|
مذكرات إله متعب جدا 2
روزا باركس الثانية
الحوار المتمدن-العدد: 1593 - 2006 / 6 / 26 - 11:34
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
مخلوقاتي المرتبكة...أتذكروني؟؟ أنا إله الذكور، اعرف أني أطلت الغياب، لكني حقيقة انشغلت عنكم بكم. أنا لازلت متعبا معكم ومن أجلكم، ولازلت مخذولا منكم وبكم. وأكثر ما ينهكني ومرات يبدد أملي فيكم ..هو جهلكم المطبق لأسباب وجودكم..وكيف أنكم تلوكون القيم والمُـثل الإنسانية وتجترونها كل يوم، بينما قلوبكم تقطن في منفى الجشع.. ترفعون رايات وشعارات لا تؤمنون بها وتستمرون في خداع الطيبين منكم.. انا لن أتحدث عن ذاك الخذلان في هذا المقام .. سأتركه لزمن آخر.. مخلوقاتي المشتتة..الذي أود أن أعلمكم به الآن هو أني عقدت عدة لقاءات مع إلهة الإناث، وتداولنا معا قضايا الارتباك التي تكابدونها، ومثل أي إلهين حرين، اختلفنا واتفقنا على أمور تعنيكم، لذلك رأيت أن أصارحكم بها في هذه الحلقة من مذكراتي. دخلت الاجتماع مع إلهة الإناث وأنا مسلح بحجة، لأن هذا هو المنطق لمن يحمل في هامته ذهناُ منفتحأ. طرحت حجتي أمام إلهة الإناث وقلت: لدي نظرية عن أزمة الكوكب، وأجد أنها قريبة للصواب وهي : إن مخاوف البشر القديمة خاصة لدى الذكور منهم، هي المسببة للصراعات والنزاعات والحروب والقتال والخراب والفساد والتراجع الإنساني الذي نراه اليوم في أرجاء الدنيا، مخاوف متوارثة بين البشر مثل الخوف من الموت، والخوف من المرض، ومن الجوع ، ومن الأقوى، ومن المجهول، ومن اللا انتماء، واللا حب، واللا أمن، والخوف من الغريب، ومن التغيير ومن كل شيء لم يجدوا له بعد تفسيرا حقيقيا ومنطقيا في عالمهم. تلك المخاوف ولـدِت مع البشر وعششت في أذهانهم لقرون سحيقة، ومازالت تتوهج وتنمو وكأنها وليدة اليوم. انه لهاجس مقلق وموجع جدا بالنسبة للإنسان أنثى كان أم ذكرا، أن يشعر انه قد يتهشم بتلك المخاوف، وتتفتت عظامه وتضمحل روحه في أية وقفة لأي واحدة من عقارب ساعته. ربما حين قُمنا أنا وإلهة الإناث بصنع مخلوقاتنا، لم نـُدرك أبدا مدى ألم الخوف الذي تحس به تلك المخلوقات لأننا لم نعشه قط ..ألم اقل لكم ان الآلهات تـُخطئ في حساباتها احيانا؟؟ لكن كما ذكرت سابقا لا وجود لخط رجعة الآن، لأن "القوة الخارقة" تلفظت بكلمة "كن"، وكل ما هو موجود حتى اللحظة كان، وليس هناك كلمة يا مكان في حكاية الخَـلق. وعودة لحيثيات الاجتماع الذي جرى بيني وبين إلهة الإناث، لقد شرحت لها أن تلك المخاوف دفعت الذكور أكثر من الإناث، بحكم أنهم ذوي القوة الجسدية الأكبر والشدة في المواقف، أن يبحثوا عن حلولا مادية لها وليست بالضرورة مقنعة. أجابت إلهة الإناث :لكن لم تكن الحالة تستدعي لفرض عضلات ولا فتل شوارب، كانت تحتاج للتروي والتفكير والتحليل ومعالجة الأسباب لا النتائج، لكن للأسف ذاك لم يحدث، بدليل أن الوضع على الكوكب يسوء يوماُ بعد يوم، والمخاوف تتفاقم أكثر فأكثر في أذهان الناس. لم استطع أن أنكر ذلك، لكني واصلت بنبرة إله قليل الخبرة بطرح حجتي وقلت لها: لننظر إلى الأشياء بعيون البشر وبمشاعرهم المتقلبة، ولندرس تلك الأمور التي زَرَعَت في أعماقهم الرهبة والرعب. لنأخذ أعظم مخاوفهم وهو الموت. لماذا يا ترى يخشى البشر الموت وهم موجودون أصلا منذ فجر التاريخ وحتى اليوم؟ أجابت إلهة الإناث: يخشونه لأنهم لا يدركونه، ولا يفقهون أن الأحياء لا يموتون أبدا، فهم سلسلة من حلقات سرمدية طويلة الأمد. البشر لم يتوصلوا لفك ذاك اللغز، لذلك اختاروا فكرة العودة، المفهوم لديهم أن كل من يذهب لا بد أن يعود، وأن كل من يرتفع لا بد أن يسقط، وأن كل من يتحرك لا بد أن يقف، وأن كل من يكبر لا بد أن يشيخ، وأن كل من يدفن لا بد ان يٌبعث، وأن كل ما يُورق لا بد ان يذبل، وأن كل مَن يـُولد لا بد أن يمـوت... خرافات البشر تلك جميـعها تنم عن قصور في العقل، لذلك جميعها تحولت إلى غش ذهني متداول عبر الأجيال... توقفت إلهة الإناث لبضع ثواني ربما كانت قرونا بحساباتكم انتم البشر ثم واصلت قائلة: مخلوقاتنا تنسى دائما أنه لم يفنى شيء قط ولا ثمة شيء أُستحدث من العـَدَم... صرت أهز رأسي وأقول لها: نعم ..