أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - صبحي حديدي - أيقونة الوجدان الجمعي














المزيد.....

أيقونة الوجدان الجمعي


صبحي حديدي

الحوار المتمدن-العدد: 1594 - 2006 / 6 / 27 - 09:48
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


التسديدة الصاعقة، والفرصة الضائعة، وضربة الجزاء، والهدف المحقق... ليست وحدها اللحظات الأكثر درامية في مباريات كرة القدم التي يتابعها العالم هذه الأيام، إذْ لعلّ البرهة الأكثر إثارة للحماس، والأشدّ اكتظاظاً بالمعنى والجيشان المعنوي، هي تلك التي تسبق بدء المباراة، خلال الثواني المعدودات التي تشهد عزف النشيد الوطني لكلّ من الفريقين المتباريين.
ومن الثابت أنّ النشيد الوطني لأيّة أمّة هو أشبه بالعلامة الفارقة التي تميّزها عن سواها، والرمز الذي يعبّر عن هويتها الوطنية واستقلالها السيادي، تماماً مثل العلم الوطني أو أكثر قليلاً ربما. ويحدث مراراً أن يجهل الآخرون تصميم علم دولة ما، ولكنهم يحفظون موسيقى نشيدها الوطني بسبب عزفه في المناسبات الرسمية والإحتفالات والمباريات الرياضية بصفة خاصة. وفي معظم دورات كأس العالم لكرة القدم، يحدث أن يحفظ المرء جملة موسيقية واحدة على الأقلّ من الأناشيد الوطنية الخاصة بالأمم التي تأهلّت فرقها إلى النهائيات، ولعبت بالتالي مباريات اكثر أتاحت عزف نشيدها الوطنة مرّات عديدة.
غير أنّ النشيد الوطني هو، أيضاً، جزء من الذاكرة الجَمْعية للأمّة، بل يحتلّ صدارة عالية في الشطر الأكثر إثارة للمشاعر الوطنية الأعرض: الإستقلال (في حال الأمم التي كانت خاضعة للإستعمار أو الإنتداب أو الإحتلال)، أو تأسيس نظام سياسي جديد، أو نشوء الأمّة ذاتها بكلّ بساطة. وثمّة أناشيد وطنية ذات طبيعة خاصّة للغاية لأنها من نوع كفاحي ـ ملحمي عابر لمشاعر البلد صاحب النشيد، كما في مثال النشيد الوطني الجزائري الذي مضى زمن كانت فيه حناجر ملايين العرب تنشده وكأنها تؤدّي طقساً سحرياً لاهباً وملهباً للمشاعر.
وبهذا المعنى يتحوّل النشيد الوطني إلى أيقونة مقدّسة راسخة في الوجدان الشعبي، على نحو قد يبلغ من التجريد مبلغاً يستعصي تماماً على أيّة إمكانية لإدخال تبديلات أو تعديلات، وإنْ طفيفة شكلية تجميلية تطويرية، على النصّ الشعري الذي يصنع النشيد. أمّا اللحن ذاته فإنّ المساس به يصبح أقرب إلى انتهاك الذاكرة الجمعية، وجرح الذات الوطنية، وربما تشويه العلامة الفارقة التي شبّت عليها الأمّة. وباستثناء حالات محدودة للغاية، في الأنظمة الدكتاتورية بصفة خاصة، أو حين تنتقل الأمّة من طور إلى طور آخر مختلف تماماً (كما في جنوب أفريقيا بعد سقوط نظام الأبارتيد)، فإنّ الأناشيد الوطنية للأمم تظلّ ثابتة خالدة باقية، ما بقيت الأمّة.
ومنذ سنوات دار في فرنسا سجال لافت حول النشيد الوطني الفرنسي، وما إذا كان من الممكن ـ أو حتى من الواجب، والضرورة ـ تعديل بعض المقاطع في «المارسييز» الشهير. وخلفية السجال بدأت على يد الفنان والمغنّي والمؤلف الموسيقي الفرنسي أنطوان كابيلا، الذي حاول انتهاز فرصة حلول الألفية الثالثة لكي يطلق حملة المطالبة بتعديل بعض العبارات العنيفة والدموية والخشنة التي تجعل من «المارسييز» أنشودة حرب وتعطّش للدماء والثأر، وليس نشيداً وطنياً لأمّة تزعم أنها بلد الأنوار والتسامح وحقوق الإنسان.
والرجل كان يعرف أنّ اللحن أكثر قداسة (وعراقة، وتجذراً، وجمالاً في الواقع!) من أن يجاهر بتعديله أو اجتثاث بعض أجزائه من ذاكرة الفرنسيين، شيباً وشباباً. وكان، كذلك، يعرف أنّ قلّة قليلة من الفرنسيين هي وحدها التي ما تزال تنشد النشيد كنصّ وقصيدة، وأنّ قوّة «المارسييز» كانت وتظلّ كامنة في اللحن الموسيقي ذاته. قبل هذا السجال، كان السياسيّ اليميني المتطرف جان ـ ماري لوبين قد شنّ هجوماً مقذعاً على الأعضاء «الملوّنين» في الفريق الوطني الفرنسي لكرة القدم، لأنهم لا ينشدون «المارسييز» في المباريات الرسمية. ثمّ اتضح فيما بعد أنّ السبب لا يعود إلى قرار اللاعبين مقاطعة النشيد الوطني الفرنسي، بل إلى حقيقة أنّ معظمهم ــ ملوّنين وغير ملوّنين ــ كانوا لا يحفظون نصّ النشيد كاملاً، وأنّ الاكتفاء بتحريك الشفاه كان سيضعهم في موقف أكثر إشكالية من خيار زمّ الشفاه!
كابيلا دعا إلى تعديل الفقرة التي تحثّ على حمل السلاح ضدّ «الغزاة الأجانب المتوحشين» الهادفين إلى «جزّ رقاب أبنائنا ونسائنا»، وتدعو الجنود الفرنسيين الثوريين إلى «إغراق الخنادق» بـ «الدماء النجسة» للغزاة. حجّته أنّ هذه الفقرة لا تحرّض على العنف الأقصى فحسب، بل هي تتضمّن تلميحات عنصرية أيضاً (الأجانب، الدماء النجسة) قد تناسب الحاجات الثورية لعام 1795، ولكنها اليوم لا تتناسب مع القِيَم الجمهورية لفرنسا الحديثة. وهكذا ارتأى استبدال عبارات إراقة الدماء وجزّ الرقاب، بأخرى تتحدث عن «تألّق السماء اللازوردية» و«تفتّح الألوان في الريح». وأعدّ قرصاً مدمجاً (CD) يحتوي على كلمات النشيد الوطني المقترح، وزّعه على أعضاء الجمعية الوطنية (البرلمان الفرنسي) وعلى شخصيات ثقافية وفكرية وسياسية هنا وهناك، آملاً بنقل النقاش إلى مستوى عملي. كذلك نقل حملته إلى شبكة الإنترنيت، وحاول جمع تواقيع المواطنين على عريضة كبرى إلى رئيس الجمهورية والمجلس الدستوري، وأقام سلسة حفلات موسيقية أدّى فيها النشيد الوطني المقترح، برفقة كورال مهيب مميّز.
.. دون جدوى، حتى إشعار آخر! لقد ظلّ «المارسييز» حصّة الذاكرة الجمعية، بدليل أنّ 40% من الفرنسيين يقرّون بـ «دموية» النشيد، ولكن 7% فقط يوافقون على تغيير كلماته!



