خلف الناصر
(Khalaf Anasser)
الحوار المتمدن-العدد: 6630 - 2020 / 7 / 29 - 14:35
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
((:أولاً : هل أن الأقوام العربية التي هاجرت من الجزيرة العربية ليست عربية (حقاً أم؟؟) !
ثانياً : جعل كل شعب في قطر عربي غريباً عن شقيقه العربي في القطر الآخر ، وأقنعه بأن له تاريخ وحضارة ـ موغلة في القدم ـ خاصة به ولا تربطه بجاره العربي الآخر رابطة من أي نوع ......
ثالثاً : تصوير العرب (عرب الجزيرة) : على أنهم ، مجموعة قبائل متناحرة ، لا تعرف إلا الجمل والثأر والمرعى ولا تمتلك أي تاريخ أو حضارة .. (المكتشفات الآثارية الحديثة أثبت عكس هذه الآراء تماماً) )) (نهاية الجزء 3) :
*****
أولاً : هل أن الأقوام العربية التي هاجرت من الجزيرة العربية ليست عربية (فعلاً)؟؟.. أم أنه تزيف الاستشراق والاستعمار والاستحمار (العربي) التابع للغرب دون تبصر أو بصيرة أو استقلال فكري؟؟
من المعروف أن هناك ألف طريقة وطريقة لمحو (الذاكرة التاريخية) لأمة من الأمم ، خصوصاً إذا كانت هذه الأمة تمر بلحظات ضعف وتقهقر حضاري على كل الصعد ، ومعدومة الاستقلالية وتابعة سياسياً واقتصادياً وفكرياً للأقوياء الغربيين في هذا العصر ، فأوكلت ــ دون وعي منها ــ اليهم قراءة تاريخها وحضارتها وتفسير كل ما يخصها ، ففسروا لها كل شيء بالطريقة التي تناسب مصالحهم!!
ومن المعروف أنه لا يمكن محو الذاكرة التاريخية الجمعية لشعب أو لأمة من الأمم تماماً ، وترَك ذاكرتها فارغة كصحراء قاحلة لا ماء ولا كلأ فيها ، خصوصاً إذا كانت هذه الأمة أمة عريقة تاريخها وحضاراتها ينتصبان شامخان أمام بصرها على الأرض ، وتذكرانها في كل حين بما كانت عليه من تاريخ وحضارة باذخة!
لكن يمكن اللعب بذلك التاريخ وتلك الحضارة تزيف حقيقتهما ، وملأ ذاكرة الأمة بأكاذيب تاريخية وحضارية مناقضة لحقيقتها ، لتحل محل ذاكرتها التاريخية والحضارية الحقيقية الواحدة!
ويتم ذلك بواسطة التفتيش عن الفروقات الشكلية ـ الخاضعة للزمان والمكان ـ بين الانماط الحضارية المختلفة لمناطق وأقاليم الأمة المتعددة ، لتحل محل الوحدة النوعية الكلية لحضارة الأمة وتاريخها العام فتحل بهذا العملية التجزيئية ، تجزئة ذهنية ونفسية وفكرية للأمة وتحل محل وحدتها النوعية ، فتتبعها بالضرورة التجزئة التاريخية والحضارية بصورة طبيعية تمهيداً للتجزئة السياسية ، التي ستأتي كتحصيل حاصل لتلك التجزئة الذهنية والفكرية والمجتمعية.......الخ!
عندها تستبدل الحقيقة القومية الواحدة بالجزئيات المناطقية والأقاليمية والولاءات الفرعية القطرية ، فتحل القوميات القطرية الزائفة محل القومية الكلية الواحدة للأمة ككل!
وهذا ما حصل لتاريخنا العام وحضاراتنا المتعددة ، بجعلهم لجميع الأقوام التي هاجرت من الجزيرة العربية واقامت تلك الحضارات ، بأنها جميعها أمم أعجمية وغير عربية ولا تمت للعرب بصلة.. ولشمل هذا التعميم حتى حضارة اليمن لو أنها قد خرجت من الجزيرة العربية ، لقالوا عنها أنها أعجمية وغير عربية أيضاً!!
فبهذه الطريقة وهذه القراءة الاستشراقية لتاريخنا وحضارتنا القومية الواحدة زيف تاريخنا وحضارتنا معاً ومزقت قوميتنا الواحدة ، وبُرّزت على حسابها القوميات الزائفة: [المصرية الفرعونية / والسورية الكنعانية / والعراقية البابلية.....الخ وغيرها] لتحل محل القومية العربية الواحدة في وجدان الكثيرين من العرب !
وهذا هو بالضبط ما فعله الاستشراق التقليدي بحضاراتنا وتاريخنا وبلداننا ، بتقسيمها جميعها إلى قوميات زائفة وقطريات ضيقة ، ثم جاء الاستشراق الإيديولوجي في القرن العشرين الفائت ، ليستغل هذه القوميات الزائفة أبشع استغلال ، وينسف كل ما تبقى لدى الأمة العربية (من مشتركات توحيدية) .. كـ : العروبة والدين واللغة المشتركة والتاريخ الواحد والقيم المشتركة.....الخ ، وينسفها جميعها من أساسها نسفاً!
