|
ماذا حصل للأدب الكوردي بعد الإسلام - الجزء السابع
محمود عباس
الحوار المتمدن-العدد: 6639 - 2020 / 8 / 7 - 11:04
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
لتسارع التطور في الفن العربي، كالموسيقى والغناء، وإلى حد ما الشعر، أسبابه وعوامله، فرغم قصر عمرهما الزمني مقارنة بفنون وشعر شعوب الحضارتين الساسانية والبيزنطية، أو فيما لو نظرنا إليهما من مرحلة الوحي، ونستثني منها الشكوك التي جالت حول الشعر الجاهلي. يلاحظ أنهما تجاوزا الجميع وبكل أبعادها، وجل ذلك عائد لدور السلطات الداعمة، التي ساهمت في تجاوز فنون وآداب معظم شعوب المنطقة، كالآرامية والمصرية والبيزنطية والفهلوية، بعد قرنين من خروج أول الغزوات من شبه الجزير العربية، والتي أدت إلى تفاوت رهيب بينهم. فرغم أن اللغة العربية الحالية، فرضت بعد الوحي، وبعد نزول القرآن، ونقصد لهجة القريش، المكتوب بها النص الإلهي، كانت حينها دون مستوى اللغة الفهلوية الساسانية ثقافة وتدوينا، ولكن بفرضها من البعدين الديني والإداري، كلغة وحيدة للسلطات الإسلامية والعربية، تطورت بشكل متسارع في كل الجغرافيات التي طالتها السلطات العربية، والاستثناءات كانت نادرة. كما ومن المعروف تاريخيا أن الغناء العربي ظهر بعد الخلافة الراشدية، المأخوذة بوادرها من سبايا الإمبراطورية الساسانية، بعدما سمعهم أحد الموالي، وأسمه سريج يغنون أثناء إعادة بناء الكعبة، وينتشر من بعده وبوتيرة متسارعة، إلى أن بلغت سوية ما جمعه الأصفهاني بين دفتي كتابه (الأغاني) الرائع، والذي يذكر في الصفحة (52) عن أول غناء تم في مكة " قال إسحاق وحدثني أبي قال أخبرني من رأي عود ابن سريج وكان على صنعة عيدان الفرس وكان أبن سريج أول من ضرب به على الغناء العربي بمكة وذلك أنه رآه مع العجم الذين قدم بهم ابن الزبير لبناء الكعبة". كما وذكر في صفحة (حقيقة أدعياء السلفية وبيان انحرافاتهم وضلالاتهم) ليوم 28 نيسان، أن (سيرين) (اسمها الحقيقي شيرين كما ذكرها ابن كثير في كتابه السيرة الجزء الرابع ص (600 و648) أخت ماريا القبطية أم المؤمنين زوجة الرسول الكريم، هي أول من أدخلت العود المصري إلى المدينة، وكانت تتمتع بصوت شجي، يقول أبن حجر في كتابه (الإصابة) الجزء الثامن ص (198) " عن ابن عباس؛ قال: مر رسول الله صلى، بحسان ومعه أصحابهُ سماطين وجارية له يقال لها سيرين، فجعل بين السماطين وهي تغنيهم، فلم يأمرهم ولهم ينههم" . ثم قام (أبن حارث) عام 624م بتعريف أهل مكة بألة العود والغناء. ففي رواية ابن سريج، تتبين إلى جانب مرحلة بروز الغناء العربي، الإشكالية التي كنا بصددها في الحلقات السابقة، وهي أن بعض المؤرخين يضفون الفارسية على جميع اللغات الإيرانية، لكن الأصفهاني يفصل بين العجم كوصف لسبايا الساسانيين، والصفة الفارسية عن منطقة معينة، وقد كان الطبري في كتابه تاريخ الأمم والملوك، وأبن الأثير في كتابه الكامل في التاريخ، دقيقين في هذا المجال، فكل تذكير للفارسية كانت تعني منطقة فارس دون اللغة وهي جنوب أصفهان. والغناء لم يكن قبلها دارجا كما يدعي البعض، وإلا لما تم التالي مع الخليفة عمر بن الخطاب، كما رواه البيهقي في الجزء العاشر ص (224) " في حديث السائب بن يزيد، بينا رباح يغنيه أدركهم عمر بن الخطاب، رضي، في خلافته، فقال: ما هذا؟ فقال عبد الرحمن بن عوف، ما بأس بهذا، نلهو ونقصر عنا، فقال عمر: فإن كنت أخذا فعليك بشعر ضرار بن الخطاب"، وعن العود الذي لم يكن يعرف رغم ما تم ذكره هنا، يقول الفاكهي في (أخبار مكة) الجزء الثالث ص (27) وأبن عبد البر في العقد الفريد الجزء السابع ص (13) " إنه كان لعبد الله بن الزبير جوار عوادات. وإن أبن عمر دخل عليه فرأى العود فقال: ما هذا يا صاحب رسول الله؟ فناوله فتأمله ابن عمر وقال: هذا ميزان رومي فقال ابن الزبير: توزن به العقول" هذه دلالات من العديد أمثالها تؤكد أن الغناء والآلات الموسيقية دخلت الجزيرة العربية من الشعوب المجاورة، كالساسانية كالغناء والعود، ومن مصر كالعود المصري، والحكمة هي أن هذا النوع من الفن والشعر تحت السلطة العربية الإسلامية تجاوزت فن الشعوب المحتلة ولقرون عديدة، إلى أن أعادت تلك الشعوب أمجادها وببطء، وخير مثال ما كان عليه الفهلوية الساسانية، والتي ظهرت بشكل خجول في بدايات القرن العاشر، وفي مناطق متفرقة من جغرافية كوردستان. وقد تكون صدمة فيما إذا ذكرنا أن المقال يسري على اللغة العربية ذاتها، ففي مقالة ضمن موقع العاصمة نيوز، تحت عنوان تاريخ اللغة العربية وأول من تكلم بها، بتاريخ 9/9/2018م " أن أقدم ما وصل منها بعض العلامات والنقوش التي ترجع في تاريخها إلى القرن الثاني الميلادي، كما وصلنا أرقى آثارها من الشعر والنثر الذين أُلفا في الجاهلية وجُمعا في القرن الأول للهجرة؛ حيثُ يُبينان كمال هذه اللغة وعظمتها ومرونتها". ويتمم في مقطع أخر " روت الكثير من المصادر التاريخية أن يعرب بن قحطان بن عامر بن شالخ بن قينان بن أرفخشذ بن سام بن نوح هو أول من تكلم العربية؛ لأنه من انعدل لسانه من اللغة السريانية إلى اللغة العربية". وبالمقابل تراجعت أو عتمت وأهملت لغات الشعوب الأخرى، إن كانت بالقوة عن طريق فرض لغة القرآن أو بالتخلي طواعية عنها من قبل أصحابها متأثرين بلغة النص الإلهي والسلطة العربية الإسلامية، كاللغة الساسانية وورثتها الكورد، والفارسية، والأمازيغية والقبطية والأرامية وغيرها. لكن البعض من السلطات التي ظهرت تحت خيمة الخلافة العربية الإسلامية، كالمملكة السامانية والغزنوية تمكنت من إنقاذ لغة شعبها الفارسي بعدما فرضت ذاتها كقوة، ولحسها القومي استطاعت وبفترة قصيرة من إحياء ما تم تدميره على مدى القرون من الهيمنة العربية الإسلامية، ومثلها العثمانية التركية. يقال إن بعض العشائر العربية في شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام لم تكن تفهم بعضها، ونحن هنا لا نتحدث عن لغة العرب العاربة والمستعربة، بل حتى بين القبائل المستعربة، فالكثيرون يشككون أن تكون حتى المعلقات هي نفس اللغة التي وصلتنا بها اليوم. وهنا لا نقف على الدراسات المحرفة لتاريخ اللغة العربية، بل المنطقية، والتي لا تقلل من مكانتها ولا من جمالياتها. كحديث للرسول الكريم، ذكرها الرواة أنه عندما كان يستمع إلى الرائع من الشعر والنثر يقول: " إن من الشعر لحكمة. وإن من البيان لسحر" وقيل إن مناسبة قوله الجملة الثانية كان على خلفية حدث ومحاكمة وقول بيان، جرى أمام الرسول الكريم، ولسنا بصددها هنا. وذكر أنه كان يقول لشاعره حسان بن ثابت " نافح عنا، وروح القدس يؤيدك. أجب عني اللهم أيده بروح القدس". ويقال إنه قال لكعب بن مالك يوما "أهجم فوالذي نفسي بيده لهو أشد عليهم من النبل" ...
