ثائر زكي الزعزوع
الحوار المتمدن-العدد: 1599 - 2006 / 7 / 2 - 02:37
المحور:
الادب والفن
شكّلت رواية (شيفرة دافنشي) في قراءتي الأولى لها نوعاً من الصدمة، لا لروعتها وحبكتها وتفاصيل أخرى ولا متأثراً بالحملة الإعلامية الكبيرة التي رافقت صدورها، لكن لتلك الحرية الهائلة التي امتلكها الكاتب في كتابتها، وكلّي ثقة أنه لم يضع على نفسه قيداً أو شرطاً واحداً يخشى جراءه أن تمتدّ مباضع الجراحين المهرة لتغتاله وتغتال عمله.
(الجراحون المهرة) أظنه عنوان رواية قد أكتبها أو يكتبها غيري في القريب العاجل تتحدث عن سحر الرقيب العربي، وهو يبتر بكل براعة ومهارة الأعضاء التي يرى فيها مرضاً قد يؤثر على سيرورة ووضع المجتمعات المحكومة بقوانين البسترة والتجفيف التي شرّعها مشرعون جهلة.
بعد صدور الرواية، أنتجت فيلماً تم عرضه في معظم بلدان أوروبا على الرغم من استياء الفاتيكان، وكان فيلم (شيفرة دافنشي) فيلم افتتاح مهرجان كان السينمائي لهذا العام، ولم يقم أحد من مسيحيي أوروبا بمنع عرض الفيلم أو حذف مشاهد منه.
ولعل المفارقة المدهشة التي جهد جراحونا المهرة على ابتكارها أن الرقابة المصرية منعت عرض الفيلم في الصالات المصرية، بل وقامت بمصادرة نسخ منه أدخلت إلى مصر، وعلّلت الرقابة المصرية عملها المتميز بأنها لا تريد الإساءة إلى مشاعر أقباط مصر!
ولا شك بأن الكثير من الرقابات العربية ستنحو منحى شقيقتها المصرية وتمنع الرواية والفيلم وقد تذهب إحداها أبعد من ذلك فتمنع كتب (دان براون) مؤلف الرواية، وتعتبره كاتباً زنديقاً يسيء إلى الأديان، علماً بأن هذه الأفكار كلها لقد لا تكون خطرت ببال (براون) وقت كتب روايته.
جراحونا المهرة دخلوا عقولنا وغرف نومنا ومطابخنا وشاركونا متع الحياة، وهل في الحياة متع وهم مسلطون كأسياف على رقابنا!
حين أصدر الإمام الخميني في تسعينيات القرن الماضي فتواه الشهيرة بتجريم الكاتب البريطاني سلمان رشدي وهدر دمه عقب صدور روايته (آيات شيطانية) تبنت دولنا العربية وبالإجماع منع الرواية واجتهد مجتهدونا آنذاك في تكفير الكاتب ولعنه، وكان أغلبهم لم يطّلعوا على عمل رشدي كي ينتقدوا صاحبه ويكفروه.
محنة ثقافتنا العربية المعاصرة، إن كان ثمة ثقافة أصلاً، لا يمكن تفسيرها بعيداً من هذا الخضوع المخجل للأوامر بدءاً بما يأمر به المجتمع المتخلف في معظمه وصولاً إلى أوامر رجل الدين ورجل السياسة كل له رأيه وقانونه الذي يسنه والذي يسهر الرقباء على تنفيذه بعناية وحرص... كيلا تفسد مجتمعاتنا، وهل بعد هذا الفساد فساد؟!
#ثائر_زكي_الزعزوع (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