*****
فالأقوام العربية التي هاجرت من الجزيرة العربية ـ منذ ما قبل فجر التاريخ ـ واستوطنت إلى جوارها ،أي، بلاد الرافدين وبلاد الشام ومصر السفلى وصولاً إلى بعض مناطق المحيط الاطلسي ، على أنها جميعها شعوب ليست عربية وغريبة عن بعضها البعض ، ولا يمت أي منها للعرب الحاليين بصلة الدم أو الرحم أو اللغة أو الثقافة أو أية صلة أخرى .. حتى أن البعض من هئولاء انكر أيضاً حتى صلة تلك الأقوام بالجزيرة العربية نفسها ، كأصل ومهد وموطن أصلي لهم!!
لكن حقائق التاريخ لا يمكن أن تظل مخفية إلى الأبد ـ فالغرب ليس كله غرباً واحداً ـ فقد خرج من رحمه ـ وإن كانت قلة قليلة من العلماء النزيهين ـ كالفرنسي (غوستاف لوبون) والألمانية (سيغريد هونكة) والأمريكي (ريتشارد مورجن) و (جورج سارتون) وغيرهم كثيرين، ممن كشفوا زيف قراءة المستشرقين الغربيين لتاريخنا وحضارتنا وفضحوا الكثير مما زيفوه بشأنهما ، يأتي في طليعة هئولاء العلماء العالم الفرنســـي (بيير روسيي) وكتابه المعجز [مدينة إيزيس : تاريخ العرب الحقيقي] ــ بودي أن اتكلم عن هذا الكتاب ومؤلفه لكن ما باليد حيلة ــ لكن ستكون لنا معه وقفات كثيرة خلال هذه الدراسة !
قال روسي في هذه النقطة بالذات ، أي في أصل تلك أقوام الجزيرية بالذات .. هاتفاً :
((وها هي ذي على الأقل نتيجة صادقة شريفة ومؤكدة . "لقد سجل حديثاً أن جزيرة العرب المركزية كانت مهد الساميين . لقد كان الساميون الذين بقوا في جزيرة العرب أجداد الشعب العربي . وهئولاء الذين استقروا في الفرات الأدنى وتألقوا وانتشروا في آسيا الغربية كانوا الآشوريون والـ......)) ثم يعدد بعضاً من أقوام الجزيرة ، بما فيهم "الإسرائيليين" ...)) (ص22 من الكتاب)
ثم يضيف مكملاً:
هناك ((جهل علمي ، متفق عليه (أي جهل وتجهيل مقصود فيما يخص العرب) . وإن الأمر سيكون بسيطاً جداً فيما لو أننا تكلمنا بدلاً من الساميين الابطال (المختلقين من أصل خيالي) ،.... لو أننا تكلمنا (عن العرب) ، ذلكم الشعب الحقيقي والذي يمتلك وجوداً اجتماعياً مستمراً ، وجوداً ثقافياً ولغوياً يعطي حياة وتوازناً لهذا البحر منذ عدة آلاف من السنين ....)) (ص24 من الكتاب)
لكن بدلاً من تثبيت هذه الحقيقة الناصعة ، تمكن الاستشراق التقليدي القديم من جعل كل موجة بشرية من الموجات المتتالية التي هاجرت من الجزيرة العربية إلى جوارها ، شعباً قائما بذاته وأمة لا تربطها بالجزيريين الآخرين من المهاجرين أو المقيمين في الجزيرة العربية ، أية علاقة أو رابطة من أي نوع !
فأصبحت مصر ـ بهذا التفسير المتعمد ـ أمة قائمة بذاتها وكذلك أصبح العراق وحضاراته المتعددة وحضارات بلاد الشام وغيرها من الأقطار العربية الأخرى أمما قائمة بذاتها أيضاً !
إن ما قاله واشاعه المستشرقون التقليديون وثبتوه في المحافل الدولية ـ وفي أذهان العرب خصوصاً ـ قالوه وثبتوه ، ليس لأن هذه هي حقائق التاريخ والحضارات المتعاقبة القديمة التي قامت في جميع أنحاء الوطن العربي ، إنما بغرض إعطاء كل قطر عربي خصوصية وعمقاً تاريخياً وحضارياً ضارباً في أعمق أعماق التاريخ ، ليستخدم ـ فيما بعد وقد استخدم فعلاً ـ في تفرقة أجزاء الوطن العربي عن بعضها ، واعطاء شرعية تاريخية وحضارية لكيانات عربية ستصنع مستقبلاً ، بتجزئة الأمة الواحدة تاريخياً وحضاريا ونفسياً وفكرياً ، تمهيداً لهذه التجزئتها السياسية التي نعيش في ظلال مآسيها اليوم!
