|
رواية دروب المراثي لأسعد الأسعد
صافي صافي
الحوار المتمدن-العدد: 6638 - 2020 / 8 / 6 - 21:01
المحور:
الادب والفن
"ولا حتى بالأحلام" هذا مختصر ما توحي به الرواية الصادرة عن الرعاة للدراسات والنشر، وجسور يلتقي مراد براحيل في الأحلام، وهو يستلقي على شاطئ فلسطين، ويجدا نفسيهما وحيدين. اختفى كل البشر (لا يهم كيف)، كانا وحدهما، وبكلام أو بدونه، راحا يجوبان فلسطين شرقاً وغرباً، وكل منهما يوحي بما اختزنته ثقافته. كلاهما علمانيان، لكن هذه العلمانية لم تؤد لنتيجة علمانية. وقع في غرامها (إلى حد ما)، ووقعت في غرامه (إلى حد ما)، فليس هناك غيرهما، كما آدم وحواء، لكن هذا "الغرام" ظل سطحياً، مؤقتاً، فلم يستطع أي مهما أن يخرج من جلده. مراد يحفظ الجغرافيا والتاريخ عن ظهر قلب، وراحيل تحفظ الرواية اليهودية للمكان، الأول يرجع بالتاريخ إلى آلاف السنين، ويركز أكثر على ما قبل النكبة، وهي ترجع أكثر للتاريخ القريب، الذي أقيمت فيه المستوطنات. هي ترجع للكارثة في ألمانيا، وهو يرجع للكارثة اللاحقة في فلسطين. لم تكن صحبتهما الطارئة، في العربات الميكانيكة، والمجرورة، وقضاء ليال في اللطرون، وفي القدس، وغيرها، سوى صحبة طارئة فعلا، صحبة فرضتها الظروف، صحبة إجبارية، أقرب إلى صحبة السفر، وأي سفر؟ سفر يضيع في البحث عن الأمان، والطعام، والمبيت، ويحوطهما التاريخ الواقعي أحياناً والزائف أحياناً أخرى. لم يخرج مراد من علمانيته، وأصبح مدافعاً عن نفسه في ظل ثقافة إسلامية، ولم تخرج راحيل من علمانيتها، وظلت مدافعة عن ثقافة يهودية استعمارية. في بعض الأحيان كانت راحيل تلوذ بالصمت، ربما لأنها تسمع هذه الرواية الأخرى لأول مرة، أو لأنها لا تملك رواية متماسكة مثله، ورغم الفراق الوقتي بينهما، إلا أن هناك جاذب بينهما، لا يدريه هو ولا تدريه هي، فالظرف فرض نفسه. هل صمتها هو موافقة على ما كان يقوله مراد كنوع من المداراة؟ هل لأنها وحيدة؟ لا أعرف، لكن الأسعد يقول على لسان مراد، بأن اليهودي يمكن أن يعطيك ما تطلبه إن كان وحيداً، لكن موقفه يتغير حين يكون مع يهود آخرين، لكن ما قرأته لم يش بذلك، حتى أنها طلبت أن يكون زواجهما مباركاً من قبل "راب"، بالمقابل طلب هو أن يكون بحضور "الشيخ". هل استطاعا العيش معاً؟ لا، بل كانا رفيقي سفر هل أحبا بعضهما؟ لا، بل لأنه ذكر وهي أنثى لماذا الفلسطيني هو الذكر، وراحيل هي الأنثى؟ هل يمكن أن يكون العكس (بعيداً عن التفسيرات الجندرية)؟ لست أدري أعتقدت في البداية بأن الصديق "أسعد"، أراد القول، بأننا نستطيع حل مشكلتنا مع اليهود، لو لم يتدخل غيرنا بيننا، لكن هذه المقولة غابت، وحلت مكانها مقولة، بأنه من الصعب أن نعيش معاً حتى دون تدخل خارجي، فلكل منا ثقافته، ولكل منا رؤياه، نحملها في ثنايانا، ورغم عمق الرواية الفلسطينية وامتداداتها، فإنها ستظل مجرد قول، دون ترجمة على الواقع. هل اختيار الأسماء لها معنى؟ هل "مراد" الفلسطيني هو المبتغى؟ هل "راحيل" اليهودية معناه النعجة/ الشاه بالعبرية أم الراحلة بالعربية؟ لكن الرواية انتهت بانتهاء الحلم، حلم الفلسطيني "مراد"، وما "راحيل إلا جزء من حلم مراد. فلم ينل هو مراده، ولم ترحل الأنثى اليهودية. هل مبيتهما في اللطرون، وما تناولاه من نبيذ، لم يؤد إلا إلى غثيان راحيل؟ ولم يؤدي إلى نسيان الماضي؟ لماذا ابتدأت رحلتهما من الغرب إلى الوسط إلى الشرق؟ لم تذهب شمالاً أو جنوباً إلا القليل. هل لهذا دلالات في العمل الروائي؟ هل لأن الأحلام تبدأ مع البحر، مع السرحان، مع الهدوء والموج؟ هل لتحاكي المتوسط من جانبيه؟ هل هذه هي القيامة، خاصة وهما يقفان على أطراف جبال القدس المشرفة على وادي الدم، وادي القيامة، وادي الموت؟ أسئلة كثيرة تدور في الذهن وأنا أقرأ دروب المراثي، مراثينا نحن التي لم تؤد إلى نتيجة، فهل هذه هي النتيجة؟ ربما صديقي أسعد ود القول بأن مأساتنا طويلة، ومشكلتنا عميقة، أبعد من الأحلام، وأعمق من الغثيان، فلم يذهب العقل، ولم يتحقق إلا بعض الود الإجباري. هكذا يحب "أسعد" أن يلخص مقولات في رواياته، كما في ليل البنفسج ( الاحتلال لا يتركنا بحالنا حتى لو تركناه بحاله)، وفي رواية ذاكرة الملح، التي تتناول غثياناً آخر. لن أتناول في هذه القراءة الجوانب الفنية والتاريخية، التي يمكن نقاشها في مواقع أخرى.
#صافي_صافي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تجربتي مع الرواية
المزيد.....
-
القبض على مغني الراب التونسي سمارا بتهمة ترويج المخدرات
-
فيديو تحرش -بترجمة فورية-.. سائحة صينية توثق تعرضها للتحرش ف
...
-
خلفيات سياسية وراء اعتراضات السيخ على فيلم -الطوارئ-
-
*محمد الشرقي يشهد حفل توزيع جوائز النسخة السادسة من مسابقة ا
...
-
-كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد
...
-
أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون
...
-
بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين
-
بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر
...
-
دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
-
-الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|