|
ورشة عمل كورونية: كوميديا من فصل واحد
أحمد جرادات
الحوار المتمدن-العدد: 6624 - 2020 / 7 / 21 - 03:28
المحور:
الادب والفن
قبل العرض هذه المسرحية فانتازيا واقعية "لاتاريخية"، يعني هي عمل أدبي وليست مقال رأي أو بحثاً أو تحقيقاً صحفياً استقصائياً. وتعلمون حضراتكم أن المؤلف في العمل الأدبي، كالمسرحية والرواية والقصة القصيرة، لا يقول، ولا يقوِّل شخوصه، بل إن شخوصه هم الذين يقولون. ولذا فإن من يخطر بباله إساءة استخدام المسرحية كذريعة سياسية أو دينية أو غيرها لغايات في نفس اليعاقبة (مفردها يعقوب)، لمطاردة أو الظفر بفريسة أو "صيدة" مثل صيدة حمد بن جاسم في سوريا، التي اعترف بأنها أفلتت من صيَّاديها رغم أنوفهم، يِركي بارودته "بليز"please . ---------------------
(في هذا المسرح لا يوجد خشبة وصالة منفصلتان، فالخشبة هي الصالة والصالة هي الخشبة، ولا يوجد ممثلون وجمهور منفصلون، فالممثلون هم الجمهور والجمهور هم الممثلون، يعني مثل ما تقول مسرح طليعي ويضاهي مسرح بريخت العظيم. المسرحية يمكن أن تُؤدَّى على خشبة أو تُقرأ "هارد كوبي أو "سوفت كوبي". المكان: أي مكان في العالم. الزمان: أي زمان في الزمن، الماضي والحاضر والمستقبل. الأمكنة والأزمنة متداخلة. الشخوص: كورونيون مختلَطون، رجال ونساء، أحياء وأموات، يمكن أن يأتوا من أي عصر أو حقَبة).
المشهد الأول: تعريف بالورشة (الممثلون- الجمهور يجلسون على شكل دائرة ضخمة على كامل مساحة الصالة – الخشبة من الداخل، حيث يديرون ظهورهم إلى بعضهم بعضاً، ولا يستطيعون رؤية بعضهم بعضاً، ولكن يمكن أن يسمع بعضهم بعضاً. لا يوجد سوى باب خروج ودخول إلكتروني واحد يُفتح عن بُعد بنقرة من "أدمن" غير مرئي، وربما مبرمج تلقائياً. يُسمع صوت صفارة إنذار. يظهر في وسط الدائرة شخص كوروني يرتدي أوفرهول وغطاء للرأس والرجلين وقفازات وكمامة ونظارة سوداء، لا يمكن التعرف على شخصيته أو هويته. الشخص الكوروني يقدم نفسه للمشاركين في الورشة) الشخص الكوروني: انا الميسِّر الكوروني أو الميسِّر كورون. ولمن لا يعرف معنى الكلمة باللغة العربية من جماعة الـ "أن جي أوز" NGOs الأفاضل، أنا "فاسيليتيتر" facilitator. لا يهم اسمي ولا أصلي وفصلي ومنبتي ولا من أين أتيتُ، فشتَّى المنابت والأصول مسألة تقررها البنوك على حد قول الشاعر حبيب الزيودي، بل يقررها البنك الدولي. أنا الميسِّر، أنا كورون (يشير بيده) أنتَ كورون، أنتِ كورونة، أنتم، أنتنَّ كورونات، كلُّكم كورون وكلُّكم مسؤول عن كوروناته، ويا كوروناتي ماع ماع. وقد ألَّف المنظِّرون الكورونيون قاموساً كورونياً حديثاً تضمَّن اشتقاقات واستخدامات وتجليات عديدة لجذر مصطلح الكورون تشمل الأشياء والأشخاص والقضايا والأفكار والمكان والزمان والمادة عموماً. والقاموس مفتوح، وليس بين دفَّتين لأن من المفترض أن يَسعَ كل شيء، من الكون اللامتناهي إلى "الصيبانة" (فقسة القملة). فهناك الاشتقاق الرئيسي والأهم على وجه الإطلاق، وهو "الكوْرَنَة (بتسكين الواو وفتح الراء). ومفهوم الكوْرَنة coronizationأشمل من مفهوم العولمةglobalization (أرجو العلم بأنه إذا كنتُ أول من صكَّ هذا المصطلح coronization، فإنني أضعه تحت تصرف جميع "الكوارنة"، أي أن حقوق الطبع والملكية الفكرية الخاصة به مشاع). والكوارنة" ليسوا عشيرة كعشائر الأردنيين، وإنما هم تيار عريض، بل طوفان جارف عابر للعشائر والقبائل وللجغرافيا والجنسيات والأجناس والإثنيات والقوميات والأديان والمذاهب والطبقات والألوان والأنواع الاجتماعية. وهناك الكُورونة (بضم الكاف)، على غرار "الكومونة"، "كومونة باريس" الشهيرة مثلاً، التي أُعلنت سنة 1871 وعاشت 72 يوماً فقط قبل أن يُطاح بها، وقالوا عنها إنها أول دولة اشتراكية في التاريخ. وهناك من قال إن دولة القرامطة في البحرين بزعامة أبي سعيد الجنابي سبَقتْها. والكورونة تُطلق على الدولة، المدينة، القرية، المجتمع، النقابة، النادي، الرابطة.. إلخ. وتنسحب على الفلسفة والتاريخ والأدب والفن والموسيقى والحداثة وما بعد الحداثة والميني حداثة والإكسترا حداثة. إن الهدف النهائي المنشود هو كوْرَنة الكون، أي أن نجعل الكون اللامتناهي كورونياً، وفي مقدمته البشر، حيث سيأمر "جبل الأولمب الكوروني الأسمى" بزرع شريحة "تشيب" في جسم كل شخص تحتوي على كل بياناته ومعارفه وذاكرته وتطلعاته وأحلامه وتتحكم بعقله وعواطفه وحركاته وسكَناته وتُدار عن بُعد بكبسة زر أو سحجة ("زقرة" بلغة الرماثنة) تُمكِّن "الأدمن" من رفض معاملات البيع والشراء والتأجير ومنع التسجيل في المدارس والجامعات والتخرج منها والحصول على شهاداتها، ورفض معاملات الزواج والطلاق والميراث، والحرمان من الحصول على أية وثائق رسمية كهوية الأحوال المدنية ودفتر العائلة وجواز السفر والبطاقات المصرفية والعملة الرقمية التي ستحوِّل ورق البنكنوت في مَحافظكم وخزناتكم ووسائدكم إلى محارم تواليت، وسيصبح الشخص الإنسان لا شيء، ويكفُّ حتى عن التشيُّؤ. والآن كوروناتي حبيباتي، الفضاء الكوروني الفسيح مفتوح لكم على مصاريعه العشرة (تفيد الكثرة) واسمحوا لي بأن أذكِّركم، بل أنصحكم بتبنِّي المبدأ الكوروني الذهبي المكفول النتائج SWOT (الحروف الأولى للكلمات المكوِّنة للمصطلح) الذي يمكِّنكم من تحويل مَواطن الضعف إلى مَواطن قوة والتهديدات إلى فرص أي تحويل التبن إلى تِبر بين أنامل الكورون الفنان الشاطر. ضَعوها حلقة في آذانكم، ولا تنسوا أن جبل الأولمب الكوروني الأسمى في هذا العصر الكوروني هو "السيستم" system الأعلى، "سيستمكم الأعلى" الذي يتحكم بكل شيء، رب الكون الكوروني الجديد، دينكم ومعبودكم وكتابكم المقدس، يعزُّ مَن يشاء ويُذلُّ مَن يشاء. يَعلمُ خائنة الأعين وما تُخفي الصدور، ويرصُد ما يدور في تلافيف عقلكم الباطن وخبايا أحلامكم وكوابيسكم. فإياكم أن تمكروا، فهو أشد الماكرين بطشاً، ومكرُه يفوق مكر التاريخ بما لا يُقاس. صوت همْس: مَن هو جبل الأولمب هذا الذي ينتحل صفات الله وأسماءه الحسنى؟ المايك لكم، تفضلوا! ************************** المشهد الثاني: أمر دفاع رقم 1
(صوت جَهوري إذاعي يعلن عبر محطة الإذاعة والتلفزيون إصدار أمر الدفاع رقم 1، يتْبعه أمر الدفاع رقم 2 بمقتضى أحكام قانون الدفاع رقم كذا لسنة كذا، الذي يُحظَر بموجبه تنقُّل الأشخاص وتجوالهم في جميع مناطق البلاد وذلك ابتداء من الساعة السابعة صباحاً من يوم كذا بتاريخ كذا وحتى إشعار آخر، وتُغلق جميع المحلات في المناطق كافة. ويعاقَب كل من يخالف أحكام أمر الدفاع هذا والبلاغات الصادرة بمقتضاه بالحبس الفوري لمدة كذا...) كورون 1: الله يستر كورون 2: يارب لطفك كورون 3: ما الذي حدثَ يا قوم؟ كورون مخضرم 4: انتابني شعور بعودة أجواء الخمسينيات والستينيات من القرن المنصرم، حقبة الانقلابات العسكرية في البلدان العربية، عندما كانت دبابة تسيطر على قيادة الجيش، وأخرى تحتل مبنى الإذاعة والتلفزيون وتذيع منها البيان رقم 1 وينتهي الأمر، بينما ينادي بائع المشمش على العرباية في الشارع على بضاعته: "آخِر أيامك يا مشمش"، فيعلم رجل الشارع/ امرأة الشارع أن الجمعة المشمشية للمجموعة الحاكمة قد انتهت أو شارفت على الانتهاء. ولكن من لطف الله أن شهر آذار ليس موسم المشمش. كورون معارض مخضرم 5: قولوا لي بربكم، ألا تشبه قوانين الدفاع الحالية تلك التي كُنا نسميها في زمننا الجميل المر الأحكام العرفية سيئة الصيت التي سادت حتى منقلب العقد التاسع من القرن الفائت واعتقدنا أنها بادت؟ كورون معارض 6: ربما، لكنها أحكام عرفية ناعمة هذه المرة، أيَّدها الشعب والقوى والأحزاب والشخصيات المعارضة واستقبلوها بالأحضان وبالرضا والاستحسان باعتبارها ضرورية لمكافحة الجائحة وحماية أرواح الناس الغالية. وتبرَّع لها جَمَل رأس المال– بالميم- بشعرة من إذنه، بينما لم يتمخَّض جبَل المال الفاسد – بالباء- حتى بفأر مختبر، فوقعتْ الواقعة، وما أدراك ما الواقعة! كورون حراكي معارض 7: يعتقد بعض الكورونات الحراكيين أن أوامر الدفاع تُستخدم كتمرين ميداني بالذخيرة الحية لحكم الكورونة والتدرُّب على بسط السيطرة الكاملة على المجتمع والأفراد وإعادتهم إلى بيت الطاعة، وكذريعة قانونية لكبت حرية الرأي والتعبير وحظر التجمع السلمي، بما فيه اعتصام الدوار الرابع الذي انفضَّ بفعل الكورونا- بالعين- بينما يقول آخرون إنه انفضَّ بفضل الكورونا- بالضاد- مما حفظ للمعتمصين "حماوة" وجوههم، وللسلطات "برودة" عدم اضطرارها لقمعهم، والظهور أمام العالم الكوروني الحر بمظهر ديمقراطي. ويرى مراقبون وصحفيون كورونيون غربيون أن أهم ما تحقَّق هو إعادة إنتاج نظام الكورونة بعد أن استطالتْ الألسنة وبلغَ "التشقيع" الزبى، وذهب بعضهم إلى القول إنه تحت جُنح ظلام الجائحة يمكن أن تمرَّ بقية بنود ما يسمى بـ "صفقة القرن"، ولا سيما ضم الضفة الغربية وغور الأردن وإنشاء الوطن البديل بطريقة ناعمة، أشبه بافتتاح المحلات التجارية الناعمsoft opening ، أي بدون طنَّة ورنَّة، وكفى الله المؤمنين