ابراهيم سبتي
الحوار المتمدن-العدد: 1594 - 2006 / 6 / 27 - 09:44
المحور:
الادب والفن
هل تفز المدينة من نومها هذا الليل؟
يجري كشهاب يلاحق دمعة مذعورة ليردها إلى محجرها، فيلعن قدميه اللتين لم تعرفا قوانين الجري الصارم.. الجري اللاهث دون توقف، لا أحد يركض معه، فالمدينة نائمة.. هو وحده شريد في شوارع هرمة غارقة في نشوة الليل الذائبة تحت أجساد مجهدة تنام في فرشها كصرعى في معركة.. يتصاعد خواره.. يتقافز بين الشوارع والأزقة. لا توقف.. لهاث دائم، خلسة ينظر إلى حافة الطريقٍ، يمد رأسه من زقاق مجاور.. لا أحد هناك.. الطريق خالية في هذه الساعة من الليل.. اقترب يمشي على أطراف أصابعه.. وصل إلى المكان.. صرخ.. الرجل الميت كان هنا.. جلس في ذات المكان فحلقت في فضائه أسراب الحيرة والقلق، أصابه الوجوم لكنه قرر العودة والبحث عنه في وقت آخر..
كانت أمواج الوحل تتلاطم في شوارع أصابها نزيف الشتاء العنيف.. السماء غادرتها النجوم وتوارت خلف غيوم سود يزيد من رهبتها الرعد المتقطع والليل البارد، فيتطافر الناس إلى ملاذاتهم لاقتناص لحظة انتشاء عذبة مداها لا يتعدى إغفاءة عين تعبى من زحام الوحل والناس.. في الصباح كان الناس يسيرون بجانب رجل افترش حافة الطريق المزدحم وهو يلملم الأوراق النقدية المتناثرة حوله.. يعدها.. مرة ومرات يضعها في جيبه بأصابع مرتعشة هزيلة.. في برودة الليل الموحش يواصل الرجل المذعور بحثه في كل الشوارع.. يرتدي معطفاً ثقيلاً بالياً.. كل الأنفاس خامدة فيظل وحده يركض.. يصرخ يسقط في الوحل، ينهض.. ينظر إلى السماء الملبدة بغيوم الرهبة.. لم تفز المدينة من نومها، فتطفر دمعته، الشارع فارغ تماماً لا أحد يشاطره وحدته.. لا أحد يبحث معه.. المدينة نائمة هاجعة، صرخ ثانية.. الرجل الميت لم يعد في مكانه.. هل حملوا جثمانه ودفنوه في أطراف المدينة!
-خسارة تمنيت أنا الذي أفعل ذلك..
دار حول نفسه رافعاً ذراعيه إلى السماء وكأنها علقت بخيط نازل من غيمة سوداء، يدور وتدور معه الغيمة، فيبتعد ويبكي بحرقة رجل هائج، يسقط في الوحل فوق بركة ماء راكد فيتلطخ معطفه اللاصق بجسده الهزيل.. صباح، كان المارة ينظرون بأسى إلى الرجل المرتجف الذي يرتدي معطفاً رثاً يرسل بصره أمامه حيث تناثرت حوله الأوراق النقدية المبللة..
#ابراهيم_سبتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