أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عصام نكادي - ذات مهملة














المزيد.....

ذات مهملة


عصام نكادي
طالب باحث، حاصل على شهادة الإجازة في شعبة علم الإجتماع من جامعة ابن زهر.

(Issam Ngadi)


الحوار المتمدن-العدد: 6633 - 2020 / 8 / 1 - 22:16
المحور: الادب والفن
    


قفز من فراشه متوجها صوب خزانة ملابسه الخشبية. مدّ يده والعمش يملأ حوافّ عينيه، ومن بين كومة الملابس المبعثرة استل قميصا تفوح منه رائحة العرق، ارتداه بسرعة ثم انطلق بعد ذلك مُهرولا الى الصنبور لكي يبلل نفسه ببعض قطرات المياه بغية التخفيف من نوبة الهلع التي حدثت له للتو عندما نهض من الفراش ووجد نفسه عاريا. فمظهر عري جسده يذكره بلحظتين اثنتين لطالما أرَّقتاه. لحظة الولادة التي ولد فيها عاريا ولحظة الموت التي سَيُوضع فيها في القبر وهو عارٍ. الاولى تذكره بسؤال النشأة والأصل والثانية تدخله في متاهات المصير وأسئلة أخرى يصعب على الانسان العادي فهمها. وضع بُقراجا مملوءا بالماء على قنينة الغاز ثم توجه الى الحانوت لإقتناء خبزة وما يعادل بضع دراهم من زيت الزيتون لكي يفطر، فاليوم هو يوم راحة بالنسبة لـ "سعيد" الذي عمل ومازال يعمل منذ انقطاعه عن دراسته في الجامعة بحقول الطماطم. أعد فطوره وتناول ما استطاعت معدته الصغيرة أن تتحمله ثم سكب القطرات الأخيرة المتمردة التي تختبئ في قعر البرّاد في كأسه الزجاجي وأخذ بعد ذلك علبة السجائر من نوع "كازا" وبدأ يدخن وأعينه تتأمل الرجل الأصلع الذي يتوسط هذه العلبة. لاشك في أن يديه المفتوحتين وجسده ذو البنية المتماسكة والعضلات الصلبة تجعلان من "سعيد" يشعر بالغيرة منه، فهو شاب نحيف كالعصا، له عينان شاحبيتن وهالتان سوداوان تحت عينيه، ورأسه منحن إلى الامام كالنعامة من شدة اعوجاج ظهره وكتفيه. وبعد التمعن في العلبة طويلا، تذكر الصفعة التي تلقاها من "الكابران مصطفى" بالأمس عندما انزلق صندوق الطماطم من يديه وهو متوجه به نحو الشاحنة. غرس السيجارة في طفاية السجائر واتبعها بتفلة أعطت لأعقاب السجائر رائحة يصعب علي وصفها بحكم أنها لا تشبه باقي الروائح، ثم تحدث مع نفسه قائلا : « يا ليتني كنت أملك ولو القليل من هاذين الذراعين الصلبتين وهذا الجسد القوي. فلو كنت مثل هذا البطل لكنت قد طرحت "الكابران مصطفى" أرضا وانهلت عليه باللكمات حتى تُزهق روحه ». شعر بلذة لم يشعر مثلها من قبل وهو يتخيل هزيمته « للكابران مصطفى »، لدرجة أنه عندما دخل في حلم يقظة طويل يدور رحاه حول تعنيفه « للكابران » وطرحه أرضا والتبول عليه...، بدأت صورة الكابران في مخيلته تتماهى له مع صورة أبيه، فاختلطت عليه الاشياء، لم يعلم هل كان يضرب الكابران أم كان يتمرد على سلطة أبيه المتوفى منذ سنين ليست بالطويلة!!! . صوّب نظره وبدون أي سابق تفكير منه تجاه باب منزله وأثار انتباهه أصيص لنبتة الحَبَقُ كان قد اشتراه منذ مدة لكي يطرد الحشرات التي كانت تنغص عليه نومه بالليل. حدّق فيها جيدا وبدت له هذه النبتة واقفة وقفة شامخة، معليةُ من كبريائها، متبخترة بسلطتها ونفوذها اللذين هيمنا على المكان وملآ جغرافية الأصيص المتوسط الحجم. لقد ذكرته بـ «الكابران مصطفى» ذي الوقفة الشامخة و النفوذ الذي يتمتع به داخل حقل الطماطم الذي يعمل فيه سعيد ما جعله يقف وقفة جندي يحارب عدوا من صنع خياله وقصدها بسرعة ماداً يديه الطويلتين النحيفتين اللتيتن تشبهان قضيبي الشواء ثم أمسك جذع النبتة من ظهرها وكسرها الى نصفين جاعلا منها منحنية الرأس خاضعة لسلطانه وجبروته. شعر بانتصار ونشوة من لم يشعر بمثلهما من قبل وخاطب نبتة الحبق بصوت تملأه القسوة والحزن في آن : " لقد انتصرت عليك ايها الكابران، نعم لقد هزمتك، انت الان في حضيرتي، انت الان تحت امرتي وسلطتي. ها انت الان هنا بين يدي الصلبتين، مكسور الظهر، منحني الرأس كالنعامة التي تدفن رأسها في الارض، لقد كسرتك. تبا لك، وسحقا لك ولأمثالك".
