|
كابوس الطاعون الذي لا نهاية له ..
مروان صباح
الحوار المتمدن-العدد: 6629 - 2020 / 7 / 27 - 16:55
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
/ ثمة الكثير الذي يلهب وينفع البشرية أغلب الظن ، فبظهوره مجدداً يتيح للأجيال الجديدة إعادة هيكلة أنفسهم على مواجهة جديدة من التحديدات ، يعتبر الطاعون هو الكابوس الذي يقض مضاجع الناس في سباتهم ، لأن بإختصار إصابته دائماً خفية ، فالطاعون ليس بعادته تقديم تنبيه أو إنذار ، وثانياً لأنه سلالته تتأقلم مع كل جديد يطرأ على الحياة البشرية ، وبالتالي كما يتطور الإنسان في إنتاج اللقاحات ، ايضاً الأوبئة على اختلافها تتطور هي الأخرى وهذا إن دل ، يدل على أنها سلالة ليست بعدمية ، إذنً قبل المضي في فتح قوساً واسعاً ، نسرُد فوارق حول الطواعين ، بعضها ملموس وبعضها دامغ ، ونؤكد على شيء أساسي ، على الأغلب معظم الأوبئة ناتجة عن الحيوانات ، فبادئ ذي بدء ، تشير قائمة الطواعين والأوبئة عبر التاريخ بأنها طويلة وللتوضيح المفيد ، كل طاعون هو وباء لكن ليس بضرورة العكس ، وبالرغم من عدم حفظها في سجلات التاريخ ، إلا أنني سأتي على ذكر أغلبها ، بدايةً من طاعون اثينا الشهير وجستنيان اللعين والموت الأسود سيء السمعة وعمواس الحاصد وبالتالي هذه الطواعين تتشكل على شكل ورم تحت الإبط أو خلف الأذن أو داخل الجسم ، تتسبب بتقيؤ الدم للمصاب ، وهناك أوبئة مثل الحمى النازفة والكوليرا والجدري والتيفوس وإنفلونزا الإسبانية والإيدز وفيروس السارس وإنفلونزا الخنازير وإيبولا وأخيراً الفيروس الحالي كوفيد 19 ، فالحيوانات كما أشرنا كونها السبب الأساسي في نقل الفيروسات ، تتعرض وهي نائمة في فصول معينة من السنة إلى زيارات مباغتة من البراغيث ، تتسلل إلى الجسم وبالتالي تلوث الدم بالبكتيريا والجراثيم ، وطالما المراقبة والرعاية لتربية المواشي مفقودتين في النظام العالمي ، فمن المنطق أن تفتك الأوبئة بالمجتمعات البشرية والتى تعرف بقواه التدميرية حق المعرفة لدى الأطباء والمراقبين .
مسألة أخرى تعتبر أساسيه ، تجارب البشرية مع الطاعون والوباء كثيرة لكنها تبقى في دائرة المجهول ، وهذا يعود إلى الأنواع المختلفة ، لكن هناك حقيقة ثابتة ، لقد أثبتت جميع تجارب التاريخ التى تعاملت مع هذه الطواعين والأوبئة ، بأن الفحوصات المستمرة والإجراءات الوقائية وعزل المصابين ، كفيلة بعدم انتشارهم ، لأن الدرس الأول الذي يمكن أن يقتفيه المرء من الطواعين والأوبئة ، هو مدى جهوزية الحكومات لمواجهة مثل هذه الهجمات وإمكانيتها لوضع خطط في الحد من انتشارهم ، ولأن ايضاً حسب التجربة ، عندما ينتشر الوباء ، يفقد الإدارة امكانية التنظم وايضاً يمنعها عن تقديم الأفكار المناسبة