|
هل الاستعمار أرحم من حكامنا ؟!!
يوسف حمك
الحوار المتمدن-العدد: 6640 - 2020 / 8 / 8 - 17:45
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا خير في عقلٍ مثقلٍ بمبادئ كهفية المنشأ ، ولا أمل في إصلاح فكرٍ منهله الوحيد ثقافة الجاهلية الأولى ، أو ذهنٍ مورده الأوحد من المياه الراكدة في أحواضٍ محاطةٍ بالعمائم و مسيَّجةٍ باللحى .
ليس حكامنا أشرف من المستعمِرين ، ولا معارضاتنا أكثر نزاهةً من حكامها . أما نحن - عامة الشعب - فأكثر نفاقاً و فساداً و جشعاً وجرماً و جهلاً من الجميع .
لكن : جميلٌ جداً وضعنا البائس ، كما ضعفنا المتزايد . و الأجمل عدم امتلاكنا القوة العظمى ، لئلا نقود العالم ، فنعيث في مشارق الأرض فساداً ، و في مغاربها نحرق الأخضر و اليابس بجهلنا - كما نفعل ببلداننا - فتتوقف الحياة للأبد . يكفينا تدمير أنفسنا بعقولنا الرثة ، و تهديم أوطاننا بأيدينا الملوثة بكل ما تتضمنه هذه الكلمة من معاني السوء و البشاعة و الإجرام . من أجل ذلك فقد ارتأى البعض ، ليحكمنا الاستعمار ، و يرعانا ، و يسهر على مصالحنا ، بعد رعاية مصالحه و ضمان منافعه طبعاً !!!!
أبناء الشرق توهموا بالديموقراطية و حقوق الإنسان بعد نيل استقلال بلدانهم ، و استراحوا باسترداد حريتهم من بين أنياب المستعمِر . و في اعتقادهم أن الوصول إلى دفة الحكم سيكون بالتداول ، و اختيار القادة يكون بالانتخاب المباشر من بين أحشاء المجتمع ، و من الشعب بكل سلاسةٍ ، لا بالانقلاب و فرض أمر الواقع .
حلموا بعالَمٍ جميلٍ سيبنونه بأنفسهم ، و بحياةٍ رغيدةٍ يعيشونها ، و بلوازم و احتياجاتٍ يصنعونها بأيديهم ، و بمناهج علميةٍ عصريةٍ يضعونها لطلابهم بعقولٍ مستنيرةٍ ، يهتدون بالأفكار المستضيئة لاستنهاض بلدانهم ، و العيش في أمانٍ و بحبوحةٍ بالاعتماد على ثروات أوطانهم التي تستعصي على النيران التهامها .
لم يكن يعلموا أن عقولهم مازالت فجةً ، و أفكارهم خامةً ، و مجتمعاتهم لم تكتمل مداركها ، فينقصها النضج ، و الأذهان مازالت مريضةً عليلةً .
تلاشت أحلامهم كرغوةٍ متطايرةٍ ، و فضاء الحرية ضاق عليهم إلى حد الانقباض الكامل ، فكان لجم اللسان ، و كتم الأنفاس ، و العيش تحت خط الفقر بمعدلٍ خطيرٍ ، و استفحال الفاقة ، كما الأمان غدا حلم إبليس بالجنة ، و الخدمات حدث عنها بالسوء و لا حرج ....
لم يفلحوا في تطبيق الديموقراطية ، و لا أن يضمنوا تداول السلطة بين أبناء الشعب تباعاً . و كانت الهرطقة لرجال الدين ، و المتجارة الرابحة بالطائفية ، و ناهيك عن الفتاوى التكفيرية الإرهابية التي تخرج من أفواه المعممين الملتحين - الهالكة للعباد و البلدان - كنعيق البوم .
مجَّدوا القبيلة ، و تباهوا بالطائفية البغيضة و الثيوقراطية ، فتاهوا عن مفهوم الوطنية ، و كان انتماؤهم للأفراد و العشيرة و المذهبية ، لا للوطن يوماً قط !!! فكانت النتيجة أن تعذر عليهم بناء وطنٍ مزدهرٍ ، و حياةٍ كريمةٍ ، فكل شيءٍ بات في عهدة مهب الريح . استكثرت الأهوال بدل الانشراح ، و الكوارث استفحلت بدل الرفاهية و الفرج ، و تراكمت المصائب عوضاً عن الهناء و اليسر . دساتير البلاد معطلةٌ لا التزام بموادها ، و القوانين لا تحكيم وفق بنودها ، الدروب كلها تسير لتلتقي بالقائد الأوحد ، و لا صوت يعلو على الزعيم الواحد الذي ينمو شيئاً فشيئاً حتى يكتمل دكتاتوراً ، و ينضج طاغياً مستبداً صالحاً للخدمة مدى العمر ، بعد أن أعدَّ نجله ، و مهَّده لتوريثه عرش السلطة ، فيستريح في لحده بعد الممات .
