|
لو لم يكن للمقاومة غير هذا الفضل لكفى
أكرم إبراهيم
الحوار المتمدن-العدد: 1597 - 2006 / 6 / 30 - 08:29
المحور:
القضية الفلسطينية
من حق القوى الفاشية التي رهنت مصيرها بالهجمة الاستعمارية على المنطقة فأخذت تزين لنا نتائجها وتضبط تحركاتها على إيقاعها ، من حقها أن تخشى المقاومة وأن تمارس التشويش والتشويه والعداء الصريح والمضمر لها . لذلك نرى استعداء الناس على المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق ـ وجهه الآخر الدعوة إلى حلول انهزامية ـ نراه على نفس مستوى شدة القبول بما سموه العامل الخارجي في التغيير . لماذا؟ لأن القوى الاستعمارية اليوم تشن هجمتها كالعادة تحت شعارات إنسانية كالعدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان . والفاشيون الديمقراطيون عندنا ـ على طريقة هتلر في اشتراكيته ـ يدأبون على ترويج هذه الخدعة فتأتي المقاومة لتفضح زيف هذه الادعاءات فتفضح نوايا الفاشيين. إحدى الدول التي تطمع في مشاركة أمريكا مائدتها الكلبية اليوم هي فرنسا ، فهي لا تستسيغ لحومنا إلا ملتوتة بالديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان . مباشرة بعد الإعلان عن أسر جندي إسرائيلي ، مدجج ، على أهبة الاستعداد ، في موقعه العسكري ، بانتظار الأوامر بالقتل ، مباشرة بعد الإعلان تحركت الحكومة الفرنسية من أجل الإفراج عنه ، فهل يذكر أحدكم أن فرنسا أو غيرها تحركت ولو بعد حين للضغط على إسرائيل؟! هل سمع أحدكم أن أحد الذئاب أنب إسرائيل على قتل أحمد ياسين المقعد العاجز عن السير وليس عن حمل السلاح ؟! وبماذا قتل ؟! بصاروخ جو أرض . حتى كوفي أنان ممثل "الشرعية الدولية" استشعر الخطر على السلم العالمي فمارس الضغط على السلطة السورية كي تضغط على خالد مشعل !! يا ناس يبدو أننا على أبواب حرب عالمية من أجل جندي !!. تحركت فرنسا لأن الجندي يحمل الجنسية الفرنسية ، فهي تعرف أنه غريب الوجه واليد واللسان عن هذه المنطقة . وبما أنه أسر مسلحاً فهو خرج من فرنسا ليمارس القتل ، فكان من الواجب محاكمته في فرنسا ، لكن على ما يبدو من حق الفرنسي أن يقتل حيثما شاء ، فمن قال أن القاتل الفرنسي أقل قيمة من أخيه الأمريكي الذي ترفض حكومته التوقيع على محكمة الجزاء الدولية ما لم تستثنيه من المحاكمة ؟! من حق الفرنسي أن يقتل وويل للضحية إذا ما فكرت أن تنفخ عن وجهه ذبابة ، فما أدرى الضحية أن الذئب لن ينزعج . ها إن فرنسا تعلن مسؤوليتها عن تشريد ما يقرب من خمسة ملايين فلسطيني من خلال الدفاع عن جندي فرنسي جاء طوعاً ليكرس واقعة التهجير ، فماذا يبقى للفاشيين الذين يعلنون استعدادهم لركوب بساط الريح الغربي عامة ، الفرنسي الأمريكي خاصة ؟! يقترح علينا الفاشيون الذين يريدون فرض ديمقراطيتهم علينا ، ولو بالصواريخ العابرة للقارات ، يقترحون أن نزغرد لأن حسن الحظ واتانا فلم تعد الإمبريالية شراً مطلقاً ، لأن الديمقراطية عندنا أصبحت مصلحة لها . لكن يجب ألا نغالي ، فليس كل الفاشيين يقبلون بديمقراطية الصواريخ والمجازر واليورانيوم المنضب ، هناك فاشيون يريدون ديمقراطية من فرنسا ، منزهة