أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة - إيمان كاسي موسى - المرأة وبراديغم الظّهور والتّواري














المزيد.....

المرأة وبراديغم الظّهور والتّواري


إيمان كاسي موسى
باحثة في علم الاجتماع وفي اللّسانيات.


الحوار المتمدن-العدد: 6646 - 2020 / 8 / 14 - 23:30
المحور: ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة
    


تحترف المرأة الخضوع لبراديغم الظّهور والتّواري سواء كان ذلك طوعا أو إكراها؛ فمن إقصاء العقل الفلسفيّ لقيمتها الوجوديّة إلى عهد فرض الذّات حقب من النّضالات والإنجازات، ويظلّ كيان المرأة يترنّح بين غياب بارز وظهور محتشم.
لاشكّ أنّ البراديغم أو النّموذج الإرشادي الذي يقولب حياة المرأة أينما كانت، يخضع بدوره لعوامل تاريخيّة ودينيّة وقانونيّة واجتماعيّة وبسيكولوجيّة ومفاهيميّة عدّة، إنّما لا يعدو كونه مثبّطا لعزيمة هذه «الأنثى» الّتي لم تختر وجودها، ولكن أنّ لها أن تختار ماهيّتها وتستدرك ما فات بالتّأسيس لحضورها السّابق والحاضر والقادم. وبما أنّ وطأة الترسّبات الثّقافية على فاعليّتها الاجتماعيّة ليست بالأمر الهيّن، استدعى الأمر التّساؤل عن مشارب ذلك البراديغم، الّذي شاء لها أن تعاني الأمرّين؛ ماض مترسّن بالأفكار المحبطة وحاضر يقدّس بدوره ذلك الماضي.
بدءاً بالعقل الفلسفيّ، لابدّ من محاولة فهم سبب اقتران العقل والحكمة بالرّجل وحده في بعض الحضارات، وما دون ذلك لطالما غدا لصيقا بالمرأة، وهي ذاتها الفكرة الّتي امتدّت حتّى إلى الفنّ بأصنافه. كما يجدر اقتفاء مواطن الخلل في الفقه الدّيني، الّذي يختلف عن الشّريعة في أنّه وضعيّ ونتاج جهد بشريّ قابل للنّقد، وبالتّالي يأتي دور القانون والسّوسيولوجيا وباقي مجالات الحياة.
فإن عرجنا على الموروث الدّيني، لابدّ أن يتدخّل العقل ليعيد للنصّ المقدّس هيبته، ويستعيد وهجه بعد أن غطّت عليه مزاعم كثيرة؛ ومن ينتبه لقوله تعالى: «خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا» (الزّمر 6)، لابدّ وأن يدرك أنّ المرأة لم تخلق من الضّلع الأيسر الأعوج للرّجل مثلما كرّسه المخيال ذي المرويّات المتناقضة، ومن ينتبه لمفاد لفظ «الضّرب» الّذي خضع عبر الزّمن للعلاقة الاعتباطيّة بين الدّال والمدلول، ويعني في سياقه القرآني «المباعدة»، سواء لسانيّا أو منطقيّا منذ السّنوات الهجرية الأولى لدى الفرق العقليّة، سرعان ما يعي أنّ الشّرائع لم تأت لخلق العنف والتّراتبيّات اللامبرّرة، ومن يقرأ الآيتين 120 و121 من سورة طه: «فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى فأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ»، سرعان ما يكتشف أنّ لا دور لحوّاء فيما جرى لآدم عليه السّلام ولها بالتبعيّة؛ أي على عكس ما كرّسه المخيال المتوارث.
إنّ هذا المخيال الاجتماعي الّذي كرّس فكرة أنّ «الأنثى» سبب معاناة وعذابات البشريّة، لم يتخلّص في الحقيقة من ترسّبات الماضي بفكره واعتقاداته القديمة وعاداته وتقاليده،وحتّى همساته الّتي تطرق مسمعنا كلّ حين، وكأنّ الماضي يعيش فينا دون أن نعيش فيه زمنيّا. ومنه، يجدر تفكيك كافّة الملابسات الّتي لازالت تشوب صورة المرأة بالتطرّق للجوانب المفاهيميّة والتّاريخية والنقليّة بإخضاعها لسلطان العقل الّذي خصّه الله تعالى بخطابات صريحة ومتكرّرة كقوله «لعلّهم يعقلون» و»لعلّهم يتفكّرون».
إنّ الرّاجح فيما يتعيّن القيام به هواتّباع السّبل المنهجيّة في معالجة القضايا المتعلّقة بالمرأة من الجذور قبل التّساؤل عن إسقاطات ذلك على المجتمع والبتّ في القوانين، ومن ثمّ القصاص من الجناة، وإن كانت مجتمعاتنا تعاني بعض الرجعيّة فهي لا تختلف عن تلك المتقدّمة سوى في درجة الرجعيّة وقت يتعلّق الأمر بموضوع المرأة دوما؛ إذ أنّ المرأة الغربيّة مهما علا شأنها لابدّ وأن تصطدم بما يصطلح عليه «السّقف الزّجاجي» باعتبار أنّها لم تبلغ مبلغ الرّجل رغم نضالاتها ورغم إثباتها الرّيادة في مجالات كالسّياسة والاقتصاد والعلوم...إلخ.
وبما أنّ الفنّ التّشكيلي مثلا الّذي يعدّ شكلا متقدّما من أشكال التّعبير عمّا يخالج النّفس البشريّة، لازال يظهر المرأة البيتوتيّة ويواري ما دون ذلك، فالأمر ينقاد لنموذج صنع لها قالبا معيّنا، ولم تشأ بعد منعطفات الدّهر أن تكسّر ذا القالب أو تميطه عن الطّريق، أو ربّما أمسى الفنّ مهربا ومتنفّسا للمكبوتات لدرجة التمرّد على القيم المتعارف عليها ليصبح العريّ على سبيل المثال بحثا عن الحقيقة، على حدّ قول النحّات الإيطالي مايكل أنجلو.
بعيدا عن ذلك، فالمرأة ذاتها في عصرنا تحترف التّواري مثلما تحترف الظّهور إثر وجود محدّدات معيّنة تجعلها تتقبّل الحضور في مجالات دون غيرها، وكأنّها خلقت حكرا على غيرها أو ربّما تمّت البرمجة البسيكوسوسيولوجيّة كذلك؛ إذ لا تكاد تتخلّص من الصّور النّمطية الّتي تطبع مجتمعها لدرجة اعتبارها مسلّمات لا تقبل النّقاش، ولو تدخّل العقل لوجد في القضيّة نقاط استفهام عديدة!
لقد عانت المرأة كثيرا عبر التّاريخ؛ عانت منذ زمن لم تعتبر فيه إنسانا كي لا نقول إنسانا كامل الحقوق مثلها مثل الرّجل، وإن كانت في محطّات تاريخيّة معيّنة قد تعرّضت للبيع والشّراء كالسّلع، ولازالت في بعض البلدان الّتي تعاني تخلّفا في الزّمن الاجتماعيّ، فهي تساوَم اليوم في أبسط حقوقها كالإرث واختيار شريك الحياة والتّعليم ومزاولة المهنة، وإن امتهنت شيئا لتثبت ذاتها يقابل ذلك تناسب عكسيّ في ميزان الحقوق وكأنّ اتّساع رقعة الواجبات يعني تقديم تضحيات تطال رقعة ما لها من حقوق وهلمّ جرّا.
ختاما، لابدّ وأنّ المرأة تتحمّل مسؤوليّتها فيما كانت ولازالت عليه؛ فبالنّظر إلى الحلقات المفقودة الّتي يفرج عنها التّاريخ بصفة تدريجيّة، نتساءل دوما عن سبب غياب هذه المرأة عن شاشة الحياة وعن صناعة التّاريخ وتدوينه والتّنقيب، فالإفراج عمّا واراه الثرى إلى حين.

