سياسية، أي كايديولوجيا حكم وهيمنة توفّر مشروعية الاهية (قداسة) على سياستها. وهذه المشروعية هي ما تحتاجه الدولة خاصة زمن الأزمات. لذلك تصرف الدول الأموال الطائلة لإعادة الدين للواجهة كعامل ضبط وبث القناعة والقبول بالمصير، وهو أمر لا تختص به الدول التي يهيمن فيها الدين الاسلامي بل قل إنّ أمريكا من بين أشهر الدول في هذا المجال. يستنتج قيس سعيد أنّ "الدين دين الأمة وليس دين الدولة". ونجد أنفسنا هنا، من جديد، أمام قول يحشر الجميع في بوتقة دينية واحدة، تعتدي على حرية المعتقد والضمير باسم الهوية القبْلية التي تخلع على كيان اجتماعي أو سياسي ما (أمة، دولة، شعب، طائفة...). فما معنى أن يكون للأمة دين واحد !؟ وما معنى أن تقسم الأمم حسب المعتقدات الدينية؟ لننظر إلى الأمم جميعها، ليس هناك مثال واحد على أمة لها دين تعرّف به دون غيره إلا إذا اعتنقنا النظرية الاستعمارية العنصرية (الصهيونية مثالا) التي تخلق كيانات افتراضية لا صلة لها بالأمم الواقعية. فالأمم متعددة ومتنوعة فكريا وعقائديا وثقافيا. وفي كل الأمم تتعايش أديان ومعتقدات وطوائف وتصورات للمقدس أو لعدمه. ويمكن أن تكون في صلب الأمة أغلبية تدين بأحد الأديان، ولكنّ ذلك لا يعطيها الحق في دهس الأقليات وإلحاقها بدينها وبطقوسها وفرض سلطتها عليهم باسم كونها منزّلة أو مميّزة من السماء، وهي الأرقى والأقرب الى الرب ( ربما يجهل أو يتجاهل الأستاذ أنّ مقولة "خير أمة أخرجت للناس" مقولة يهودية قبل أن تصبح بالنسبة للكثيرين علامة مميزة للدعاة الإسلاميين). إنّ تفكير رأس السلطة على هذا النحو ليُعدّ أمرا خطيرا، لا على التعايش في صلب المجتمع فقط، بل يتعدى ذلك للمستويات الاقليمية والعالمية. وكثيرا ما كانت خطابات التمييز والكراهية والشمولية التي تصدر عن سياسيين وقادة دول سببا في التناحرات والحروب والأزمات. ولقد بيّن التاريخ الطويل للحروب الهووية والتمييزية أنّه لا يمكن أن نحافظ على تعايش الشعوب والأمم دون تحييد تلك المعتقدات المتمركزة على الذات، عن المجال العمومي عامة والسياسي خاصة (باعتباره المجال الأكثر التصاقا بالسلطة). أما إذا انحازت الدولة إلى دين دون غيره أو قومية دون غيرها أو عرق دون غيره أو طائفة دون غيرها فهي تؤشّر لحقبة من الحروب الأهلية والتطاحنات العبثية واللامعقولة. وسريعا ما يتناقض قيس سعيد، من جديد، في برهنته على أنّ الدين دين الأمة وليس دين الدولة، إذ ينهي مقاربته بـ "الدين هو دين الأمة وعلى الدولة أن تعمل على تحقيق مقاصده". ها قد عدنا لدولة ملتزمة بدين ما وملزمة بتحقيق مقاصده دون غيره ولم تعد" ذاتا معنوية لا دين لها". 4/ المساواة في الإرث إنّ الصراع من أجل المساواة في الإرث يعتبر في نظر الأستاذ الرئيس "صراعا خاطئا وغير بريء، فكأن أغلب التونسيين والتونسيات لهم حسابات في المصارف الأجنبية". يا لها من حجة دامغة على "خطإ" الصراع من أجل المساواة في الإرث؟؟ فطالما ليس "لأغلبية" التونسيين والتونسيات (سبق أن سخر من التفريق بين التونسيين والتونسيات لغويا وها هو يستعمله !) حسابات بنكية في بنوك أجنبية" (أي طالما حساباتهم في بنوك محلية) فلا يجوز المطالبة بالمساواة في الإرث. أية بساطة في التفكير؟ أي ضعف في التعبير؟ وأية وثوقية عمياء؟ "لنسوّ أولا بين المرأة والرجل في الحقوق الاجتماعية والاقتصادية قبل الحديث عن الإرث وفقه المواريث". عظيم. من منّا يرفض المساواة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية؟، ولكن هل الحق في الإرث لا ينضوي تحت الحقوق الاجتماعية والاقتصادية؟ وإنْ كان غير ذلك فماذا يكون؟ ثمّ لماذا تكون أولوية المساواة في المطالب الاقتصادية والاجتماعية حجة لحجب ونكران باقي الحقوق؟ كيف لا يخدش هذا الهراء اللامنطقي آذان سامعيه وسامعاته خاصة ممن تلقين صفعات الإذلال والمهانة لمدة ثلاثين دقيقة ثم مررن لتقلّد وسام "الجمهورية" وأية جمهورية !؟ كيف تلقت أحزاب بنت برامجها على المساواة والحقوق الخ هذا الإسهال الفج دون ردة فعل؟ ليس الأمر ذا أولوية، يقول بعضهم، اليوم الأولوية للحماية التي يوفرها لهم من تغول حزب النهضة ومشتقاته. ولكن ألا ترون أنّ صراعه ذلك ليس سوى صراع أصولية استبدادية مع أصولية استبدادية أخرى حول أية أصولية تهيمن في السلطة، وليس أبدا صراعا مبدئيا من أجل التحرر من كل أشكال الاستبداد؟ ألا ترون أنه يقوم بكنس اليسار قبل أن يكنس الظلاميين لأنه حريص على قطع دابر كل معارضة اجتماعية يمكن أن تعطّل بناء نظامه الدكتاتوري الناشئ؟ ألا يعتبر تقريعه للإسلاميين عقابا لهم لتنازلهم أما اليسار والحركات النسوية والديمقراطية في عدّة فصول دستورية وعدة قوانين تكرّس بعض المساواة التي لا تتماشى مع علوية الشرائع السماوية" وتكرس علوية الشرائع الوضعية؟ نأتي الآن لأم الحجج التي ساقها الأستاذ ضد من يطالبن/يطالبون بالمساواة في الأرث؛ وهي الحجة التي فضحت ادعاءه السابق حول معارضة دين الدولة. "ثمّ إنّ النصّ القرآني واضح لا يقبل التأويل...". وهل بعد هذا الجزم نقاش؟ ولكن ما مناسبة الحديث عن القرآن والإسلام في مسألة قانونية في دولة لا دين لها؟ الحقيقة أنّ العدّ التنازلي للتنكر لكل الهراء السابق بدأ. وتعود الحقيقة عارية، حقيقة الرؤية الأصولية التي تخضع قوانين الدولة "لشريعة السماء" أي، هنا، إلى الشريعة الإسلامية. وهو ما يعني أنّ قيس سعيد أقرب إلى التيارات السلفية المتشددة والشق الراديكالي من "حزب النهضة" من شقها المنفعي المتلوّن بين تلك الراديكالية وبين التكيف لضغوط المجتمع المدني والأحزاب والإدارة المنظمة وفق الأسس العلمانية. فلئن كان الاستاذ ضد دين الدولة فهو مع دولة الدين (دين الأمة لا تنسوا ذلك)، أي أنه مع الدولة الملتزمة بتعاليم الدين والخادمة له وليس مع الدين الذي هو في خدمة الدولة المدنية بوصفه ايديلوجيا سياسية تستعملها تلك الدولة لتشريع هيمنتها. فالدين هو المصدر الأول للقوانين ولا يجب أن تخرج الدولة عن شرائعه. 5/ العدل يعني اللامساواة وضمن نفس المنطق، يَنظر الأستاذ الرئيس إلى المنظومة الإسلامية على أنها أرقى من المساواة الشكلية التي أتت بها المنظومة الحقوقية الغربية غير البريئة (لا أدري ما قيمة البراءة هنا !؟). فالمنظومة الفقهية الاسلامية "متكاملة تقوم على العدل والإنصاف". وفي ليّ مفضوح لعنق التاريخ، اعتبر أستاذ القانون أنّ رفض البرجوازية إدراج العدالة الاجتماعية والاكتفاء بالمساواة الشكلية أمام القانون كان بمثابة رفضٍ لعدل الشرائع السماوية، تلك التي تنكر حتى المساواة الشكلية أمام القانون فما بالك بالمساواة الفعلية في المجتمع التي كانت تطالب به الحركات العمالية آنذاك. فحين ينتحل قيس سعيد صفة ناقدٍ للمساواة الشكلية الليبرالية ، لا يفعل ذلك من موقع النقد الاشتراكي الذي تصدى آنذاك لحدود المساواة الشكلية في الحقوق البرجوازية وطالب بتعميق المساواة وتكريسها عمليا في المجتمع عبر إرساء منظومة اجتماعية عادلة سماها الاشتراكية، بل يفعله من موقع الملكيين والإقطاعيين وأمراء الحرب والأرستقراطية النبيلة التي قاومت المساواة الشكلية البرجوازية من موقع يميني متمسك بمنظومة الامتيازات والهرمية الأبوية والاستبداد القروسطي. فما معنى أن تبرر عدم المساواة بقصور المساواة الشكلية ودحض المساواة برمتها وتسمي التمييز عدلا إلاهيا؟ وفي قفزة تنم عن لا منطقية فجة يورد قيس سعيد مثالا تاريخيا ينسف كل ما بناه من حجج. "فليذكر من يريد خالصا أن يذكر موقف عمر الفاروق رضي الله عنه حين قضى لحبيبة بنت رزق بنصف ما ترك زوجها المتوفى من أموال شركة بينهما لأنها كانت تساعده في خياطة الثياب". عجبا ! أليس هذا دليلٌ على أنّ عمر خرج عن "الشريعة السماوية" بأن قضى لحبيبة بنت رزق بنصف الإرث في حين أنها كان يجب، حسب الشريعة، أن تكتفي بالثُّمن؟ بأي منطق يرى قيس سعيد أنّ هذا المثال يثبت تمسّكه بتطبيق تعاليم النص في حين أنّ أحد الصحابى المبشرين بالجنة خرج عنها وتصرّف حسب منطق قانون وضعي؟ كيف، إذن، يفتي قيس سعيد بالالتزام الحرفي بالنص القرآني بعد 15 قرنا دون الشعور بالتناقض في منطقه ذاك وهو ينسب نفسه لعمر؟ وربما سيقال لنا أنّ حبيبة بنت رزق "كانت تساعد زوجها في خياطة الثياب" وبذلك هي شريكته لا فقط زوجته". وهل رأيتم زوجة لا تشارك زوجها في العمل والكسب؟ إذن، ماذا نقول عن زوجات يتركن أزواجهن نياما في المنزل ويبكرن للكدّ في ظروف لا إنسانية، ألسن شريكات فعليات لأزواجهن وأخوتهنّ وآبائهنّ؟ 6/ تبرير الاستبداد باسم العائلة الذكورية من آخر إبداعات أستاذ القانون الدستوري نفيه لحقوق المواطنة للمنتسبين لعائلة واحدة. فرابطة الدم تنفي الحقوق والمساواة بين أفراد العائلة، ومعنى العائلة في العربية ممتد يضيق ويتسع من العائلة الصغرى إلى العشيرة. ولهذه العائلات، حسب الأستاذ، ستائر مسدولة تخفي ما بها من مراتبية وتشاريع وأعراف لا يجب الكشف عنها مهما كانت متخلفة واستبدادية. وفي سياق سخريته من دستور 2014 الذي كان عصارة وفاق بين التيارات الممثلة في التأسيسي (بضغط كبير من المجتمع المدني) مما جعل حزب النهضة ينتهي بالتسليم بفصول مثل الفصل 21 الذي ينتقده أستاذ الحقوق الدستورية هنا، يقرّع الأستاذ الرئيس حزب النهضة وشركاءها في التأسيسي كالتالي: "ثم ان نص الدستور التونسي الحالي يشير الى المساواة بين المواطنين والمواطنات. فهل أنّ العلاقه بين الإبن وامه اوبين الابن وابيه او اخوته وذويه هي علاقه بين مواطن ومواطن ام علاقه تقوم على الاواصر العائلية؟". هل ثمة حجاج أسذج من هذا الحجاج؟ ملخص الأمر لا يجب للقانون أن يتدخّل بين أفراد العائلة الواحدة لأنهم ليسوا مواطنين ويجب الإبقاء على غلبة الغالب وتشريع اعتداء المعتدي فالأمر لا يخصّ القانون، وليمارسْ المهيمنون داخل أسوار العائلة هيمنتهم دون ردع ولا حساب. وطبعا لن نتوقف عند المضحكات من الترهات من نوع "لو كانت المساواة هي المطلوبة لسميت قصور العدالة قصور المساواة" أو "لو كان أفراد العائلة مواطنون لقلنا السلام عليكم أيها المواطنون" ونحن نخاطب أقرباءنا.