#صبحي_حديدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أحدث أطوار الاستبداد السوري: قطع الأرزاق بعد كمّ الأفواه
- بديل الكراهية
- صومال ستان، أو كيف تعيد واشنطن إنتاج الطالبان
- كاواباتا ضدّ ماركيز
- المعرفة السورية والنطاسيّ الغربي: ضحالة على ضحالة
- في ذكرى إميل حبيبي
- الحملة ضدّ المثقفين السوريين: حين يصبح البوق سوط الجهاز
- سينما دمشق
- الاستبداد السوري بوصفه ستراتيجية بقاء وسيرورة حفظ نوع
- اللآلىء والخنازير
- دومينو التفاح الفاسد في عوالم ما بعد الحرب الباردة
- حاوية العقارب والقردة
- جنبلاط وإخوان سورية: البقاء البسيط أم البقاء الأفضل؟
- أرخبيل النفاق
- سنة على الإنسحاب السوري من لبنان: أزمة تشتدّ ولا تنفرج
- فلسطين: الماعز أم التمساح؟
- قانا في الذكرى العاشرة: المجازر ومساكنة الذاكرة
- ...كلما ازداد الضوء
- محمد الماغوط: مناشدة البصيرة واستفزاز الباصرة
- إيران النووية: حاضنة التأزّم ومفتاح الحلول


المزيد.....




- فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN ...
- فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا ...
- لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو ...
- المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و ...
- الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية ...
- أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر ...
- -هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت ...
- رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا ...
- يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن 
- نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - صبحي حديدي - أيقونة الوجدان الجمعي