|
توظيف وسائل التواصل الاجتماعية الحديثة ...ورواية (بيرغامو) للروائي مصطفى القرنة
محمد رمضان الجبور
(Mohammad Ramadan Aljboor)
الحوار المتمدن-العدد: 6621 - 2020 / 7 / 17 - 13:29
المحور:
الادب والفن
توظيف وسائل التواصل الاجتماعية الحديثة ...ورواية (بيرغامو) للروائي مصطفى القرنة بيرغامو ، رواية حديثة للروائي مصطفى القرنة ، حملت الرواية أسم المدينة الإيطالية المنكوبة ، التي صارت بعد موت الألاف من سكانها رمزاً وعنواناً وحديثاً لعواقب جائحة كورونا التي فتكت بمئات الألاف من هذا العالم . فالرواية تتحدث عن هذا الوباء (الكورونا) الذي أصاب كل شبر في الكرة الأرضية ، وخلّف الدمار المادي والمعنوي لسكان الكرة الأرضية ، حتى بات الهاجس الأعظم لكل من دبّ على وجه الأرض . والحديث عن أدب الأوبئة ليس بالأمر الجديد على الأدب العربي والعالمي ، فالروايات التي تناولت موضوع الأوبئة كثيرة ، وكأننا من خلال هذه الروايات نؤرخ لمرحلةٍ ما ، ومن الروايات التي تناولت موضوع الوباء على سبيل المثال لا الحصر ، رواية (الطاعون ) للفيلسوف الفرنسي البير كامو ، رواية (الحب في زمن الكوليرا) لماركيز ، رواية (العمى) للكاتب البرتغالي ساراماغو ، ومن الروايات العربية رواية (الوباء) للكاتب السوري هاني الراهب وغيرها ، فقد احتلت الأوبئة حيزاً مهماً في الرواية ، فلا شك أن تجربة المرض والوباء تجربة استثنائية حركت الكثير من الأقلام . وتأتي رواية بيرغامو للروائي مصطفى القرنة لتنضم إلى ملف أدب الوباء أو روايات الوباء ، فهي تتحدث عن مدينة بيرغامو الإيطالية التي كانت من أكثر المدن والمناطق تضرراً ، ويحاول الروائي القرنة بأسلوب سردي جميل أن يصف هذه المدينة الجميلة وكيف جعل منها الوباء مدينة منكوبة تغص بألاف الجثث . المكان في رواية بيرغامو : اعتمد الروائي القرنة في روايته بيرغامو بالإضافة إلى الحدث الرئيسي – الوباء- على تصوير ووصف المكان ، وهذا لم يقلل من اهتمامه بالعناصر الأخرى ، الشخوص ، والزمان ، والحبكة ، إلا أن المكان كان له أهمية فالحديث عن مدينة بيرغامو الإيطالية ، فالمدينة المكان الرئيسي والواسع في الرواية ، ومن هذا المكان الكبير ، ينتقل بنا الروائي القرنة إلى أماكن أصغر ، فيشعر المتلقي أو القارئ أنه يتنقل بين أجزاء المدينة الواسعة التي ضربها الوباء ، يذكر أسماء شوارع ومتاحف وغيرها ، شارع دل جلوريا ، متحف روكا دي بيرغامو ، سان سيرو في ميلانو ( ستاد كرة قدم يقع في مدينة ميلانو الإيطالية ) ، ساحة بيازا فيكيا " أشتاق أن أسير بتلك الأنحاء – أتجول في بيازا فيكيا ، تلك الساحة المبهجة التي لم أعد أراها ، وامتع ناظري بتلك الجدران ، لن تسقط تلك الجدران يا بيرغامو ، ستعلو تلك الجدران – وستقاومين هذا الوباء اللعين ، كما قاومته بالأمس " من الأمكنة الهامة التي تظهر في أكثر من مكان في الرواية (المستشفى) ، فهي مكان عمل زوليا ، واحدة من الشخصيات الرئيسية في الرواية ، وهي تعمل في المستشفى ، المكان الذي يُنقل إليه المصابين بالوباء ، فالمكان في حركة دائمة بسبب تفشي الوباء وازدياد عدد المصابين ، وفي نهاية الرواية نجد زوليا قد أصابها المرض وارتفعت درجة حرارتها وفارقت الحياة ، وتغادر إلى محرقة المدينة التي غادر إليها الآلاف . توظيف وسائل التواصل الاجتماعي : لا شك أن التكنولوجيا فرضت هيمنتها على كل نواحي الحياة ، السياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها الكثير ، فالعصر الذي نعيشه الآن هو عصر التكنولوجيا بكل ما تعني الكلمة ، وأصبح الإنسان مجبراً على مجاراة ما يجري حوله من تقدم في وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي، فبعد ظهور الهواتف المحمولة النقالة ، صاحبها الكثير من تقنيات التواصل الاجتماعي ، الفيس بوك ، التوتير ، الواتس وغيرها . وفي الآونة الأخيرة ومع ظهور هذا الوباء الذي أصاب العالم بأسره ظهرت أعمال أدبية كثيرة تناولت الوباء ولكن ما يميز هذه الرواية عن غيرها من الأعمال هو توظيف وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي الحديثة في الرواية بشكل مُلفت وكبير ، فأبطال الرواية يتواصلون مع بعضهم البعض في كثير من الأحيان على صفحات القيس بوك ، وسوف نقف عند الكثير من مقاطع الرواية نستشهدُ فيها كيف وظف الروائي القرنة وسائل التواصل الاجتماعي كمادة روائية من بين عناصر البناء