وبعد انتهاءه من محاورة النبتة (الكابران) توجه صوب صنبور المياه لكي يروي عطشه ثم حمل في يده اليمنى كرسيا مصنوعا من البلاستيك وجلس قرب باب منزله لكي أن يطرد من مخليته قليلا الكابران مصطفى ومعاملاته اللاإنسانية تجاهه ورغبة ً منه أيضا في مشاركة انتصاره مع الطيور و ديدان الارض والنمل المرابض امام عتبة باب منزله. فسعيد انسان مهمل وغير مرئي، لا يظهر للجميع ولا يثير انتباه المارة، لا الزمان يفاجئه ولا المكان يحركه، كل الاشياء التي تحيط به من أناس وحيوانات تنظر الى سعيد نظرة ازدراء، لكنه يعلم بفطنته وذكاءه الفطريين شعورهم تجاهه، فهو دائما ما كان يفسر نباح الكلاب عليه بأنه حسدٌ، وزقزات العصافير بأنها نميمة، ومواء القطط بأنه غيرة من مرونته وسرعته في المشي اللتين اكتسبهما اثناء عمله في قطف الطماطم. أدخل يده اليسرى في جيبه واخرج منه علبة السجائر، ضرب في جيبه الايسر ضربة خفيفة لكي يتحسس تواجد الولاعة من عدمها لكنه لم يجدها، وضع علبة السجائر على كرسي البلاستيك الذي كان يجلس عليه وتوجه الى داخل بيته من أجل أن يأتي بالولاعة الى مكان جلوسه، لكن وعند انحناءه لإلتقاط الولاعة لمح التلفاز ذا البطن الضخمة الموضوع على طاولة الخشب، ثم تذكر بطن « الكابران مصطفى» المنتفخ، قصد التلفاز بسرعة وحمله بكل ما يملك من قوة الى الأعلى وضرب به الارض حتى برزت أحشاءه الداخلية الى الوجود. رجع الى الوراء قليلا ونظر الى البساط البني اللون الذي يغطي الردهة وحملق في الزخرفة التي تتوسطها واذا بوجه الكابران مصطفى يظهر فجأة من وسط البساط مكشرا أنيابه كأنه كلب مسعور يريد الانقضاض على سعيد. صعق سعيد من أثر هذا المشهد المروع ثم صرخ صرخة زعزت حباله الصوتية من مكانها وقال بصوت عالٍ : " ابتعد عني ارجوك ايها الكابران، لقد استسلمت. ارجوك ايها الكابران انا لم ولن استطيع هزيمتك، لقد اصبحت ظلي الثاني وبدأت احلم بك في كل ليلة، لقد تعبت ".
سقط على ركبتيه أرضا وبدأ يبكي من شدة شعوره بالهزيمة وانسداد جل الطرق التي ستجعله يهزم الكابران مصطفى، لقد كانت جل انتصاراته مجرد وهم صنعه لنفسه وصدقه لبرهة.



#عصام_نكادي (هاشتاغ)       Issam_Ngadi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سُبات
- ملاحظات نقدية حول - أيديولوجيا الكسل -
- محاولات يائسة
- المنظور الفرويدي للإنسان
- قصة قصيرة تحت عنوان - حكيمة من دون فلسفة-


المزيد.....




- تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة ...
- تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر ...
- سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
- -المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية ...
- أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد ...
- الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين ...
- -لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
- انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
- مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب ...
- فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عصام نكادي - ذات مهملة