يتبع... الولايات المتحدة الأمريكية [email protected] 1/5/2020م
#محمود_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ماذا حصل للأدب الكوردي بعد الإسلام- الجزء السادس
-
ماذا حصل للأدب الكوردي بعد الإسلام - الجزء الخامس
-
مات البعث يا أيها الإيتام، المشكلون ل (التجمع الوطني العربي
...
-
مات البعث أيها الإيتام المشكلون ل (التجمع الوطني العربي في ا
...
-
ماذا حصل للأدب الكوردي بعد الإسلام - الجزء الرابع
-
ماذا حصل للأدب الكوردي بعد الإسلام- الجزء الثالث
-
حق يراد به باطل في الجزيرة-جنوب غرب كوردستان
-
من أين تأتي القيادات الحزبية الكوردية - الجزء الخامس
-
من أين تأتي القيادات الحزبية الكوردية- الجزء الرابع
-
من أين تأتي القيادات الحزبية الكردية -الجزء الثالث
-
من أضاع الوطن ومن شتت المعارضة؟ -الجزء الثالث
-
من أضاع الوطن ومن شتت المعارضة؟- الجزء الثاني
-
من أضاع الوطن ومن شتت المعارضة؟- الجزء الأول
-
نداء الخيانة العروبي الداعي إلى تقسيم سوريا
-
من أين تأتي القيادات الحزبية الكوردية- الجزء الثاني
-
الحلقة المخفية بين قناة أورينت والبعث
-
ماذا حصل للأدب الكوردي بعد الإسلام -الجزء الثاني
-
من أين تأتي القيادات الحزبية الكردية -الجزء الأول
-
من يقف وراء بيان الكراهية ضد الكرد ولماذا؟
-
ماذا حصل للأدب الكوردي بعد الإسلام؟ -الجزء الأول
المزيد.....
-
إسرائيل تُعلن تأخير الإفراج عن فلسطينيين مسجونين لديها بسبب
...
-
الخط الزمني للملاحقات الأمنية بحق المبادرة المصرية للحقوق ال
...
-
الخارجية الروسية: مولدوفا تستخدم الطاقة سلاحا ضد بريدنيستروف
...
-
الإفراج عن الأسير الإسرائيلي غادي موزيس وتسليمه للصليب الأحم
...
-
الأسيرة الإسرائيلية المفرج عنها أغام بيرغر تلتقي والديها
-
-حماس- لإسرائيل: أعطونا آليات لرفع الأنقاض حتى نعطيكم رفات م
...
-
-الدوما- الروسي: بحث اغتيال بوتين جريمة بحد ذاته
-
ترامب يصدر أمرا تنفيذيا يستهدف الأجانب والطلاب الذين احتجوا
...
-
خبير: حرب الغرب ضد روسيا فشلت وخلّفت حتى الآن مليون قتيل في
...
-
الملك السعودي وولي عهده يهنئان الشرع بمناسبة تنصيبه رئيسا لس
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|