الروائي ، وقد وفق أشد التوفيق في ذلك ، فالحظر الذي فُرض على الناس بالتزامهم بيوتهم وعدم المغادرة مهما كانت الأسباب جعل من وسائل التواصل الحديثة الوسيلة الوحيدة والميسرة لتعبير عما يدور في أذهانهم . ومن هذه التقنيات التي وظفها الروائي القرنة في روايته ، الرسائل النصية كتبت زوليا رسالة نصية إلى كورونا _ واحد من الشخصيات الرئيسية في الرواية _ في بيرغامو لم يكن الصباح هو الصباح الشمس ترجع إلى الوراء قليلاً - تهيء نفسها للبدايات التي تنتظرها والعصافير تترك أشواقها على الأشجار .... رد عليها كورونا برسالة أخرى : ميلانو غيّرت شكلها وأصبحت شاحبة قليلا – الشوارع لم تعد تحيي العصافير ،الحدائق تنام باكراً ....." ومن الوسائل التي يوظفها الروائي القرنة في روايته لتناسب الفضاء الروائي للعمل ، الفيس بوك ، فهذا سيرافينو أحد الشخصيات في الرواية يكتب على صفحته الفيس بوك متأملاً معبراً عما يجول في نفسه . " كتب سيرافينو هذا المساء على صفحته على الفيس بوك : أيتها الممرات المرصوفة بالحصى أحبك ...أشتاق أسير بتلك الأنحاء- أتجول في بيازا فيكيا تلك الساحة المبهجة ......وقرأ سيرافينو التعليقات على ما كتبه " وفي موقع آخر نرى كورونا يكتب على صفحته : " كتب كورونا على صفحته شبه الفارغة من الأصدقاء : ربما نلتقي وربما التقينا وربما لم نلتق قرأتها زوليا واتصلت به وقالت له: - عليك أن تتفاءل . - لا يوجد مكان للتفاؤل لقد ماتت أمي . " فالروائي القرنة يوظف هذه التقنية في روايته بشكل واضح ، فهي جزء كبير من السرد ، وهي تناسب الجو العام للرواية ، فالعالم كله قد لزم البيوت ، لا مكان لأحد في الخارج . وحتى نفي الموضوع حقه ، لا بد أن نتتبع مواضع أخرى في الرواية وظف الروائي القرنة فيها وسائل التواصل الاجتماعي : ففي صفحة 71 كورونا يكتب على صفحته " وداعاً يا أمي ، سأودعك هنا ، متى أراك مرة أخرى لا أعرف ، سقط الكثيرون يا أمي . ولم تعد ميلانو مدينة الشمس المشرقة . " وفي صفحة 81 يكتب كورون على صفحته : " أفتقد الفرامل ، والمحركات ، والمقصات ، والمنشار الكهربائي ، وقاطع الأسلاك ورائحة الزيوت ، وصراخ الزبائن ، أفتقد أمي ، ولا أرى نهاية لهذا النفق . غضبت زوليا وكتبت له عندما رأت منشوره ولا تفتقدني " وصفحة 99 كتب سيرافينو على صفحته في الفيس بوك " عبر الفارس الأسود مساء هذه بوابة سان جاكومو مضى إلى الجبال . أعد الجبال جبلاً جبلاً . التلال السبعة تفقدها وراقب المدينة جيداً .|" لقد استطاع الروائي القرنة توظيف هذه التقنية بأسلوب جميل ، ساعد في نقل المتلقي إلى الأجواء الحقيقية لهذه المدينة المنكوبة ، فجاء في بعض مقاطعها اهتمامات بعض الناس ، فهناك من كان يتابع دوري كرة القدم الإيطالي رغم وجود ذلك الوباء ، وقد عزا الروائي القرنة انتشار المرض وتفشيه في المدينة حضور تلك المباراة ، وتبقى هذه الرواية من الروايات التي أجاد كاتبها في وصف دقائق الأمور لهذه المدينة (بيرغامو) أثناء تفشي وباء كورونا بين سكانها .
#محمد_رمضان_الجبور (هاشتاغ)
Mohammad_Ramadan_Aljboor#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إطلالة على كتاب ( قرية العبيدية ) للأستاذ / أحمد محمد علي خل
...
-
الشخصيات والجانب السياسي في رواية ( الشيطان يخرج من أزمير )
...
-
صورة اليهودي والجانب السياسي في رواية (الشيطان يخرج من أزمير
...
-
عتبات النص في رواية ( خُلق إنساناً) شيزوفرينيا للروائية / عن
...
-
الواقع والخيال في رواية (هاربون من كورونا)
-
شعبيات
-
مدخل إلى رواية فئران لاغوس
-
محمد المشايخ و معجم القاصين والروائيين الأردنيين
-
انحناء
-
صورة المرأة في رواية ( وغادرتني) للروائية سلافة فتحي الاسعد
-
الاستيطان اليهودي في فلسطين / ضياع الأرض وتقويض الحلم الفلسط
...
-
ظلال الرمز في قصص محمد رمضان الجبور
-
قراءة في مجموعة (مسافات) للقاص والاديب سمير الشريف
-
وصول
-
البعد الاجتماعي والنفسي في رواية (شيء من الحب) للروائي/موسى
...
-
بناء الشخصية والبعد التاريخي في رواية( الشيطان يخرج من أزمير
...
-
الأبعاد الاجتماعية والنفسية والرومانسية في رواية (خيمة مشرعة
...
-
شوق وعناق /قصة قصيرة جدا
-
ثنائيات السرد في رواية (شَمتو) للروائي مصطفى القرنة
-
المكان في رواية (المدرج الروماني) للروائي مصطفى القرنة
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|