عن القتل المباشر المفضوح . هؤلاء يفضلون القتل بالتجويع والحرمان من الدواء والضروريات الأخرى ، كما حدث بعد فوز حماس في انتخابات شهد على نزاهتها مراقبون فرنسيون ، فالحصار الذي هو جريمة ضد الإنسانية يصلح لإلغاء نتائج انتخابات ضارة بمقدار ما يصلح لفرض انتخابات مفيدة . فرنسا المهذبة الراقية الديمقراطية الجنتلمان تأنف أن يتم تبادل جندي ـ الله يحميه طالع لجده ـ بإرهابيين مقتلعين عنوة وفق أنقى الشرائع وأرقاها من بيوتهم ، فرنسا ومعها العالم الناضح بالحرية تأنف هذا ، فماذا لو أن المقاومة طالبت بعودة مئة عائلة ـ من زوجين بلا أولاد لكنهما ما يزالان شابين خيرهما فيهما ـ مقابل الإفراج عن قرة عينها الذي ترك كل روعة العيش في فرنسا طلبا لبندقية أمريكية من طراز m16 ، بطلقات دمدم حصراً ، دمدم لأن الطلقة عندما لا تصيب مقتلاً من الطريدة تتفجر فتصيب ، وإذا ما عاندت فحادت عن المقتل سيضطر الطبيب أن يعمل خرائط في جسمها بحثاً عن شظاياها فيقتلها بخرائطه بما يشبه حفلة تعذيب سادية ، عفواً فاشية. لو كنت مكان المقاومين لساومت على عودة أو تجنيس بضع عائلات ، بل بضع شباب وصبايا فلماذا الطمع ؟! هذا أفضل من إطلاق سراح بعض الأسرى ، فلربما لم يسمع الغرب بكيفية إنشاء إسرائيل على يد إداراته القديمة ، على الأقل مبادلة الجندي بأسرى سيعيد تهجير بعضهم بعد أن عاد إلى أرضه أسيراً . لماذا استل الغرب الحصار ، القاتل الأعمى ، في مواجهة انتصار حماس الانتخابي ؟! يقول بعض الفاشيين من كل حدب وصوب وعرق : اختيار الشعب الفلسطيني لحماس هو رد فعل على فساد السلطة . يقولون هذا ـ وهو صحيح جزئياً ـ في محاولة لطمس إرادة الحرية لدى الفلسطينيين ورفضهم الحلول الانهزامية ، لكن هل يمكن للفاسد إلا أن يكون قامعاً مستبداً ؟! يقول التقرير السادس ل " مقياس الديمقراطية في فلسطين " ، إصدار المركز الفلسطيني للبحوث الثلاثية ـ دائرة السياسة والحكم ( الهدف 1376 نيسان 2006 بقلم أحمد م جابر ) ـ هناك استمرار مهين للتعذيب والموت في المعتقلات ـ حافظت ثلاثة مؤشرات على علامة مستقرة في القراءات الأربع الأخيرة من بينها اثنان حافظا على علامة صفر هما التعذيب والوفاة في المعتقلات ـ فإن التعذيب والوفاة في المعتقلات كممارسة منهجية ومستمرة يعتبر وصمة عار في جبين أي ديمقراطية ناشئة أو متقدمة * إذاً السلطة الفلسطينية فاسدة قامعة وعزلت بانتخابات نزيهة ، بالتالي ليس الخوف على الديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة سبباً لهذا الاستنفار ، إنه الحرص على دولة دينية عنصرية استيطانية إجلائية . فالغرب عندما يستنفر دفاعاً عن حريتي يفعل ذلك نفاقاً للتعمية على أهداف خاصة به ضارة بي . وبالتالي يقضي العقل أن نكون حذرين فنعض على الجرح ولا نسمح له باستعمالنا مطية : يقول مونتسكيو أحد منظري القانون والحكم في بداية عصر النهضة الأوروبي : لو طلب مني تبرير حقنا المكتسب في استرقاق السود لقلت إن شعوب أوروبا بعد أن أفنت سكان أمريكا الأصليين لم تر بداً من استرقاق السود في أفريقيا لتسخيرهم في استغلال تلك البقاع الواسعة ، ولولا