أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حامد تركي هيكل - صديقي صالح














المزيد.....

صديقي صالح


حامد تركي هيكل

الحوار المتمدن-العدد: 6646 - 2020 / 8 / 14 - 00:09
المحور: الادب والفن
    


صديقٌ قديمٌ
منذ أن كنّا نلعبُ الشطرنجَ ببيادق نعملها من طينٍ حِرّيٍّ أحمر، ونجفُفها تحتَ الشمسِ.
صديقي صالح، أعرفه منذ تعلّمنا للمرة الأولى كيف نقلِّد أصواتَ رجالٍ ونساءٍ لم نرَهم قطْ. كانت أصواتهم فقط تصل الى ذلك العمق من غابات النخيل التي لم يطأها أحدٌ غير أقدامنا والطوّاشات.
...العيون السود في بلدنا يا حبيبي....
صديقي صالح كان رفيقي! كنّا نجلس تحت القمر الفضيّ على الدرب الوسطاني حين ينامُ جميعُ الناس. ما من أحدٍ صاحٍ تلك الساعة سوانا. أنا وهو وسربٌ من النمل الأسود كبير الحجم تحت أقدامنا مشغول أيضا حتى الفجر.
حتى النواطير في الجراديق ناموا ولم يتبق سوى ساعة قبل أن تشرق شمسٌ أخرى معلنةً عن يومٍ صيفيٍّ آخر، حين نكتشف أن الوقت تبخَّر، ولمّا ننهِ بعدُ حديثاً كنّا بدأناه منذ ظهيرة أمسِ عن لوركا، ثورةِ الزنجِ، جمالِ عيون المها بين القناطرِ والتمرِ، وعن فعلِ عطرِ الحسناوات على أوزانِ بحورِ الشعرِ ! متى ينتهِ زمنُ قطاف التمر؟ كي يرحل عن أرضِنا كلُّ الأعراب، وعن نهرنا كلُّ المعدان، والبدوُّ الرحلُّ صوب الفلوات، لنرتاح قليلا من سحر النظرات؟
آهٍ يا أسفي!
صديقي صالح كان صديقي، كان يقطعُ المسافاتِ الطوالَ كي نلتقي. كلَّ يوم يجيءُ من بيتِهم عبرَ مقبرةٍ لم يعدْ أحدٌ يدفنُ فيها موتاه عدا الأطفال الخُدَّج. ويعبر القناطرَ المتأرجحة القلقة فوق الأنهار الفرعية، حيث يتربَّصُ المهلّهلُ بالأسماك الغافلة الغبيّة. يمرقُ صالح من بين أسيجةِ الطين التي عجز بنّاءوها عن إكمال بنائها بالطين، فعمدوا الى غرس قصاميل السعف أعلاها، هذا يكفي، من يجرؤ أن يخترق سياجاً من أشواك؟ يجتازُ صديقي الأكواخَ المنسية حيث يحلم الناسُ بصمتٍ والعرق البارد يتصبب منهم.
مَنْ هناك؟ يسأل أحدُ كبار السن الصاحين، والقادرين دوماً على سماع دبيب النمل.
صديق! يجيبُ صديقي. ويجتازُ قطيعَ كلابٍ تلتمُّ!
يا للحظِ العاثر!
ليس هناك ما هو أهمُّ من نقاشٍ حول قضية عودة خوان كارلوس للعرش من أجل ترميم الوضع بعد زمان فرانكو!
يا للحظ العاثر!
ليس هناك ما هو أخطر من معرفة النهايات التي كانت تنتظر الأمَ على نهر الفولگا. ولا أجمل من إعادة ترتيب الأحداث لفهم الظروفِ بالغةِ السوءِ لآخر أيامِ الرجلِ المخبولِ الذي حدثنا عنه ماركيز!
يا للحظ البائس!
صديقي صالح صار يخالفني الرأي تماما في كلِّ الأشياء حين كبرنا.
حين كبرنا كان يظنّ أن إعدام المشبوهين يمكن أن يكون ضروريا لتحقيق أهداف الثورة! يا للهول!
مُذ ذاك الحين، استبدلنا حفلات السهر عند رأس الجسر حيث يبدو لنا القصر المهجور كقلعةٍ تسكنها الأرواح الشريرة قبل بزوغ القمر المكسور الوجه، استبدلناه بنقاشٍ ساخن حول ضرورةِ أو سخفِ عملية شنق الناس على قارعة الطرقاتِ من أجل رصِّ صفوفِ المذعورين!
حين كنا نلتقي بعد تلك السنين، كان صالح يخالفني الرأيَّ. إذ كنا نحاولُ أن نتصنع الوقار! نتجنبُ ذكرَ قصص الأيام الأولى. اكتشفنا أننا كنّا لا نجرؤ أن نتحدث عن الحبّ، صرنا كباراً، نتجنب لأول مرةٍ أن نكون صادقين، ويتجنب أن يبدو صديقي.
يا للأسف!
كان يخالفني الرأيَّ، حيث صار يتمنى لو أن عدوّاَ يحتلُّ بلادي، من أجل إحقاق الحق! كان يقول!
أرعبني صديقي صالح حين جلسنا تحت القمرالباهت ذات مساء، حين كان يتمنى أن تنتهي الجلسةُ سريعاً، ويا للعجب! كنت أنا أيضا أتمنى أن ينتهي لقاؤنا، فليس هناك ما نود قوله! حين أكتشفنا أن صديقي كان ليس صديقي.
صديقي صالح يدهشني دائما. فحين التقينا رجالاً كباراً، كان يخالفني الرأيَّ تماما، فقد ظنَّ أن سقوط البلاد بأيدي الغزاة علامة خير! وأن زمان التحرر حان، وأن الأمور ستصبح في أحسن حال!
صديقي صالح يحيُّرني، يفاجؤني بالخلاف، التقيته منذ عام، وكان يخالفني الرأيَّ كعادته صالحٌ، فهو يظنُّ أن الخرابَ، وأن الدمارَ، وأن الوباءَ، وأن الفسادّ، كلَّ الفسادِ قد جاءنا مع الطامعين الغزاة! مع المجرمين الغزاة!
تحوَّلَ صالحُ عبر السنين، تقلَّبَ صالحُ عبر السنين، فهو في كلِّ حين، يخالفني الرأيَّ حد اليقين.
أما أنا، فمنذ تركنا الغناء، ومنذ هجرنا الحديث عن الفاتنات
ومنذ نسينا أين عفنا بيادقنا التافهات
ومنذ هجرنا محاولة اللعب بالقافيات
وعفنا قصائدنا الماسخات
صرت أخشى اللقاءّ بصالح!
فقد كان صالح ولا زال يمثل شخصاً خطيراً إليَّ
وصار خبيراً، وصار كبيراً، وصار خطيرا، وصار وزيراً
وصرتُ من طالبي اللجوء
بإحدى بلاد الشتات!