ولكن دعنا نركّز على مغالطات أكثر خطرا مثل قول الأستاذ " إنّ شعبنا يطالب بالحرية والعدل، ولم يستشهد أبناء وبنات هذا الشعب من أجل هذه القضايا المفتعلة التي حسمها القرآن...". لقد قرر الأستاذ انّ قضايا المساواة والمواطنة ومنها المساواة في الإرث وحرية الضمير قضايا مفتعلة. ولكن أي معنى للحرية وللكرامة وللعدل دون المساواة أمام القانون بين المواطنين؟ أي معنى لهذه القيم والأفراد (لا المواطنين) يُتركون للكبار المتنفذين الذكور يعاملونهم معاملة القصّر المولّى عليهم؟ أي معنى لحرية تعتبر المواطنة تغريبا وتنادي بالعودة للفرد المنتمي إلى عائلة تحدّد مصيره وتهضم حقوقه؟ وما دخل القرآن حتى يحسم قوانين دولة مدنية لا دين لها في القرن الواحد والعشرين؟ مرة أخرى ينكشف الستار عن أصولية تمارس التقية باسم القانون، وسريعا ما يُشفع هذا التأكيد مباشرة بنقيضه، وهو اقتضاء التلاعب والمغالطة: "لا وصاية لأحد على أحد. وكل واحد منا حرّ في دينه. حرّ في معتقده. ولكن لا مجال لأن يستمد أحدهم مشروعيته أو ما يتوهم أنها مشروعيته إلا من إرادة الأغلبية، لا من إرادة يفرضها فرضا من قراءة لنصّ أو من تأويل لحادثة أو لحديث." هنا نخال الأستاذ مصاب بالانفصام؛ إذ يرد الأستاذ قيس على الأستاذ سعيّد. فمن كان، إذن، مند قليل يستمد مشروعيته من قراءة للنص؟ اليس هو من قرر حسم نقاش حول قانون الإرث استنادا للنص القرآني الحاسم صراحة؟ اليس هو من قرر أنّ الدولة يجب أن تطبق تعاليم شرائع السماء وأن تترك أفراد العائلات يواجهون ظلم الأقارب لكونهم ليسوا مواطنين؟ إنّ الهدف من هذه الألاعيب هو استئثاره بحق الإفتاء. فالسياسيون، يمينهم ويسارهم، لا يفعلون سوى تعفين الأجواء، و"الشعب" في حاجة لمنقذ يكون له وحده نفاذ البصيرة والعصمة كي يخرجه من أزمة مفتعلة تسببت فيها نضالات حول مطالب لا تهمه وليست من مصلحته. فالأستاذ هنا أيضا له وحده صلاحية تحديد ما ينفع وما لا ينفع الشعب من النضالات ومن المطالب والأهداف.
7/ في مزالق الخطاب
إنّ الخطر في هذا التوجه الشعبوي ذي المنزع الشمولي كونه يسحب كل سلاح من أيدي الحركات الاجتماعية والديمقراطية ويستحوذ وحده على مشروعية النضال من أجل ما يقرره هو صالحا وغير مضر، ويمنع ما يراه مضرا ويحتكر بذلك مشروعية تمثيل "الشعب" والثورة. ولا يجب أن نًغفل أنّ هذه الطريق كانت طريق الدكتاتوريات الشعبوية التوتاليتارية للقرن العشرين التي قادت إلى كوارث سياسية واجتماعية وثقافية. ولئن أنهى الأستاذ فتاواه بنكتة مضحكة مبكية حين ماثل بين تطليق وسيلة بورقيبة للضرر من قبل الحبيب بورقيبة وقصة الخطيئة الأصلية في الأديان الكتابية التي تحمّل المرأة مسؤولية الخروج من الجنة لأكلها من شجرة التفاح المقدسة، فإنه وضع مرة أخرى الشرائع السماوية موضع سؤال من حيث أراد أن يبيّن علويتها، وأسقط قدسيتها من حيث أراد إثباتها وفرضها. فالاستناد الى قصة الخطيئة تجعلنا نرفض أكثر فأكثر اخضاع القوانين الوضعية لشرائع السماء. إذ في قوانين الأرض لا يعدّ أكل التفاح جريمة ولا يحاكم من اختلف مع تعاليم دينية تعود لآلاف السنين بل هو يحاكم وفق معايير وضوابط عصره المنصوص عليها في قوانين ودساتير.