لا يـُدركون أن جميع موتاهم منذ أول جد إلى الأخير.. يعيشون بجانبهم، يظهرون مع بزوغ كل صبح، ويتهادون بين وريقات الزهر، وينبتون في جذوع الشجر، ويتكاثرون في داخل حبيبات الرمل وفي عروق العشب، ويحلقون مع رفرفات أجنحة الفراشة والطير، ويتأملون مع حركة الريشة والقلم، ويتوهجون في شهقات الحب والشبق، ويشعّون في بريق دمعة اليتيم المعدم، وينوحون مع الأمهات الثكالى، ويتجددون عند زفرات الولادة، ويكابدون مع سكرات الموت، وإنهم يترنمون بدق كل نبض، في كل قلب، لأي كائن يدب وينمو على هذا الكوكب... إلى هذه النقطة من الحوار ونحن كنا نتبادل نفس النغم...ثم اندست الحيرة بيننا مرة أخرى وعدنا نفكر بأمر خراب الكوكب.. وكيفية معالجته... لنرجع بهمة لتحليل شيء أيضا من الصعب علينا نحن الآلهة أن نفهمه، وهو المرض. قلت لرفيقتي إلهة الإناث: ماذا عن سقم البدن أو سقم النفس أو ربما سقم الاثنين معا...؟ ماذا لو أننا خلقناهم بمناعة الصخر..؟.أو بقوة الحديد الصلب.. ؟ أو بجبروت صحاريهم الممتدة التي لا يقوى على قهرها الدهر..؟ ألا ترينَ معي أن ذلك لو كان قد حصل، لكان أفضل؟؟ ابتسمت إلهة الإناث بنعومة وقالت : هم أصلب من كل ما ذكرت.. المرض لو أصاب الصخر، أو الحديد الصلب، أو الصحاري الممتدة لما بقي لها اثر... ألا تنحت الرياح الصخر وتغير معالم الصحاري، لكنها تعجز أن تفعل الشيء نفسه مع البشر؟ ألا تصيب الرطوبة الحديد بالصدأ لكنها بردا وسلاما على أجساد الخَلق؟ أجبتها: فعلا .. كيف إذن نعلمهم أن المرض هو الجسر الذي يشيـّده الجسد ليعبر ويصل لماهيته .. ومن ثم تتجلى فيه النفس .. ومن بعدها ترقى به الروح إلى الأعالي والى درجات رهيفة كحلم قمر مكتمل في ليل معتم... صمتنا معا وعبرت بيننا لحظة تأمل وإذا بمَلَك يمر وينادي على إلهة الإناث... التفتت إلي وقالت: هناك أمر ينتظرني أخبرتك عنه من قبل ..لقد حان الوقت كي ارحل..لا بد أن نتوقف، وسنكمل معا البحث في مخاوف البشر في لقاء آخر.. نهضت وهي تتحدث قائلة: اسمح لي أن أسألك قبل أن أغادر، عن فكرة راودتني كثيرا عن البشر وهي: هل ممكن أن نجعل منهم كائنات تـُقدم قبل أن تحسب ما هو المردود أو المقابل..؟؟ هل هم في حاجة الى التفتيش عن مفهوم جديد..؟ مثلا خلق تـَوجَّه لديهم الى انه ثمة افعال بلا ردود فعل ... أتصور أن هذه التوجه مفقود في التركيبة الكونية بكل ابعادها، وربما فقدانه ساهمَ فيما يجري لكوكبنا اليوم...ودفعنا أن نعقد اجتماعات مثل هذه لكي نتباحث في إمكانية تصحيح ذاك الخلل... عموما هي فكرة دعنا نلتقي على ضوءها قريبا...وداعا... أجبتها بهدوء النجم وبدهشة طفلة صغيرة للتو بدأت تتحسس العالم وقلت: نعم .. ربما...وداعا... حملت إلهة الإناث نفسها وخرجت وانتهى اللقاء.. وبقيت جالساٌ استرجع ما قلناه معا، أحاول أن أجد حلولا لأزمات مخلوقاتي الذكور بل لكوكب بأسره...مع اني مؤخرا صرتُ اشعر أن الزمن لم يعد حليف الذكور بقدر ما هو حليف للإناث، فقد فقدوا ذكوري جميع السبل المؤدية للعيش بهدوء وتمعن... أصبحتُ أخشى عليهم منهم...بل على العالم.. آآآه..أنا من صنَعـَهم بهذا النمط..وهذا ما يجعلني أحس دائما بأني إله متعب جدا... استودعكم أنفسكم ولي حديث معكم لاحقا...
#روزا_باركس_الثانية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فرحة عارمة.. هل سيتم زيادة منحة المرأة الماكثة في البيت الى
...
-
مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %
...
-
نيويورك تلغي تجريم الخيانة الزوجية
-
روسيا.. غرامات بالملايين على الدعاية لأيديولوجيات من شأنها ت
...
-
فرنسا: مئات المنظمات والشخصيات تدعو لمظاهرات مناهضة للعنف بح
...
-
السعودية.. إعدام شخص اعتدى جنسيا على أطفال بالقوة وامرأة هرب
...
-
تطبيق لتوزيع المهام المنزلية وتجنب الخلافات داخل الأسرة
-
-دعت إلى قتل النساء الفلسطينيات-.. أستراليا ترفض منح تأشيرة
...
-
مشهد يحبس الأنفاس.. شاهد مصير امرأة حاصرتها النيران داخل منز
...
-
السعودية.. الداخلية تعلن إعدام امرأة -تعزيرا- وتكشف عن اسمها
...
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|