أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - د. حنا ميخائيل.. مثقف ثوري لا يمكن نسيانه














المزيد.....

د. حنا ميخائيل.. مثقف ثوري لا يمكن نسيانه


محمود شقير

الحوار المتمدن-العدد: 6633 - 2020 / 8 / 1 - 13:55
المحور: الادب والفن
    


التقيته مرة واحدة في بيروت عام 1975 أثناء إحدى المناسبات العامة؛ ولم يزد لقاؤنا عن تبادل التحيات وبعض المجاملات السريعة. كان يتصرّف بتلقائية محبّبة تدلل على أفق واسع وثقافة عميقة؛ وكنت أعرف من صديقه مرعي عبد الرحمن بعضًا من أفكاره ورؤاه.
التقيت مع مرعي غير مرة (اسمه الحركي أبو فارس، وهو زوج شادية الحلو شقيقة جهان زوجة حنا ميخائيل "أبو عمر") وأذكر أنه طرح عليّ في أول لقاء لنا في أحد مقاهي بيروت تصوّرات عن وحدة اليسار، وعن ضرورة تعزيز حضور الثورة الفلسطينية في حركة التحرر العربية وفي الثورة العالمية ضد الإمبريالية والصهيونية، وفي الوقت نفسه تعزيز حضور المجتمع المدني في الأرض الفلسطينية المحتلة؛ وممارسة النضال الشعبي السلمي ضد الاحتلال إلى جانب أشكال النضال الأخرى. وكان ينسب تلك التصورات لصديقه الذي هجر التدريس في الجامعات الأميركية؛ والتحق بالثورة يوم كان للثورة حضور جذاب؛ بعد النصر الذي حققه الجيش الأردني والفدائيون الفلسطينيون على الغزاة الصهاينة في معركة الكرامة في 21 آذار 1968.
زهد أبو عمر في المناصب وفي الحياة السهلة المريحة، وارتدى ملابس بسيطة وعاش في قواعد الفدائيين، ووضع نصب عينيه مهمة تثقيف المقاتلين ونشر الوعي في صفوف الجيل الجديد من البنات والأبناء؛ وضمن هذا السياق، كانت له تحليلات علمية رصينة حول التطورات التي مرّ بها نضال الجماهير ضد الاستعمار والإمبريالية والصهيونية في الساحة الفلسطينية منذ غزو نابليون لبلادنا في عام 1798 مرورًا بوعد بلفور 1917 وثورة 1936 وكارثة 1948 وهزيمة 1967 حتى عام 1976، وكذلك حول الوضع الطبقي في لبنان وقصور البنية الطائفية فيه.
كان أبو عمر حالمًا كبيرًا، ولم يكن حلمه رومانسيًّا مؤسسًا على أوهام، بل كان ينطلق من أرضية فكرية ومن أفق معرفي واسع عزّزته دراسته الجامعية ونيله شهادة الدكتوراة في الدراسات الإسلامية، وكانت له رؤى وأفكار ومنهجية عمل ظل يبثها طوال سنوات في صفوف الثورة وفي قواعدها، ولم يكن يفصل بين القول والفعل، فقد ضرب المثل بسلوكه الزاهد في متع الحياة ووجاهة المناصب ورغد الامتيازات، وحارب البيروقراطية بمنهجه العملي في العلاقة مع مرؤوسيه وفي علاقاته مع الناس، ولم تفتر همّته في نشر أفكاره برغم المحبطات التي رافقت مسيرة الثورة الفلسطينية وشابت بعض أنشطتها وهياكلها التنظيمية.
عرفتُ مزاياه أكثر حين تعرّفت في وقت لاحق إلى زوجته جهان الحلو حين كانت مديرة لمؤسسة تامر للتعليم المجتمعي في رام الله؛ تلك المؤسسة التي نشرت وما زالت تنشر لي كتبًا للأطفال. كانت جهان تتحدث عن "أبو عمر" بحميمية وبتقدير فائق لسماته الشخصية؛ لتواضعه ولحبّه للناس وتفانيه من أجلهم، ومن أجل حرية الوطن.
