جعفر المظفر
الحوار المتمدن-العدد: 6638 - 2020 / 8 / 6 - 03:24
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قبل ثلاثة أيام إتصلت بصديق عراقي عزيز يعيش إلى الجوار مني لأحكي له عن كابوس زارني الليلة الماضية, ولأني أعرف عنه محبته التي لا توصف للبنان وبيروت, ولأن زوجته وأم أولاده وأختنا الغالية هي من مسيحي بيروت حيث أثمرت الروح العابرة للأديان والطوائف زواجا مباركا بين إنسانين كل منهما على دين, فإذا بهما وقد جعلهما الحب على دين واحد, ولأنه يعرف عشقي لبيروت ومحبتي التي لا تأكل منها قوانين الإنتماء للمكان فلقد شعرت أنه الأقرب لأن يحمل معي صدقا همّ هذا الكابوس وثقل مشاهده.
قلت له يا أبا عمر لقد رأيتني البارحة وكأنني أمشي في بيروت وقد تحولت مبانيها إلى مجرد خرائب فرحت أقفز ما بين حجر وآخر حتى أتمكن من السير بإستقامة.
قال بعد صمت وكأني حسبت لدوام صمته أنه قد رحل .. ليكن لبيروت عكس ما في كابوسك تماما .. لها السلام والأمن والمحبة.
لم يأتٍ كابوسي من فراغ, ولا لأني على دراية بلغة العرّافين, وإنما لأنني في زمن ما قبل الكابوس كنت أردد : من يعرف بيروت ومن كان رآها وعاشها سابقا يعرف الآن, ورغم إرتفاع مبانيها وسعة شوارعها, أن بيروت لم تعد بيروت, وإنما جعلتها اللغة الطائفية وحروب دولنا بالنيابة على أرضها مجرد خرائب لأرض كانت قبل عقود واحة الشرق الأوسط وملاذ شعرائه وكتابه وفنانيه وجميع الهاربين من قبور بلدانهم إلى جنة تستريح بين جنائنها أعصابهم المتعبة وتتكحل عيونهم بمظهر صباياها الأميرات وهن ينفخن دخان النرجيلات في مقاهى الروشة والحمراء.
بيروت يا أصدقائي كانت قد تحولت من زمن بعيد إلى خرائب .. لقد رأيتها في كوابيسي لأني رأيتها قبل ذلك في أحاسيسي.
لا يا أخوتي .. بيروت لم تفجرها شحنة الأمونيوم نايتريت التي كانت عائمة في مرفئها منذ سنوات.
بيروت كانت قد تفجرت قبل ذلك بكثير يوم داست عليها خيول الكراهيات الدينية والطائفية وحربها ضد إسرائيل عنا بالنيابة.
ويا بيروت إقبلي مني ما قاله محمود درويش عند رحيله عنك في بداية الثمانينات :
أنا أُحبكِ،
كم أُحبكِ !
غمِّسي باسمي زهورَك وانثريها فوق من يمشي على جُثَثَي
ليتسع السَّرايْ
لا تسحبيني من بقاياكِ, اسحبيني من يديُّ ومن هوايْ
ولا تلوميني، ولوكي مَنْ رآني سائراً كالعنكبوتِ على خطايْ
هل كانَ من حقِّي النزولُ من البنفسجِ والتوهجُ في دمايْ؟
هل كان من حَقِّي عليكِ الموتُ فيكِ
لكي تصيري مريماً
وأصيرَ نايْ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــ
آه يا بيروت حزني عليك .. حزني على بغداد
لأنكما عندي مكانين في الروح لا على الأرض.
#جعفر_المظفر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