القتال . كورون 8: أيوة، أيوة، الآن فهمت المعنى، يعني مثلما كان يفعل الفلاحون في قريتنا بثور أحدهم عندما يقومون بكيِّه لمعالجته أو وسمه (بالمناسبة استخدم فلاحو قريتنا كلمة "وسم" للماشية قبل "هاشتاغ" هذه الأيام بقرون)، حيث كان يمسك بالثور المستهدَف ستة رجال شِداد غِلاظ ويبطحونه أرضاً ويثبِّتونة، لكن بدون أن يضغطوا على رقبته حتى الموت خنقاً كما فعل أفراد شرطة مينيابوليس بالرجل الأسود جورج فلويد. إذ أنهم لم يكونوا يُضمرون له أي أذى لأنه كان صديقهم وله مثلهم اسم محترم ينادونه به (صُبح، أبلق، فطحل)، وكانوا رفاق درب وحقل وبيدر وأولاد حارة واحدة، وُلدوا وكبروا معاً وأورثونا الأرض التي فلحوها معاً وتشقَّقت "أكعابهم" فيها معاً، والتي قسَّمناها نُمراً وبعناها سِلعاً للوكالات المشبوهة وقنَّاصة الفرص وتجار الأزمات والحروب، العابرون منهم والمستقرون، بعِلم أو بدون علم. وعندما تحْمرُّ سياخ الحديد المحمَّاة على الجمر "المستوي" ويهوي أبو قلب قوي، القابض على السيخ المحمَّر، على فخذ الثور، "يطبطب" الآخرون على خاصرته برفق ويهمسون في أذنه: بارد.. بارد.. بارد. غير أن انتفاض الجسد المسجَّى المزلزل ورائحة شواء اللحم الحي لم يكن يشي بأنه بارد. كورون موالٍ 9: (يصرخ غاضباً ويوجِّه شتائم تحت الزنَّار للكورونات المعارضين) هيك من هيك لكم وللذين تنقلون عنهم أخباركم الكاذبة. ما أنتم إلا مُرجفون، موتورون، طابور خامس، أصحاب أجندات خارجية. أنا أُعلن على رؤوس الأشهاد أنني موالٍ حتى العظم للكورونة المجيدة. روحي ودمي ومالي وعيالي فداء لها. عاشت الكورونة العظمى التي تُطعمنا من جوع وتؤمننا من خوف وتكسونا من عري. كورون 10: (مُردِّداً بيت الحطيئة) إذن، "دَعْ المكارم لا ترحل لبُغيتها واقعدْ فإنك أنت الطاعم الكاسي"
********************* المشهد الثالث: صَلُّوا في بيوتكم
(يُسمع أذان الفجر عبر مكبرات الصوت في المساجد: الله أكبر.. الله أكبر.. لا إله إلا الله.. صَلُّوا في بيوتكم.. صلُّوا في بيوتكم..) أبو بكر البغدادي: (ينتفض واقفاً بغضب كمن مسَّه مسٌّ) الله أكبر عليكم، هرطقة، كفر. الميسِّر الكوروني: عرِّف بنفسك من فضلك. البغدادي: أنا الخليفة الخامس إبراهيم أبو بكر السامرائي البغدادي القُرشي، أقمتُ دولة الخلافة الإسلامية باسم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" وبسطتُ حُكم الإسلام العادل في أرجائها. تطاولَ شبيحة النظام السوري على تنظيم دولتنا الإسلامية وأطالوا ألسنتهم عليه استهزاءً به، فأطلقوا عليه اسم "داعش"، واشتقُّوا منه فعلاً وفاعلاً ومفعولاً به: دعشَ، داعش، مدعوش، وتحدثوا بسخرية عن حرب داعش والغبراء، بينما أنصفه الغرب الكافر وسمَّاه باسمه "آيسيس". غير أن القضاء الشرعي العادل التابع لدولة الخلافة أنزل عقوبة قاسية على مرتكب جريمة إطالة اللسان، تتناسب وبشاعتها، وهي قطع اللسان الذي يتفوَّه بها. وياما قطعنا ألسنة كثيرة وبالتالي دوابر كثيرين (جمع دابر وليس دُبر) خلافاً للعقوبة المخفَّفة على جريمة إطالة اللسان في بعض الدول الأخرى التي لم تخضع بعد لحكم الخلافة ولا تعيش تحت ظلالها الوارفة، وهي السجن لمدد قصيرة أقصاها ثلاث سنوات. إخوتي في الإيمان، إن هذه الإضافة لنَصِّ الأذان بدعة صُراح، وكلُّ بدعة ضلالة، وكل ضلالة وصاحبها في النار. ولكن الأخطر من ذلك أن هذه البدعة قد تتحول مع تعاقب الأجيال إلى جزء أصيل من الأذان وتصبح مذهباً قائماً بذاته وله أتباع، فتنشب في الأمة فتنة وفي الجماعة اضطراب. كورون 11: (مخاطباً البغدادي) يا أمير المؤمنين، وماذا عن منع صلوات الجماعة والجمعة والتراويح والتباعد الجسدي بين المصلِّين؟ كورون 12 : وماذا عن الحديث الشريف عن أبن عمر رضي الله عنهما: "أقيموا الصفوف وحاذوا بين المناكب وسدُّوا الخلل ولا تَذَروا فُرجات الشيطان. مَن وصل صفاً وصَله الله ومن قطعَ صفاً قطعه الله"؟ كورون 13: هناك فقه يُسمى "فقه الضرورة" يجيب عن مثل هذه الأسئلة. كورون 14: وماذا عن وقف تأدية أحد أركان الإسلام الخمسة، وهو الحج إلى بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلاً من خارج بلاد الحرمين الشريفين لهذا العام واقتصارها على عدد محدود من المقيمين داخل البلاد؟ الحلاَّج: (ينهض مشرئبّاً ويغتنم هذه الفرصة للكلام بإصرار وإلحاح عنيديْن) أنا حسين بن منصور الحلاج دعوني أتكلم الآن، فقد مُنعت من الكلام قبل إثني عشر قرناً. أريد أن يعلم من لم يكن يعلم في حينه أو لا يعلم اليوم أنني حللتُ لكم هذه المعضلة من زمان، في القرن الثالث الهجري، عندما اجتهدتُ، بجواز "الحج الرمزي" إذا أراد الإنسان الحج ولم يمكنه ذلك، وكان لي فيه أجر واحد على الأقل. بيد أن وزير المقتدر بالله حامد بن العباس استغلَّ ذلك الاجتهاد للحكم عليَّ زوراً وبهتاناً، ونعَتَني بالزندقة والكفر وصلَبني وقطَّعني وأحرق جثتي، بناءً على سَنَد غير موجود أصلاً، وهو كتاب "الإخلاص" للحسن البصري، اخترعتُه أنا كي أفضح جهل الوزير حامد أمام العامَّة، فاصطادني ذلك اللئيم الحقود. كورون 15: قصة غريبة! الحلاج: (لا يلتفت إلى التعليق، ويتابع بزهو) هل تروْن؟ ها أنتم اليوم تلجؤون إلى فكرتي بعد كل هذه القرون الطويلة والمحنة الرهيبة التي مررتُ بها. وها هو التاريخ يُنصفني بأثر رجعي. ألا يُعتبر الإجراء المتعلق بإقامة موسم الحج لهذا العام بعدد محدود جداً من الحجاج من مختلف الجنسيات من المقيمين في البلاد فقط" شكلا من أشكال الحج الرمزي؟ أبو بكر البغدادي: (يستشيط غضباً) صَهْ يا رقيع، ما أنت إلا زنديق، وُلدتَ كافراً ومتَّ كافراً وستُبعث كافراً. وتستحق كل ما فعَله بك الوزير حامد. الجولاني: أنا أبو محمد الجولاني، القائد العام لهيئة تحرير الشام، جبهة النصرة سابقاً، سليل دوحة تنظيم قاعدة الجهاد في أفغانستان، وريث الشيخيْن الشهيدين عبدالله عزام وأسامة بن لادن، أبطال الجهاد الأفغاني الذي نصر الله به جنده وهزم الجيش الأحمر بكل جبروته. وها أنذا أحذو حذوهما وأقتدي بهما في التخلي عن الدنيا وما فيها في سبيل رفع راية الإسلام في سوريا وإسقاط نظام الأسد الكافر. ولكن هيهات! أين أنا من الشيخ المعلم عبدالله عزام ومن مآثره الجهادية المباركة، استمعوا: كورون إسلامي 16: (يتطوع لقراءة نبذة عن الشيخ عبدالله عزام في الانسايكلوبيديا الإخوانية) هو الشيخ المجاهد الدكتور عبدالله عزام، من مواليد قرية سيلة الحارثية في الضفة الغربية بفلسطين المحتلة، قيادي في جماعة الإخوان المسلمين، وأستاذ الشريعة الإسلامية في الجامعة الأردنية. غادر فلسطين وترك الجامعة مهاجراً إلى دار الجهاد في أفغانستان. وهو منظِّر الجهاد الأفغاني وقائده وصائغ درة تاجه، وهي وثيقة إعلان الجهاد باسم المذاهب الأربعة عند جدار الكعبة المشرَّفة. وقد زعم مؤرخ النظام الناصري المعادي للإسلام محمد حسنين هيكل أن واشنطن هي التي "أذَّنت للجهاد في أفغانستان" بناءً على خطة بريجنسكي، مع أن قادة الجهاد لا يأتمرون إلا بأمر الله سبحانه. ولكن في حروبهم وغزواتهم هناك أولويات، والأولوية كانت لقتال الشيوعية والإلحاد، فهو مُقدَّم على قتال أهل الكتاب. وهكذا انطلق جيش المسلمين الأوائل إلى فتح مكة، عاصمتهم الأولى وقبلتهم الثانية وقُدس أقداسهم، قبل أن يتوجهوا لمقاتلة جيوش هرقل وكسرى والمقوقس في مأثرة الفتوحات التي لم تتوقف إلا عندما ترك الناس دينهم وتشبَّثوا بدنياهم. فالبوصلة في النهاية هي: هل هذه دار إسلام أم دار حرب؟ والأوطان في النهاية ما هي إلا أوثان، والإسلام هو الوطن الحقيقي. عدنان العرعور: أنا الشيخ عدنان العرور، خطيب الثورة السورية المفوَّه. بخُطَبي الجهادية العصماء على المنابر الواقعية والمنصات الافتراضية أشعلتُ الثورة العظيمة في وجه قاتل شعبه وضد النصيريين والنصارى والروافض. أقول لكم إن هذه الجائحة التي باعدت بين الناس هي "الصاخَّة" التي ذكرها المولى عزَّ وجلَّ في كتابه الحكيم، وهي من علامات الساعة: "فإذا جاءت الصاخة، يوم يفرُّ المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه، ولكل امرئ يومئذ شأن يُغنيه." وليعلم القاصي والداني أن هذا الفيروس الذي أصاب الصين أولاً سخَّره رب العزّة عقاباً للشيوعيين الصينيين الملاحدة، أتباع التنين الأحمر ماو ماو، على اضطهاد المسلمين الأيغور وقتل أطفالهم المسالمين، مثلما فعل رب القدرة بأصحاب الفيل يوم غزا أبرهة الحبشي الكعبة، حيث سخَّر لقتالهم طيراً أبابيل رمتهم بحجارة من سجّيل "فجعلهم كعصف مأكول"، وهكذا حمى الله كعبة إبراهيم من الهدم وسلَّم إبل عبدالمطلب من الغنْم (أي من أن تؤخذ غنيمة). جمال زينية: لا فُضَّ فوك يا شيخي، أنا أبو مالك التلِّي، بطل معارك القصير وجرود عرسال، وقائد المجاهدين الذين تصدُّوا لمقاتلي حزب الشيطان، والمسؤول عن سبي راهبات معلولا. نعم، "سبحان الذي سخَّر لنا هذا وما كنا له مقرنين." لقد أثرْتَ للتو فكرة عبقرية مبدعة. لماذا لا يفكر المجاهدون باستخدام هذا سلاح الكورونا الجديد هذا ضد أعدائنا؟ فهو سلاح فتاك لا مثيل له حتى الآن، لا يمكن صدُّه أو تجنُّبه أو التغلب عليه أو رؤيته أو الإحساس باقترابه. ولا تستطيع أية أسلحة مضادة أو رادارات دقيقة إسقاطه أو إبطال مفعوله، لا صواريخ إس 300 ولا إس 400 ولا حتى إس 500 الروسية المعادية. إنه كالقدَر- أستغفر الله- لا رادَّ له. وربما يستطيع أصدقاؤنا في الغرب أن يطوِّروه لاستخداماتنا، بما يمكِّننا من إرسال مجاهدينا الأشاوس، مفخَّخين "بكشتبان" صغير من الفيروس، إلى حيث نشاء ومتى نشاء ومَن نشاء، إلى قلب الضاحية الجنوبية في بيروت أو باب توما في دمشق أو صحن العتبات بكربلاء والنجف في سواد العراق الذي أفاءه الله علينا بأسيافنا، أو حتى إلى مدينة قُم في إيران دون أن يكشفهم أحد، لا الحراس ولا الأشعة ولا البوابات الإلكترونية والرادارت الحساسة، ودون أن يُصابوا بأذى. وبذلك يمكن الاستغناء عن العمليات الاستشهادية والمحافظة على أرواح المجاهدين. أما إذا أصرَّ أحدهم على الظفر بالشهادة فحرام أن نحرمه منها، إذ يمكنه في هذه الحالة أن ينقل الفيروس بجسمه ويختال به في طول مناطق العدو وعرضها وكأنه ذاهب في نُزهة إلى رياض الجنة. كورون 17: لديَّ أسئلة محيَّراني (يقولها باللهجة المصرية، لكن القائل ليس بالضرورة مصرياً) هل فيروس الكورونا مخلوق أم لا؟ هل هو ذكر أم أنثى أم مختلط الجندر؟ وهل الكورونة الأنثى خرجتْ من ضلع الكورون الذكر الأعوج؟ وهل لهذا المخلوق المتناهي الصغر ضلع أصلاً كما في قصة آدم وحواء؟ وعندما حدث الطوفان ووضع سيدنا نوح في سفينته من كل زوجين اثنين بغية إنقاذ الخليقة، هل كان بينها كورون وكورونة. ويومَ تفيهقَ ابنه العاصي بأنه سيأوي إلى جبل يعصمه من الماء، ولكنه لم يعصمْه لأنه لا عاصم إلا الله، هل قاما بالاختباء داخل حبة ملح من أملاح البحر الميت حفظتْهما كل هذه المدة الطويلة إلى أن ظهرا فجأة الآن ربما كي يشهدا على ضمِّ غور الأردن والبحر الميت إلى المملكة التلمودية؟ الميسِّر: ما لا تعرفه يا عزيزي الكورون هو أن ثمة فقهاً يسمى فقه الكورونا وعِلماً يسمى علم الكورونا. وعندما تتعمَّق فيهما، ستجد ضالَّتك من الأجوبة عن جميع الأسئلة "المحيِّراك" وغيرها، اطمئن.
***************************** المشهد الرابع: تَباعَدوا .. تَقارَبوا
(أصوات عن بُعد: تباعدوا .. تقاربوا، تباعدوا .. تصحُّوا، تقاربوا .. تباغَصوا) مجموعة من الكورونات المشاركين يثيرون جلَبة: نريد أن نفهم يا إخوان هل نتباعد أم نتقارب. إرسوا على بَر ورسّونا رسَّاكم الله. كورون 18: يا إخواني الكورونات، التباعد الاجتماعي هو الحل؛ فهو لا يقي من فيروس كوفيد- 19 وربما من النسخ الأخرى من سلالته: 20، 21، 22 فحسب، بل يفيد في التخلُّص من التكاليف المادية الباهضة لمناسبات الأفراح والأتراح: الخطبة والجاهة و"الحنَّا بارتي" والزفاف والمناسف وفنادق الخمسة نجوم وشهر العسل في جزر المالديف وحتى "التعليلة" والدبكة الشعبية في الهواء الطلق على كاسة شاي ومي وشُبَّابة أو مِجوزْ أصبحت مكلفة بالنسبة للفقراء. كما أنه يساعد على التخلص من أنشطة النفاق وحُمَّى التقرُّب من تحت إلى فوق- طبعاً ليس من شدة شوقهم إلى طوق يتدحرجون من تحت إلى فوق- على حد سجع الشاعر المجدِّد أبي نواس الذي سخِر من الوقوف على الأطلال عند فحول الشعر الجاهلي ببيته الشهير: "قُلْ لمن يبكي على رسم دَرَسْ.. واقفاً ما ضرَّ لو كان جَلَسْ؟". كورون 19: ويساعد على الإفلات من استعطاف ذوي الألقاب السنيَّة من أصحاب الدولة والمعالي التي قد تصل إلى درجة أصحاب العطوفة والسعادة، من أجل طلب يد العروس من أهلها أو إعطائها لأهل العريس، وفي الحالتين لا يشهد شاهد من أهلها، لأن المهم هو التكافؤ في اللقب، فإذا طلب دولة فلان أعطى دولة علان، وإذا طلب معاليه أعطى معاليه، وهكذا. وفي خطبة عصماء مكرَّرة يبدأ دولته/معاليه، بعد الحوقلة والبسملة، بتلاوة ما تيسَّر من آيات بيِّنات ثم حديث شريف يتعلق بموضوع الزواج، قبل أن يعرِّج على حكاية منسوبة إلى أحد الصحابة أو الشخصيات المعروفة بالورع والتقوى في التاريخ العربي الإسلامي. وإذا كان يحفظ شيئاً من الشعر العربي القديم، فإنه يلقى بيت شعر له علاقة بالموضوع كي يعطي انطباعاً للجمهوريْن المتقابليْن بأنه على قدر من الثقافة، وأنه والله يا عمي "متكلم".. كورون 20: (يقاطعه ويكمل) ولا ينسى دولته/معاليه في نهاية خطبته أن يشيد بحسَب ونسَب كل من عائلتيْ العروسين الذي قد يعود به إلى الجزيرة العربية، ممن قدِم أسلافه إلى الأردن وفلسطين مع مأثرة الفتح