لخضر خلفاوي
(Lakhdar Khelfaoui)
الحوار المتمدن-العدد: 6627 - 2020 / 7 / 25 - 10:19
المحور:
الادب والفن
.. هو فعلا يعرفني جدا و كان جارنا يسكن في حينا على بعد عشرات المنازل و قريبته كانت تدرس معي في الابتدائي تُكنى « أماني » على ما أذكر .. كان عمرنا لا يتجاوز الـ 12 عاما . كانت " أماني " تنافسني و ما استطاعت إلا قليلا ؛ لكنها كانت تلميذة نجيبة و متفوقة، رياضية ، ممتلئة بالحياة ، كانت تغار مني و تحبّني بصمت في آن .. كنت ( استفزها بتفوقي ) و كنت أحبها - حب الأطفال - على مخيال الكبار! أذكر أن هذا التنافس ـ الدراسي ـ أوصلنا إلى مواجهة ميدانية عنيفة بتصادم جسدينا . أذكر بينما كانت " أماني " توجّه لي الضربات و اللكمات كنت أرد أنا ضرباتها و خدش أظافرها بتقبيلها و بعنف متلهف فيجن جنونها أكثر لأني نلت من وجنتيها و وجهها الأملس الأشقر و شفتيها الحمراوتين الكرزيتين .. كانت تنظر إليّ بجنون هائجة كونها لا تريد استيعاب : كيف تجرأت و استطعت تكرار وابل التقبيل فيها معلنا الضرب بالحب عليها بينما هي كانت تشد شعري و تغرز مخالبها في لحمي كما القطة البرية.. كنت أقاوم ما جرحت يديها و أتحداها بـ -الذكر - الذي بداخلي الذي كان يشتهيها و بإمكانه انتزاع ما يريد منها غصبا في أوج المعركة ، ففي مجتمعنا من الصعب الظفر بشهوتك و انتزاعها و الدفاع عن رغبتك الفطرية ... كانت تدافع و تهاجم في وقت واحد . كانيبدو عليها أنها جَائِعَتُِني و لكنها لا تريد أن آكل من ثديها ـ هكذا تخيلت بكل نرجسيات الطفولة ـ ، تقاوم باستماتة اللبؤة الشرسة ، كنّت نحيفا بالوراثة طويلا لكن قوي الحراك و الصولات، إلا أني كنت أتصنّع ضعفي و وَهنِي حتى أوهمها بالسيطرة عليّ فتقترب هي أكثر مني فأعنفها ثالثة و رابعة و عاشرا تقبيلا (قلت في نفسي وقتها - نبرّد قلبي فيها !) - حضور أصدقاءنا المشتركين أحرجها كثيرا ؛ لأنهم كانوا شهود عيان على « غزوة التقبيل » العنيف لها دون رضاها الظاهر كرد فعل - تأديبي- لها.. كم هو عنيف الحب في المجتمع البربري الشرقي ! كنت أنظر إلى عينيها و هي تتحاشى قهقهة زملاءنا و هم منبسطون ، فكهون على صخر كبير بجانب مدرستنا متكئون يضحكون بسخرية مبالغ فيها ، ليس مني (ذاك الصّبي الذكر) الذي كان يواجه الضربات و العض من كل صوب، فمخيال المجتمع عاداتيا و دينيا لا يقبل و لا يتصور أن يتعرض الذكر لضرب أنثى فهي من المحرمات تكاد أن تكون شركا بالله .. في مجتمعنا الأنثى تُضرب و لا تَضرِب ، كانوا ينظرون إلي بعين البطل المغوار الذي لم ينقطع في تكبيد خصيمته و منازعته أشنع الخسائر و السقطات ، في أوطاننا و مجتمعاتنا العربية ـ الأنثى ـ سواء كانت قد أغتصبت أو استسلمت ، أو اعتدت أو أُعتدى عليها مسؤولة عن عدم الحفاظ على نفسها و رد الأذى قُبَلا كان أو نكاحا استسلاما للشهوة و الغريزة التي أودعها الله فيها ابتلاءا للأنفس ؛ إلا أن الإجحاف المبني على نفاق و انفصام شخصاني مجتمعي بحكم أن شهوة و نزوة الذكور متسامح فيها و نغض أطرافنا عليها بينما نسارع إلى إدانة الأنثى طفلة أو إمرأة شابة اذا قضت وطرها من قبلة أو سكنها ذكر تحبه و يحبها خارج إطار الشرع و العادة و الأعراف.. راضية أو مجبرة فهي " عار " نقض لشرف قبيلة بأسرها ؛ مأساة مجتمعنا العربي الإسلامي عندما يُختصر الشرف في فرج لا حول و لا قوة له و لا يسمن و لا يغني من جوع الشباب من الجنسين للسكن في الآخر و كفى بالله مشرعا و شهيدا. قوّضنا قدر و شأن و كيان الأنثى و اختصرناه في « صَدَفَةٍ » لحمية بها شق خلقي قياسه 7 سنتيمتر و لا يتجاوز الـ 12 سنتيمتر في أقصى الحالات و عمقه لا يتعدى الـ 8 سنتيمتر، فلا أفهم هوس معظم الذكور عندنا من أعضائهم ـ الرخوية ـ الصغيرة ، كان الأحرى بهم التركيز على عمق تفكيرهم لا طول زائدتهم الجنسية الذكرية ،لا اعتقد أنهم يعرفون كل هذه التفاصيل في ـ التشريح العلمي ـ لفروجهم و فروج نسائهم ! كل المقاس المتبقي من قوام و حجم المرأة لا معنى له ، بل يعتبرونه أقل شأنا من تلك « الصدفة » اللحمية المفوّهة و المفرزة لفضلات معاناتها البيولوجية الهرمونية و تستقبل من نفس المكان أي موضع - و موطن شرف الأمة - فضلات الذكور باسم القوامة أي باللغة العلمية تلقيح البويضات .. تحوّل فرج المرأة المكان نفسه الأمثل لمعالجة الشرف و رسكلته ؛ أما عقلها فهو - زائدة أنثوية - تثير الغصَّات الأنفوية لمجتمعات ذكورية ..هذا العقل ليس مهما ، قاصرا ، ناقصا ، صوتها عورة ، شعرها عورة ، مشيتها عورة ، ضحكتها عورة و حرام ، مقدمتها عورة ، مؤخرتها عورة ، صدرها عورة ، عينيها و أنفها و فمها عورات ، و يدها أيضا عورة حتى لو كانت مبتورة !