والمعالجات السليمة ، وهذا بالفعل حدث مع الفيروس الأخير ، لولا الإدارة الحكيمة التى انتهجها العالم في وضع قوانين صارمة ، كانت الأمور أخذت منحاً آخر تماماً ، وبالتالي الخلاصة الأولى ، لو كانت الصين بكرت بإعلانها عن الفيروس ، بالتأكيد الانعكاسات الاقتصادية والنفسية للبشر كانت ستكون أقل مما حصل ، ومع ذلك ، بدأ علماء العالم ومعهم المفكرين باستحضار ماضي الطواعين ، وكان الأكثر حضوراً على طاولة الأمم فيروسي عمواس والموت الأسود ، فقبل اكتشاف الأمريكيتين ، كان فيروس الموت الأسود قد فتك بالشعب الصيني ، ولأن محاكاة الحكومة الصينية للفيروس آنذاك لم تكن بهذه القدرة أو بالأحرى ، لم تكن الحكومات في الماضي تولي إهتمام لصحة مواطنيها كما هو الحال اليوم ، وبالتالي سرعان ما انتقل حتى وصل إلى أوروبا ، إذن السؤال المركزي ، هل ما أتخذ من إجراءات حتى الآن كافية لمنعه من التمدد ، أما هو مقدمة إلى وباء أكثر فتكاً قادم على الطريق ، وبالتالي بغياب الإعلام الحر في الصين والإجراءات القمعية التى تحدان من معرفة الحقيقة هناك ، يتوجب على العالم فرض مزيد من الإحترازات الوقائية وعدم رفع التعليمات التى أقرتها من خلال مدونة البرتوكول .
بالطبع ، فإن الأسئلة الأخرى ، المتفجرة من الجوف الدفين لإرث الطواعين والأوبئة ، لا يلغي إحتمالية وجوده ، فطالما الدولة استعانت بمصطلح السيطرة ، إذن هو على قيد الحياة وفعال ، وأن مزاعم دحره ليس مؤكدة تماماً ، ولا ننفي بالطبع تلك التصريحات المبطنة التى تدفع البعض إلى إعادة مراجعة أحداث الموت الأسود في الصين ، لقد هجر الطاعون مدن كاملة وكانت الجثث منتشرة في مناطق واسعة ، متروكة لم تجد من يتكفل بدفنها ، بل وصل الأمر في أوروبا لدرجة بأن العائلة تلتقي مع بعضها البعض على الغداء وفي حلول المساء تفقد شخصاً أو أشخاص منها ، وبالتالي تحول الشعور بالموت والموت ذاته ، حدث اللحظة ، الذي أوقف الحياة بالكامل وأصبح الجميع لا يفكر سوى بالضحية التالية ، ولأن الفيروس الأسود يصنف بالرئوي ( الرئة ) ، ينتقل عبر الهواء والتنفس ، وهو خطير جداً ، كما هو حال فيروس اليوم ، بل يعتبر من أصعب الفيروسات ، لهذا ، ضرورة ارتداء الكمامة مسألة تعتبر أمن أممي وليس وطني أو قومي فحسب ، طالما حركة الإنتقال بين الأوطان المختلفة ستعود تفعيلها ، ولأن ايضاً الثابت في تاريخ الأوبئة ، دائماً كانت الصين الدولة التى ينتقل منها الأوبئة عبر السلع التى يتم شحنها من خلال البحر أو الجو وهذا يتطلب في المقام الأول ، إعادة دراسة والنظر في الأساليب المعتمدة في التخزين والشحن ، ولأن ايضاً ، طاعون اليوم يشبه طاعون الموت الأسود ، إذن الاستمرار بالإجراءات الوقائية مسألة تضمن عدم تفشيه بصورة أكبر .