، باحثة في علم الاجتماع الدّيني وفي اللّسانيات



#إيمان_كاسي_موسى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إشكاليّة القضاء والقدر في العقل الجمعيّ وتأثيرها على سلوك ال ...
- -براديغم التألّق-
- إشكاليّة -الضّرب- بين العقل والنّقل
- الصّيام في الإسلام بين الوجوب والاختيار ..هل التّأويلات الحا ...


المزيد.....




- رابط التسجيل في منحة المرأة الماكثة في المنزل 2024 الجزائر … ...
- دارين الأحمر قصة العنف الأبوي الذي يطارد النازحات في لبنان
- السيد الصدر: أمريكا أثبتت مدى تعطشها لدماء الاطفال والنساء و ...
- دراسة: الضغط النفسي للأم أثناء الحمل يزيد احتمالية إصابة أطف ...
- كــم مبلغ منحة المرأة الماكثة في البيت 2024.. الوكالة الوطني ...
- قناة الأسرة العربية.. تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك أبو ظبي ش ...
- تتصرف ازاي لو مارست ج-نس غير محمي؟
- -مخدر الاغتصاب- في مصر.. معلومات مبسطة ونصيحة
- اعترف باغتصاب زوجته.. المرافعات متواصلة في قضية جيزيل بيليكو ...
- المملكة المتحدة.. القبض على رجل مسن بتهمة قتل واغتصاب امرأة ...


المزيد.....

- جدلية الحياة والشهادة في شعر سعيدة المنبهي / الصديق كبوري
- إشكاليّة -الضّرب- بين العقل والنّقل / إيمان كاسي موسى
- العبودية الجديدة للنساء الايزيديات / خالد الخالدي
- العبودية الجديدة للنساء الايزيديات / خالد الخالدي
- الناجيات باجنحة منكسرة / خالد تعلو القائدي
- بارين أيقونة الزيتونBarîn gerdena zeytûnê / ريبر هبون، ومجموعة شاعرات وشعراء
- كلام الناس، وكلام الواقع... أية علاقة؟.. بقلم محمد الحنفي / محمد الحنفي
- ظاهرة التحرش..انتكاك لجسد مصر / فتحى سيد فرج
- المرأة والمتغيرات العصرية الجديدة في منطقتنا العربية ؟ / مريم نجمه
- مناظرة أبي سعد السيرافي النحوي ومتّى بن يونس المنطقي ببغداد ... / محمد الإحسايني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة - إيمان كاسي موسى - المرأة وبراديغم الظّهور والتّواري