وهذه الأرضية الاستشراقية التجزيئية ، هي التي اشتغل عليها (مؤتمر لندن 1907) ووصاياه التفتيتية للعرب ووطنهم ، ونفذتها [اتفاقيات سايكس/بيكو] على الأرض بنجاح منقطع النظير ، في خلقها لهذه الكيانات العربية المْصَنّعَة والمصممة استعمارياً ، والتي ولدت نطفتها الأولى على يد ذلك الدجل الاستشراقي القديم ، الذي نجح أيضاً في خلق نزعات وقوميات زائفة ونعرات قطرية انعزالية انفصالية تريد أن تنفصل عن أمتها ، والتي أصبح صوتها يصم الأذان اليوم ، بادعاءاتها بقوميات زائفة كــ [القومية المصرية الفرعونية ، والقومية السورية وربما أخرى عراقية ، وقد تظهر لنا حتى (قوميات نفطية) خليجية ، لكيانات ورقية مجهرية مجهولة الأصل والنسب ولا ترى بالعين المجردة......الخ
https://www.facebook.com/Convincemeteam/videos/1287632941375304/?t=0 رابط لفديو
مهم عن [مؤتمر لندن: 1907] ووثيقة (كامبل السرية)
وهذا رابط لفيديو: https://www.facebook.com/farouk.elashry/videos/3103743356362036/ يتكلم عن مشروع لتقسيم الوطن العربي من جديد ، كتبه المستشرق اليهودي الصهيوني (برنارد لويس) وتبناه (زبيغينيو بريجينسكي) وقدمه بدوره إلى الكونجرس الأمريكي الذي اعتمده رسمياً عام 1983!!
*****
وكانت اللغة والاختلافات الشكلية للمفردات اللغوية ـ الخاضعة لتغيرات الزمان والمكان ـ هي أكبر حجج الاستشراق التجزيئية للعرب ووطنهم ، فأصبحت بالضرورة هي(نفسها) من أكبر حجج ومقولات القُطريين الانعزالين جميعهم:
إن اللغة ــ أو بالأصح اللهجة ــ التي كانت تتكلم بها كل موجة عربية مهاجرة من الجزيرة العربية ، تهاجر بعد أختها بآلاف السنين ، من المحتم أن تكون هناك فروقات بين لهجة واخرى في النطق والجمل والمفردات اللغوية ، رغم أنها جميعها في الواقع قد احتفظت بنفس العمود الفقري اللغوي ، الذي يعطيها وحدة الأصل الواحد!!
ومن أظرف ـ ولا أقول وصفاً آخر ـ ما قرأت بهذا الشأن لواحد من هئولاء الانعزالين (من مصر العربية) مقال يقول فيه بعد تنظيرات قطرية كثيرة :
((وانحصرت الخصوصية لكل من العرب والمصريين في حدود قواعد اللغة, التي اختلفت وتمايزت في كل من اللغتين, بينما لم يترك ذلك الإختلاف أثرًا كبيرًا في الحياة اليومية للمصريين.
اذ قال المصري عبارة من لغته القومية الخالصة:
انك رايح إسوك؟
وفهم عبارة العربي, باللغة العربية الفصيحة:
أأنت ذاهب الى السوق؟
ويقول المصري, قديما وحديثا, عبارة:
اديني شوية فول؟
وبالتالي يفهم ما قد يقوله العربي:
أدي إلىَّ شيئًا من الفول؟
ولو طلب المصري : حتة جبنة!, فبالتكرار سيفهم العربي وهو يطلب:
قطعة من الجبن!
كما أن مئات الألفاظ المشتركة بين اللغتين المصرية والعربية, لم يختلف فيها إلا ترتيب الحروف كـ "زوج" العربية الفصيحة, و"جوز" المصرية الخالصة, أو تغيير حرف واحد ليتبادلا أكواب مشروب "الليسون" المصري, بنطق "ينسون" العربية.........الخ))!!
وبدورنا نقول : إذا كانت الفروقات بين (اللغة المصرية القديمة) والعربية الفصحى هي هذه ، فهذا يعني أن اللغتين هما لغة واحدة والفروقات بينهما هي نفس الفروقات الشكلية الموجودة اليوم بين مدينة عربية وأخرى ، وهي أيضاً نفس الفروقات الموجودة بين مختلف اللهجات المختلفة للأقطار العربية المختلفة حالياً ، أو ـ على الأقل ـ أن اللغتين العربية والمصرية القديمة شقيقتان ، وليست كل منهما لغة مستقلة لأمة أخرى لا تربطهما ببعضهما أية رابطة ، كما أراد أن يقول هذا الكاتب !
لكن ماذا يقول العالم الفرنسي (بيير روسي) في كتابه الكبير [مدينة إيزيس: تاريخ العرب الحقيقي] وغيره من العلماء بشأن اللغة وأصول جميع الأقوام ـ بما فيهم مصر ـ التي هاجرت من جزيرة العرب إلى العراق وبلاد الشام ومصر وغيرها من الأقطار العربية الأخرى؟
[يـــــتــــبـــع]
#خلف_الناصر (هاشتاغ)
Khalaf_Anasser#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