كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي
(Kamal Ghobrial)
الحوار المتمدن-العدد: 6619 - 2020 / 7 / 15 - 20:40
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الحرية كلمة محبوبة ومخيفة معاً. . يأمل الإنسان أن يكون حراً، ويرهبه ما قد يترتب على هذه الحرية من نتائج ومسؤوليات يحملها الحر على عاتقه.
كان الإنسان حراً تماماً في بداية وعيه. حين كان يجول منفرداً يلتقط غذاءه من الثمار المتساقطة من الأشجار. أو يتمكن من الإمساك بحيوان يأكله نياً، أو يشويه بعدما عرف كيف يوظف النار ويتحكم فيها.
كان الإنسان في هذه المرحلة حراً يتحرك ويفعل ما يشاء، بقدر ما تسمح به إمكانياته. هناك أيضاً في الكون النيازك التي تنطلق في الفضاء، غير مقيد بجاذبية، تجبرها على الانتظام في مسار محدد، كتلك الكواكب التي تشكل مجموعتنا الشمسية، والمرتبطة بالشمس خاضعة لجاذبيتها.
عندما بدأ الإنسان في الارتباط بأنثى وتأسيس أسرة، تخلى عن بعض من حريته، ثمناً للتنسيق مع الآخر الذي ارتبط به. وتزايد حجم ما يتخلى عنه من حريته الفردية، مع ازدياد أعداد من يرتبط بهم بعلاقات، مع تشكيل مجموعات أسر ثم قرى فمدن فأوطان.
يحتاج الإنسان الفرد للحرية ليشبع ميوله الطبيعية. ومع نموه وعيه صار يحتاج الحرية ليحقق بها ذاته، ويترجم رؤاه للوجود إلى واقع يعيشه.
وتحتاج المجتمعات للحرية، لترضي ميول أفرادها أولاً. ولتستفيد من إنتاج ملكاتهم الإبداعية التي تتيحها الحرية ثانياً.
في المقابل تضع المجتمعات قيوداً على حرية الفرد، تلزمه باحترام "العقد الاجتماعي"، الذي يهدف لحفظ كيان الجماعة من الانفراط، ومن الفوضى، أو العودة إلى الحياة الفردية، التي يفقد فيها الأفراد ما حصلوا عليه من مميزات بحياة الجماعة المتعاونة.
لكن إذا تضخمت القيود الاجتماعية والقانونية والضغوط الثقافية على حرية الفرد، بأكثر مما يلزم لحفظ كيان المجتمع وحقوق أفراده وتنظيم علاقاتهم، هنا يكون الاستبداد المجتمعي والسياسي والثقافي. هنا ينسحق الإنسان، ويصير كهيكل خشبي، سواء باسم المجموع أو باسم الوطن أو باسم الإله.
الحرية في المجتمعات الحديثة معادلة دقيقة، تحفظ توازناً بين حرية الفرد ومتطلبات حفظ الجماعة، وجنوح المعادلة بلا انضباط محسوب لأي من الجانبين، يؤدي لاختلالات مدمرة للإنسان وللحضارة.
#كمال_غبريال (هاشتاغ)
Kamal_Ghobrial#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