استغلالهم في زراعة هذه الأرض للحصول على السكر لارتفع ثمنه ( الانتقاد 1135) . ومن يراقب السياسة الغربية وحال غالبية الناس في الغرب يجد أنه لا فرق بين مونتسكيو وبين ممثل السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي ، فحياة شعوب المنطقة لا تعادل ارتفاعاً في سعر مادة السكر لديهم . هذا ما تعنيه قضية الجندي الفرنسي الإسرائيلي . هذه النزعة هي التي كانت خلف الحصار القاتل الأعمى لستة شعوب عربية كان آخرها الشعب الفلسطيني . استمرار المقاومة ـ عدا كونه أمراً طبيعياً يتفق مع الفطرة الإنسانية السليمة ـ يساعد مجتمعاتنا على التخلص من غثها ، فلولا أسر الجندي ـ وهو حدث صغير في مجرى النضال الطويل ـ لما رأينا هذه الممارسات التي تساعد شعوبنا على التخلص من فاشيينا الذين يهددون وحدة المجتمع وسلامته بأطروحاتهم . وبالفعل كلما أمعنا في المقاومة كلما تعافت مجتمعاتنا وتعرض مجتمع العدو للأزمات من كل نوع ، فلقد بينت الإحصاءات أن معدلات الجريمة والإدمان والانتحار ، والهجرة المعاكسة ، وتناقص معدلات الهجرة الاستيطانية ، وتناقص معدلات النمو الاقتصادي ، كل هذا يزداد في الفترات التي تنشط فيها المقاومة . تصاعد المقاومة خسارة لنا مع تصاعد الأمل وخسارة للعدو مع تكسر الأمل . بتصاعد المقاومة تضعف مواقع الاستسلاميين ـ الذين هم فاسدون واستبداديون حتماً ـ خارج السلطات وداخلها ، ولو لم يكن للمقاومة غير هذا الفضل الأخير لكفى . * يعتبر السيد رياض الترك قمع السلطة الفلسطينية نتيجة قلة خبرة في مجال الديمقراطية . ملحق النهار- تاريخ 29/4/2000 ـ بعنوان " أحد عشر مثقفا سوريا أمام استحقاق السلام
#أكرم_إبراهيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفساد المالي والسياسي فرعان من أصل واحد
-
مثقفون لكن يستخفهم الطرب
-
مشكلة حماس الرئيسية
-
انتصار حماس : الدعاية المعادية تجدد شبابها
-
نحن مثقفي - لا تقربوا الصلاة
-
موعظة
-
خارج السيطرة
-
رقص
-
صدمة
-
المطهر
-
هواجس
-
سقوط حر
-
صخب
-
سلة هواجس
-
هل يمكن القضاء على الفساد بأدوات فاسدة ؟ 2من2
-
هل يمكن القضاء على الفساد بأدوات فاسدة ؟ 1 من 2
-
عكك*
-
شكراً لحماس وحزب الله
-
قصة
-
الدولة والعودة : الجدل بين الشعار والممارسة والخطاب *
المزيد.....
-
السعودية.. شقيقة الأمير الوليد بن طلال وابنة الأميرة منى ريا
...
-
البحرية الكورية الجنوبية تجري أول مناوراتها في 2025
-
عبد العزيز آل سعود: كيف استطاع -نابليون العرب- توحيد المملكة
...
-
في ذكرى 6 يناير.. ذكريات الهجوم على مبنى الكابيتول الأمريكي
...
-
عودة ترامب تربك حسابات أوروبا في علاقاتها بروسيا وأوكرانيا
-
عاصفة تهدد 62 مليون أمريكي
-
انهيار جسر في ولاية أوريغون أثناء مرور قطار شحن عبره (صورة)
...
-
أنقرة: نحو 40 ألف سوري عادوا من تركيا إلى وطنهم منذ الإطاحة
...
-
مشروب بثلاث مكونات قد يساعدك على -تنظيف القولون وفقدان الوزن
...
-
-آبل- تتوصل لتسوية بقيمة 95 مليون دولار في قضية التجسس على م
...
المزيد.....
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
المزيد.....
|