الإسلامي. وما أن يَهُمَّ بذكر اسميهما حتى يستلَّ قصاصة من جيب بدلته السموكن الداخلي ويقرأهما، ليتبيَّن أن لا يعرف، ولا يهمُّه أن يعرف، مَن هما ولا مِن وين قرعة أبويهما. وبعد انصراف الجاهة راشدين على حد تعبير قيادات الإخوان الملسمين الشهير "انصرفوا راشدين" في التوجيه الذي تصدره لأنصارها عبر مكبرات الصوت من على البكب الأخضر (هل يجوز لغوياً استخدام حرفيْ جر معاً: مِن على؟) في المسيرات التي يتقدمها رموزهم، وإلى جانبهم بعض قادة القوى والأحزاب القومية واليسارية في مشهد وقور من تشابك الأكواع والأبواع وجهاً لوجه مع شاشات الفضائيات وعلى الهواء مباشرةً.. كورون 21: (يُكمل) وبعد انصراف أصحاب الألقاب السنيَّة من مسرح الجاهة يتْبعهم "البدون"، أقصد بدون ألقاب- أرجو المعذرة على هذا المصطلح المسيء لأن الكوْرنة تدعو إلى المساواة التامة بين عديمي الألقاب وذوي الألقاب- الذين أقسم الشاعر عرار بماحص والفحيص وبالطفيلة والثنية.. وبدم ابن شهوان الزكيّ ومصرع النفس الأبيَّة (صايل الشهوان أحد قادة ثورة سنة 1923 الذي تصدَّى على صهوة جواده لإحدى مدرعات القوات البريطانية فقتلته برشاشاتها) أنهم يأكلون البسكوت وهذا الشعب لا يجد القليَّة، هذا عندما كان البسكوت من مأكول ملكة فرنسا ماري أنطوانيت. أما بالنسبة للقليَّة، فإن الشعب الأردني لم يعد يُنتج القمح الذي يقليه ويطحنة ويخلطة بالسكر ويصنع منه البسيسة التي يأكلها في ليالي المربعانية الطويلة القارسة البرودة كما كانت الحال في زمن عرار). كورون 22: (يُكمل) وفي اليوم التالي، بعد أن يُزفَّ الخبر السعيد في الصحف والمواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي التي تعجُّ بالصور والأسماء الكبيرة سابقاً و"البوزات" المحترفة في مواجهة الكاميرا، يغيب الخبر والحفل والناس طيَّ النسيان بعد تحقيق الهدف الأسمى، وهو تذكير "صانع القرار"، بحسب التعبير الشائع لدى المسؤولين السابقين والحاليين ووسائل الإعلام، بأنهم جاهزون "مِن جَميعُه" لدخول التشكيل الوزاري القادم، مع أنهم كانوا قد خرجوا من التشكيل السابق بزفَّة بجلاجل محمَّلين بكل الآثام. كورون 23: (يزيدهم من الشعر بيتاً) ومع التباعد الاجتماعي يمكن الاستغناء عن كل هذه الطقوس المكلفة والمتعبة، والعودة إلى الأصول، إلى ما كانت عليه طقوس الزواج: إيجاب وقبول، عندما كان الشاب يجلس على حجر والفتاة تجلس على حجر مقابله ويعقدان قرانهما. حيث يبادر الشاب فتاته بالقول: "أني على حجر وانتي على حجر، أني أقبل بيتش أنثى، تقبليني ذكر؟ فتردُّ الفتاة: إي بالله، أني أقبل بيك بعل." ثم ينهضان عن حجريْهما، يتقدم العريس خطوة نحو عروسه، يقف إلى جانبها، يضع يده بيدها، ويسيران الهوينى متوجِّهيْن إلى "محَرَم" الزوجية المستقل خلف "المعند" (الذي يفصل حيِّزهما عن حيِّز الآخرين في بيت الشَعر). وبذلك لن تكون هناك أية مخاطر من أن يُصاب أحد بعدوى فيروس كورونا. وفي ستينيات القرن الفائت، قيل- ربما على سبيل الطُرفة- إن إجراءات عبدالناصر المتعلقة بكهربة الريف المصري وإدخال أجهزة التلفزيون إلى المنازل ساعدت على تنظيم النسل وتخفيف الانفجار السكاني في تلك الفترة لأنها أسهمت في التباعد بين الأزواج. ولا تنسوا أن التباعد يمنع المخالطة، وفي المخالطة تكمن المصيبة السودا. فالعدوى تنتقل من مخالط إلى ثانٍ وثالث ورابع، حتى الجد الخامس، أي من المخالِطين إلى مخالطي المخالطين ومَن خالَطهم حتى موت الفيروس. ****************** المشهد الخامس: مناعة القطيع
(توماس مالتوس يتحدث): أنا العالِم السكاني والاقتصادي توماس مالتوس، صاحب النظرية التي سُميت باسمي "المالتوسية" والتي أثارت عاصفة من الرفض وهاجَمني الشيوعيون لأنني قلت في أحد مؤلفاتي المعنون بـ "بحث في مبدأ السكان" إن الشخص الذي ليس له من يعيله والذي لا يستطيع أن يجد له عملاً في المجتمع سوف يجد أنه ليس له نصيب من الغذاء على أرضه، وأنه عضو زائد في وليمة الطبيعة، حيث لا طبق له بين الأطباق، ولذا فإن الطبيعة تأمره بمغادرة الزمن." لكنني لا آبه بذلك وأُحذِّركم من أن الزيادة السكانية تفوق كفاية الإنتاج الغذائي وتشكِّل كارثة سكانية وخطراً على الكرة الأرضية. ولذا فإن الحروب والمجاعات والأوبئة والجوائح، على شاكلة الجائحة الحالية كوفيد-19، تمثِّل الحل الطبيعي لهذه الكارثة، فتقاربوا ودعوها تتفشى وليمتْ مَن يموت وليحيَ من يحيا. ويؤيدني اليوم زعماء كثيرون، على رأسهم دونالد ترامب وبوريس جونسون وغيرهما من السياسيين والاقتصاديين الذين يرفضون الإغلاق والتباعد الاجتماعي من أجل المصلحة الفضلى للاقتصاد الرأسمالي. كورون مثقف 24: ألا ينسجم هذا الرأي مع رأي تشارلز داروين الذي يقول إن البقاء للأقوى، ومع اقتراح الكاتب جوناثان سويفت في مقاله الشهير "اقتراح متواضع"؟ كورون مثقف 25: (محتجَّاً) لا،لا، المالتوسية مغايرة تماماً لجوهر ومقاصد نظرية العالم الكبير تشارلز داروين، الذي كرَّمته بلاده بدفنه في "ويستمينيستر آبي" وطبعت صورته على الجنيه الاسترليني في عزِّه تقديراً لإسهاماته العلمية الهائلة في نظرية النشوء والارتقاء، والانتقاء الطبيعي، وعكس مقاصد اقتراح الكاتب الأيرلندي الساخر جوناثان سويفت في مقاله الشهير "اقتراح متواضع"modest proposal ، الذي نشره في عام 1792 بأسلوب الكوميديا السوداء كي يُحْدِث صدمة مرعبة في المجتمع لعلَّها تهز أساسات الطبقة المتوحشة التي تستغل الفقراء الأيرلنديين بأبشع صورة وتحرمهم من الحياة الآدمية، حيث قال: "من أجل الحؤول دون أن يصبح أطفال الأيرلنديين المُفقرين عبئاً على عائلاتهم وبلادهم، ولحلِّ مشاكلهم الاقتصادية، فإنه يقترح عليهم بيع أطفالهم الصغار لحماً غضَّاً وطازجاً، مشويَّاً أو مقلياً أو مطبوخاً بالصلصة البيضاء أو الحمراء لتقديمها وجبةً شهية على موائد السادة والسيدات الأغنياء." كورون ثوري 26: يا سلام! التاريخ يعيد نفسه! أليس اقتراح الكاتب جوناثان سويفت شبيهاً باقتراح الثنائي الكبير أحمد فؤاد نجم- الشيخ إمام في أغنية "بوتيكات" التي ظهرت بعد مرور ما يربو على قرنين من الزمن؟:
"حتقولِّي الفقراء ومشاكلهم.. دي مسائل عايزة التفانين وأنا رأيي نحلَّها ربَّاني .. ونموِّت كل الجوعانين وبهذا محدِّش حيجوع.. لو نعلن هذا المشروع وحنقفِّل هذا الموضوع.. نهائياً ونعيش في نَبات."
كورون معارض 27: أنا الدكتور أمجد، طبيب خبير في قضايا الأوبئة والجوائح، أستخدم عقلي ولا آخذ ما يقوله الآخرون كمسلَّمات، بل أنظر إليه بعين ناقدة، فليس في العلم تابوهات. لاحظتُ أن كورونتنا اجترحت استراتيجية "هايبرد" أي هجين بين التباعد والتقارب، أو بين مناعة القطيع والإغلاق التام، أسميتها "استراتيجية تسريح القطيع"، حيث تعمد إلى تسريح القطيع في النهار بحثاً عن الكلأ والماء والنار على حسابه الخاص، بعد أن كان الناس جميعاً فيما مضى شركاء في هذه الثلاث، وتزْرُبهم في الليل، فإن الليل أبو ساتر ومصدر الخوف والطمأنينة على حد سواء، وخُلوة لاستراحة المحارب والتفرغ لوضع الخطط والاستراتيجيات بعقل بارد.
********************* المشهد السادس: التعليم عن بُعد: قصة نجاح
(كبير خبراء في مجال التربية والتعليم يُطلُّ على تجربة التعليم عن بُعد): أنا الأستاذ الدكتور فاخر عاقل خبير التربية والتعليم في منظمة اليونيسكو ومدير مركز التربية الأساسية- حوارة، الذي تأسس في عام 1955، وهو الثاني من نوعه في البلدان العربية بعد مركز سرس الليان بصعيد مصر. وقد قدَّم المركز برنامجاً متكاملاً مدهشاً من الخدمات، دخلَ في عمق حياة الناس في عنقود القرى الست (حوارة، الصريح، الحصن، إيدون، بشرى وسال) الواقعة في منطقة إربد بشمال الأردن، وأحدثَ فيها فرقاً ملموساً. ويمكنني القول إن المركز حقَّقَ نقلة نوعية في حياة السكان وخلقَ حالة جميلة وبعث في نفوسهم الفرح. وشمل البرنامج أنشطة محو الأمية للكبار في صفوف ليلية، والمكتبة المتنقلة على ظهر شاحنة تجوب القرى الست لإعارة الكتب، والإرشاد الصحي والإرشاد الزراعي والأنشطة الرياضية والثقافية؛ ثم أُنشئت فيه دار المعلمين الريفية- حوارة لإعداد المعلمين الذين كانت البلاد بحاجة ماسة إليهم. كل ذلك قبل أن يتسرَّب تمويل مؤسسة فورد الأمريكية، ليتحول المركز في نهاية المطاف إلى موضة "كوميونيتي كوليج". لقد تابعتُ باهتمام كبير موضوع التعليم عن بُعد عندكم ورأيت العجب العُجاب. فقد بلغني قصة عائلة رزق الله الحامد من إحدى القرى الست التي كنتُ أُشرف عليها وأزورها باستمرار، وهو شيخ مُقعد كُسر ظهره نتيجة لطبيعة عمله كحجَّار، يعيش مع ابنته وحفيداته الخمس في دار مكوَّنة من غرفة واحدة سقفها من القُصّيب والجسور الحديدية التي جمَعها السكان من قضبان سكة حديد الحجاز التي كان قد فجَّرها تي إي لورنس، الشهير باسم لورنس العرب، في الحرب العالمية الأولى، وجدرانها و"سنسلة" الحوش المحيط بها مبنيَّة من الحجارة السوداء البركانية الموجودة في المنطقة منذ الأزل والتي كان قد كسَّرها بالمهدَّة في عزِّ شبابه. بيد أن البنات، اللائي يدرسن في مدرسة القرية الحكومية مصمِّمات على إكمال دراستهن الثانوية والجامعية لإيمانهن بأن التعليم يمكن أن يمدَّهن بحبل النجاة للخروج من تحت الأرض إلى فوقها. لكن المشكلة تكمن في أنه لا يتوفر لديهن كمبيوتر "بي سي" ولا "لاب توب" ولا "آي باد" ولا حتى موبايل، وليس لديهن "أكسيس للإنترنت" والمنصات التعليمية... فكيف يمكنهن الاستفادة من عملية التعليم عن بُعد؟ وقد أرسل لي أحد المعلمين رسماً كاريكاتورياً يلخِّص العملية التعليمية عن بُعد، إذ يصوِّر المعلم وهو يشرح الدرس على اللوح والأم تشاهده وتستمع إليه وتسجل المعلومات وتجيب عن أسئلة الاختبار والتقييم الذاتي بينما الأولاد مشغولون باللعب في زاوية أخرى من الغرفة. كورون نبيه 28: أنا عندي حل لمشكلة هؤلاء الطالبات يا دكتور فاخر: أقترح عليهن اللجوء إلى "التليباثي" أي ما يُسمى بالاستشعار عن بُعد، فهو يشبه التعليم عن بعد، أليس كذلك؟ دعوني أضرب لهن مثلاً من التاريخ العربي الإسلامي في قصة الخليفة الثاني عمر مع أحد قادة جيوشه واسمه سارية. ففي إحدى الغزوات أحسَّ عمر أن الجيش بقيادة سارية مُني بالهزيمة أمام العدو، فما كان منه إلا أن خاطَبه من مقره في مركز الخلافة بالمدينة المنورة: "يا سارية، الجبل.. الجبل" فسمعه سارية واتَّجه على الفور نحو الجبل، وبذلك استطاع سارية تحويل مجرى المعركة رأساً على عقب من هزيمة إلى نصر. الدكتور فاخر عاقل:(متجاهلاً الاقتراح) اعذروني يا أعزائي المشاركين، لا يمكنني الاستمرار في ورشة العمل هذه. انا منسحب، أنا عائد إلى مثواي.
********************* المشهد السابع: المانيفستو الكوروني العالمي
الميِّسر: (يظهر في وسط الدائرة مُعلناً اختتام ورشة العمل الكورونية) أحبائي الكورونيات والكورونيون، في ختام ورشة العمل الكورونية اللاتاريخية هذه أُعلن عن صدور المانيفستو الكوروني العالمي التالي، أين منه المانيفستو الشيوعي العالمي الذي كتبه كارل ماركس وفردريك إنجلز في عام 1848:
"شبحٌ يخيِّم على القارات الخمس، تداعتْ للتصدي له سائر الدول والشعوب، وباتت القوى العالمية كلها تعترف به كقوة قاهرة يجب أن يُحسب لها ألف حساب وحساب. ولذا فإنّ الكورونيين والكورونيات آن لهم أن يعرِضوا أمام العالم كله طرق تفكيرهم وأهدافهم واتجاهاتهم، وأن يواجهوا خرافة شبح الكورونية ببيان من جبل الأولمب الكوروني الأسمى نفسه: أيها القطيع البشري.. تباعدوا.. تقاربوا، تحابُّوا.. تباغضوا، تصاعدو.. تنازلوا، تفاءلوا.. تشاءموا..تشاءلوا (بالإذن من الروائي إميل حبيبي) تيامنوا.. تياسروا.. تواسطوا، تنافروا.. تجاذبوا، تضاحكوا.. تباكوا، تناصحوا.. تكاذبوا، تكالبوا.. تراخوا، تزاوجوا.. تطالقوا، تظاهروا.. تباطنوا، ترابحو.. تخاسروا، تقاتلوا.. تهادنوا،..قوموا..اقعدوا، ناموا..استيقظوا، إلى آخر الثنائيات في اللغة. هذا كله لا يهمُّ جبل الأولمب الأسمى بقشرة بصلة. المهم الوحيد هو أن تظل عجلة الاقتصاد الكوروني دائرة بلا توقُّف وأن يظل الأمن الكوروني مستتِّباً بلا منغِّص إلى ما لا نهاية، فالكوْرنة لا نهائية وحُكمها أزلي وجبل الأولمب الكوروني خالد.
يا كورونات العالم اتَّحدوا؟
(ظلام في المسرح. تُسمع أصوات بعيدة ودبيب أقدام وهمهمات خارج المسرح، لم يتَّضح بعد ما إذا كانت بشرية أم لا).
#أحمد_جرادات (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إجابات ملموسة عن أسئلة كبرى في الحقبة العرفية
-
خمسون شمعة لكتاب سوريا
-
بانوراما: في الثقافة والسياسة وشؤون أخرى[1]
-
عناقيد الأدب : يوميات الحرب والمقاومة
-
للتاريخ: مانيفستو استنكار وبراءة
-
هوامش على متن -هبَّة نيسان-
-
أبو علي مصطفى Versus أخو عليا وصفي: عنوان لنهاية وَطَنيْن
-
-كولاج- المطربة والرقيب: مشاهد وروايات
-
عناقيد الأدب: أنثولوجيا الحرب والمقاومة
-
في الدولة -الزومبي-: المهمة المستحيلة
-
الأوديسة السورية: أوراق ناديا خوست
-
في الحالة الرثة: عندما تصبح -شتَّى- بديلاً للهوية الوطنية
-
ربيع أمريكي ضد -الترمبية-: نظرية ما بعد الحقيقة
-
بطل تراجيدي إغريقي: ناهض حتر
-
سنتياغو الأردني: قصة موت معلن
-
أحمد جرادات - كاتب وشيوعي أردني - في حوار مفتوح مع القارئات
...
-
يد إلهية و سريالية الواقع الفلسطيني
-
فيلم - عُمر - ... قصة حب فلسطينية يحول من اكتمالها الاحتلال
...
-
فيلسوف الربيع العربي وجيفارا الثورة المضادة
-
الأممية الوهابية الثانية: -الجهاد السوري-
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|