#حامد_تركي_هيكل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سلسلة فنارات - ج2 - الحاج سعود الفالح
- الحَمَر
- لوحة گلگامش التي ستهزّ العالم
- صورتان وأربعة وجوه
- كائنات غريبة
- سلسلة فنارات - ج1 - علي قاسم
- القسم رقم 8 - الحلقة الثالثة - همس الفتيان
- أم سالم
- الانتصار على الألم
- السيرة الذاتية لعراقي- قصيدة
- ليلة قدر
- القسم رقم 8- الحلقة الثانية - همس الجيران
- القسم رقم 8 - الحلقة الأولى - همس الجدران
- لوحة ( الشمس الساطعة)
- ذكرى قديمة جدا
- حكاية لا يعلم بها أحد
- سلسلة قصص الجنون - تنويه ختامي
- سلسلة قصص الجنون 8- -عقل- المجنونة
- سلسلة قصص الجنون 7- سيد عودة
- سلسلة قصص الجنون 6- سامي المجنون


المزيد.....




- قبل إيطاليا بقرون.. الفوكاتشا تقليد خبز قديم يعود لبلاد الهل ...
- ميركل: بوتين يجيد اللغة الألمانية أكثر مما أجيد أنا الروسية ...
- حفل توقيع جماعي لكتاب بصريين
- عبجي : ألبوم -كارنيه دي فوياج- رحلة موسيقية مستوحاة من أسفار ...
- قصص البطولة والمقاومة: شعراء ومحاربون من برقة في مواجهة الاح ...
- الخبز في كشمير.. إرث طهوي يُعيد صياغة هوية منطقة متنازع عليه ...
- تعرف على مصطلحات السينما المختلفة في -مراجعات ريتا-
- مكتبة متنقلة تجوب شوارع الموصل العراقية للتشجيع على القراءة ...
- دونيتسك تحتضن مسابقة -جمال دونباس-2024- (صور)
- وفاة الروائية البريطانية باربرا تايلور برادفورد عن 91 عاما


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حامد تركي هيكل - صديقي صالح