|
الحس والوعي بين الرومانسية والصوفية
فاضل عباس السوداني
الحوار المتمدن-العدد: 1597 - 2006 / 6 / 30 - 05:37
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الرومانسية على امتداد تاريخها مرت بتعاريف مختلفة واستخدمت بشتى الاستخدامات حتى البعض اخذ يطلق على أي شيء فيه لطافة بالرومانسية فمنهم يقول فيلم رومانسي، حب رومانسي، قصة رومانسية، احيانا تأخذنا النشوة فنقول هذا الجو رومانسي. ولكن حتى في نطاق المجال الادبي قدمت تعريفات كثيرة ومتابينة، فهذا (جورج صاند) يعرفها (عاطفة اكثر منها عقل، القلب في مواجهة الرأس) وبعضهم عرفها بانها (هي الفن الذي يقدم للناس الاعمال الادبية التي ينظر ان تمنحهم اكبر متعة ممكنة اخذة بعين الاعتبار عادات العصر ومعتقداته) وليس غرضنا تقديم تعريف محدد لها بقدر ما نهتم بأختفاء الوعي في ممارسة الرومانسية نفسها. ونرى ان الرومانسية تحل الخيال والعاطفة بدل الوعي في تأملها بالطبيعة والحياة، اي ان اهمية الوعي بالنسبة للرومانسية تتحدد على انها كانت نتيجة لما كانت الكلاسيكية تدعو من شأن ارتقاء العقل على جميع الوظائف الاخرى للانسان، بينما الرومانيسة اكدت دور الخيال والعاطفة واذا ما عرفنا ان الخيال يعود الى الذاكرة وان الذاكرة هي جرح العقل او معتقل الذات كما تسمى، اذن الرومانسية هي رفض للوعي، ومن الواضح ان الرومانسية جاءت لتزعزع الثقة بالعقل الذي سحر الاوربيين وقيد دواخلهم التأملية بحيث ان العقل لا يقتنع الا بالبراهين وبتغيير وتعليل الأشياء حسب منطقه، وان التأمل بالطبيعة والانسان يحتاج الى خيال خلاق وعاطفة مفعمة بالحس ذلك ما عبر عنه (ايشايرلنين) بانه (هذا الالتزام الكامل الثقة بالعقل يعتبر بحق العمود الفقري للفكر الاوربي لقرون عدة جاء الرومانسيون لكسرة) اذن الرومانسية هي استجابة عاطفية مفعمة بالخيال للمشهد او تأمل في الطبيعة والدين، وقد اشار الكاتب كولن ولسن في كتابه (الشعر والصوفية) الى حالة تجميد الوعي لدى الشاعر الرومانسي كولريدج في قصيدته (الرفض) حيث يقول (كان ينظر الى النجوم ويقول: انني ارى لا احس كم جميلة هذه النجوم) وهنا كوكريدج بصور الحس على انه وعي وان المنظر المحيط بالنجوم هو غياب للوعي بينما الصوفية تعتقد بان الحس هو غياب الوعي. اما الصوفية فكانت تعرف من خلال وجهة نظر الصوفي ومدرسته لذا نرى أن تعريف الصوفية ايضا يختلف من صوفي الى آخر، الوعي الذي نقصده هو وعي بالشيء الذي يحيط به، فالصوفي يعي ما يحيط به ولكنه في مكاشفته ورياضته يختفي وعيه، فان الصوفي يحل الحس بدل الوعي في فنائه بالذات الالهية وفي مكاشفته ان لذة الصوفي تكمل في حالة وصوله الى مرحلة يغيب فيها عن وعيه بالذات المطلقة، ولكن الصوفي لا يمكن ان يحل الحس بدل الوعي ان لم يدعمه بالأرادة بما انه يعبر عن حالته النفسية بما يشغله من اسقاطات للمادة المحيطة به، بحيث ان الصوفي لا يعمل بما يقتضيه الوعي في حالة احساسه بالأله، بقدر ما يحاول طمس معالم وعيه الغارق بالاشياء المحاطة به، تاركاً في الوجود الى عالم الحس المرهف، لذا نراه يصرخ بعلو صوته وباللسان الصوفي (ابن عطاء الله الاسكندري) انتقل من عالم العقل الغارق في الجهل والصراع الى عالم الحس المرهف والقلب الحار الشامل). فالصوفي لا ينشد سوى الجوانية اي القلب حيث يرى ان الله قد استولى على سكناته ودقاته المتوالية ومع كل دقة خشوع متوال. والصوفي في عبادته ومكاشفته يسقط كل ما يمد له بصلة بل كل ما يحس به من وجود سوى الموجود الاعلى. اي انه (كل ما حوله من وجود وسمع وبصر وعمل وعقل لانه يرى ذلك حجاباً بينه وبين الله). ولا يعتبر بعض الصوفية بان لبس الصوف او الملابس الخثنة دلالة على كشف النقاب والوصول الى المعشوق والزهد بل يعتبرون التصوف فتح باب القلب لتدخله الانوار القدسية من اجل لذة الوصول الى غاية الغايات، اذن نرى ان الشبلي يقول (صوف قلبك لا جسمك) وبعض الصوفية يؤكد ان تصوفه جاء نتيجة لقلقه النفسي واحساسه بشيء ما يدفعه نحو الكمال الالهي وليس كما يقال بان التصوف جاء نتيجة لشظف العيش وقسوة الحياة وان تاريخ المتصوفة يثبت ذلك حيث ان بعض الصوفية يحس بذلك وهو في قمة اللذة المادية، كما حدث لبشر الحافي ولرابعة العدوية. اما احساس الصوفي بالاثم فيكاد يختفي لانه في لحظاته الدائمية مع الله وما ينشده من صفاء الباطن في مكاشفته تبعده عن اقتراف الاثم وذلك لانه دائما ينشد ذلك اللقاء الحميم. وتبقى الرومانسية والصوفية اجمل لوحتين صنعتهما أنامل الحياة ويبقى الانسان الذي ورث هذا الارث الزاخر يحن مرة الى رومانسية تأملية وصوفية مغرقة بالحس ومدعمة بالارادة، وربما يود كل واحد منا ان يشعر بتلك الحظات الرومانسية أو الصوفية ولكن هناك فرق بين ان نقرأ عنهما او نعيشهما كما هما وفي كل الاحوال نحن احرار
#فاضل_عباس_السوداني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فكرة الألوهية في ادب كازنتزاكيس الروائي
المزيد.....
-
القبض على -سفاح صيدنايا- ومقتل شجاع العلي في سوريا
-
زيارة مثيرة للجدل: رئيس المخابرات العراقية يلتقي أحمد الشرع
...
-
ماذا نعرف عن تعيينات الحكومة الانتقالية السورية الجديدة؟
-
حقائب مهجورة وزجاج على الأرض.. هكذا بدا مطار صنعاء الدولي بع
...
-
بولندا تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي والتركيز على ا
...
-
الدرك المغربي يداهم قرية ويحرر 19 شخصا كانوا محتجزين في ظروف
...
-
شولتس يعلن اتفاقه مع ترامب على تنسيق المواقف بشأن النزاع في
...
-
ريابكوف: موسكو ترى مؤشرات على انطلاق سباق تسلح جديد بالفعل
-
الحوثيون يقصفون مجددا مطار بن غوريون
-
أوروبا 2024.. هزيمة استراتيجية التصعيد
المزيد.....
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
المزيد.....
|