مازالت هناك مناطق شاسعة في الصين ، تنتهج أسلوب حياتي غير صحي ، وفي حقيقة واقعها بعيدة عن التحضر ، فالعالم بعد الحرب العالمية شهد نقلات نوعية جديدة لطرق الحياة بالإضافة للمسألة الغذائية ، ويبقى النظام الغذائي أو تحديداً ، نوع الطعام هو المشكلة الأساسية بين الصينين وبالتالي هذه الأصناف المأكولة كانت ومازالت تساهم في إضعاف مناعة الإنسان ، بل سبب رئيسي للأمراض التى تتحول إلى أوبئة ، ايضاً ، ليس من الضرورة للبراغيث التى تنتقل من الحظائر الحيوانية إلى المجتمعات البشرية ، أن تعيش على جلد الإنسان أو داخل شعره ، بل يمكن لها العيش في الملابس أو أماكن النوم ، وهذه مسألة أخرى تشير على أهمية تعزيز ثقافة النظافة والتعقيم من جانب ، وايضاً من جهة أخرى ، ضرورة نشر ثقافة الغذاء الجيد والمناسب للإنسان وضرورة ابتعاده عن الأطعمة التى تسبب الأوبئة .
في خاتمة المطاف ، الصين الجديد الذي يعيد أمجاد تجارته من خلال مبادرة الحزام والطريق ، يبني طريق عملاق يمتد من جنوب الصين ويمر في الصين ذاتها ومن ثم يقطع كل من روسيا وبيلاروسيا إلى بولندا وألمانيا وفرنسا ويصل إلى أوزبكستان وباكستان ، من الخطأ تركه يتحرك بحرية دون وضع ناظم يدقق في الواردات التى يصدرها للعالم مع ضرورة إلزامه بقوانين حازمة تضمن نوعية الإنتاج وسلامة عمليات الشحن . والسلام
#مروان_صباح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شاعر الشام وشاعر الحركة التصحيحية ...
-
الاستثمار بالإنسان هو الهدف الأساس لإرسال مسبار الأمل ...
-
بلقمة واحدة ابتلعت الصين إيران ...
-
حبة الرمل ونقطة النفط ...
-
القضية الفلسطينية رهينة سياسات الإدارة الأمريكية ...
-
من الخطأ أن لا نعرف حجم مصر ...
-
إتفاق السلام بين حركة طالبان وإدارة الرئيس ترمب / يقلب الطاو
...
-
ولاية الفقيه بين الصمت المطبق للضربات العسكرية ونشر السموم .
...
-
من رحم الاستخبارات إلى عرش القياصرة ...
-
المقدم السابق أبو أحمد علي رئيس مجلس الوزراء الحالي ...
-
جيش بلا لحمة وشعب بلا خبز ...
-
التوازن بين الواقع والحلم ...
-
قنبلة أثيوبيا النومئية ...
-
أسرلّت الضفة الغربية ...
-
الموت مرتين / ما فائدة الرأس فوق الماء ...
-
أبراج المعرفة وأبراج المعلومة ...
-
الليرتان شتشهدان مزيد من الإنهيار / ترقبوا ...
-
نجاحهما سيرسم لنجاحات مستقبلية والعكس صحيح ...
-
إذا كان قذف المؤمنات حرام / فكيف إذا كانت المقذوفة أم المؤمن
...
-
تحالف المصالح / لبنان نموذج لأرض لم تشهد استقلالاً حقيقياً .
المزيد.....
-
-مشهد مخيف هناك-: مراسل CNN يصف ما سببه تحطم الطائرة بمركز ت
...
-
حافلات تقل 50 جريحا ومريضا فلسطينيا تصل معبر رفح في طريقها إ
...
-
بينهم 18محكوما بالمؤبد.. دفعة جديدة من السجناء الفلسطينيين ا
...
-
تساؤلات.. صحة ومهظر مقاتلي حماس والرهائن الإسرائيليين بعد عا
...
-
شاهد لحظة إطلاق حماس سراح المواطن الإسرائيلي الأمريكي كيث سي
...
-
تسليم الأسير عوفر كالدرون إلى الصليب الأحمر في خان يونس
-
يعود إلى إسرائيل دون زوجته وطفليه.. الإفراج عن ياردين بيباس
...
-
ماذا نعرف عن تحطم الطائرات في الولايات المتحدة؟
-
مأساة في سماء فيلادلفيا: انفجار طائرة إسعاف طبية بعد إقلاعها
...
-
لحظة إفراج -القسام- عن الأسير الإسرائيلي الأمريكي كيث سيغال
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|