|
حوار مع رفيقي «القائد!»
ضيا اسكندر
الحوار المتمدن-العدد: 6627 - 2020 / 7 / 25 - 20:50
المحور:
كتابات ساخرة
بعد إخلاء سبيلي أواخر عام 1989 إثر اعتقالٍ ظالمٍ لمدة عامين بتهمة الانتماء إلى تنظيم (رابطة العمل الشيوعي). وقد اتّسعت الرؤية لديّ، وغدَوْتُ أكثر نضجاً وفهماً للواقع السياسي.. التقيتُ مع أحد رفاقي في الحزب الشيوعي السوري وكان آنذاك برتبة (عضو مكتب سياسي). قال لي بعد أن هنّأني بالحرية: لقد لبّكتنا يا رفيق كثيراً. فهُمْ (ويقصد بذلك الأجهزة الأمنية) كانوا مُصِرّين في لقاءاتنا معهم على أنك مزدوج تنظيمياً؛ في حزبنا ولدى الرابطة. حتى أنني اضطررتُ بأحد اجتماعات القيادة المركزية للجبهة، أن أطلب من السيد الرئيس إخلاء سبيلك، لأنك من رفاقنا، ولا يجوز اعتقالك كل هذه المدة. وقد وعد الرئيس وسجّل اسمك على ورقة لديه قائلاً: «إذا لم يكن له علاقة بالرابطة، سيُخلى سبيله قريباً». وبعد سنة اجتمعت القيادة المركزية مجدّداً. وذكّرتُ الرئيس بأنه لم يفرج عنك رغم الوعد! فأجاب الرئيس مكرّراً جوابه السابق: «إذا لم يكن له علاقة.. إلخ». قلت للرفيق القائد بصوتٍ يعانقه الحزم وأنا في ذروة غضبي: «لماذا لم تهدّدوا بالانسحاب من الجبهة، طالما أنكم متأكدون من براءتي من تُهمهم الظالمة؟ وأنتم تعلمون كم تعرّضتُ لتعذيبٍ جسديّ ونفسيّ تعجز عن تحمّله حتى الجواميس البرّية!» فأجاب مهدّئاً وهو المعروف تاريخياً بدماثته ولطفه: «بدايةً، نقدّر صمودك وبسالتك التي وصلتنا إبّان اعتقالك، وهذا ليس غريباً عنك. ولكن أرجوك طوّل بالك يا رفيق! لن نحرق اللحاف من أجل برغوط». ويبدو أنه أدرك أنه نال منّي وأهانني بذلك الجواب. فما كان منه إلّا واستدرك قائلاً: «آسف جداً، يبدو أنني لم أكن موفقاً بذلك المثل.. أقصد يا رفيق، أنه لا يُعقل أنه كلما تعرّض أحدٌ من الرفاق لمشكلة مع الأجهزة الأمنية، نسارع إلى التهديد بفكّ التحالف والانسحاب من الجبهة.. لا تنسى أن الأسس التي انخرطنا بموجبها في الجبهة الوطنية التقدمية، يأتي في مقدّمتها النضال ضد الإمبريالية والصهيونية والرجعية، وتعزيز أواصر الصداقة والتعاون مع الاتحاد السوفييتي.. ولا يمكن أن نفرّط بهذه الاستراتيجية أبداً. فتحالفنا ليس تكتيكياً كما يعتقد البعض يا رفيق! قلت له وأنا أُرغِمُ نفسي على التحلّي بالصبر: «لستُ ضدّ التحالف من حيث المبدأ. ولكن على أن يكون ندّياً ومتكافئاً؛ إذ لا يُعقل أن نوافق على ميثاق الجبهة الذي يُحظّر على أحزابها العمل في صفوف الجيش والطلاب باستثناء حزب البعث! ثم أنه من غير المفهوم أن لا يُسمح لنا بيع جرائدنا في الأسواق، ولا امتلاك مقرّات حزبية في المحافظات، وحتى الآن نعقد اجتماعاتنا وننفّذ أنشطتنا واحتفالاتنا بشكلٍ سرّي.. ناهيك عن المضايقات التي يتعرّض لها رفاقنا بين الحين والآخر، ليس هم فقط، بل كل من يمتُّ لهم بصلة قرابة أو علاقة اجتماعية.. لقد خسرنا الكثير من جماهيرنا يا رفيق، فأيّ تحالف هذا؟!» أجاب الرفيق مستنكراً: «ومن قال لك أننا راضون عن كل ما يتضمّنه ميثاق الجبهة؟! لدينا ملاحظات عديدة عليه. ولكن يا رفيق يجب أن نتحلّى بالموضوعية، سورية من بلدان التوجّه الاشتراكي ويحكمها نظام وطني مستهدف من كل قوى الشرّ في العالم. ولو كنّا سنقيّم النظام انطلاقاً من الوضع الداخلي، لكنّا في صفوف المعارضة.. هدفنا هو دفع النظام باتجاه اليسار شيئاً فشيئاً، وتجذير مواقفه الوطنية المعادية للإمبريالية، وتعميق كافة علاقاته مع الشقيق الأكبر الاتحاد السوفييتي». قلت له: «إن عدم التوافق ما بين السياسة الداخلية والخارجية لأيّ سلطة في العالم، دليل نفاق هذه السلطة. كيف يمكنني القول عن نظام حكم بأنه وطني وتقدمي، وهو يرتع بالفساد، ويبطش بالشرفاء، ويقمع الحريات، ويعادي الديمقراطية، ويسوق الناس عنوةً للتمجيد بهذا وذاك في مسيراتٍ "عفوية" ومنظّمة، باتت ممجوجة للقاصي والداني.. الوطنية لا تتجزّأ يا رفيق، ناهيك عن أ..» قاطعني الرفيق وهو يهزُّ رأسه بيأس يمنةً ويسرةً. وأجاب في هدوءٍ مثيرٍ للأعصاب، وقد تلاشى من وجهه أيّ أثر للمودّة التي كان يبديها منذ لحظات: «هذا أنت، كما عهدناك. بصْلتك محروقة دائماً ومتطرّف كالعادة. أقترح عليك قراءة كتاب لينين (مرض اليسارية الطفولي في الشيوعية) فهو يتحدّث عن حالتك، ويُجيب على تساؤلاتك تلك..» وهبَّ واقفاً معتذراً من أن لديه مواعيد لا يمكن تأجيلها.
#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الجماهير ترقص فرحاً
-
لماذا نحن متخلّفون؟!
-
العَوْراء
-
وأنا الشيوعي، كيف نسّبوني إلى «البعث»؟
-
حلاوة
-
نبوءة صادقة في حرفها الأول!
-
لكنّنا لم نلتقِ!
-
مسلمة الحنفي – قراءة في تاريخ محرّم
-
هل وحدة الشيوعيين السوريين ممكنة؟
-
وأغلقَتِ الخطّ!
-
«جبال الأغاني والأنين»
-
«البلد»
-
ألو بابا، أنا ابنك!
-
«النباتية»
-
«أعدائي»
-
التحقيق رقم (1)
-
«الإسلاموفوبيا»، ثُمَّ الكورونا، ثُمَّ..؟
-
اللِّصُّ الغبيّ
-
«المترجم الخائن»
-
صاحب الأنف الضخم!
المزيد.....
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|