بالمحصلة التطرفية العاداتية ـ التَّدَيُّنَيَّة ـ كل هيكلها، كيانا، و عظمها و لحمها ( مشكلة وجودية في وجود مجتمع الذكور ) ؛ أقرها مجتمع دجال أعور ! هؤلاء القوم أو هذه الأمة المنافقة بمجتمعاتها خانت التشريع الإلهي. " الحافظون لفروجهم" على هواهم ؛ بتعنيف الأنثى و مضاعفة رسم الخطوط الحمراء و اعتبارها قاصرة طول حياتها و إذا انتفضت يُفقع طرفها بتهمة ـ التقصير ـ .. شرف أمتي يحيض ، يتبوّل ، يتعرّق ، تنبت فيه فطريات و جراثيم ، يصاب بالجفاف و بالرطوبة المتزايدة (المتعفنة و الالتهابات و درجات الحموضة الفرجية المنخفضة و المرتفعة) ، و بالنزيف المصاحب للدورات الشهرية أو بعد تأخرها، شرف أمتي يعاني آلام تذبذب " المبايض" و من الأورام و الأكياس المائية ، في هذه البيئة المحاصرة بين فخذين و التي لا تتجاوز الـ 12 سنتيمتر طولا و 8 سنتيمترات عمقا!
تُلقي فيه - فضلات - بذور أغبى و أحمق و أنفق ذكور الأمة على أمل أن تعطينا هذه الأنثى أشرف و أعدل و أعلم و أرقى و أتقى خلق؛ أميرا صالحا يسيُّر أمور الدولة و الأمة ككل !
- على كل أذكر ، لما انتهت معركتنا و تم تفرقتنا أخيرا من قبل مارّ بالغ في السّن، رحلت "أماني" غاضبة باتجاه بيتهم منكوشة الشعر الذهبي ، محمرة الوجه من التقبيل العنيف.. و عدت أنا و صحبتي و هم في انبساط لا حدود له مني، فخورين بي على نجاح غزوتي، لكن لا أحد منهم انتبه للجروح السطحية التي تركتها " الأماني" على جلدي الأسمر !
- في الغد أبلغوني في ساحة مدرستنا الرائعة « شرْفة الخُمَيسي » أن مجهولا كتب على جدار المدرسة الخارجي " أماني مرْت" فيصل ( يعني الأنثى التي نكحها فيصل !) في وقتنا كنّا ننكح إناثنا بالأساطير أو بالقبل ، كأقصى الإيمان ...
- علمت أماني بذلك « الإشهار الجداري » الذي نال من شرفها أو وشى بها مع التضخيم و عانت الأمرّين بين أوساطنا في ساحة المدرسة و خارجها ؛ إلا أني لاحظت عليها فيما بعد ظهور مرونة مختلفة اتجاهي و صارت تُقصر الطرف كلما رأتني أتأملها ، يبدو عليها الخنوع و الرضا بي و هي تبادلني نظراتها المسترقة و كلها رقة و استحياء .. كأن سلوك « أماني » تلك الطفلة البريئة الطاهرة يعكس لا إراديا فيها جينات المرأة البربرية الشرقية المتعلقة بعلاقتها مع الجنس المعاكس أي (الرجل) و تعمد و بترصّد و إصرار كبيرين على أن ينتزع منها المرشّح « الذكر » عن طريق النزال معها بعض من ثمراتها الغالية عليها، فلا تتأتى له دون أن يبرهن لها أنه جدير بالظفر بمقوّمات الشرف ـ حسب النمطية (العرب ـإسلامية). لهذا كثير من النساء في الوطن العربي تلوم الخائن من الرجال بأنها سلّمته كل و أعز ما تملك ( فرجها) فخذلها و أخلف متلاعبا بوعوده و تركها لمصيرها لأجل غيرها؛ لأنه تمّ تكييفها بهذه العقلية: أن كلها و طهرها مختصر و قابع يتعرّق بين « فخذيها » و أما الباقي منها ـ بنظرهم ـ يرمي كجيفة للكلاب من البشر .. لا يساوي شيء !
- على كلّ ، أنا و « أماني » في ثمانينات القرن الماضي زوَّجنا ذلك الجدار المدرسي بفعل كاتب آفك و موثق مجهول!
- كنت أشعر بعزة و رفعة و انتشاء النصر على تلك الأنثى و إرغامها على حبي و ترويضها ... بعد عمر طويل و مرير بالتجارب اكتشفت أني كنت أعيش وهم الانتصار على الأنثى ! الواقع هو أن كلانا خسران ، كلانا خسران ، كلانا خسران !
*ـ كتبه من طفولته: لخضر خلفاوي
ـ باريس في 24 جويلية 2020
#لخضر_خلفاوي (هاشتاغ)
Lakhdar_Khelfaoui#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