وأنا أقرأ الكتاب الذي أعدّته جهان عن زوجها حنا ميخائيل؛ ابن رام الله الوفي الأمين، وأتابع مغادرته أميركا إلى قواعد الفدائيين، لممارسة دوره التنويري النقدي الشجاع، تذكّرتُ خليل السكاكيني الذي غادر أميركا عائدًا إلى القدس؛ لممارسة دوره الريادي في حركة التنوير الفلسطينية ابتداء من المدرسة ومناهج التعليم.
وأنا أقرأ تفاصيل الرحلة الخطرة التي شارك فيها أبو عمر مع تسعة من رفاقه في قارب صغير متجه عبر البحر من بيروت إلى طرابلس؛ كنت أدرك أنه يفعل ذلك إيمانًا منه بالدور الذي على المثقف الثوري أن يضطلع به، لكنني في الوقت نفسه كنت أتمنى لو أنه لم يعرّض نفسه لهذه المخاطرة؛ لو أنه عاش أكثر لكي ينجز ما كان يحلم به من مشاريع في ميدان التاريخ والفكر السياسي، وفي حقل التعبئة والتنظيم.
وأنا أقرأ الكتاب أكبرتُ في جهان جهودَها التي لم تكل وهي تبحث طوال أربع سنوات عن زوجها؛ فلم تترك مسؤولًا في سوريا إلا اتصلت به وقابلته، ولم تترك سجنًا إلا وقفت على بابه؛ لعلها تعثر على أثر للمناضل الذي غيَّبه ظلام المرحلة وبؤسها.
غير أنه لم يغب؛ وعزاؤنا ماثلٌ في ما تركه أبو عمر من قوة المثال الذي اختطَّه بسلوكه وبممارساته وبمواقفه وبأفكاره التي دوّن بعضها على الورق؛ أو سجلها رفاقه وأصدقاؤه في مذكراتهم ومداخلاتهم وكتبهم؛ أو كما قال عنه صديقه المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد: "يمثّل حنّا ميخائيل نموذجًا لدور متميز، رجلًا لم يحطّ من شأن نفسه أو شعبه، لماذا؟ لأنه عاش أفكاره ومات في سبيلها. هكذا بهذه البساطة، وبالمثال الذي ضربه يعطي حنّا درسًا لأولئك الذين بقوا على قيد الحياة بعده".
أو كما قالت عنه زوجته جهان الحلو: " هو الذي علّمنا ضرورة إبقاء جذوة الأمل مشتعلة".
اختفت آثاره وظل مصيره مجهولًا منذ صيف عام 1976؛ وكان عمره آنذاك أربعين سنة؛ وكما تذكر زوجته في الكتاب فقد كان معتقلًا في السجون السورية، وحتى الآن لم تقم القيادة الفلسطينية بنعيه رسميًّا، ولم تُصدر ما يؤكد استشهاده بشكل قطعي.



#محمود_شقير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ظل آخر للمدينة13
- ظل آخر للمدينة12
- ظل آخر للمدينة11
- ظل آخر للمدينة10
- ظل آخر للمدينة 9
- ظل آخر للمدينة8
- ظل آخر للمدينة7
- ظل آخر للمدينة6
- ظل آخر للمدينة5
- ظل آخر للمدينة4
- ظل آخر للمدينة3
- ظل آخر للمدينة2
- ظل آخر للمدينة1
- عن نجوم أريحا لليانة بدر
- مرغريت أوبانك صديقة الأدب العربي
- بحر الحب والرغبات/ نص
- عن رواية يحيى يخلف: نجران تحت الصفر
- من قديمي الجديد: عندما تشيخ الذئاب.
- من قديمي الجديد: معين بسيسو ما زال معنا
- عن رواية الخاصرة الرخوة


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - د. حنا ميخائيل.. مثقف ثوري لا يمكن نسيانه