كنت نبهت منذ انطلاق ما سمي بالحملة التفسيرية للرئيس قيس سعيد ومن خلال تدخلاته في قضايا عديدة إلى كونه مشروع دكتاتور شعبوي له منازع شمولية ومتشرب بالأصولية الماضوية والإطلاقية. فهو يعادي الحريات الشخصية والعامة جوهريا رغم كونه لا يتوقف عن استعمال لفظ الحرية. وهو مهين وحاسم في تمييزه الذكوري رغم كل ما يمكن أن يقال عنه حول معاداته لحزب النهضة الإخواني. وهو لا يبتعد كثيرا في جوانب عديدة في رؤيته الأصولية عن التيارات الأكثر جذرية في صلبها وحولها. وما خطاب 13 أوت إلا جملة من الرسائل والإشارات التي تصب كلها في إبراز نزعته الشمولية والنرجسية وطموحه إلى تركيز أدوات السلطان بين يديه بوصفه أب شعب اليتامى الذي لا منازع له ولا مثيل.
#محمد_عمامي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مداخلة عبد المجيد بلحاج عن الجمعية المحلية لحماية واحات جمنة
...
-
رسالة إلى أخي اليساري الإمتثالي
-
اليسار والثورة، نحو الخروج من الزاوية: (مداخلة في ندوة مفتوح
...
-
ملاحظات سريعة حول خطاب -الأستاذ-
-
النصّاب
-
الشعب لا يريد...
-
النزيف.... نحو الحرب الأهلية
-
مازوشية الزواحف الوطنية
-
في الكوابح الذاتية للثورة
-
أطروحات سريعة من وحي ثورة مغتصبة
-
البركوس
-
الثورة الاجتماعية في مواجهة مسخها -الديمقراطي-
-
البرنامج المباشر للثورة الاجتماعية والسياسية بالبلاد التونسي
...
-
الهبة الشعبية الجديدة ودروس 32 أكتوبر 2011
-
تونس ترتقي إلى مصاف الفريسة المتميّزة
-
السلطة -للكفاءات الوطنية-والشارع للشعب الكريم!
-
الإتحاد العام التونسي للشغل بين الوفاق البيروقراطي وتجذر قوا
...
-
نداء إلى من اختار أن يسبح ضد التيار
-
الثورة في خطر، نداء ما قبل الإنتحار الجماعي.
-
القوى الثورية وحرب استنزاف حكم الالتفاف
المزيد.....
-
المدافن الجماعية في سوريا ودور -حفار القبور-.. آخر التطورات
...
-
أكبر خطر يهدد سوريا بعد سقوط نظام الأسد ووصول الفصائل للحكم.
...
-
كوريا الجنوبية.. الرئيس يون يرفض حضور التحقيق في قضية -الأحك
...
-
الدفاع المدني بغزة: مقتل شخص وإصابة 5 بقصف إسرائيلي على منطق
...
-
فلسطينيون يقاضون بلينكن والخارجية الأمريكية لدعمهم الجيش الإ
...
-
نصائح طبية لعلاج فطريات الأظافر بطرق منزلية بسيطة
-
عاش قبل عصر الديناصورات.. العثور على حفرية لأقدم كائن ثديي ع
...
-
كيف تميز بين الأسباب المختلفة لالتهاب الحلق؟
-
آبل تطور حواسب وهواتف قابلة للطي
-
العلماء الروس يطورون نظاما لمراقبة النفايات الفضائية الدقيقة
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|