ولايته تدوم للأبد ، و يحكم دكتاتوراً متجبراً ، يتمسك بطول البلاد ، و يتشبث بعرضها ، و من حصته كل الموارد ... يضع قدميه على عنق الوطن ، و يقسم ألا يفرط فيه إلا بعد الخراب و الدمار ، و قتل الناس و تشريد العباد . لأن البلاد ملكٌ له وحده ، و الموارد ثروته الشخصية ، أما الناس فعبيدٌ كلهم يعملون تحت خدمته ، و يتصرفون حسب توجيهاته الحكيمة .
الكثير من اللبانيين ضاقت بهم الحياة ، و توالت عليهم النكبات منذ الاستقلال وحتى اللحظة ، و لم ينعموا يوماً واحداً بالسعادة في ظل حكامه - الذين من لحمهم و دمهم ، و من أبناء جلدتهم - فنادوا بالعيش في كنف الاستعمار من جديدٍ ، و تحت وصاية الأغراب في الخارج لخيبة حكامهم ، و موت أحلاامهم و دمار بلدانهم . وبعد تبخر كل آمالهم أيقنوا أن الثقة التي وضعوها في عهدة حكامهم غدت أضغاث أحلامٍ ، و باتت من نسج الخيال . و ثبت بالدليل القاطع أنهم يحترفون اللصوصية ، و يمتهنون القتل و الإجرام لا بناء البلدان ، أو استنهاض الأوطان .
و لأن الجميع نهلوا من ثقافة الجاهلية الأولى ، فلا تباين في بنية الفكر للحاكم و المحكوم ، و المعارضات التي تكيل الاتهامات لحكامها ليل نهار بالفساد و الطغيان ، حين تصل دفة الحكم ، ستمارس القتل و التدمير و السرقة ، و تبدو أكثر طغياناً و تجبراً و أحرص على مصالحها من أسلافها . لذا فالكثير من العراقيين ترحموا على قبر الدكتاتور و الطاغي صدام حسين - رغم جرائمه البشعة ، و إبادته لعشرات الآلاف بالجملة . لا تعاتبوا هؤلاء ، و لا تلقوا اللوم على أولئك !!!! لأن حلم المواطن بات يختزل في البقاء داخل وطنه تحت وصاية الاستعمار ، أو الهروب إلى بلاد المستعمِر . ففي الحالتين المنقذ هو الاستعمار ، و أوطان المستعمِرين هي الملجأ الآمن . و يا للهول !!!!
#يوسف_حمك (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أعيادكم ، و المآتم واحدةٌ .
-
السياسة و الدين وجهان للعملة ذاتها .
-
حروبٌ مدمرةٌ ، بدافع الحب اندلعت .
-
بالنهضة و البناء و الرفعة ، يفتخر المرء .
-
أحلام الخلافة أضغاث أوهامٍ .
-
أحلام السلاطين ، و أطماعٌ بلا حدودٍ .
-
واصلوا لقاءاتكم بعجالةٍ ، و لو كرهت الأبواق المستأجرة .
-
محنة العقل في ظل الأيديولوجيات .
-
الحياة بدونه مرةٌ بطعم العلقم .
-
الأنوثة مفتاحٌ لفك ألغاز فحولته .
-
حينما يبلغ العقل ذروة انقباضه .
-
أغلب المستقلين شرفاءٌ مخلصون .
-
حلمٌ ليس كغيره من الأحلام .
-
بريق الجمال يشعشع آفاق الخيال .
-
الأول من أيار عرفانٌ بجميل الكادحين .
-
لا شيء يداوي غير جذوة الإبداع .
-
دعوا العلوم و السياسة و التخصص لأهلها .
-
الأخبار الملفقة تغزو العقول .
-
فلتكن عزلتك حصاداً مثمراً .
-
إعصار الكورونا يشل حركة الحياة .
المزيد.....
-
الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و
...
-
عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها
...
-
نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|